ما هو دور الاختلاف في اثراء الفكر

دور الاختلاف في اثراء الفكر، فكما نعلم الاختلاف سنة كونية متأصلة في البشر منذ بداية الخلق، فعندما خلق الله البشر خلقهم من جنسين مختلفين ذكر وأنثى، وكان ذلك لحكمة يعلمها الله سبحانه وتعالى، ويتمثل الاختلاف بين البشر في أمور عدة، ولكننا لن نتطرق في مقالنا لجميع الاختلافات بين البشر نظرًا لسعة الأمر وشموليته، بل إننا سنتناول من خلال موقع المرجع في هذا المقال نوع واحد فقط من هذه الاختلافات وهو الاختلاف الفكري، الذي يؤدي دائمًا إلى اختلاف الآراء، مما ينشأ عن ذلك من خلافات بين الأشخاص، لذلك يجب أن يعرف كل فرد قيمة الاختلاف، ودوره في إثراء الفكر، وكيفية تطويعه من أجل مصلحته.

ما المقصود بالاختلاف الفكري

يعرف الاختلاف بشكل عام أن يقوم كل شخص بنهج مسلكًا يختلف عن الآخر سواء كان في أقواله أو أفعاله، ويأتي الاختلاف كنتيجة لتنوع الثقافات والتنوع الفكري لدى الأشخاص، ويعرف الاختلاف أو التنوع الفكري في اللغة على أنه اختلاف في ثقافة البشر، وطريقة تفكيرهم ورؤيتهم للأمور المختلفة من شخص لآخر ومن مجموعة للآخرى، ويشير الاختلاف الفكري في الاصطلاح على أنه تعدد في الرؤى والأنماط التعبيرية بين البشر مما ينعكس بأثر إيجابي على المجتمع بإحداث الثراء المعرفي والفكري وتعدد روافده، ويعد التنوع الثقافي في الأمة الواحدة كأحد مصادر قوتها، وفي بعض الأحيان يفضي الاختلاف بين البشر إلى التنازع.

ما هو دور الاختلاف في اثراء الفكر

الاختلاف في القرآن الكريم

يعتبر الدين الإسلامي هو الدين الوحيد الذي بالغ في الدعوة إلى الوحدة والأخوة بين جميع البشر، وحذر من التفرق والعداوة، فقال تعالى {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}[1]، وبالرغم من تأكيد الإسلام على تلك الأخوة والوحدة إلا أنه أكد على وجود اختلافات متعددة بين البشر فقال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[2]، وأشار الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز إلى الرأي على وجه الخصوص فقال {إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ}[3]، وكان يتحدث سبحانه وتعالى عن اختلاف رأي البشر عند نزول القرآن الكريم ما بين مصدق ومكذب.[4]

شاهد أيضًا: من الاثار الايجابيه للتنوع الثقافي في المملكة

دور الاختلاف في اثراء الفكر

أثبتت الدراسات والأبحاث التي أجراها علماء النفس والاجتماع في العقود الأخيرة، أن المجتمعات التي تتنوع بها الثقافات تكون ذات قدرة أكبر على الإبداع والابتكار مقارنة بالمجتمعات التي تفتقر للتنوع الثقافي والفكري وتتمثل إيجابيات الاختلاف في المجتمعات في التالي:[5]

  • يساعد الاختلاف الفكري في خلق بيئة تعددية تشجع الإنسان على الفضول مما يؤدي إلى إثراء الفكر.
  • يؤدي التعرف على أفكار ووجهات نظر مختلفة ورؤية المعلومات ذاتها من عدسات أخرى إلى السماح للفرد بالتنقل في مناطق فكرية مجهولة بداخل عقله، واكتشاف مهارات إبداعية وفلسفية جديدة تقوده إلى التألق والنجاح.
  • تؤدي عملية إثراء الفكر عن طريق التعرض لأفكار مختلفة إلى تطوير الجهاز العضلي الفكري الخاص بالإنسان.
  • يؤدي اختلاف وجهات النظر إلى نشأة نقاش فعال وخلاف بناء مما يؤدي إلى إحداث تناغم فكري بين الأفراد نتيجة تبادل الأفكار المختلفة، حيث أن الشخص يخرج من المحادثة يحمل فكرته وأفكار المشاركين معه.
  • يساعد اختلاف الرأي على تكوين محادثات ذات فاعلية مدروسة، وظهور حلول جديدة لحل المشكلة، كما تساعد أيضا على فتح آفاق جديدة في عقل الشخص تجاه موضوع محدد.
  • ثراء المجتمع بالثقافات والأفكار المتعددة.
  • تحقيق النهضة الاجتماعية الناتجة عن سعة الفكر.
  • يعزز الاختلاف الجانب النقدي لدى الأشخاص.
  • يساعد الثراء الفكري الناتج عن تبادل الأفكار على زيادة الإنتاجية المجتمعية.

ما هو دور الاختلاف في إثراء الفكر

كيفية تعزيز دور الاختلاف في اثراء الفكر

لكي يستطيع الأشخاص تعزيز دور الاختلاف في إثراء الفكر من الواجب عليهم الالتزام ببعض الآداب الخاصة بأدب الاختلاف التي تتضمنها النقاط التالية:[6]

  • تقبل الاختلاف: فمن الوارد أن يختلف شخصين ويكون كلاهما على صواب، ولكن كل منهم ينظر إلى الأمر بنظرة مختلفة، لذلك ليس على الأشخاص ذم الاختلاف، بل عليهم مدحه ففي بعض الأحيان يكون بمثابة الطريق الموصل إلى الصواب.
  • العذر بالجهل: لا يعني خطأ رأي الشخص الآخر أنه يتعمد التمسك بالضلال، بل قد يكون جاهلًا بالصواب.
  • العذر بالاجتهاد: قد يكون الشخص الآخر اجتهد في أمر ما غير ثابت بالدليل حتى وصل إلى هذا الرأي.
  • الرفق في الاختلاف: لا بد من نقد الرأي الآخر برفق ولين في القول.
  • عدم الحديث بغير علم: في حال كان الشخص غير واثق تمام الثقة من رأيه ويشك في صحته، فلا بد له من التأكد من صحة حديثه قبل البوح به في مجالس العلم أو المناقشات.
  • الابتعاد عن النقد الشخصي: لا بد للشخص أن يبتعد تمام البعد عن نقد شخصية من يختلف معه في الرأي، بل له نقد الرأي المطروح فقط دون التطرق لأبعاد شخصية، وأفكار أخرى دون الرأي محل الخلاف.
  • أدب الحوار: مراعاة أدب الحوار أثناء النقاش، واحترام الشخص الآخر إذا كان أكبر سنًا، والعطف عليه إذا كان أصغر سنًا.

شاهد أيضًا: منافع العلم أعظم من منافع المال

متى يصبح دور الاختلاف في اثراء الفكر دورًا فعالًا

قد يختلف شخصين ولا يحظى أي منهم على فائدة من تلك الخلاف لذلك من الواجب مراعاة بعض الأمور التي تجعل دور الاختلاف في إثراء الفكر ذات فاعلية:

  • يجب على كل شخص تقديم الأدلة والبراهين التي تدعم الرأي الذي يعرضه حتى لا ينتهي الحديث دون جدوى.
  • دراسة الفكرة أو الرأي المعروض أولًا قبل عرضه حتى لا يتسبب الشخص في تضليل غيره دون علم.
  • اختيار ألفاظ دقيقة عند في عرض المعلومات.
  • التركيز على الرأي أو القضية محل النقاش دون الالتفات إلى الخلافات الشخصية.
  • الإنصات للشخص الآخر عند الحديث وتجنب مقاطعته.

أقسام الخلاف من حيث الدوافع

وينقسم الخلاف من حيث دوافعه الداخلية لدى البشر إلى عدة لأقسام:

  • خلاف أملاه الهوى: وهذا النوع من الخلاف يكون مذمومًا لغلبة الهوى فيه عن الحق، وتتعدد الدوافع فقد يكون الدافع هو تحقيق مصلحة شخصية أو قد يكون بسبب حب الشخص في الظهور.
  • خلاف أملاه الحق: وهذا خلاف واجب، حيث أن الهدف منه هو ظهور الحق.
  • خلاف يتردد ما بين المدح والذم: وهو الخلاف القائم على اجتهاد كل شخص، دون وجود أدلة واضحة لهذا الأمر من الأساس.

كيفية تعزيز دور الاختلاف في اثراء الفكر

فوائد الاختلاف

وللاختلاف بمفهومه الإيجابي الذي يساهم في إثراء الفكر فوائد متعددة تتمثل في الآتي:

  • رياضة للأذهان: حيث أنه يحث العقل على التفكير، وينير له دروبًا جديدة.
  • تلاقح الآراء: مما يتسبب في ظهور أفكار جديدة وليدة هذا الاختلاف الفعال.
  • تعدد الاحتمالات: فالاختلاف يساعد الشخص على التعرف على احتمالات جديدة لم تكن في الحسبان.
  • ظهور افتراضات جديدة: حيث يفتح النقاش دروبًا مختلفة تساعد العقل على الوصول إلى الافتراضات التي يمكن للعقول الأخرى الوصول إليها.
  • تعدد الحلول: قد يجني الاختلاف أحيانًا ثماره العظيمة في ظهور حلولًا جديدة أمام الشخص ليهتدي بها إلى الحل المناسب.

