هل يصلى على المنتحر

هل يصلى على المنتحر، حفظ النفس من المقاصد العليا للشريعة الإسلامية، وقتل النفس بغير حق من أكبر الكبائر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا على زجر المسلم عن قتل نفسه، لذلك يهتم موقع المرجع في الحديث عن هل يصلى على المنتحر، وعن حكم الانتحار في الاسلام، وعن غسل وتكفين المنتحر ودفنه، وعن جزاء المنتحر.

حكم الانتحار في الإسلام

الانتحار من كبائر الذنوب، وقد جاء الوعيد الشديد في حق من فعل ذلك، لكنه لا يخرج عن دائرة الإسلام، وقد بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن المنتحر يعاقب بمثل ما قتل نفسه به، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “مَن تَرَدَّى مِن جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهو في نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فيه خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَن تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ في يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَن قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ في يَدِهِ يَجَأُ بِهَا في بَطْنِهِ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا”،[1] وعن ثابت بن الضحاك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “مَن قَتَلَ نَفْسَهُ بشيءٍ في الدُّنْيا عُذِّبَ به يَومَ القِيامَةِ”،[2] وعن جندب بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كانَ فِيمَن كانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ به جُرْحٌ، فَجَزِعَ، فأخَذَ سِكِّينًا فَحَزَّ بهَا يَدَهُ، فَما رَقَأَ الدَّمُ حتَّى مَاتَ، قالَ اللَّهُ تَعَالَى: بَادَرَنِي عَبْدِي بنَفْسِهِ، حَرَّمْتُ عليه الجَنَّةَ”.[3][4]

هل يصلى على المنتحر

يرى جمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية والشافعية) أن المنتحر يصلى عليه، لأنه لم يخرج عن الإسلام بسبب قتله نفسه، ولما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “صلُّوا على منْ قال لا إلهَ إلا اللهُ”، ولأن الغسل والصلاة متلازمان عند المالكية، فكل من وجب غسله وجبت الصلاة عليه، وكل من لم يجب غسله لا تجب الصلاة عليه، وقال عمر بن عبد العزيز والأوزاعي وهو رأي أبي يوسف من الحنفية: لا يصلى على قاتل نفسه بحال، لما روى جابر بن سمرة: “أُتِيَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ برَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ بمَشَاقِصَ، فَلَمْ يُصَلِّ عليه”[5] ولما روى أبو داود: “أَنَّ رَجُلاً انْطَلَقَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ عَنْ رَجُلٍ قَدْ مَاتَ قَال: وَمَا يُدْرِيكَ؟ قَال: رَأَيْتُهُ يَنْحَرُ نَفْسَهُ، قَال: أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟ قَال: نَعَمْ. قَال. إِذَنْ لاَ أُصَلِّي عَلَيْهِ”،[6] وعلله بعضهم بأن المنتحر لا توبة له فلا يصلى عليه، وقال الحنابلة: لا يصلي الإمام على من قتل نفسه عمدًا، ويصلي عليه سائر الناس، أما عدم صلاة الإمام على المنتحر فلحديث جابر بن سمرة السابق ذكره، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يصل على قاتل نفسه، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- هو الإمام، فألحق به غيره من الأئمة، وأما صلاة سائر الناس عليه، فلما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه حين امتنع عن الصلاة على قاتل نفسه لم ينه عن الصلاة عليه. ولا يلزم من ترك صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- ترك صلاة غيره، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في بدء الإسلام لا يصلي على من عليه دين لا وفاء له، ويأمرهم بالصلاة عليه.[7]

غسل وتكفين المنتحر ودفنه

الانتحار وإن كان من موبقات الذنوب، وصاحبه متوعد بالخلود في النار، إلا إنه ليس بكافر عند عامة الفقهاء، وجمهور العلماء على أنه يصلى عليه كبقية موتى المسلمين، ويغسل، ويكفن، ويدفن في مدافن المسلمين، ومن قال منهم بعدم الصلاة عليه فلم يقل ذلك لكفره، وإنما تغليظًا وزجرًا عن هذا الفعل، ولما جاء فيه من الوعيد بالنار، أو لمعاملته معاملة البغاة، قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري: “أجمع الفقهاء وأهل السنة أن من قتل نفسه أنه لا يخرج بذلك عن الإسلام، وأنه يصلى عليه، وإثمه عليه كما قال مالك، ويدفن في مقابر المسلمين، ولم يكره الصلاة عليه إلا عمر بن عبد العزيز، والأوزاعي، في خاصة أنفسهما، والصواب قول الجماعة؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- سن الصلاة على المسلمين، ولم يستثن منهم أحدًا، فيصلى على جميعهم الأخيار والأشرار إلا الشهداء الذين أكرمهم الله بالشهادة، فمن قتل نفسه خطأ، كأن صوب سيفه إلى عدوه ليضربه به فأخطأ وأصاب نفسه ومات، غسل وصلي عليه بلا خلاف، كما عده بعضهم من الشهداء، وكذلك المنتحر عمدًا، لأنه لا يخرج عن الإسلام بسبب قتله نفسه عند الفقهاء كما سبق، ولهذا صرحوا بوجوب غسله كغيره من المسلمين، وادعى الرملي الإجماع عليه حيث قال: “وغسله وتكفينه والصلاة عليه وحمله ودفنه فروض كفاية إجماعًا، للأمر به في الأخبار الصحيحة، سواء في ذلك قاتل نفسه وغيره”.[8]

جزاء المنتحر

لا خلاف بين الفقهاء في أنه إذا لم يمت من حاول الانتحار عوقب على محاولته الانتحار، لأنه أقدم على قتل النفس الذي يعتبر من الكبائر، كذلك لا دية عليه سواء أكان الانتحار عمدًا أم خطأ عند جمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية والشافعية، ورواية عن الحنابلة)، لأن العقوبة تسقط بالموت، ولأن عامر بن الأكوع بارز مرحبًا يوم خيبر، فرجع سيفه على نفسه فمات ولم يبلغنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قضى فيه بدية ولا غيرها، ولو وجبت لبينه النبي -صلى الله عليه وسلم- ولأنه جنى على نفسه فلم يضمنه غيره، ولأن وجوب الدية على العاقلة في الخطأ إنما كان مواساة للجاني وتخفيفا عنه، وليس على الجاني هاهنا شيء يحتاج إلى الإعانة والمواساة، فلا وجه لإيجابه، وفي رواية عند الحنابلة أن على عاقلة المنتحر خطأ ديته لورثته، وبه قال الأوزاعي وإسحاق، لأنها جناية خطأ، فكان عقلها (ديتها) على عاقلته كما لو قتل غيره.[8]

وهكذا نكون قد وصلنا إلى نهاية مقالنا، الذي تحدثنا فيه عن هل يصلى على المنتحر، وعن حكم الانتحار في الاسلام، وعن غسل وتكفين المنتحر ودفنه، وعن جزاء المنتحر.

المراجع

  1. صحيح البخاري , البخاري، أبو هريرة، 5278، صحيح.
  2. صحيح البخاري , البخاري، ثابت بن الضحاك، 6047، صحيح.
  3. صحيح البخاري , البخاري، جندب بن عبد الله، 3463، صحيح.
  4. islamqa.info , حكم الانتحار والصلاة على المنتحر والدعاء له , 24/07/2021
  5. صحيح مسلم , مسلم، جابر بن سمرة، 978، صحيح.
  6. صحيح أبي داود , الألباني، جابر بن سمرة، 3185، صحيح.
  7. islamway.net , صلاة الجنازة على قاتل نفسه , 24/07/2021
  8. islamweb.net , أحكام المنتحر والصلاة عليه , 24/07/2021

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *