من اول من طاف بالبيت العتيق

يُعدُّ سؤال من اول من طاف بالبيت العتيق من الأسئلة الشرعية الإسلامية التي تحتاج إجابتها إلى البحث في المصادر الشرعية السليمة والصحيحة لمعرفة الشخص الأول الذي أكرمه الله -سبحانه وتعالى- بالطواف حوله بيته العتيق، ويهتمُّ موقع المرجع في الحديث بالتفصيل عن الرجل الأول الذي طاف بالبيت العتيق، كما يهتمُّ بالحديث عن البيت العتيق وعن حكم الطواف ومشروعيته وفضله وآدابه في الإسلام.

البيت العتيق

إنَّ البيت العتيق أو ما يُعرف باسم الكعبة الشريفة هي قبلة المسلمين جميعًا وهي مقصدهم في الحج والعمرة، والبيت العتيق هو أول بيت رُفع في الأرض، حيث شاء الله تعالى أن يُرفع البيت العتيق في مكة المكرمة، وثمَّة في الإسلام اختلاف حول من قام برفع البيت العتيق، ولكنَّ أهل العلم جميعًا أجمعوا على أنَ البيت العتيق هو أول بيت رُفع في الأرض، والدليل هو قول الله تعالى في سورة آل عمران: “إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ”[1]ويُسمَّى البيت العتيق أيضًا البيت الحرام، والسبب هو أنَّ الله تعالى حرَّم على الناس القتال والاقتتال فيه، وهو أقدس مكان على وجه الأرض، حفظه الله تعالى عبر السنين الطويلة بحفظه وصانه بصونه، ليظل هذا البيت حتَّى اليوم قبلة المسلمين في العالم ومقصدهم في الحج، يطوفون به ويصلون إليه ويتباركون عنده، والله تعالى أعلم.[2]

من اول من طاف بالبيت العتيق

إنَّ في أوَّل من طاف بالكعبة أو البيت العتيق أو البيت الحرام قولين اثنين، انقسم أهل العلم فيما بين هذين القولين، فكلّ واحد منهم رجَّح قوله وأيده بالأدلة الشرعية، وفيما يأتي تفصيل في هذين القولين:[3]

  • الرأي الأول: رأى بعض أهل العلم أنَّ أول من طاف البيت العتيق هم الملائكة الذين أمرهم الله تعالى ببناء البيت العتيق، وأصحاب هذا الرأي يؤيدون فكرة أنَّ الملائكة الكرام هم من قاموا ببناء المسجد الحرام أو البيت العتيق، والله أعلم.
  • الرأي الثاني: يرى قسم آخر من أهل العلم أنَّ أول من طاف بالبيت العتيق هو نبي الله آدم عليه الصَّلاة والسَّلام، وهذا القول ورد عند ابن كثير في تفسيره، حيث ذكر أنَّ رب العالمين -تبارك وتعالى- أرسل الوحي الأمين جبريل -عليه السَّلام- إلى نبي الله آدم وأمره ببناء الكعبة الشريفة، فقام آدم ببنائها، ثمَّ أمره جبريل -عليه السَّلام- بالطواف حول الكعبة، فطاف بها، فكان نبي الله آدم -عليه السَّلام- أوَّل من طاف بالبيت العتيق، والله تعالى أعلم.

شاهد أيضًا: من هو النبي الذي آمن به جميع قومه وتفاصيل قصته وحياته ووفاته

مشروعية الطواف بالبيت العتيق

يُعدُّ الطواف بالبيت العتيق شعيرة من شعائر المناسك وركنًا أساسيًا من أركان الحج في الإسلام، وهو ركن من أركان العمرة أيضًا، فلا يصحُّ الحجُّ ولا تصح العمرة إلَّا بالطواف بالبيت العتيق، وقد خصَّ الله تعالى بيته العتيق بالطواف دون غيره، وخصَّه أيضًا بالصلاة اتجاهه، فالطواف بالبيت العتيق عبادة وتوحيد وامتثال لأوامر الله تعالى، والطواف بغيره شرك والعياذ بالله، والأدلة على مشروعية الطواف بالبيت العتيق دون غيره من بيوت العالمين كثيرة ومتعددة، وفيما يأتي نذكر بعض الأدلة على مشروعية الطواف من القرآن الكريم ومن السنة النبوية الشريفة أيضًا:

  • قال تعالى في سورة الحج: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}[4].
  • وقال تعالى في سورة الحج أيضًا: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}[5].
  • روت السيدة عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال:إنَّما جُعِلَ الطوافُ بالكَعبةِ، وبينَ الصَّفا والمَروةِ، ورميُ الجِمارِ لإقامةِ ذِكرِ اللهِ عزَّ وجلَّ”[6].

فضل الطواف بالبيت العتيق والحكمة منه

إنَّ الطواف بالبيت العتيق من أعظم العبادات التي شرعها الله تعالى لعباده المسلمين، قال تعالى في سورة الحج: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}[5]ويكمن فضل هذه العبادة في أنَّ الله تعالى جعلها مخصوصة في أقدس مكان على الأرض، وفي أول بيت رُفع للناس أجمعين بأمر من رب العالمين سبحانه وتعالى، ولأنَّ هذه العبادة من أعظم العبادات شاء الله تعالى أن تكون في البيت العتيق دون غيره من بيوت الله في كلِّ بقاع الأرض، فهي ليست اعتكافًا يتم في أي مسجد من مساجد الله، وليست صلاة تصح في كلِّ مكان على الأرض، وقد جاء عن ابن قدامة فيما يتعلَّق بفضل عبادة الطواف أنَّه قال: “يُستحَبّ لمن أتى مكّة أن يطوف بالبيت؛ لأنّ الطواف صلاة، والطواف أفضل من الصلاة، والصلاة بعد ذلك” والقصد هنا صلاة التطوع وليست الصلاة الواجبة.

وجاء عن ابن تيمية أنَّه قال: “فأمّا كون الطواف بالبيت أفضل من العمرة لمن كان بمكّة؛ فهذا لا يستريب فيه من كان عالماً بسُنّة رسول الله، وسُنّة خلفائه، وآثار الصحابة، وسلف الأمة، وأئمّتها”، وهذه كلها أقوال تبين فضل هذه العبادة العظيمة، وجدير بالقول إنَّ الله تعالى لم يقضَ أمرًا من أمور إلَّا بحكمة إلهية بالغة، الحكمة من الطواف هي إقامة ذكر الله تعالى، وقد بيَّنها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم- في قوله في الحديث الشريف: “إنَّما جُعِلَ الطوافُ بالكَعبةِ، وبينَ الصَّفا والمَروةِ، ورميُ الجِمارِ لإقامةِ ذِكرِ اللهِ عزَّ وجلَّ”[6]، والله تعالى أعلم.

آداب زيارة البيت العتيق

لقد وضع الإسلام مجموعة من الأداب التي يجب على المسلم أن يلتزم بها إذا همَ بزيارة البيت العتيق، وهذه الآداب هي:

  • أن يقدم المسلم رجلَهُ اليُمنى على اليسرى إذا دخل المسجد، وأن يدعو بدعاء دخول المسجد، وهو أن يقول: “أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، الحمد لله، اللهم صلِّ وسلم على محمد وعلى آل محمد، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك”.
  • أن يؤدي تحية المسجد، وتحية المسجد في الإسلام صلاة ركعتين، ولكن إذا جاء المسلم إلى البيت العتيق مُحرمًا فتحية المسجد هي الطواف أولًا، فالطواف في هذه الحال أفضل من الصلاة.
  • أن ينزه المسلم المسجد عن الخصومة وعن رفع الصوت وعن كل ما من شأنه أن يجلب الأذى للمسلمين.
  • أن يكثر المسلم في البيت العتيق من العبادة، فيلهج لسانه بالذكر دون توقف، ويصلي ويطوف بالبيت الحرام أيضًا.
  • أن يبتعد عن المعاصي مهما صغرت، وعن السيئات مهما قلَّ شأنها.
  • أن يتجنب مزاحمة الناس وخاصة عند الحجر الأسود، فالمعروف أنَّ الناس تزدحم عند الحجر بشكل دائم.
  • ومن آداب زيارة البيت العتيق أن يقدم المسلم رجله اليسرى عند الخروج من المسجد، وأن يقرأ دعاء الخروج أيضًا، والدعاء هو: “اللهم إني أسألك من فضلك، رب اغفر لي، وافتح لي أبواب فضلك” وأن يصلِّي على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، والله تعالى أعلم.

بهذه المعلومات نكون قد وصلنا إلى نهاية هذا المقال الذي أجبنا فيه عن سؤال من اول من طاف بالبيت العتيق وتحدَثنا عن مشروعية عبادة الطواف في الإسلام والحكمة الإلهية من هذه العبادة، وختمنا المقال بالحديث عن آداب زيارة البيت العتيق الذي نص عليها الشرع الإسلامي.

المراجع

  1. سورة آل عمران , الآية 96.
  2. wikiwand.com , الكعبة , 10/06/2024
  3. islamweb.net , أول من طاف ببيت الله الحرام , 10/06/2024
  4. سورة الحج , الآية 26.
  5. سورة الحج , الآية 29.
  6. تخريج المسند , شعيب الأرناؤوط، عائشة أم المؤمنين، 24468، إسناده حسن.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *