هل يجوز التيمم في البرد

هل يجوز التيمم في البرد واحدٌ من الأسئلة الفقهيّة الهامّة، والّذي ستتمّ الإجابة عنه في هذا المقال، فقد أوجبت الشّريعة الإسلاميّة على المسلم الوضوء والطّهارة قبل أداء بعض العبادات والفرائض كالصّلاة والطّواف وتلاوة القرآن وغيرها، وإنّ موقع المرجع يهتمّ بالإجابة عن الأسئلة الفقهيّة والدّينيّة، كذلك بالتّعرّف على الحكم الشّرعيّ للتيمّم عند البرد.

مفهوم التيمم

إنّ التيمّم من العبادات الّتي شرّعها الله تعالى لعباده المسلمين في كتابه العظيم، والتّيمم في اللّغة يعني القصد، وأمّا في الشّريعة الإسلاميّة فقد عرّفه أهل العلم على أنّه تعبّد الله تعالى والتّطهّر بكلّ صعيدٍ طيّب عند فقْدِ الماء، قال الله تعالى: “وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا”.[1] كذلك ورد ذكر مشروعيّته في السّنّة النّبويّة المباركة، حيث روى حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: “فُضِّلْنا علَى النَّاسِ بثَلاثٍ: جُعِلَتْ صُفُوفُنا كَصُفُوفِ المَلائِكَةِ، وجُعِلَتْ لنا الأرْضُ كُلُّها مَسْجِدًا، وجُعِلَتْ تُرْبَتُها لنا طَهُورًا، إذا لَمْ نَجِدِ الماءَ وذَكَرَ خَصْلَةً أُخْرَى”.[2]  وأجمع أهل العلم على جواز التّيمّم بكلّ صعيدٍ طيّبٍ، ويكون التّيمم لرفع الحدث الأصغر عند فقدان الماء، ولكن إذا وُجد الماء بَطل التّيمم.[3]

شاهد أيضًا: هل يجب الاغتسال بعد الاحتلام

هل يجوز التيمم في البرد

اتّفقت المذاهب الأربعة على جواز التّيمم عند البرد الشّديد وفقد الماء السّاخن، كذلك أجاز أهل العلم التّيمم عند الخوف من المرض أو حصول الأذيّة من الماء، وقد استدلّ أهل العلم بآياتٍ من الذّكر الحكيم، منها قوله تبارك وتعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}.[4] أي يجوز للمسلم أن يتيمّم بالصّعيد الطّيب من الأرض الطّاهرة إذا خاف من البرد الشّديد وخاف من المرض إذا توضّأ بالماء البارد، أو أنّه لم يجد ما يسخّن به الماء، فهذا عذرٌ شرعيٌّ يبيح للمسلم أن يتيمّم بدلًا من الوضوء حتّى مع وجود الماء، ومن المعلوم أنّ التّيمّم يكن لرفع الحديث الأصغر فقط، لكنّ أهل العلم قد أباحوا للمسلمين أن يتيمّموا لرفع الحديث الأكبر كالجنابة أو الحيض، عند فقد الماء والماء السّاخن في البرد الشّديد، فالله تبارك وتعالى أمرنا بالابتعاد عن الأمور الّتي يمكن أن يؤذي بها الإنسان نفسه أو يهلكها، فنفسه وجسده ليسا ملكًا له، بل هما لله تعالى الّذي سوّاهما وخلقهما، قال الله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}.[5] لذا من واجب المسلم الالتزام بأمر الله تعالى واجتناب مخالفته، والله أعلم.[6]

شاهد أيضًا: طريقة التيمم الصحيحة

حكم تيمم الجنب خوفا من البرد

لا حرج على الجنب إن تيمّم إذا فقد الماء، أو أنّه لم يجد ماءً ساخنًا يغتسل به اغتسال الجنابة، فقد أباح أهل العلم له التّيمم بالصّعيد الطّيب في هذه الحالة، وقد حدث أن كان الصّحابيّ الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه في سرية ذات السّلاسل فاحتلم في ليلةٍ باردة جدًّا فتيمّم ولم يغتسل، وصلّى بالجنود المسلمين، وذُكر ذلك في الأحاديث النّبويّة المباركة، فقد روى عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: “احتلَمتُ في ليلةٍ باردةٍ في غَزوةِ ذاتِ السلاسِلِ، فأشفَقتُ إنِ اغتسَلتُ أنْ أهلِكَ، فتيمَّمتُ، ثمَّ صلَّيتُ بأصحابي الصُّبْحَ، فذكَروا ذلكَ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: يا عَمرُو، صلَّيتَ بأصحابِكَ وأنتَ جُنُبٌ؟! فأخبَرتُه بالذي منَعني مِن الاغتسالِ، وقلتُ: إنِّي سمِعتُ اللهَ يقولُ: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]، فضحِكَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولم يقُلْ شيئًا”.[7]  ومن هذا الحديث نجد أنّه من الجائز للمسلم أن يتيمّم لرفع الحديث الأكبر كالجنابة عند وجود البرد الشّديد.[8]

هل يجوز التيمم خوفا من المرض

إنّ الله تبارك وتعالى لا يكلّف عباده ما ليس بوسعهم ولا يحمّلهم ما لا يطيقونه، وجعل في دينه الحنيف اليسر والسّماحة والسّعة والإباحة، ومن ذلك أباح الله تعالى للّذين قد أصابهم مرضٌ يمنعهم من استعمال الماء، أو خافوا عند استعمال الماء من المرض الشّديد، أن يتيمّموا بالصّعيد الطّيب، ويجزئ ذلك عن الوضوء بالماء بإذن الله تعالى، فذلك عذرٌ عدّه الشّرع الحنيف واحدًا من الأعذار المبيحة للتّيمم، والله أعلم.[9]

شاهد أيضًا: هل الحجامة تنقض الوضوء

حكم التيمم للمريض

إنّ المريض الّذي يتأذّى من الماء فيزيده مرضًا ووجعًا حكمه كحكم من لم يجد ماءً أبدًا، ويجوز له التّيمم بالتراب وبكلّ صعيدٍ طيّب، ليقوم بأداء الصّلاة أو رفع حدثٍ أكبر أو غيرها ممّا يوجب الغسل والوضوء، وأمّا المريض الّذي لا يضرّه الماء فلا يجوز له التّيمم وعليه أن يتّقي الله تعالى فيما أمره فيتوضأ ويغتسل بالماء، ولا يقرب التّيمم إلّا لعذر شرعيٍّ والله أعلم.[10]

هل يجب القضاء على من تيمم ثم أمكنه الغسل

قال أهل العلم أن من تيمّم لأنّه لم يجد ماءً أو خاف من شدّة البرد والمرض، ثمّ قام فصلّى، ثمّ وُجد الماء وذهب البرد أو ذهب المرض، فليس عليه إعادةٌ أو قضاء، وتلك الصّلاة أو الصّلوات تُحسب وتُقبل عند الله تبارك وتعالى، حيث ذهب أكثر أهل العلم لهذا القول، وهو الرّاجح عندهم، حيث قال بعض الفقهاء أنّه يجب عليه القضاء، لكنّ الأخذ بالقول الأول أفضل، والله أعلم.[11]

شاهد أيضًا: النجاسه العينيه هي التي لا يمكن تطهيرها مطلقا

كيفية التيمم

إنّ التيمم يقوم مقام الضوء، فهو طهورٌ كما وصفه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وإنّ القرآن الكريم والسّنة النّبويّة المباركة قد بيّنا طريقة التيمم الصّحيحة، قال الله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}. [1] وقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لعمار بن ياسر: “إِنَّما كان يَكْفيكَ ، أنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ إلى الأرضِ ، فَتَمْسَحَ بِهما وجْهَكَ و كَفَّيْكَ”.[12]  فطريقة التيمم الصّحيحة هي أن يضرب المسلم بيديه على التراب الطّاهر ضربة واحدة فيمسح بها وجهه، ويمسح بها كفّيه يبدأ بالكفّ الأيمن ثمّ الأيسر ولا يُشرّع له أن يمسح ذراعيه لأنّ في ذلك زيادةٌ على ما أمر به الله تعالى في كتابه العظيم.[13]

شاهد أيضًا: هو الماء الذي تغير لونه أو طعمه أو ريحه بنجاسة؛ سواء أكان الماء قليلا أم كثيرا