طريقة الاغتسال من الجنابة

طريقة الاغتسال من الجنابة أمرٌ هام ينبغي لكلّ المسلمين معرفته والتعلّم عنه،  ولذلك لا بدذ من الحديث عن طريقة الاغتسال من الجنابة، فالدّين الإسلاميّ دين الطّهارة والنّظافة وقد حثّ المسلمين على التّطهّر في الكثير من النّصوص الشّرعية في القرآن والسّنة النبوية الشريفة، وقد جعل قبول العبادات مشترطاً بالطّهارة حتّى أنّ العبادات لا تكون إلا بها، كالصّلاة والصّيام وغير ذلك، فعلى المسلم أن يلتزم بطهارته في جسده وثيابه ومكانه، ومن الجدير بالذّكر أن المتطهّر ينال محبّة الله -عزّ وجل- وفي هذا المقال سيقوم موقع المرجع بتقديم طريقة الاغتسال من الجنابة بعد تعريف الطهارة والجنابة وبيان العديد من الأحكام المتعلّقة بها.

الطهارة

قبل معرفة طريقة الاغتسال من الجنابة سيتمّ التّعرّف على الطهارة، فالطّهارة لغةً هي النّزاهة والنّظافة من الأدناس والأوساخ، وتُعرف اصطلاحاً على أنّها رفع الحدث وزوال الخَبَث، والخبث هو النّجاسة فالطّهارة هي زوال النّجاسة من البدن والثّوب والمكان، أمّا رفع الحدث فيُقصد به الطّهارة بالوضوء أو الغسل، أمر القرآن الكريم بالطّهارة في الكثير من المواضع وقد بيّن فضل المتطهرين والثواب الذي ينالونه، قال تعالى في سورة التوبة: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}.[1] وكذلك قام النّبيّ -صلى الله عليه وسلّم- بالحضّ على الطهارة وتشجيع المسلمين عليها وبيان ضرورتها، وتقسم الطّهارة إلى طهارةٍ باطنة وهي طهارة القلب من الشّرك الغل والحسد، وطهارةٌ حسيّة خارجية، وهي الطّهارة من الأحداث والأنجاس، والطهارة بحسب نوعها تكون طهارةٌ من الحدث وطهارةٌ من الخبث، أمّا طهارة الحدث فتكون بالغسل والوضوء والتيمم، والحدث هو ما يقوم بالبدن مما يمنع من العبادة كالصّلاة وغيرها، وهو حدثٌ أصغر كالبول والغائط ويجب به الوضوء، وحدثٌ أكبر كالجنابة من الجماع أو الإنزال والذي يجب به الغسل.[2]

شاهد أيضًا: هل الاغتسال يجزي عن الوضوء

معنى الجنابة

إنّ البحث عن طريقة الاغتسال من الجنابة تدفع للبحث عن معنى الجنابة، فالجنابة لغةً هي البُعد، وتُعرف أنّها إنزال المني أو التقاء الختانين، والجنابة هي الحدث الموجب للغسل وبها خروج المني من الرّجل أو المرأة على وجه الشّهوة، وأُطلق عليها اسم الجنابة لأنّها تكون سبباً لتجنب الصّلاة، وبها يجب الغسل على الجنب، فخروج المني أو المذي يؤدي إلى الجنابة، يوكون إمّا بسبب الجماع أو التّلذذ بين الزّوجين وهو ممّا لا حرج فيه، أو يكون بسبب شهوةٍ غير مباحة وهذا لا يجوز، ومن الجدير بالذّكر أنّ الإيلاج في فرج الزّوجة يوجب الغسل ولو لم يحدث الإنزال.[3]

طريقة الاغتسال من الجنابة

إنّ النّبيّ -صلى الله عليه وسلّم- علّم المسلمين طريقة الاغتسال من الجنابة، فهو خير مثالٍ وخير قدوة وخير معلّم، وقد ورد عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: “كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ، غَسَلَ يَدَيْهِ، وتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اغْتَسَلَ، ثُمَّ يُخَلِّلُ بيَدِهِ شَعَرَهُ، حتَّى إذَا ظَنَّ أنَّه قدْ أرْوَى بَشَرَتَهُ، أفَاضَ عليه المَاءَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ”.[3] فقد قسّم أهل العلم الغسل للجنابة إلى صفتين اثنتين وهما:[4]

• صفة الغسل الواجب: وهو الغسل من الجنابة الذي من أتى به أجزأه ذلك وارتفع حدثه، ويجمع بين أمرين النّيّة برفع الحدث ونيّة رفع الجنابة، والأمر الثّاني يكون بتعميم الماء على سائر الجسد، وهذا هو الواجب من الغسل الذي يجزئ رفع الحدث بإذن الله.
• صفة الغسل الكامل: وهو ما يجمع به المسلم بين الغسل الواجب والغسل المستحبّ ، ويكون بالنّية برفع الجنابة ثمّ أن يستنجي المسلم فيغسل فرجه، ثمّ يتوضأ وضوء الصّلاة، ويأخذ المسلم الماء بيده في أصول شعر رأسه ثمّ يفيض الماء ثلاث مرّات على رأسه بيده بأن يكون الأمر ثلاث حفنات، ثمّ يغسل سائر بدنه بالماء، ويبدأب الشّق الأيمن ثمّ الأيسر، ثم يختم بغسل قدميه بعد أن يتنحّى من مكان غسله، وقد ورد في الحديث الذي روته ميمونة بنت الحارث أمّ المؤمنين -رضي الله عنها- حين قالت: “أَدْنَيْتُ لِرَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ غُسْلَهُ مِنَ الجَنَابَةِ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ مَرَّتَيْنِ، أوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ أدْخَلَ يَدَهُ في الإنَاءِ، ثُمَّ أفْرَغَ به علَى فَرْجِهِ، وغَسَلَهُ بشِمَالِهِ، ثُمَّ ضَرَبَ بشِمَالِهِ الأرْضَ، فَدَلَكَهَا دَلْكًا شَدِيدًا، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ أفْرَغَ علَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ مِلْءَ كَفِّهِ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى عن مَقَامِهِ ذلكَ، فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ أتَيْتُهُ بالمِنْدِيلِ فَرَدَّهُ”.[5]
• وهذا الحديث فيه صفةٌ  شاملة للغسل، وقد قال أهل العلم أن من اقتصر على الحالة الأولى من الواجب في الغسل، فهو يُجزئه في رفع الجنابة والله أعلم.

موجبات الاغتسال من الجنابة

ينبغي على المسلم أن يعرف موجبات الاغتسال من الجنابة بعد معرفة طريقة الاغتسال من الجنابة، فالأمر الأوّل الموجب للغسل من الجنابة هو الجماع، والجماع يعني أن يلج فرج الرّجل في فرج المرأة ولو لم يُنزل، فإيجاب الغسل لا يتوقّف على نزول المني، بل يجب الغسل من الجنابة بغياب الحشفة بالفرج، ويجب الغسل على المرأة والرّجل سواء، أمّا الأمر الثاني الذي يوجب الغسل فهو نزول المني، وهو الماء الذي يخرج دفقاً من الرّجل ويخرج بغير دفق من المرأة، وكلاهما يكون معه لذّة ويعقبه فتور الجسد، والسّائل الذي يخرج من المرأة ترطيباً للفرج لا يلزم الغسل بل يكفيه الوضوء، والله ورسوله أعلم.[6]

حكم الاغتسال من الجنابة

قد فرض الله تعالى على المسلمين أن يتطّهروا بأبدانهم وبثيابهم وبالأمكنة الّتي يجلسون ويصلّون فيها، فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في حديثه عن الطّهارة: ” الطُّهورُ شطرُ الإيمانِ ، والحمدُ للَّهِ تملأُ الميزانَ”.[7] وإنّ الجنابة تذهب طهارة البدن، وعلى المسلم أن يتطهّر منها فيغتسل، حيث أجمع أهل العلم والمذاهب الفقهيّة على أنّ الاغتسال هو ما يُذهب الجنابة وهو فرضٌ على كلّ مسلمٍ ومسلمة، فالله -تبارك وتعالى- قد ذكر في كتابه العظيم: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}.[8] وتارك الاغتسال والتّطهّر من الجنابة، هو تاركٌ لأهمّ العبادات وأعظم الفروض وهي الصّلاة، فالصّلاة لا تصحّ من الجنب، والمصلّي يجب أن يكون طاهر البدن والثّوب، وترك الصّلاة هو أعظم الكبائر، فيحلّ عليه سخط الله تعالى وغضبه، ويكون خارجاً عن ملّة الإسلام، وإنّ صلّى وهو على جنابةٍ فذلك إثمٌ وكبيرةٌ أعظم، وصلاته لا تصحّ ولا تُقبل ولا تغني عنه شيئاً، كأنّه لا يصلّي، وقيل عن أهل العلم بأنّ من يصلّي على غير طهارةٍ متعمّداً فهو كافرٌ وخارجٌ من ملّة الإسلام والعياذ بالله، لذا من واجب المسلم عند الجنابة أن يسارع للاغتسال والتّطهر بالصّفة الّتي وردت في السّنّة الصّحيحة، ليؤدّي عباداته وفروضه الشّرعيّة على وجهٍ سليمٍ وصحيحٍ وكامل، والله أعلم.[9]

فوائد الاغتسال من الجنابة

قد ذكرنا سابقاً طريقة الاغتسال من الجنابة كما علّمنا إيّاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لكن قد يتساءل البعض عن سبب فرض الاغتسال من الجنابة على المسلمين، وماهي الحكمة والفائدة من ذلك، فلقد أشار أهل العلم بأنّ الأمر الرّبّانيّ بشيءٍ ما، قد يكون له العديد من الفوائد العائدة على الإنسان، وقد يكون لحكمةٍ بالغةٍ يعلمها الله تعالى، ولا يقع على عاتق الإنسان إلّا الامتثال والخضوع لأمره سبحانه، وقد قال الشّيخ العلّامة ابن القيّم رحمه الله في فوائد الاغتسال من الجنابة:[10]

• أنّ الاغتسال من الجنابة من الأعمال الحسنة والعظيمة في الشّريعة الإسلاميّة، فهي تعيد لجسم الإنسان القوّة بعد الضّعف الّذي يحلّبه، وتعيد لروحه النّشاط والهمّة، الّتي يفقدها، ويحلّ محلّها الكسل والثّقل، ولعلّ أكبر مثالٍ على ذلك ما قاله أبو ذرٍّ الغفاريّ رضي الله عنه، عندما اغتسل من الجنابة فقال كأنمّا ألقيت حملاً، لأنّ الجنابة تحدث في الجسم التّعب والثّقل والكسل، والاغتسال يزيل هذه الآثار.
• وهذه بعض الفوائد الّتي أشار إليها أهل العلم عند الاغتسال، وهناك العديد والكثير من الفوائد الأخرى والله أعلم.

الأغسال المستحبة

قد ورد في السّنّة النّبويّة المباركة العديد من الأوقات والأعمال الّتي يستحبّ الغسل بعدها، لما فيه ذلك من فائدةٍ وفضلٍ عظيمين، وسنذكر بعضاً منها على النّحو الآتي:[11]

• الاغتسال عند الإحرام.
• الاغتسال لدخول مكّة المكرّمة.
• الاغتسال ليوم عرفة.
• الاغتسال في يوم الجمعة.
• الاغتسال عند الإفاقة من الجنون أو الغيبوبة.
• الاغتسال في العيدين.
• الاغتسال بعد غسل الميّت.
• اغتسال الكافر بعد أن يسلم.

قد يهمك أيضًا: هل غسل يوم عرفة يجزئ عن الوضوء

قدّمنا في هذا المقال أحكاماً متعلّقةً ومتفرّقةً في الجنابة وغسلها، فتحدّثنا عن طريقة الاغتسال من الجنابة، وعن فوائد الاغتسال بعد الجنابة كذلك ذكرنا معنى الجنابة وتعريف الطّهارة، مع بيان موجبات الاغتسال، والأغسال المستحبّة والمسنونة.