أسباب نشأة الاختلاف الفكري

قد يكون الاختلاف بين الشخص والآخر اختلاف فطري نشأ مع الشخص منذ نشأته، وقد يكون اختلاف مكتسب ناتج عن عدة عوامل منها:

  • اختلاف المعتقدات التي يتبناها الشخص مما يؤثر على آرائه وأفكاره.
  • تأثير اختلاف ظروف البيئة التي يعيش فيها الأشخاص.
  • اختلاف المكانة العلمية.
  • معايشة تجارب حياتية وظروف مختلفة.
  • اختلاف الميزان، فتختلف نظرة الناس للأمور وحكمهم على الصواب والخطأ.

المقبول والمردود من الاختلاف

كما نعلم أن سنة الله في خلقه أن خلقهم بعقول ومدارك مختلفة، بل إنهم أيضًا بألسنة وألوان وأفكار وتخيلات مختلفة، وكل هذه الاختلافات تؤدى إلى اختلاف نظرتهم وحكمهم على الأشياء، وكان هذا دليلا على قدرة الله سبحانه وتعالى، فإذا فكر الإنسان مليًا لوجد أن التنوع في مظاهر الحياة المحيط بنا اليوم لما كان وجد لو خلق الله الناس سواسية، فهذا الاختلاف الواقع بين البشر هذه الأيام جزء لا يتجزأ من الظاهرة الكونية، فإن لم يتجاوز الآداب الخاصة به، كان اختلافًا مقبولًا وذو فوائد عظيمة.

شاهد أيضًا: التفكير عملية ينظم بها العقل خبراته بطريقة جديدة.

الفرق بين الاختلاف والجدل والشقاق

يظل الاختلاف اختلافًا ما دام لم يخرج أي من الشخصين عن آداب الاختلاف، وفي حال اشتد أحد الأشخاص في اعتداده بما عليه من رأي، واستمات في الدفاع عنه، وإقناع الآخرين به تحول الاختلاف إلى جدل، فالجدل في اللغة يعرف على أنه المنازعة ومحاولة المغالبة عند الاختلاف أو المفاوضة، فإذا اشتد التنازع بين الأشخاص وحاول كل شخص الاستبداد برأيه دون الحرص على معرفة الصواب من الخطأ سُمي هذا شقاقًا.

رأي العلماء في الاختلاف

قد حذر العلماء من الاختلاف بكل أنواعه بالرغم من الفوائد التي تعود على الأشخاص منه، وأكدوا على اجتنابه،حيث قال ابن مسعود رضي الله عنه أن “الخلاف شر”، وقال السبكي رحمه الله “أن الرحمة تقتضي عدم الاختلاف”، وكذا السنة فقد خطبَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ النَّاسَ فقالَ “إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ ، قد فرَضَ عليكمُ الحَجَّ فقالَ رجلٌ : في كلِّ عامٍ ؟ فسَكَتَ عنهُ حتَّى أعادَهُ ثلاثًا فقالَ : لَو قُلتُ نعَم لوَجَبَتْ ، ولَو وَجَبَتْ ما قمتُمْ بِها ذَروني ما ترَكْتُكُم ، فإنَّما هلَكَ من كانَ قبلَكُم بِكَثرةِ سؤالِهِم واختلافِهِم علَى أنبيائِهِم ، فإذا أمرتُكُم بالشَّيءِ فخُذوا بهِ ما استَطعتُمْ ، وإذا نَهَيتُكُم عن شيءٍ فاجتَنبوهُ”[7].

أضرار الاختلاف

والاختلاف كسائر الأشياء له من الأضرار مثل ما له من الفوائد لذلك من أضرار الاختلاف مايلي:

  • وقوع التفرقة والتنازع بين الأشخاص.
  • نشوب المعارك التي تفضي إلى زعزعة السلام.
  • وقوع الكراهية بين الأفراد.
  • انتشار الفتن.

وفي نهاية مقالنا عن دور الاختلاف في اثراء الفكر، نكون قد وضحنا معنى الاختلاف ومشروعيته في القرآن الكريم، وكيفية تعزيز دور الاختلاف في إثراء الفكر، وننوه على أن الاختلاف كونه سنة كونية سنها الله على البشر فكان ذلك لحكمة يعلمها الله سبحانه وتعالى، لذلك من الواجب علينا كمسلمين وغير مسلمين تقبل اختلافنا.

المراجع

  1. سورة آل عمران , الآية 103.
  2. سورة الحجرات , الآية 13.
  3. سورة الذاريات , الآية 8.
  4. العلواني ،طه جابر , 1407هـ ،أدب الاختلاف في الإسلام ،الطبعة الأولى
  5. mandumah.com , التنوع الفكري وأثره في بناء النهضة من منظور اسلامي , 18/10/2021
  6. alukah.net , أدب الاختلاف في الإسلام , 18/10/2021
  7. تخريج المسند , شعيب الأرناؤوط ،أبو هريرة ،10255 ،صحيح.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *