كم استمرت الدعوة في مكة قبل الهجرة

كم استمرت الدعوة في مكة قبل الهجرة التي كانت في بداية أمرها تنتهج السرية في تبليغ رسالتها، لظروف استدعت تلك الحال، ثم كان لابد لهذه الدعوة من أن تعلن أمرها وتمضي في طريقها الذي جاءت من أجله، لذلك يهتم موقع المرجع في الحديث عن كم استمرت الدعوة في مكة قبل الهجرة، وعن مراحل الدعوة في حياة الرسول، وعن أهداف الدعوة في المرحلة المكية، وعن خصائص الدعوة في المرحلة المكية، وعن مواقف من ثبات الصحابة في المرحلة المكية.

كم استمرت الدعوة في مكة قبل الهجرة

استمرت الدعوة في مكة قبل الهجرة 13 عاماً، ويمكن تقسيم الدعوة في مكة قبل الهجرة إلى مرحلتين، مرحلة الدعوة السرية ومرحلة الدعوة الجهرية، وتفصيلهما كما يأتي:

الدعوة السرية

بدأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالدعوة إلى الإسلام في مكة المكرمة بأمر من الله تعالى؛ إذ قال: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ}، فبدأ الرسول بدعوة أهل بيته، ثم الأقربين فالأقربين، وكانت الدعوة حينها سرية؛ دون أن تعلم بها قريش، وقد وصل عدد المستجيبين لها إلى أربعين، منهم: خديجة بنت خويلد، وزيد بن حارثة، وعلي بن أبي طالب، وأبو بكر الصديق، وغيرهم، وعرفت تلك المرحلة من الدعوة بالمرحلة الأرقمية؛ نسبة إلى دار الأرقم؛ حيث كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلم الصحابة أمور الدين فيها، هربًا من قريش وبطشها، واستمرت الدعوة بشكل سري مدة ثلاث سنوات، ثم جاء الأمر من الله بالجهر فيها.[1]

الدعوة الجهرية

بدأت الدعوة بمرحلتها الثانية، وانتقلت من المرحلة السرية إلى المرحلة الجهرية، وذلك بنزول قول الله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}، فما كان من قريش إلا أن تصدت لتلك الدعوة، وبدأت تعارضها بكل ما تملكه من الأساليب؛ إذ لجأت إلى التهديد، والتخويف، والتذليل، وغيرها، ومع ذلك ثبت رسول الله على دعوته، واستمر الجهر بالدعوة إلى حين الهجرة إلى المدينة المنورة، وقد تعرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خلال هذه المرحلة للأذى من قبل قريش؛ بحجة أنه يحقر آلهتهم، ويثنيهم عن دين أباءهم، وتعرض الرسول أيضًا للإيذاء من قبل عمه أبي لهب وزوجته؛ فقد كانا من أشد الأعداء للنبي، والدعوة، وتعرض الصحابة -رضي الله عنهم- لشتى أنواع التعذيب؛ فقد تعرض أبو بكر الصديق للأذى، وجعل التراب على رأسه، وضرِب على وجهه، كما تعرض بلال بن رباح لمختلف أنواع الأذى، وثبت على توحيد الله رغم ما تعرض له، إلى جانب العديد من الأمثلة على صبر الصحابة على التعذيب في سبيل الدعوة.[2]

شاهد أيضًا: من هو النبي الذي قتله إبليس

مراحل الدعوة في حياة الرسول

بعد أن أجبنا عن سؤال كم استمرت الدعوة في مكة قبل الهجرة، سنتحدث عن مراحل الدعوة في حياة الرسول، تدرج النبي -صلى الله عليه وسلم- في نشر دعوته بين الناس، فكانت على عدة مراحل، وفيما يأتي بيانها:[3]

  • المرحلة الأولى: الدعوة السرية واستمرت ثلاث سنين.
  • المرحلة الثانية: الدعوة جهرًا وباللسان فقط واستمرت إلى الهجرة.
  • المرحلة الثالثة: الدعوة جهرًا مع قتال المعتدين والبادئين بالشر والقتال، واستمرت هذه المرحلة إلى عام صلح الحديبية.
  • المرحلة الرابعة: الدعوة جهرًا مع قتال من وقف في وجه الدعوة ومنع الناس من الدخول فيها بعد إنذاره، وهذه المرحلة هي التي استقر عليها التشريع في الدعوة والجهاد.

شاهد أيضًا: من هو النبي الذي قطعت النساء ايديهن عندما رأوه

أهداف الدعوة في المرحلة المكية

عند الحديث عن كم استمرت الدعوة في مكة قبل الهجرة، لا بد من ذكر أهداف الدعوة في المرحلة المكية، حيث يمكن تحديد أهداف الدعوة في مرحلتها المكية فيما يلي:[4]

  • الدعوة إلى توحيد الله عز وجل، وإبطال العبودية لغير الله تعالى، والمتمثلة في قول أو شهادة أن لا إله إلا الله، وأنه لا معبود بحق سواه، وأنه الأحق بالعبادة وحده، وليس تلك الأصنام المنحوتة، أو الأوثان المصنوعة.
  • العودة بالفطرة إلى سابق عهدها من النقاء والطهارة، وتنحيتها عن كل ما دخلها من عبث، وما حل بها من انحراف، وذلك بعد الإيمان بالله الذي لا تجب العبودية إلا له، وتجلى ذلك في القضاء على كل ما كان عند العرب من عادات فاسدة، وتقاليد ممقوتة، أنكرها الوحي، وتأباها الفطرة السليمة، والعقول المستقيمة.
  • الدعوة إلى تزكية النفوس وتهذيبها، وإصلاح القلوب وإحيائها، وتقويم الغرائز، والتحلي بمكارم الأخلاق؛ كالصدق، والعفاف، وصلة الأرحام، وحسن الجوار، وبر الوالدين، وإكرام الضيف واليتيم.
  • التمهيد لفرض التشريعات، والإعداد لقبول التكاليف، وكان منهج الإسلام في ذلك هو تزكية النفوس، وترسيخ الإيمان، وترويض القلوب للاستجابة لأوامر الله تعالى، والتحذير من كل فعل كان في الجاهلية، وإذا كانت التشريعات بدأت في المدينة المنورة بعد الهجرة بالتدرج، فإن التمهيد لهذه التشريعات كان قد تم في مكة، كتحريم الخمر والربا.

شاهد أيضًا: من هو رفيق الرسول في رحلة الهجرة

خصائص الدعوة في المرحلة المكية

عند إمعان النظر والتعمق في التأمل في أحداث المرحلة المكية، يتبين لنا ما يلي:[5]

  • إن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إنسانية لا تعرف عصبيات القومية والقرابة؛ فهي رسالة عامة إلى جميع البشر على مختلف مشاربهم ومستوياتهم، وبقطع النظر عما بينهم من تفاوت وتباين.
  • إن الدافع الرئيس لتحرك المؤمنين في الدعوة إلى دينهم هو رغبتهم في استنقاذ الناس مما هم فيه من شرك وانحراف وسقوط أخلاقي، سيعرضهم في النهاية إلى سقوط في دائرة العذاب، الذي لا يستطيع أي أحد من الخلق أن يغني عنهم منه شيئًا.
  • لقد كان شعور المؤمنين بأن ما يحملونه هو الخير للناس وهو الهدى سببًا في بذل هذا الخير لأقرب الناس إليهم، ولقد بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بأقرب الناس إليه؛ برا بهم، وعرفانا بفضلهم، وهكذا فعل أبو بكر الصديق رضي الله عنه وغيره.
  • إن الفترة المكية تشكل الجزء الأعظم في تاريخ الدعوة النبوية؛ حيث امتدت ثلاثة عشر عامًا من أصل ثلاثة وعشرين عامًا هي عمر الدعوة في العهد النبوي، ولم تشهد هذه المرحلة قتالاً من المؤمنين، فلم يرفعوا سيفًا، ولم يحملوا سلاحًا، ولم يؤمروا بجهاد أو قتال؛ بل لم يدفعوا الاعتداء عن أنفسهم، ولم يبادلوا الكفار قتالاً بقتال، واعتداء باعتداء، بل أمروا بكف اليد والصبر على البلاء.
  • لقد كان البعد الأخلاقي في هذه المرحلة مزدوج التوجيه، حيث اتجه في شقه الأول نحو المؤمنين في ذات أنفسهم، في حين اتجه في شقه الثاني إلى المؤمنين في تعاملهم مع الأعداء الكافرين.

شاهد أيضًا: كم سنة ظل القران ينزل في المدينة بعد الهجرة

مواقف من ثبات الصحابة في المرحلة المكية

وقبل أن نختم حديثنا عن كم استمرت الدعوة في مكة قبل الهجرة، سنتحدث عن مواقف من ثبات الصحابة في المرحلة المكية، فقد تعرض الصحابة -رضوان الله عليهم- في المرحلة المكية للاضطهاد والتعذيب الشديد على يد أئمة الكفر من قريش، ورغم شدة الإيذاء والتعذيب الذي تعرض له الكثير من الصحابة رضوان الله عليهم، فقد ظلوا صابرين ثابتين على عقيدتهم ودينهم، والمرحلة المكية من السيرة النبوية فيها الكثير من مواقفهم في ذلك، ومنها:[6]

عثمان بن عفان

لما أسلم عثمان بن عفان أخذه عمه الحكم بن أبي العاص بن أمية فأوثقه رباطًا وقال: أترغب عن ملة آبائك إلى دين مُحْدَث؟ والله لا أحلك أبدًا حتى تدع ما أنت عليه من هذا الدين، فقال عثمان: والله لا أدعه أبداً ولا أفارقه، فلما رأى الحَكم صلابته في دينه تركه

بلال بن رباح

كان أمية بن خلف يخرج بلالاً رضي الله عنه إذا حميت الظهيرة، فيطرحه على ظهره فى بطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول له: لا تزال هكذا حتى تموت، أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى، قال ابن كثير: “كان بلال رضي الله عنه يأبى عليهم ذلك وهم يفعلون به الأفاعيل، حتى أنهم ليضعون الصخرة العظيمة على صدره في شدة الحر، ويأمرونه أن يشرك بالله فيأبى عليهم وهو يقول: أَحَدٌ، أَحَد، ويقول: والله لو أعلم كلمة هي أغيظ لكم منها لقلتها رضي الله عنه وأرضاه”.

الزبير بن العوام

أسلم الزبير وهو ابن ثمان سنين، وهاجر وهو ابن ثمان عشر، وكان عمه يعلقه في حصير ويدخن عليه بالنار ويقول: ارجع إلى الكفر، فيقول الزبير: لا أكفر أبدا.

خالد بن سعيد بن العاص

كان إسلام خالد بن سعيد بن العاص ثالثًا أو رابعاً، وكان ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو سراً، وكان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصلي في نواحي مكة خالياً، فبلغ ذلك أبا أحيحة فدعاه فكلمه أن يترك ما هو عليه، فقال خالد: لا أدع دين محمد حتى أموت عليه. ثم أمر به إلى الحبس، وضيق عليه وأجاعه وأعطشه، حتى لقد مكث في حر مكة ثلاثًا ما يذوق ماء.

خباب بن الأرت

كان رضي الله عنه مولى لأم أنمار بنت سِباع الخزاعية، فلما علمت بإسلامه عذبته بالنار، وكانت تأتى بالحديدة المحماة فتجعلها على ظهره ورأسه، ليكفر برسول الله صلى الله عليه وسلم ويرجع عن إسلامه، فلم يكن يزيده ذلك إلا إيماناً، وكذلك كان المشركون يعذبونه فيلوون عنقه، ويجذبون شعره، وقد ألقوه على النار، ثم سحبوه عليها، فما أطفأها إلا شحم ظهره.

عمار بن ياسر وأمه

كان عمار يعذب حتى لا يدري ما يقول، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بعمار وأمه وأبيه وهم يعذبون بالأبطح في رمضاء مكة فيقول: “صبراً يا آل ياسر فإن موعدكم الجنة”، وسمية رضي الله عنها هي أول شهيدة في الإسلام، قال ابن كثير في البداية والنهاية: “قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن مجاهد قال: أول شهيد كان في الإسلام استُشْهِد أم عمار (سمية) طعنها أبو جهل بحربة في قُبُلِهَا”.

شاهد أيضًا: ما هي السورة المكية الاقصر في عدد آياتها؟

وهكذا نكون قد وصلنا إلى نهاية مقالنا، الذي تحدثنا فيه عن كم استمرت الدعوة في مكة قبل الهجرة، وعن مراحل الدعوة في حياة الرسول، وعن أهداف الدعوة في المرحلة المكية، وعن خصائص الدعوة في المرحلة المكية، وعن مواقف من ثبات الصحابة في المرحلة المكية.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *