هل الميت يسمع من يزوره

هل الميت يسمع من يزوره، القبرُ هو أول منزلة من منازل الآخرة، وقد ترك الله -جلّ علاه- مرحلة القبر مرحلة غامضة غيُر معلومة الأحوال، لحكمة له سبحانه في ذلكَ، فهي من الغيبات التي لا علم إلا لله -سبحانه- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- بها، ومن خلال موقع المرجع سنتعرفُ بشكل تفصيلي أكبر حول حياة القبر بما ورد من أدلة قطعية من كتابه سبحانه وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.

هل الميت يسمع من يزوره

تعددت آراء العلماء في سماع الميت لمن يزورهُ في قبرهم، على النحو الآتي:

القول الأول: صحة سماع الميت

ذهب جمهور من العلماء إلى صحة سماع الميت في قبّره، وقد استدلّ أصحاب هذا القول بما ذهبوا إليه بالأدلة الآتية:

  • الدليل الأول: ما جاء في الصحيحين، أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- قال عن الميت إذا تركه أهله بعدما دفنوه: (إنَّ الميتَ إذا وُضِعَ في قبرِهِ، إنّهُ ليسمَعُ خَفقَ نِعالِهمْ إذا انصَرفوا، وفي روايةٍ: إنَّ العبدَ إذا وُضِعَ في قبرِهِ، وتَولّى عنهُ أصحابُهُ)[1]، وفي هذا الحديث إشارة واضحة إلى أن الميت بعد أن يوضعَ في قبره، ثم يغادر أهله القبر، فإنه يسمع صوت نعالهم.
  • الدليل الثاني: ما ورد في حديث خطاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لقتلى بدر من المُشركين، فقد ورد في الصحيح: (أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ترك قتلى بدرٍ ثلاثًا، ثمّ أتاهم فقام عليهم فناداهم، فقال: يا أبا جهلِ بنَ هشامٍ! يا أميّةَ بنَ خلفٍ! يا عتبةَ بنَ ربيعةَ! يا شيبةَ بنَ ربيعةَ! أليس قد وجدتم ما وعد ربُّكم حقًّا؟ فإنّي قد وجدتُ ما وعدني ربي حقّاً، فسَمِع عُمَرُ قول النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقال: يا رسولَ اللهِ: كيف يسمعوا وأنّى يُجيبوا وقد جِيفوا؟ قال: والذي نفسي بيدِه ما أنتم بأسمعَ لِما أقول منهم، ولكنّهم لا يقدرون أن يُجيبوا، ثمّ أمر بهم فسُحِبوا، فأُلقوا في قليبِ بدرٍ).[2]
  • الدليل الثالث: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يأمر الصحابة بالسلام على أهل القبور، مما يدل على أنهم يسمعون كلامَ الأحياء، ودليل ذلك: (ما من أحدٍ يُسلِّمُ عليَّ، إلا ردَّ اللهُ عليَّ رُوحي، حتى أَرُدَّ عليه السَّلامَ).[3]

القول الثاني: عدم صحة سماع الميت

ذهب إلى هذا القول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، والسيدة عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-، وتوضيحهُ فيما يأتي:

  • أنكرت السيدة عائشة -رضي الله عنها- مسألة سماع الميت للحي، وقد وافقها في ذلك جماعة من الحنفية، وبعضًا من العلماء المعاصرين، مثل: ابن باز، وابن عثيمين، وغيرهما، وقد استدلت السيدة عائشة على ما ذهبت إليه بقوله تعالى:(إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَىٰ وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ)[4]، وبقوله تعالى: (وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ)[5]، أما ما حدث مع النبي في معركة بدر، فقيل أنه معجزة خاصة بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، وأن ذلك لا يصدق على غيره من الخلق، وأما حديث (يسمع خَفق نِعالهم حين يولّون عنه)، فقالوا: بأن هذا الأمر خاص بالميت عندما يوضع في القبر مباشرة، فإن الروح تعود إليه حتى يحاسبه الملكان.

شاهد أيضًا: هل الحداد على الميت يعذبه في القبر

ما يحدث للميت في القبر

ثبت في أدلة قطعية من القرآن الكريم والسنة النبوية أن الميت إذا ما دخل قبره فسيتنقل بين عدة مراحل ما بين النعيم والعذاب، حسب ما نشأ عليه في الحياة الدنيا من العمل الصالح والطاعة لله -جل علاه-، أو من المعصية والكفر والعياذ بالله، وفيما يأتي بيان بعض ما يمر به الميت في قبره من النّصوص الصّحيحة في القرآن والسنة:

  • ثبت أن الله -سبحانه وتعالى- يثبت من آمن به على الحق والإيمان إذا مات ودخل قبره، فإذا أتاه الملكان الموكلان به ليحاسباه، نطق بما كان عليه من الإيمان والتّقوى، قال الله تعالى:(يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ).[6]
  • بعد أن ينزل الميت في قبره، ويطمر بالتراب، يأتيه ملكان من عند الله -سبحانه وتعالى-، فيقعدانه ويهيئانه للحساب، فيسألانه عن ربه وعن دينه، وعن إيمانه بسيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، فأما المؤمن الصادق في اعتقاده فيجيب بثقة وثبات على جميع ما يسألانه، أما المنافق أو الكافر فإنه لا يجد إجابة لأي سؤال سألاه عنه فيقول: هاه لا أدري، وذلك لضعف إيمانه وتعلقه بالدنيا، وبعد هذه الأسئلة يبين له موقعه حسب إجابته، فإما إلى الجنة وإما إلى النار، ويبدأ بعدها عقابه في القبر تمهيدًا لعرضه على الله يوم القيامة.
  • يبدأ عذاب القبر ممن استحق العقوبة بعدة مراحل، ومن تلك المراحل، أنه يرى مقعده في النار كل يوم، فيعلم مصيره ببعده عن الله، وإقباله على أهواء الدنيا، قال تعالى: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا)[7]، أما المسلم الحق، فإنه يتعذب بقدر ما أذنب في الدنيا حتى تزول الذنوب، فإن زالت الذنوب زال العذاب، وكما للقبر عذاب فإنه نعيم لأهل الإيمان والتقوى والعمل الصالح.

إلى هنا نكون قد وصلنا إلى نهاية مقالنا هل الميت يسمع من يزوره، حيثُ سلطنا الضوء على ماذا يحدث في القبر، والأقوال التي جاءت في صحة سماع الميّت للحي.

المراجع

  1. صحيح مسلم , مسلم، أنس بن مالك، 2870، صحيح
  2. صحيح مسلم , مسلم، أنس بن مالك، 2874، صحيح
  3. صحيح أبي داود , الألباني، أبو هريرة، 2041، حسن
  4. سورة النمل , الآية 80
  5. سورة فاطر , الآية 22
  6. سورة إبراهيم , الآية 27
  7. سورة غافر , الآية 46

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *