الأساليب النحوية في اللغة العربية وأنواعها

الأساليب النحوية في اللغة العربية وأنواعها المختلفة من المزايا التي تغني لغتنا العربية وتسهم في تنوع طرائقنا في التعبير عن المعنى الواحد، ولأهمية هذا المبحث اللغوي سنتناول في موقع المرجع من خلال هذا المقال أنواع الأساليب بالتفصيل، وسنبدأ بمقدمة عن أهمية الأساليب النحوية في اللغة العربية، ثم سندرج الأساليب النحوية في اللغة العربية ونفصل في ذكر أهمية كل منها والأنواع المتفرعة عن كل أسلوب ليكون ذلك مرجعا لكل المهتمين باللغة العربية ممن يتحرون مواطن جمالها وأسرار بلاغتها.

أهمية الأساليب النحوية في اللغة العربية

أما إيصال المعنى فهو في متناول كل عاقل يبلغه بطريقته وأسلوبه، وأما بلاغة القول وفصاحة العبارة فتلك أمور تعوزها الموهبة وتلزمها دراية باللغة كونها لباس المعنى. ولما كانت مقاصد الإنسان في الحياة كثيرة كانت طرائقه في التعبير عن تلك المقاصد كثيرة مثلها، وكما يلجأ الواحد منا إلى الأساليب المباشرة في التعبير كذلك يلجأ إلى أساليب أخرى غير مباشرة لإيصال معانٍ لا يستقيم معها الأسلوب الواحد، ومن هنا كان تنوع الأساليب النحوية ضرورة من ضرورات التعبير وعنصرا من عناصر الفصاحة وشكلا من أشكال البلاغة فيما يعطيه من تنوع إيقاعي في الكلام.

شاهد أيضًا: أقوى الحركات في اللغة العربية بالترتيب

الأساليب النحوية

تزخر لغتنا العربية بالكثير من الأساليب النحوية التي تمكن المتكلم من تكوين معانيه بقوالب مختلفة، وتندرج هذه الأساليب الكثيرة تحت نوعين رئيسين من الأساليب يتفرع كل منهما إلى أنواع عديدة، وسنتناول هنا هذين الأسلوبين ونذكر الأنواع المتفرعة عن كل منهما مع الشرح الوافي لكل نوع. ويمكن تقسيم الكلام بجملته إلى إنشاء (الأسلوب الإنشائي) وخبر (الأسلوب الخبري).[1]

الأسلوب الإنشائي

الإنشاء ضرب من الكلام إذا قيل لم يكن بمقدور السامع تصديقه أو تكذيبه لأنه مما لا يحتمل التصديق أو التكذيب من الكلام فهو ليس تصريحا بوقوع أمر ما في زمان محدد وهو نوع من الأساليب النحوية، ويقسم الأسلوب الإنشائي إلى نوعين يتفرع عن كل منهما أساليب عدة، فمن الإنشاء ما هو طلبي ومنه ما هو غير طلبي، وفيما يلي حديث مفصل حول ذلك.[2]

الإنشاء الطلبي

هو نوع من الإنشاء يستدعي مطلوبا غير حاصل وقت الطلب، ويمكن تعريفه بأنه ما يتأخر وجود معناه عن وجود لفظه من الكلام، ويندرج تحت هذا النوع من الإنشاء أساليب نحوية متنوعة وهي:[3]

الأمر

هو طلب الفعل على وجه الاستعلاء والإلزام؛ أي أن يكون الأمر أعلى منزلة من المخاطب سواء أكان ذلك حقيقة أو وهما، وله صيغ أربع:

  • فعل الأمر: ومثله قولنا (ادرس جيدا يا زيد)،

ومن ذلك قول الشاعر:

كِليني لِهَمٍّ يا أُمَيمَةَ ناصِبِ

وَلَيلٍ أُقاسيهِ بَطيءِ الكَواكِبِ

  •  المضارع المقرون بلام الأمر: ومثله قولنا (لتفعل ما يفيدك)

ومنه قول الشاعر:

كذا فليسرِ من طلب الأعادي

ومثل سُراكَ فليكن الطِّلابُ

  • اسم فعل الأمر: ومن أسماء فعل الأمر (عليك) والذي يأتي بمعنى (الزم) و (بله) ويعني (دع) و(رويدك) بمعنى (أمهل). ومثال ذلك قولنا (عليك برضا الوالدين)

ومنه قول الأخطل التغلبي:

فعليكَ بالحجاج لا تعدل به

أحداً إذا نزلت عليك أمور

  • المصدر النائب عن فعل الأمر: ومن ذلك قولنا (إقداما في مواقف الشجاعة) بمعنى (أقدم) و(تلبية لنداء الضمير) بمعنى (لبِّ)، ومثله قول الشاعر قطري بن الفجاءة:

فَصَبْراً في مَجَـالِ الَموْت صَبْراً

فما نَيْلُ اَلْخُلُـودِ بمُسْـتَطَاعِ

وقد يخرج فعل الأمر عن معناه الأصلي الذي عرفناه بطلب الفعل من الأعلى للأدنى على وجه الإلزام، فيدل على معان أخرى يدل عليها السياق، ومن ذلك:

  • الدعاء: وهو طلب يقصد به الاستغاثة والتضرع والعفو والرحمة ونحو ذلك من المعاني، وقد أطلق عليه ابن فارس اسم (المسألة)، حيث يخاطب بها الأدنى من هو أعلى منه، ومثاله قولنا (اللهم اغفر لنا)، ومنه قول المتنبي:

أخا الجود أعط الناس ما أنت مالك

ولا تعطين الناس ما أنا قائل

  •  الالتماس: ويكون بطلب الفعل من الند والنظير أي بين شخصين متساويين بالقدر والمنزلة، ومثال ذلك قولنا (يا صديقي انظر هناك) ومنه قول محمود سامي البارودي:

يا خَــلِيلَيّ خَلِّيانِي ومَا بي

أَوْ أعِيدَا إِلَيَّ عَهْـدَ الشَّبابِ

  •  التمني: وهنا يكون الأمر طلبا لأمر مرغوب بوقوعه لكنه مستحيل أو غير متوقع الحدوث، ومن ذلك قول عنترة العبسي:

يَادَارَ عَبْلَـةَ بِالجَوَاءِ تَكَلَّمِي

وَعِمِّي صَبَاحًا دَارَ عَبْلَةَ وَاسْلَمِي

  • النصح والإرشاد: وهنا لا يكون الأمر تكليفا ملزما باستجابته وإنما يكون طلبا بقصد النصيحة والموعظة، ومثاله قولنا (استعذ بالله) ومنه قول الشاعر محمود سامي البارودي:

وَكُنْ عَلَى حَذَرٍ تَسْلَمْ فَرُبَّ فَتىً

أَلْقَى بِهِ الأَمْـنُ بَـيْنَ الْيَأْسِ وَالْوَجَلِ

  • التخيير: وهنا يكون الطلب بقصد الاختيار بين أمرين أو أكثر مع امتناع الجمع بين الخيارات، كقولنا (تزوج سعاد أو عبير)، ومنه قول بشار بن برد:

فَعِش واحِداً أَو صِل أَخاكَ فَإِنَّهُ

مُفارِقُ ذَنبٍ مَرَّةً وَمُجانِبُه

  •  الإباحة: وهنا يكون الأمر إعلاما للمخاطب بجواز فعل أمر ما لاعتقاد المخاطب أنه محظور فيأتي الأمر إذنا بالفعل وإزالة للحرج، ومن ذلك قول أبي فراس الحمداني مخاطبا سيف الدولة:

وَعامِلني بِإِنصافٍ وَظُلمٍ

تَجِدني في الجَميعِ كَما تُحِبُّ

  •  التعجيز: وهنا يكون الأمر طلبا لشيء لا يستطيعه المخاطب وذلك لإظهار عجزه وضعفه من باب التحدي، ومن ذلك قول الشاعر الطغرائي:

فإن جنحتَ إليه فاتَّخِذْ نَفَقًا

في الأرضِ أو سلَّمًا في الجوِّ فاعتزلِ

  • التهديد: وهنا يلجأ المتكلم إلى الأمر لبيان عدم رضاه لما يقوم به المخاطب وذلك بقصد التحذير و(الوعيد) كما يسميه ابن فارس، ومنه قول أحد الشعراء:

إِذا لَم تَخشَ عاقِبَةَ اللَيالي

وَلَم تَستَحيِ فَاِفعَل ما تَشاءُ

  • التسوية: وهنا يأتي الأمر بغرض التسوية بين شيئين في النتيجة، ومن ذلك قول الشاعر المتنبي:

عِش عَزيزاً أَو مُت وَأَنتَ كَريمٌ

بَينَ طَعنِ القَنا وَخَفقِ البُنودِ

  • الإهانة والتحقير: حيث يكون الأمر استصغارا للمخاطب وتقليلا منه، ومثله قول جرير هاجيا الفرزدق:

خُذُوا كُحلاً وَمِجمَرَةً وَعِطراً

فَلَستُم يا فَرَزدَقُ بِالرِجالِ

  •  التكوين (التسخير): وفيه يكون المأمور مسخرا لما أمر به، ومن أكثر ما يوضح هذا المعنى قوله تعالى {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} فمن أمروا بذلك ليس بمقدورهم أن يفذوا الأمر كن قدرة الله حولتهم إلى قردة دون تدخل منهم.
  •  التلهيف أو التحسير: ومنه قولنا (مت بغيظك) لبث الحسرة في نفس المخاطب، ومثله قول جرير:

موتوا مِنَ الغَيظِ غَمّاً في جَزيرَتِكُم

لَم يَقطَعوا بَطنَ وادٍ دونَهُ مُضَرُ.

  • التعجب: وهي إحدى صيغ التعجب (أفعل به) ومثاله قول الشاعر:

أَكْرِمْ بها خُلَّةً لو أنها صَدَقَتْ

مَوْعُودَها أَوْ لَوْ انَّ النُّصْحَ مَقبولُ

  • الندب: وهنا يكون فعل الأمر توجيها لعمل ما يمكن للمأمور فعله ويمكن له تركه، أي أنه لا يحمل الإلزام، ومنه قول الشاعر:

فقلتُ لراعيها انْتَشِرْ وتَبَقَّلِ

  • التسليم: وفيه يكون فعل الأمر بقصد تفويض المأمور لفعل ما يشاء من الأمور، كقولنا (افعل ما تريد)
  •  الوجوب: وهنا يكون لفظ الأمر لتوجيه المخاطب إلى القيام بواجب من واجباته، ومن ذلك قوله تعالى {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}
  • الخبر: وبه يكون اللفظ بصيغة الأمر لكن المراد به تبليغ السامع خبرا لا يعرفه، ومن ذلك قول الله تعالى {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا} وليس هذا أمرا بالضحك والبكاء وإنما فيه دلالة على أنهم سيبكون كثيرا.

النهي

وهو طلب الكف عن الفعل والامتناع عنه على وجه الاستعلاء والإلزام، وله صيغة واحدة يكون فيها الفعل المضارع مقرونا ب (لا) الناهية الجازمة، ومثله قول الشاعر:

لا تخلني أَرضَى الهَوَانَ لِنفسِي

الرِضَا بالهَوَانِ عجزٌ صريحٌ

وقد يخرج النهب عن مقصده هذا فلا يكون للكف عن طلب الفعل على وجه الاستعلاء، فيفيد معان أخرى يدل عليها السياق، ومن هذه المعاني:

  • الدعاء: وهنا تصدر صيغة النهي من الأدنى إلى الأعلى لطلب الرحمة أو العفو وما إلى ذلك من معان مقاربة، كقول المتنبي:

خذْ منْ ثنايَ عليكَ ما أسطيعُه

لا تلزمنِّي في الثَّناءِ الواجبا

  •  الالتماس: ويكون النهي فيه بين طرفين متساويين بالقدر، كقول أحد الشعراء:

لا تحسبوا البعدَ ينسيني مودَّتَكم

هيهاتَ هيهاتَ أنْ تُنسَى على الزَّمنِ

  • التمني: وبه يكون النهي موجها إلى شيء غير عاقل لا يمكم نهيه بالكلام، كقول أحد الشعراء:

 يا قلب لا تنثر أساك ولا تطفْ

بالذكريات وجَوّهِنّ المُحرقِ

  •  النصح والإرشاد: حيث يخرج النهي بمعنى النصيحة والموعظة، ومثال ذلك قول المتنبي:

إِذا غامَرتَ في شَرَفٍ مَرومٍ

فَلا تَقنَع بِما دونَ النُجومِ

  • التوبيخ: وهو ما يكون به المنهي عنه مما يحط من قدر الإنسان ولا يليق به، ومنه قول الشاعر:

لا تنهَ عن خلُقٍ وتأتيَ مثلَه

عارٌ عليك إذا فعلت عظيم

  •  التحقير: وبه يكون النهي تقليلا من المخاطب بقصد الحط من شأنه، ومن ذلك قول الشاعر:

لا تطلبِ المجدَ واقنعْ

فَمَطْلَبُ المجدِ صَعْبُ

  •  التيئيس: وبه يجد المتكلم أن المخاطب ينوي على فعل لا يستطيعه أو لا فائدة منه فيلفت نظره إلى ذلك بالنهي، ومن ذلك قول الشاعر:

لا تَعْرِضَنّ لِجَعْفَرٍ، مُتَشَبّهاً

بَنَدَى يَدَيهِ، فَلستَ مِنْ أنْدَادِهِ

  • التهديد: وبه يقوم المتكلم بإخافة المخاطب وتحذيره من عاقبة أفعاله فيستعمل صيغة النهي بقصد التحذير منها، كقولنا (لا تقلع عن التدخين) بقصد الإشارة إلى مخاطر عدم الإقلاع عن التدخين ونتائجه لا الالتزام به كما يوحي الكلام وكأننا نقول (تأمل ماذا سيحدث لو لم تقلع عن التدخين).

الاستفهام

وهو طلب العلم بشيء ليس معلوما من قبل القائل، ويكون ذلك باستعمال إحدى أدوات الاستفهام كالهمزة وهل وغيرهما، حيث تختلف استعمالات كل أداة من الأدوات فلا تؤدي جميعها نفس المعنى ولا تصح في المواضع جميعا، وفيما يلي شرح مبسط لذلك:

  • الهمزة: وتستعمل في السؤال لطلب التعيين، حيث يكون المطلوب تعيين المفرد (التصور) أو تأكيد نسبة الفعل للفاعل (التصديق). أما تعيين المفرد فهو كقولنا (أتريد الماء أم الحليب؟) ويلاحظ هنا أن استعمال همزة الاستفهام جاء طلبا لمعرفة مفرد أي تصوره فقد نسب الفعل وهو (تريد) إلى المخاطب لكن المطلوب هو معرفة المفرد الذي وقع عليه الفعل. وأما تأكيد النسبة فمثاله قولنا (أتصهر النار الأحجار؟) فالسؤال هنا عن إمكانية صهر النار للأحجار أي نسبة فعل الصهر للفاعل وهو النار، حيث استعملت الهمزة طلبا لمعرفة ثبوت النسبة أو انتفاءها عن النار.
  • هل: والمراد باستعمالها هو معرفة النسبة فقط كقولنا (هل تحب الموسيقا؟) طلبا لمعرفة نسبة الفعل وهو الحب للفاعل وهو المخاطب، فلا تستعمل إلا في هذا السياق لطلب التصديق أو النفي، ويمتنع معها ذكر المعادل فلا يصح أن تقول (هل ذهب أحمد أم حسام؟).
  • من: ويراد بها تعيين العاقل عن طريق ذكر المسؤول عنه اسما أو صفة في الجواب. مثال: (من هذا؟) (هذا أحمد)، (هذا صديقي).
  • ما: وهي للسؤال عن غير العاقل لمعرفته أو بيان ماهيته، كقولنا (ما هذا؟) أو (ما هي المشكلة؟) ففي السؤال الأول يراد معرفة الشيء لأنه مجهول كليا بينما هو معلوم في السؤال الثاني لكن المراد هو بيان تفاصيله الدقيقة حيث إن المشكلة معلومة الوجود ولكن ماهيتها وتفاصيلها مجهولة لدى السائل.
  • متى: وبها يطلب تعيين زمان حدوث الشيء سواء أكان ماضٍ أو مستقبلا.
  • أيان: وهي لطلب تعيين المستقبل فقط وكثيرا ما تكون في موضع تعظيم المسؤول عنه وتهويله، ومن ذلك قوله تعالى {يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ}.
  • كيف: ويسأل بها عن الحال (كيف فلان).
  • أين: وبها يسأل عن مكان حدوث الفعل أو الوجهة المقصودة.
  • أنى: وتأتي بعدة معان، حيث ترد بمعنى (كيف) أو بمعنى (من أين) أو بمعنى (متى)
  • كم: وهي للسؤال عن الكمية أو المقدار ويطلب بها تعيين العدد.
  • أي: يطلب بها تعيين أحد المتشاركين في أمر ما.

قد يخرج الاستفهام عن معناه الأصلي إلى معان أخرى على سبيل المجاز ويمكن فهم هذه المعاني من خلال السياق العام، ومن المعاني التي يخرج إليها الاستفهام: النفي، والتعجب، والتمني، والتقرير، والتعظيم، والتحقير، والاستبطاء، والإنكار، والتهكم، والتسوية، والوعيد، والتهويل، والتنبيه على الضلال، والتشويق، والأمر، والنهي، والعرض، والتحضيض.

التمني

وهو طلب أمر محبوب لا يرجى حصوله إما لكونه مستحيلا وإما لكونه غير مطموع في نيله. وقد عرفه سعد الدين التفتازاني بأنه: طلب حصول شيء على سبيل المحبة.

أما طلب الأمر لكونه مستحيلا فهو كقول الشاعر:

فيَا لَيتَ الشّبابَ يَعُودُ يَوْماً

فأُخبرَهُ بمَا فَعَلَ المَشيبُ

أما طلب الأمر المحبوب الذي لا يرجى حصوله لكونه ممكنا غير مطموع في نيله فهو كقول الشاعر:

فليتَ الشامِتِين بهِ فَدوهُ

ولَيتَ العُمرَ مدَّ لَهُ فطَالا

وألفاظ التمني هي (ليت) و (هل) و (لعل) و(لو)، أما ليت فهي موضوعة أصلا للتمني، وأما (هل) و(لعل) فتستعملان لإبراز الأمر المستحيل بصورة الممكن القريب الحصول، كقول الشاعر:

أيا منزلي سلمى سلامٌ عليكما

هل الأزمٌن اللائي مضينَ رواجع

كما تستعمل (لعل) لغرض آخر وهو طلب أمر محبوب ممكن الحصول، وتشاركها هذا الاستعمال (عسى)، ومن ذلك قول الشاعر:

لَعَلَّ خَيالَ العامِرِيَّةِ زائِرُ

فَيُسعَدَ مَهجورٌ وَيُسعَدَ هاجِرُ

وأما (لو) فتستعمل لبيان عزة المتمني وأهميته مع امتناع حصوله، ومن ذلك قول جرير:

ولَّى الشَّبَابُ حَمِيدَةً أيَّامُهُ

لَوْ كَان ذَلِكَ يُشْتَرَى أَوْ يَرْجِعُ

النداء

وهو طلب إقبال المدعو على الداعي بحروف مخصوصة ينوب كل منها مناب الفعل (أدعو)، وحروف النداء هي (الهمزة، أي، يا، أيا، هيا، آ، آي، وا). وتستعمل الهمزة وأي لنداء القريب، كقول الشاعر:

أيْ صديقي، إنّي قَصَدْتُكَ لمّا

لمْ أجدْ في الحياةِ غيرَكَ شهما

بينما تستعمل بقية الأدوات لنداء البعيد، ومنه قول الشاعر:

أيا جامِعَ الدّنْيا لغَيرِ بَلاغِهِ

لمَنْ تَجمَعُ الدّنْيا، وأنتَ تَمُوتُ؟

وقد تتبدل استعمالات أدوات النداء، ويكون هذا التبدل على الشكل التالي:

  • قد ينزل القائل البعيد منزلة القريب للدلالة على قربه من القلب وحضوره في البال، ومن ذلك قول الشاعر:

أَسُكَّانَ نَعْمَانِ الأَرَاكِ تَيَقَّنُوا

بأنَّكمْ في ربعِ قلبيَ سكَّانُ

  • قد ينزل القريب منزلة البعيد لعلو مرتبته وارتفاع شأنه، وهو كقول الشاعر:

يا ربَّةَ الحسنِ هلْ لي فيكِ منْ أملٍ

إنِّي هجرتُ وكلُّ النَّاسِ عاداني

  •  قد ينزل القريب منزلة البعيد لانحطاط شأنه، ومنه قول الشاعر:

أيَا هذا أتطمعُ في المَعَالي

وما يَحظى بها إلَّا الرِّجالُ

  • قد ينزل القريب منزلة البعيد لأنه شارد الذهن غافل، ونجد هذا في قول أبي العتاهية:

أيا من عاشَ في الدُّنيا طويلاً

وأَفنَى العمرَ في قيلٍ وقال

وقد يخرج النداء عن معناه الأصلي إلى معان أخرى يدل عليها السياق، ومن هذه المعاني:

  • الإغراء: ومنه قول المتنبي مخاطبا سيف الدولة:

يا أعدلَ النَّاس إلَّا في مُعامَلتي

فيكَ الخصامُ وأنتَ الخصمُ والحكمُ

  • التحسُّر: ومثاله قول ابن الرومي:

يا شبابي وأينَ منِّي شبابي

آذنتْنِي حبالُه بانقضابِ

  • الزَّجر: ومنه قول أحد الشعراء:

إلامَ يا قلبُ تستبقي مودَّتَهم

وقد أذاقوكُ ألوانًا من الوصبِ؟

الإنشاء غير الطلبي

ويمكن تعريف هذا النوع من الإنشاء أنه ما لا يستدعي مطلوبا غير حاصل وقت الطلب من الكلام، وله صيغ مختلفة وهي:[4]

  • المدح: ويكون باستعمال (حبذا) و(نعم) والأفعال المحولة إلى فعل، ومثاله قول الشاعر:

حَبَّذا العَيشُ حينَ قَومي جَميعٌ

لَم تُفَرِّق أُمورَها الأَهواءُ

  • الذم: وفيه تستعمل (بئس) و(لاحبذا) والأفعال المحولة إلى صيغة فَعُلَ.
  • التعجب: وله صيغتان قياسيتان هما (ما أفعل) و(أفعل به)، بالإضافة إلى صيغة السماعية (لله درك! لله أبوك) ونحوهما. ومثالها قول الشاعر:

ما أحسنَ الدينَ والدنيا إذا اجتَمعا

وأقبحَ الكفرَ والإفلاسَ بالرَّجلِ

  • القسم: باستعمال واو القسم أو الباء أو التاء، أو بإحدى الصيغ السماعية (لعمري) ونحوها. ومثال ذلك قول الخنساء:

لَعَمري وَما عَمري عَلَيَّ بِهَيِّنٍ

لَنِعمَ الفَتى أَردَيتُمُ آلِ خَشعَما

  • الرجاء: باستعمال أفعال الرجاء وهي (عسى، حرى، اخلولق) وأكثرها استعمالا (عسى).
  • العقود: وغالبا ما ترد بصيغة الفعل الماضي نحو (بعت، اشتريت، وهبت) وغيرها، وقد ترد بصيغ أخرى كقول أحدهم (أنا بائع، وعبدي حر).

الأسلوب الخبري

وهو الأسلوب الذي يحتمل التصديق والتكذيب في معناه، فحين يقول أحدهم (ذهب زيد إلى الملعب) نستطيع أن نشك بصحة كلامه فنصدقه أو نكذبه لأن الكلام يحمل في معناه خبرا والخبر يحتمل الصدق أو الكذب، ويتفرع الأسلوب الخبري إلى أنواع، وهي:[5]

النفي

وهو النقض والإنكار، وضده الإثبات، وله أسلوبان: صريح وضمني، أما الصريح فيتم بأدوات هي:

  • ما: وتنفي الجملية الاسمية والجملة الفعلية بفعليها الماضي والمضارع، وهي لا تعمل في الماضي بينما تخلص زمن المضارع للحال، وإذا دخلت الجملة الاسمية فإنها إما تعمل عمل ليس وتسمى (ما) الحجازية، وذلك شرط أن يتقدم اسمها على خبرها دون أن ينتقض نفيها ب(إلا) وربما تزاد الباء في خبرها للتوكيد. أو أن تدخل الجملة الاسمية فتنفي لكنها لا تعمل فتكون مهملة إذا تقدم اسمها على خبرها أو انتقض نفيها ب(إلا).
  • إن: تدخل على الجملة الفعلية فتنفيها وكثيرا ما تأتي معها (إلا)، وتدخل على الجملة الاسمية وغالبا ما تكون نافية غير عاملة، وكثيرا ما تأتي معها (إلا) وقد يتقدم الخبر فيها على المبتدأ، وثمة من جوز عملها عمل ليس كأن يقال (إنْ محمدٌ ناجحًا) بمعنى ليس ناجحاً وهذا قليل.
  • لم: لا تدخل إلا على المضارع وحده، تنفيه وتجزمه وتقلب زمنه فيصبح ماضٍ (لم يحضر).
  • لمَّا: أداة نفي وجزم وقلب، تدخل على المضارع وحده وتقلب زمنه إلى الماضي.
  • لن: حرف نفي ونصب، تدخل على المضارع فقط تنفي حدوث الفعل في المستقبل.
  • لام الجحود: حرف نصب يدخل على الفعل المضارع فيفيد توكيد النفي ولا تعمل إلا إذا سبقت بكون منفي (لم يكن، لم أكن، لم يكونوا).
  • ليس: فعل ماض جامد يرفع المبتدأ وينصب الخبر، وفيد النفي وأكثر ما يكون ذلك في الجملة الاسمية، وكثيرا ما تدخل الباء الزائدة على خبره فتفيد التوكيد.
  • لات: وهو حرف نفي يعمل عمل ليس شرط أن يليه لفظ دال على الزمان (حين، ساعة، وقت) وغير ذلك.
  • لا: وهي من الحروف التي تنفي الماضي شرط أن تتكرر ويسبقها فعل ماض منفي ب (ما) أو شرط أن تأتي إلا في سياقها. وتنفي المضارع وتجعل زمنه للحال كقولنا (لا يكتب الآن) وتجعل زمنه للاستقبال (لا يكتب غدا). كما تدخل (لا) على الفعل الماضي فتفيد الدعاء، وتعمل عمل ليس إذا كان اسمها وخبرها نكرتين وأن لا يتقدم خبرها على اسمها ولا ينتقض نفيها بإلا. قد تدخل لا على الاسم الواقع خبرا او الواقع صفة او حالا دون ان تؤثر فيه فتكون حينها نافية فقط، وقد تدخل بين الناصب والمتصوب فتفيد النفي، أو بين الجازم والمجطوم فتفيد النفي كذلك. وتكون لا نافية للجنس عاملة عمل إن بشرط أن تكون نكرة ولا يفصل بينها وبين اسمها فاصل ولا يدخل عليها حرف جر، وتكون غير عاملة في حال لم تتوفر فيها هذه الشروط مجتمعة،ويكون اسمها مبنيا على ما ينصب به أو منصوبا إن كان مضافا أو شبيها بالمضاف فيما يحذف خبرها ويقدر بموجود.
  • غير: وهو اسم معرب حسب موقعه من الجملة ويدل على نفي ما بعده (يكون ما بعده مضافا إليه).

وفيما يخص النفي الضمني فلا يقع هذا النوع بأدوات النفي سابقة الذكر بل يفهم من السياق العام للمعنى، ويكون إما بالاستفهام الذي يخرج إلى معنى النفي أو بالشرط الذي يتضمن النفي في معناه.

التوكيد

وهو إزالة الشك والتوهم، وإفادة التخصيص والشمول والإحاطة، وله أساليب مختلفة وهي:

  • التوكيد اللفظي: ويكون بتكرار الكلمة نفسها، وقد يكون التوكيد لفعل او اسم أو حرف، أو جملة، ويتبع المؤكِّد في إعرابه المؤكَّد.
  • التوكيد المعنوي: وله أدوات وهي (نفس، عين، ذات) للمفرد و(أنفس، وأعين) للمثنى والجمع و(كلا، كلتا) للمثنى، و(كل، جميع) لتوكيد كل ما يتجزأ، وكذلك (قاطبة، عامة، كافة)شرط أن تتأخر عن المؤكد ويتصل بها ضمير يعود عليه، وكذلك (أجمع، أجمعون، جمع).
  • التوكيد بالحروف غير الزائدة: وهي (إنّ، أنّ، لام الابتداء، أما الشرطية التفصيلية، ألا، قد، لام الجحود، اللام الواقعة في جواب لو، اللام الواقعة في جواب لولا، نونا التوكيد الخفيفة والثقيلة).
  • التوكيد بالحروف الزائدة: كالباء، ومن، وإن، وما، والكاف.
  • التوكيد بالمصدر غير المضاف وغير الموصوف، والنعت وبالتعجب، والقصر، وألفاظ أخرى نحو لا شك ولا ريب، وفي عنقي، وفي ذمتي.

التقديم والتأخير

وهو من الأساليب المهمة في اللغة لاتصاله بالمعنى، ومن المعروف أن أصل الكلام هو تقدم المبتدأ على الخبر والفعل على الفاعل وعلى المفعول، لكن المعنى قد يقتضي تغيير هذا الترتيب لاعتبارات مختلفة توجبها القاعدة أو المعنى المقصود فيقدم الخبر على المبتدأ أو الفاعل على الفعل أو المفعول على الفعل لسبب محدد.

  • تقديم الخبر على المبتدأ: ويتقدم الخبر على المبتدأ وجوبا إذا كان في المبتدأ ضمير يعود على الخبر ومثاله قولنا (للجهاد ثوابه)، أو إذا كان المبتدأ نكرة مختصة وكان الخبر شبه جملة كقولنا (في الدار حديقة)، أو إذا كان الخبر مقصورا على المبتدأ كقولنا (ما ناجح إلا أحمد)، كذلك الأمر إذا كان الخبر مما له حق الصدارة في الكلام كأدوات الاستفهام أو مضافا إلى ما له حق الصدارة كقولنا (كتاب من هذا)، بالإضافة إلى حالات أخرى توجب تقديم الخبر ومنها عدم وضوح المطلوب من الكلام بسبب تأخر الخبر مما يوجب تقديمه كقولنا (لله درك).

وقد يتقدم الخبر جوازا في الكلام لأغراض بلاغية تفهم من المعنى شرط ألا يحدث ذلك التباسا في المعنى.

  • تقديم المفعول به على فعله: ويتقدم المفعول به وجوبا إذا كان فعله واقعا في جواب أما التفصيلية الشرطية ولم يفصل بينه وبين أما غير المفعول به كقولنا (أما العلم فلا تتركه)، كما يجب تقديم المفعول إذا كان فعله أمرا مقترنا بالفاء كقولنا (صلاتك فالزم)، كذلك الأمر بالنسبة للمفعول إذا كان مما له حق الصدارة في الكلام أو كان مضافا لما له الصدارة كأسماء الشرط وأسماء الاستفهام وكم الخب ية أو ما أضيف إليها كقولنا (كتاب من قرأت).

ويجوز تقديم المفعول على الفعل لأغراض بلاغية يقصدها المتكلم ويقدرها حسب المعنى لأهمية المفعول أو للفت النظر إليه.

الاستثناء

والاستثناء هو إخراج ما بعد أداة الاستثناء من حكم ما قبلها، كقولنا (جاء الجميع إلا أحمد)، ويتكون هذا الأسلوب من ثلاثة أركان (المستثنى منه، أداة الاستثناء، المستثنى). وأدواته (إلا، غير، سوى، خلا، عدا، حاشا، ليس، لا يكون) ويقسم الاستثناء إلى:

  • الاستثناء التام المتصل: ويكون المستثنى منه مذكورا فيه، والمستثنى من جنس المستثنى منه أو بعضه، وقد يكون مثبتا أو منفيا.
  • الاستثناء التام المنقطع: وبه يكون المستثنى منه مذكورا فيه والمستثنى ليس من جنس المستثنى منه ولا بعضه، ويرد مثبتا أو منفيا.

أسلوب الشرط

والشرط هو العلامة، أي أنه علامة لوجود جوابه، وهو تركيب لغوي له طرفان يرتبط الطرف الثاني منهما (الجواب) بحدوث الأول (الفعل) (فعل الشرط+جواب الشرط)، ومنه قولنا (إن تدرس تنجح). ولأسلوب الشرط أدوات تختلف في استعمالها ومعانيها، فمنها:

  • ما هو جازم (أن، إذما، من، ما، مهما، أي، كيفما، متى، أيان، أنى، حيثما).
  • ما هو غير جازم (لما، لو، لولا، لوما، كلما، إذا).

ويختلف إعراب هذه الأدوات باختلاف دلالاتها، كما يشترط في فعل الشرط:

  • أن لا يكون ماض في المعنى.
  • أن لا يكون طلبيا.
  • أن لا يكون جامدا.
  • أن لا يكون مقترنا بسين أو سوف.
  • أن لا يكون مقترنا بقد.
  • ولا يجوز أن يقترن فعل الشرط بحروف نفي باستثناء حرفي (لم، لا).

وإذا لم تتوفر هذه الشروط وجب اقتران جواب الشرط بالفاء، وكذلك يجب اقتران جواب الشرط بالفاء في الحالات التالية:

  • إذا كان جواب الشرط جملة اسمية.
  • أو كان فعلا طلبيا.
  • أو كان فعلا منفيا بغير لم أو لا.
  • أو كان فعلا جامدا.
  • أو كان فعلا ماضيا مقرونا بقد.
  • أو كان فعلا مقرونا بسين أو سوف.
  • أو كان ماضٍ في معناه.
  • كما يجوز اقتران جواب الشرط بالفاء إذا صح أن يكون شرطا.

قد يحذف فعل الشرط إن كانت أداة الشرط (إن) مقترنة بلا النافية، وقد يحذف جواب الشرط إذا كان الشرط ماض أو مضارعا مقترنا بلم ودل دليل على جواب الشرط، كما قد يحذف الشرط والجواب معا إن دل دليل عليهما، ومن ذلك قول الشاعر:

قالتْ بناتُ العمِّ يا سلمى وإن

كانَ فقيرًا مُعدمًا قالتْ وإنْ

شاهد أيضًا: أدوات الشرط التي تدل على غير العاقل

أسلوب الاختصاص

كما ويعتبر الأساليب النحوية أحد الأساليب النحوية، وهو أسلوب يذكر فيه اسم ظاهر بعد ضمير المتكلم لبيان المقصود بالضمير الأول ويسمى الاسم الظاهر المختص أو المخصوص، ويستعمل هذا الأسلوب لإظهار الفخر أو التواضع، ومنه قولنا (أنا العبد فقير إلى رحمة الله).

والاختصاص مختلف عن النداء فهو أسلوب خبري بينما النداء كما أوردنا من أساليب الإنشاء، ولا يجوز ذكر أداة النداء في الاختصاص كما لا يجوز وقوع المختص في أول الكلام، ولا يصح أن يكون المخصوص نكرة أو ضميرا.

شاهد أيضًا: من المنصوبات في اللغة العربية

تبادل المواقع بين الخبر والإنشاء

يتبادل الخبر والإنشاء المواقع وذلك لأهداف معنوية في الأساليب النحوية، فيستخدم الخبر لمعنى من معاني الإنشاء ويستخدم الإنشاء لمعنى من معاني الخبر، ومن ذلك التعبير عن النهي بصيغة النفي، وهو كقول الله تعالى {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ} فلم يقل: لا تسفكوا دماءكم، وإنما أوحى بامتثالهم للأمر بقصد المبالغة في النهي.

والهدف الأساسي لهذا التبادل بين مواقع الخبر والإنشاء هو الهدف المعنوي، ذلك أن الكلام أداة المعنى للولادة وللقائل أن يختار أيسر طرائق القول وأبلغها.[6]

وبهذا نختم مقالنا حول الأساليب النحوية في اللغة العربية وأنواعها، بعد أن تناولنا الحديث عن تلك الأساليب وأهميتها في تطويع اللغة، كما تناولنا أنواعها بالتفصيل وميزنا بين الأسلوب الإنشائي وبين الأسلوب الخبري والأنواع المتفرعة عن كل منهما، وانتهينا إلى الحديث عن تبادل المواقع بين الخبر والإنشاء، راجين أن يكون هذا البحث المبسط مفتاحا لفهم الأساليب النحوية وتبيان استعمالات الأساليب النحوية.

الزوار شاهدوا أيضاً

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *