من بنى حدائق بابل المعلقة

من بنى حدائق بابل المعلقة، فهذه الحدائق التي تعد من عجائب العالم القديم كما صنفها علماء تلك العصور، هي ذاتها التي حيرت علماء الآثار والمؤرخين على مر قرون من البحث الدائم عن حقيقتها، فبقدر ما هي قمة في الإبداع من حيث جمالها وإتقانها والطريقة التي بنيت بها، بقدر ما هي لغز غامض لازال البحث عنه جاري حتى يومنا هذا، وفي مقالنا اليوم عبر موقع المرجع سوف نتعرف على من هو منشئ حدائق بابل المعلقة وكل ما يدور حولها من تساؤلات.

حدائق بابل المعلقة

تعد حدائق بابل المعلقة من الحدائق الأسطورية التي زينت وعظمت واحدة من أشهر الإمبراطوريات في بلاد مابين النهرين، وعلى مدى عدة عقود خلت، فقد حاول عدد من المؤلفين الكلاسيكيين وصف الحدائق المعلقة، اعتماداً على النصوص اليونانية والرومانية، التي رسمت صور حية لحدائق بابل المعلقة الفاخرة، التي كانت تظهر وسط المناظر الطبيعية الحارة والقاحلة لبابل القديمة، ونتدحرج النباتات المورقة مثل الشلالات، أسفل تراسات الحديقة التي يبلغ ارتفاعها قرابة 75 قدم، إضافة إلى النباتات والأعشاب والأزهار، والعطور المنتشرة في الواحة النباتية الشاهقة المليئة بالتماثيل والأعمدة الحجرية الطويلة، وكانت تؤلف سلسلة من المصاطب ذات المناظر الطبيعية، وكما وصفتها الكتب القديمة، فقد بنيت هذه الحدائق بفن راقي ومهارة وإتقان عالي، ومخالف لقوانين الطبيعة إلى حد ما، وهذا ما جعلها تصنف على إنها أحد عجائب الدنيا السبعة القديمة.[1]

شاهد أيضًا: من اشهر ملوك الكلدانيون

من بنى حدائق بابل المعلقة

بالرغم من النزاع حول من قام ببنائها لأول مرة، إلا أن غالبية كتب التاريخ والمؤرخين والمخطوطات القديمة، أرجعت بناء الحدائق المعلقة، إلى الملك البابلي نبوخذ نصر الثاني، وهو أحد ملوكها العظماء، الذين أسسوا حضارة قوية وساهموا بازدهار حضارتها، كما كان أحد الملوك الذين جعلوا آثار هذه الحضارة ما زالت خالدة حتى اليوم، بما في ذلك بنائه الحدائق المعلقة، التي تفترض الأسطورة أنه تم بنائها حرة في الهواء، في حين يقول علماء الآثار أن الحدائق بنيت داخل جدران القصر الملكي في بابل، ولم تكن معلقة في الهواء خارج جدران القصر كما تناقلت الكتب القديمة، وبغض النظر عن كثرة الأقاويل، ما زالت الأبحاث جارية حول حقيقة هذه الحدائق.[1]

نبذة عن حياة نبوخذ نصر الثاني

نبوخذ نصر الثاني، هو من أعظم ملوك سلالة الكلدانيين الذي حكموا بابل، والذي عاش بين القرنين السادس والسابع قبل الميلاد، وحكم حوالي 605 إلى 561 قبل الميلاد، والذي كان معروفًا بقوته العسكرية وروعة عاصمته بابل ودوره المهم فيها التاريخ البابلي، ونبوخذ نصر الثاني، هو الابن البكر، وخليفة، الملك نبوبولاسر مؤسس الإمبراطورية الكلدانية، وبدأ نبوخذ نصر مسيرته العسكرية عندما كان شابًا، وظهر كمسؤول عسكري في الإمبراطورية بحلول عام 610 ق.م، وفي عام 606 ق.م، شغل منصب القائد العام مكان والده، بعد وفاة والده في 16 أغسطس 605 ق.م، عاد نبوخذ نصر إلى بابل وتولى العرش في غضون ثلاثة أسابيع، هذا التوحيد السريع لانضمامه للجيش، وحقيقة أنه يستطيع العودة إلى الحكم الذي كان سيسلب منه، جعل منه قائظاً قوياً في التاريخ، وكان نبوخذ نصر في تلك الفترة منشغل بحروبه مع المصريين القدامى، واستطاع التمدد من العراق إلى سوريا ومصر غرباً، وحتى أطراف شبه الجزيرة العربية جنوباً، وفي آخر أيامه، كان على اشتباك دائم مع الفرس من جهة الشرق.[1]

أين تقع حدائق بابل المعلقة

من حيث المخطوطات التاريخية القديمة التي تكلمت عن هذه الحدائق، فموقعها هو في مدينة بابل، التي تبعد عن العاصمة العراقية بغداد حوالي 80 كم، ومع ذلك، لا يزال الموقع الحقيقي لحدائق بابل المعلقة لغزا لم يتم حله، فالبعض ينسبها إلى محافظة نينوى العراقية، حيث كانت نينوى القديمة هي حاضرة الدولة الآشورية قبل انهيارها، ووفقاً للأبحاث التي أجريت في أواخر القرن العشرين، وأوائل القرن الحادي والعشرين، أشارت إلى أن النظريات الشائعة التي تقول أن الحدائق المعلقة قد ازدهرت مرة واحدة في بابل فوق سطح أو زقورة متدرجة، هي نظرية خاطئة، حيث يرجح العلماء، أنه ربما كانت الحدائق المعلقة هي تلك التي بناها سنحاريب  بين عامي 704 و681 ق.م، في نينوى، ولا زال هذا الموضوع محض جدل بين العلماء حتى اليوم.[2]

متى بنيت حدائق بابل المعلقة

بحسب التقييم والتصوير الذي وضعه العلماء القدامى، وخاصة العلماء اليونايين الذي وضعوا قائمة عجائب الدنيا السبعة القديمة، والتي تحدد أن الملك البابلي نبوخذ نصر الثاني، شيد الحدائق المعلقة الفاخرة في القرن السادس قبل الميلاد، ولكن لم يتم تحديد العام الفعلي لبنائها، وإنما تم حصر بنائها في فترة حكمه التي امتدت بين عامي 605 و561 قبل الميلاد، في حين أن الحدائق المعلقة التي ذكر العلماء أنها بنيت في عهد الملك سنحاريب في نينوى، هي  بين عامي 704 و681 ق.م، وجل هذا الاختلاط الذي حصل في تحديد الوقت الذي بنيت فيه الحدائق المعلقة، يرجع إلى تدمير الحدائق من جهة، وعدم وجود آثار بافية لها سوى في المخطوطات القديمة، وهذا ما جعل الكثير من العلماء يعتقدون أنها مجرد خرافة.[2]

سبب بناء حدائق بابل المعلقة

بحسب الرواية البابلية الصادرة عن أحد جماهير العلماء، والمدافعة عن نسب الحدائق المعلقة إلى مدينة بابل وإلى الملك نبوخذ نصر الثاني، فقد سردت أن الملك البابلي بناها كهدية لزوجته أميتيس، التي كانت تشعر بالحنين إلى موطنها للنباتات الجميلة والجبال في موطنها الأصلي ميديا، وهو الجزء الشمالي الغربي من إيران الحالية، وكان هدف نبوخذ نصر الثاني وقتها هو جعل الصحراء تتفتح، مما قد يجلب السعادة والسرور إلى قلب زوجته اليائسة، على بعدها عن موطنها الأصلي، وفي رواية أخرى، أن الملك البابلي، بنى الحدائق المعلقة في ذكرى وفاة زوجته أميتيس، وذلك لحبه الشديد لها.[2]

حقيقة وجود حدائق بابل المعلقة

اعتبرت حدائق بابل المعلقة، واحدة من عجائب الدنيا السبعة لشدة عظمتها، وبالرغم من ذلك، فقد اختلف جمهور العلماء والمؤرخين في حقيقة وجودها، فانقسموا بذلك إلى فريقين، وهما:[3]

• الفريق الأول: وهم من أيد وجودها، وهؤلاء انقسموا إلى قسمين أيضاً، القسم الأول، وهم بعض العلماء الذين زعموا أن الحدائق لم تكن في بابل وإنما في نينوى عاصمة الآشوريين، بينما العلماء الآخرون، ظلوا متمسكين بما روته الكتب القديمة، ومع ذلك هم افتقروا إلى الدليل، ولذلك هم يعتمدون على علم الآثار لتقديم دليل إيجابي.
• الفريق الثاني: وهم مجموعة العلماء الذين يدحضون حقيقة هذه الحدائق، على الأقل كما وصفتها الكتب، كأعجوبة في طريقة ريها وطريقة بنائها وما إلى ذلك، ولا يزال هؤلاء العلماء يعتبرونها من نسج الخيال، والجدير بالذكر، أن النصوص البابلية القديمة، مازالت صامتة وعاجزة، بشأن الدفاع عن حقيقة هذه المسألة.

آلية الري في حدائق بابل المعلقة

من أكثر ما جعل من حدائق بابل المعلقة أعجوبة في ذلك الوقت، هو نظام الري الاستثنائي الذي تمتعت به في ذلك العصر، فقد وُصفت بأنها سُقيت بِنظام استثنائي للري، وسُقِفت بشرفات حجرية وُضعت عليها طبقات من المواد المختلفة، مثل القصب والبيتومين والرصاص، وذلك حتى لا تتسرب مياه الري عبر المدرجات، وعلى الرغم من عدم العثور على آثار معينة للحدائق المعلقة، إلا أن عالم الآثار الألماني، روبرت كولدوي، كشف النقاب عن سلسلة غير عادية من غرف التأسيس والأقبية في الركن الشمالي الشرقي من القصر في بابل، وقد قدر العلماء أنه ربما تم استخدام بئر في أحد الأقبية بالاقتران مع مضخة سلسلة، في حين ذكر عالم الآثار البريطاني السير ليونارد وولي في كتاباته، أنها كانت حدائق أسقف مقامة على سلسلة من مصاطب الزقورة، التي كانت تروى بمضخات من نهر الفرات.[3]

أسباب دمار حدائق بابل المعلقة

من المفترض أن حدائق بابل المعلقة بنيت على ارتفاع عال فوق الأرض على شرفات حجرية منقسمة، ويعتقد بعض المؤرخين وعلماء الآثار، أن الحدائق دمرت بسبب الحروب التي قضت على الحضارة البابلية والتعرية، بينما يعتقد علماء آخرون أن زلزالًا دمرها، ومع ذلك، فإن الروايات اليونانية والرومانية المتعددة عن الحدائق المعلقة، كانت مكتوبة بخط اليد بعد قرون من التدمير المزعوم للعجائب، ولم تكن هناك روايات مباشرة، وعلى مدى قرون خلت، بحث علماء الآثار عن بقايا هذه الحدائق، لكن دون جدوى، حتى أن مجموعة من علماء الآثار الألمان، أمضوا عقدين من الزمن في مطلع القرن العشرين، في محاولة لاكتشاف علامات العجائب القديمة دون أي حظ، وفي النهاية، تسبب عدم وجود أي آثار في إثارة المتشككين للتساؤل عما إذا كانت عجائب الصحراء المفترضة حقيقة أم أنها مجرد سراب.[3]

شاهد أيضًا: من اقدم الحضارات واطولها زمنا في التاريخ

عجائب الدنيا السبعة

وفقاً للتاريخ، يعود أصل تصنيف عجائب الدنيا السبعة إلى حوالي العام 225 ق.م، حيث قام المهندس اليوناني القديم فيلو، بإعداد قائمة بسبعة أشكال وأبنية تم تشييدها، كانت تمثل أعجوبات الحضارة في ذلك العصر من التاريخ القديم، وفي الوقت الحالي، وتحديداً في عام 2000م، أطلقت مؤسسة سويسرية حملة لتحديد عجائب الدنيا السبع الجديدة، وبالنظر إلى أن قائمة العجائب السبع الأصلية، قد تم تجميعها في القرن الثاني قبل الميلاد، وأن مشاركًا واحدًا فقط لا يزال قائمًا، وهو أهرامات الجيزة، فقد قامت هذه المؤسسة السويسرية بإجراء تصويت عبر الإنترنت، تم من خلاله وضع العجائب السبع الحديثة التي نعرفها في وقتنا الحالي.[4]

عجائب الدنيا السبعة القديمة

وهي التي تم وضعها من قبل المهندس اليوناني القديم فيلو قرابة العام 225 ق.م، والتي تضم أهرامات الجيزة في مصر الفرعونية، والتي لا تزال قائمة إلى حد الآن، والتي أيضاً مازالت تكشف عن الأسرار الكثيرة للفراعنة، وثاني هذه العجائب القديمة، وهي العجيبة الأكثر غموضاً على الإطلاق بين كل العجائب، ألا وهي حدائق بابل المعلقة، أما هجائب الباقية، حصب تصنيف فيلو،  تمثال زيوس في أولمبيا، التي تعتبر مدينة الآلهة عند اليونانيين القدامى، ومعبد أرتميس في أفسس، وضريح هاليكارناسوس، وعملاق رودس، وفراعنة الإسكندرية المحنطين في المومياءات، وهي وسيلة اتخذها المصريين القدماء لحفظ جثث ملوكهم بعد الموت. 

عجائب الدنيا السبعة الحديثة

وهي العجائب التي تم الإدلاء بأكثر من 100 مليون صوت عليها عبر الإنترنت أو عن طريق الرسائل النصية، بعد الحملة التي أطلقتها مؤسسة سويسرية، والتي تم الإعلان عن النتائج النهائية لها في عام 2007م، وهذه العجائب هي:

• سور الصين العظيم: والذي بدأ العمل عليه في القرن السابع قبل الميلاد، واستمر لألفي عام، وهو عبارة عن جدارين متوازيين يمتدان لمسافات طويلة، وتنتشر أبراج المراقبة والثكنات في هذا السور، وعلى الرغم من أنه تم بناؤه لمنع الغزوات والغارات، إلا أن الجدار فشل إلى حد كبير في توفير الأمن الفعلي.
• الأهرامات الفرعونية: وهي عبارة عن قبور ثلاثة من الفراعنة القدامى، خوفو وخفرع ومنقرع، وبالرغم من وجود عدة أهرامات صغرى أخرى، إلا أن هذه الأهرامات الثلاثة كان لها إبداعية معمارية خاصة ومميزة، والتي كانت تعتبر شبه مستحيلة بالنسبة للمقومات التي كانت متوافرة في ذلك العصر، 
• تشيتشن إيتزا: وهي إحدى مدن المايا في شبه جزيرة يوكاتان في المكسيك، وقد ازدهرت في القرنين التاسع والعاشر الميلاديين، وفي ظل قبيلة المايا إتزا المتأثرين بشدة بالتولتيك، تم بناء عدد من المعالم والمعابد الهامة، ومن أبرزها الهرم المتدرج، الذي يرتفع 24 مترًا فوق مين بلازا.
• البتراء: والتي تقع في الأردن، في واد بين جبال ومنحدرات من الحجر الرملي، وقيل أنها واحدة من الأماكن التي ضرب فيها نبي الله موسى صخرة وتدفقت المياه، ويرجع تاريخها إلى الأنباط، حيث حفر الأنباط المساكن والمعابد والمقابر في الحجر الرملي.
• ماتشو بيتشو: والتي تقع في البيرو، وهي أحد مواطن الإنكا الذي يقع هذا بالقرب من كوزكو، والذي اكتشف، في عام 1911م من قبل هيرام بينغهام، وفي أحد الروايات، يقال أنه كان معقل إنكا سري، استخدم خلال تمرد القرن السادس عشر ضد الحكم الإسباني، وفي رواية أخرى، كان الغرض من ماتشو جعله موطن لعذارى الشمس، وهز النساء اللواتي يعشن في الأديرة تحت نذر العفة. 
• تمثال المسيح المخلص: وهو تمثال ضخم ليسوع المسيح يقف على قمة جبل كوركوفادو في ريو دي جانيرو، وتعود أصوله إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى مباشرة، عندما كان بعض البرازيليين يخشون مد الإلحاد، فاقترحوا بناء تمثالًا صممه في النهاية هيتور دا سيلفا كوستا، وكارلوس أوزوالد، وبول لاندوفسكي.
• مدرج الكولسيوم: وتم بناؤه في روما في القرن الأول بأمر من الإمبراطور فيسباسيان، ويبلغ حجم المدرج 189 × 156 متر، وهو إنجاز هندسي، ويتميز بنظام معقد من الأقبية التي كانت قادرة على استيعاب 50000 متفرج، حيث أنهم شاهدوا مجموعة متنوعة من الأحداث الرياضية الأولمبية في روما القديمة، مثل معارك المصارعين وغيرها.
• تاج محل: وهو عبارة عن ضريح تم تشييده في مدينة أغرا بالهند، وهو أحد أكثر المعالم شهرة في العالم والدال على العمارة المغولية، وقد بناه الإمبراطور شاه جهان، وذلك لتكريم زوجته ممتاز مائل، التي توفيت عام 1631م، وهي تضع مولودها الرابع عشر.

وبهذا القدر نصل إلى نهاية مقالنا الذي كان بعنوان من بنى حدائق بابل المعلقة، والذي تعرفنا من خلاله على هذه الحدائق ومن بناها ولما قام ببنائها ومتى قام بذلك وأشرنا إلى حياته ببعض التفصيل، كما تعرفنا على موقعها وسبب دمارها وحقيقة وجودها وما هي علاقتها بعجائب الدنيا السبعة القديمة، وما هي العجائب السبعة في وقتنا الحالي.