حكم إقامة الوليمة للعرس

حكم إقامة الوليمة للعرس من الأحكام الشرعية التي يبحث عنها الكثير من المسلمين، وخاصّةً المُقبلين على الزّواج أو لديهم أبناء يرغبون بتزويجهم، فالشريعة الإسلاميّة لم تترك أمرًا في حياة المسلمين إلا ونظّمته وحدّدت أفضليّته وبينت كلّ أحكامه، والزّوج من أعظم الأمور وأهمّها في تاريخ البشريّة، فهو السبيل والسبب الأول لاستمرار الحياة على الأرض حتّى يشاء الله، وقد جعله الله مودّةً ورحمة بين الأزواج، ومن مظاهر الزواج أو عرس الزواج الولائم، وهي ما سيتحدّث عنه موقع المرجع في هذا المقال ويبيّن حكم إقامة الولائم في الأعراس.

معنى وليمة النكاح

قبل معرفة حكم إقامة الوليمة للعرس سيتمّ تعريف الوليمة وبيان معنى وليمة النكاح أو وليمة العرس، حيث إنّ الوليمة في اللغة تعرف أنّها من الوَلِم، والولم هو الاجتماع، ويُقال وليمة لاجتماع الزّوجين بعقد الزّواج، وعندما تقول العرب أولم الرّجل فالمقصود اجتماع عقله وخلقه، وتُعرّف الوليمة اصطلاحًا أنّها اسم الطّعام في العرس خاصّة، وهو اسمٌ يُطلق على كلّ طعامٍ يُتّخذ لسرور، ويستخدمها العرب في طعام العرس على الإطلاق وفي التّقييد على غيره من الطّعام. [1]

شاهد أيضًا: حكم تجميد البويضات

حكم إقامة الوليمة للعرس

إنّ حكم إقامة الوليمة للعرس مُختلفٌ فيه بين أهل العلم في قولين بين سنّةٍ مؤكدة وبين أنّها واجبة على المسلم، وكان اختلاف أهل العلم بسبب تفسيرهم للأدلّة والبراهين الواردة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لكنّهم لم يختلفوا أنّ إقامة الوليمة للعرس أمرٌ مشروعٌ للمسلمين ولكنّ اختلافهم كان في حكمها، وأقوال أهل العلم يتلخّص فيما يأتي: [2]

• إقامة الوليمة للعرس سنّةٌ مؤكدة: وهذا القول كان لجمهور العلماء والفقهاء، منهم الأحناف والشّافعية والحنابلة، وقد اعتمدوا في قولهم على الكثير من الأدلّة من السّنة النّبوية الشّريفة، منها ما رواه الصحابي الجليل أنس بن مالك -رضي الله عنه- حين قال: “ما رَأَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أوْلَمَ علَى أحَدٍ مِن نِسَائِهِ ما أوْلَمَ عَلَيْهَا، أوْلَمَ بشَاةٍ”. [3] ومنها ما ورد أنّه أولم بمدين من شعير فهي محمولةٌ على الاستحباب لأنّه لم يُحدّد مقدارها، فلو حُدّد مقدارها كما في غيرها من الأمور، لكانت واجبة أمّا هي فمستحبّة إظهارًا للفرح بأنعم الله سبحانه وتعالى.
• إقامة الوليمة للعرس والنكاح واجبة: ومنه قولٌ للشافعية والمالكية وأخذ به الشوكاني والألباني، واستدلالهم على قولهم كان بما رواه الصحابي الجليل أنس بن مالك -رضي الله عنه- حين قال: “أنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عَوْفٍ، جَاءَ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وبِهِ أثَرُ صُفْرَةٍ، فَسَأَلَهُ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأخْبَرَهُ أنَّه تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الأنْصَارِ، قالَ: كَمْ سُقْتَ إلَيْهَا؟ قالَ: زِنَةَ نَوَاةٍ مِن ذَهَبٍ، قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أوْلِمْ ولو بشَاةٍ”. [4] فظاهر الحديث أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- أمر بالوليمة فبهذا الظّاهر وجبت، ثمّ إنّه لم ينكح قطّ إلا أولم في ضيق أو في سعة.

 شاهد أيضًا: حكم دعاء غير الله تعالى من الأولياء والصالحين

حكم إجابة الدعوة إلى وليمة العرس

بعد معرفة حكم إقامة الوليمة للعرس سيتمّ بيان حكم إجابة الدعوة إلى وليمة العرس، وهي واجبة على المسلم، حيث ينبغي عليه أن يُجيب إذا دعي إلى وليمة، وهو قول جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة وبعض الأحناف، والأدلّة على ذلك كثيرة من السّنة النّبويّة الشريفة، وكذلك في المأثور عن أصحاب النّبي -صلى الله عليه وسلم- فقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -عليه الصلاة والسلام- قال: “شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الوَلِيمَةِ، يُمْنَعُهَا مَن يَأْتِيهَا، وَيُدْعَى إِلَيْهَا مَن يَأْبَاهَا، وَمَن لَمْ يُجِبِ الدَّعْوَةَ، فقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ”. [5] فالحديث لا يقبل التّأويل بعكس ظاهره الذي يحثّ ويأمر بحزم إجابة الدّعوة، فمن لم يُجب فقد عصى الله ورسوله والعصيان لا يكون إلا بترك الواجب. [6]

حالات عدم وجوب إجابة الدعوة للوليمة

إنّ إجابة دعوة وليمة العرس واجبة على كلّ مسلم مدعو إلا بوجود عذرٍ شرعي يمنعه من الإجابة والحضور، ومن تلك الأعذار والحالات التي تبيح للمسلم عدم إجابة دعوة الوليمة ما يأتي: [7]

• أن يكون في دعوة الوليمة مُنكر لا يحلّله الشّرع، فلا ينبغي للمسلم أن يحضر مثل هذه الولائم، وقد حُرّم الجلوس بحضور منكر لا يقدر الإنسان على إزالته.
• بعد مكان الوليمة والذي يجلب للمدعو المشقّة الكبيرة للوصول إليه فيسقط الوجوب في ذلك.
• إذا كانت الوليمة لكافر، فأجابه الوليمة مُراده الإكرام والموالاة وهذا لا يكون في حقّ غير المسلم.
• إذا عرف المدعو أنّ مال الدّاعي للوليمة يشمل مالًا حرامًا فتسقط عن إجابة الدعوة.
• ولو كان الدّاعي قد أقام الوليمة للأغنياء دون الفقراء أو للمباهاة والافتخار فلا يجب أن تُجاب دعوته لما فيها من الإساءة في المقصد.
• وإذا اعترض تواجد وليمتين في زمانٍ واحد فإنّه يجب إجابة الأسبق في الدّعوة ويسقط وجوب إجابة الثانية.
• ولا يجوز للمرأة الخروج من بيتها إلا بإذن زوجها فإن لم يأذن لها بالخروج للوليمة سقط عنها وجوبها.

وقت وليمة العرس

بعد معرفة أن أهل العلم اختلفوا في حكم إقامة الوليمة للعرس واختلف قولهم بين أنّها سنّة مستحبّة وبين أنّها واجبة، فمن المهم للمسلم أن يعرف وقت وليمة العرس، حيث إنّه اشتهر عند المالكية والشافعية وما أخذ به ابن تيمية، أنّ طعام الوليمة يُستحبّ أن يكون بعد دخول الرّجل بزوجته أي العريس بعروسه، وذلك اقتداءً بسنّة النّبي -صلى الله عليه وسلم- وفعلته في ذلك عندما تزوّج أمّ المؤمنين صفيّة وزينب بنت جحش، حيث دعا النّاس للوليمة بعد أن دخل بهنّ والله أعلم. [8]

شاهد أيضًا: حكم زيارة مدائن صالح

مقدار وليمة العرس

إنّ الوجوب أو الاستحباب في حكم إقامة الوليمة للعرس يدلّ على أهميّة الوليمة، ولكن لا يجب على المسلم أن ينشغل بكثرة مقدار وليمة العرس، حيث أنّه من المستحبّ في طعام الوليمة أن تكون على قدر حال العريس أو الزّوج فلا يُكلّف نفسه فوق استطاعته وطاقته، ولا يُشترط في الوليمة أن يقوم بالذّبح، فلا حدّ لأقلّها ولا حدّ لأكثرها، وهي منوطةٌ بالقدرة، فالنّبي -صلى الله عليه وسلّم- ثبت عنه أنّه أولم بمدّين من شعير، ولكن لو كان الإنسان قادرًا فلا يصحّ له أن ينقص عن شاة امتثالًا لأمر النّبي -صلى الله عليه وسلم- عندما أمر أن تكون وليمةً ولو بشاة. [9]

شاهد أيضًا: حكم تمرير الالة على محل الذكاة بقوه وسرعه

بهذا نصل لختام مقال حكم إقامة الوليمة للعرس، والذي تمّ فيه معرفة معنى وليمة النكاح، وبيان أقوال أهل العلم في حكمها، وذكر المقال حكم إجابة الدعوة لوليمة العرس، وعدد الحالات التي يسقط فيها وجوب إجابة الدّعوة للوليمة عن المسلم، وختم ببيان مقدار الوليمة ووقتها المستحبّ في السّنة.