شروط قبول العبادة

شروط قبول العبادة من الأمور التي لا بدّ لكلّ مسلمٍ أن يُلمّ بها، فالإسلام هو دين التوحيد، وهو دينٌ يدعوا لعبادة الله -عزّ وجلّ- وحده لا شريك له، ولا يكون الإنسان موحّدًا لله -عزّ وجل- حقّ توحيده حتّى يخلص لله -سبحانه وتعالى- في أفعاله وأقواله، بأن يبتغي بأعماله الحسنة وجه الله سبحانه وتعالى، لذا يهتمّ موقع المرجع في بيان مفهوم العبادة والشروط التي فرضها المولى -عزّ وجل- لقبول أي عبادة وكذلك بيان الأسباب في عدم قبولها.

مفهوم العبادة

قبل ذكر شروط قبول العبادة لا بدّ من توضيح المفهوم الشرعيّ للعبادة، فقد خلق الله تعالى الجنّ والإنس لعبادته وحده لا شريك له، يقول تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا ِيَعْبُدُون}.[1] فالعبادة هي الغاية من خلق الله لمخلوقاته، وتعني الخضوع والتذللّ، ولا تكون العبادة صحيحة إلّا إذا كانت توحيدًا خالصًا لله وحده دون سواه، وكانت العبادة مضمون ما جاءت به كلّ الرسالات السماويّة، حيث اتفقت رسالة جميع الرسل على عبادة الله -عزّ وجلّ- وتوحيده، والعبادة في الإسلام تشمل كافة جوانب الحياة، فلا تقتصر على الصلاة والصوم وحجّ البيت، إنّما كلّ عملٍ أو قولٍ يبتغي العبد فيه وجه الله تعالى يكون عبادة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلّم: “إنَّما الأعْمالُ بالنِّيَّةِ، وإنَّما لاِمْرِئٍ ما نَوَى، فمَن كانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللهِ ورَسولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إلى اللهِ ورَسولِهِ، ومَن كانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيا يُصِيبُها أوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُها، فَهِجْرَتُهُ إلى ما هاجَرَ إلَيْهِ”.[2] وحتى سعي المرء لكسب رزقه عبادة، ما دام يُحسن النيّة ويبتغي بعمله مرضاة الله.[3]

شاهد أيضًا: شروط قبول العبادة النفي والاثبات . صواب خطأ

شروط قبول العبادة

إنّ العبادة تعني الخضوع حبًّا ورغبةً لله وحده لا شريك له، وخشيةً وخوفًا من عقابه وعذابه، فالعبد المؤمن يطيع ربّه ويؤدّي عبادته ويفعل ما أمره به ويتجنب ما نهاه عنه الله تعالى، وقد ذكر الله دليلًا يؤكّد فيه المؤمن على صدقه وحبّه لله وذلك بحبّه لرسوله وطاعته له، يقول تعالى: {قل إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم}.[4] وقد بيّن العلماء شروط قبول العبادة وهي:[5]

  • الشرط الأوّل: وهو الإخلاص بالنيّة لله وابتغاء مرضاته في كلّ العبادات والأعمال.
  • الشرط الثاني: أن يوافق الشريعة، وذلك بأن يكون مسلمًا يشهد أنّ لا إله إلّا الله وأنّ محمّدًا عبده ورسوله، وأن يؤمن بالله ورسوله وملائكته وكتبه والقدر خيره وشرّه، وألّا يكون العمل أو الفعل حرامًا، منهيٌّ عنه في الكتاب أو السنّة.
  • الشرط الثالث: إتقان العمل والعبادة، يقول الله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ}.[6] فقبول العبادة لا تكون بكثرتها وإنّما بإتقانها وحسنها.

شاهد أيضًا: حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن اخر الزمان

أمثلة على شروط قبول العبادة

بعد الحديث عن شروط قبول العبادة، لا بدّ من ذكر الأمثلة على شروط قبول العبادات:[7]

  • قوله تعالى: {مَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا الله مخلصين لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمة}.[8] وهذه الآية تؤكّد على وجوب إخلاص النيّة لله عزّ وجلّ.
  • وكذلك قوله سبحانه وتعالى: {وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَة ٍتُجْزَىٰ * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعلى}.[9] يعني أنّه لا بدّ من ابتغاء مرضاة الله في الأعمال والأفعال.
  • الاقتداء بالنبيّ محمد -صلى الله عليه وسلم- واتّباع سنته، يقول عليه الصلاة والسلام: “مَن عَمِلَ عَمَلًا ليسَ عليه أمْرُنا فَهو رَدٌّ”.[10] فطاعة الرسول واجبةٌ على كلّ مسلمٍ، فما أمرنا به هو أمرٌ من الله، وما نهانا عنه وهو نهيٌ من الله سبحانه وتعالى.

شاهد أيضًا: كم عدد اركان الاحسان

أقسام الناس في تحقيق شروط قبول العبادة

من رحمة الله بعباده أن جعل لهم ميادين المبادرة والمسابقة، لفعل الخيرات والطاعات، وبذلك ينقسم الناس إلى أقسام في تحقيق شروط العبادة:

  • قسمٌ تعمق وتفقه في الدين وعمل وعلّم حتى أصبح فيه من الخير الوفير ما ينفعه وينفع غيره، وعرف تمام المعرفة أنه مخلوق لعبادة الله -سبحانه وتعالى- ولفعل الخيرات، وأن لا سبيل للمعرفة إلا بالعلم والجد والتعب وهو مأمور بها، مأمور بتقوى والله، مأمور بالإيمان قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.[11]
  • وقسمٌ تعلم الدين وعلم الناس ولكن ليس لديه من العلم والفقه والتعمق بدين الله ما عند الأوليين، فاعتمدوا على الحفظ ونقل العلم والدين كالأخبار.
  • وقسمٌ أعرضوا عن عبادة الله -سبحانه وتعالى- فلا عبادة ولا استعانة، ولم يتفقهوا في الدين ولم يتعلموه.

شاهد أيضًا: في أي قوم بدأ الغلو في الصالحين وعبادتهم

أسباب عدم قبول العبادة

بعد أن تحدثنا عن شروط قبول العبادة وذكرنا أمثلة عليها، لا بدّ من بيان أسباب عدم قبول العبادة وهي متنوعة:[12]

  • أخطرها الشرك بالله -سبحانه وتعالى- فإن الشرك يبطل عمل صاحبه ويحبطه، لأن الذي يشرك بالله يكون غير مقبل على ربه، ولا يستشعر بعظمته.
  • وأيضا من أهم الأسباب التي تبطل العبادة، هي عدم الإخلاص في الأعمال الصالحة، وتكون هذه الأعمال مخالفة لأوامر الله -عزّ وجل- وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فلا يكمل قولًا ولا عملًا ولا نيةً إلا بموافقة أمر الله والسنة النبويّة الشريفة
  • أكل المال الحرام، الذي كسبه حرامًا، وطعامه وشرابه حرامًا، وملبسه ومسكنه حرامًا.
  • ارتكاب المعاصي، والإصرار عليها، كالعقوق، وقطع الرحم، والسرقة، والزنا.

شاهد أيضًا: من الصفات التي لابد من تحققها لنيل فضل التوحيد

جزاء العمل الصالح

العمل الصالح يشمل كلّ عبادةٍ لله -سبحانه وتعالى- في القول والعمل، وفي القلب، وفي فعل الواجبات والمستحبات كصلاةٍ، وصيامٍ، وزكاةٍ، وحج، وعمرةٍ، وجهادٍ في سبيل الله، ونهيٍ عن منكر، وبرٍ بالولدين، وصلة رحمٍ، وكلّ ما نفع من قولٍ أو عملٍ، وإنّ العبد إذا عمل العمل الصالح كافأه الله -عزّ وجلّ- في الدنيا والآخرة، فمن ثمرات العمل الصالح في الدنيا نورٌ في الوجه، وسعة في الرزق، وراحةٌ في البدن، وصلاحٌ في الولد، وسلامةٌ في القلب والنفس، وتكفيرٌ للسيئات، قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُون}.[13] وكذلك التبشير بدخول الجنة، قال تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا ۙ قَالُوا هَٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ۖ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ۖ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُون}.[14] والعمل الصالح هو الحصيلة الذي يخرج بها الإنسان من الدنيا، وينتقل إلى دار البقاء، وهو الذي يحدّد مصير العبد، ولا يبقى له شيء ينفعه إلاّ عمله، وقد وعد الله -سبحانه وتعالى- أهل العمل الصالح بالجنة، والتمتع بنعيمها، جزاءً لما عملوا في الدنيا.[15]

شاهد أيضًا: أول ما يجب أن يبدأ به من يريد الدعوة إلى الإسلام

شروط قبول العبادة مقالٌ ناقش مفهوم العبادة وشروط قبولها، وذكر بعض الأمثلة على شروط قبول العبادة، وكذلك بيّن المقال ما هي أقسام الناس في تحقيق شروط قبول العبادة، وما هي أسباب عدم قبولها، وفي الختام ذكر جزاء العمل الصالح.

المراجع

  1. سورةالذاريات , الآية 56
  2. صحيح مسلم , مسلم/عمر بن الخطاب/1907/صحيح
  3. alukah.net , مفهوم العبادة , 18/10/2021
  4. سورة آل عمران , الآية 31
  5. binbaz.org.sa , شروط قبول العبادة , 18/10/2021
  6. سورة الملك , الآية 2
  7. islamqa.info , شروط قبول الأعمال عند الله عز وجل , 18/10/2021
  8. سورة البينة , الآية 5
  9. سورة الليل , الآية 19،20
  10. صحيح مسلم , مسلم/عائشة أم المؤمنين/1718/صحيح
  11. سورة البقرة , الآية 21
  12. سورة العنكبوت , الآية 7
  13. سورة البقرة , الآية 25
  14. binbaz.org.sa , أسباب عدم قبول الأعمال الصالحة وحبوطها , 18/10/2021
  15. alukah.net , جزاء العمل الصالح (2) , 18/10/2021

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *