هل يجوز الجمع بين العقيقة والاضحية

هل يجوز الجمع بين العقيقة والاضحية الذبح لله تعالى من القربات العظيمة، ومن العبادات التي تتضمن الذبح تقربًا إلى الله تعالى العقيقة والأضحية، لذلك يهتم موقع المرجع في الحديث عن هل يجوز الجمع بين العقيقة والأضحية، وعن ما هي العقيقة وما الحكمة منها، وعن أوجه الاتفاق والاختلاف بين العقيقة والأضحية، وعن أيهما أولى العقيقة أو الأضحية.

هل يجوز الجمع بين العقيقة والاضحية

اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:[1]

القول الأول

لا يجوز الجمع بين العقيقة والأضحية، ولا تجزئ الأضحية عن العقيقة، وهو مذهب المالكية والشافعية، ورواية عن الإمام أحمد رحمهم الله، وحجة أصحاب هذا القول: أن كلًا من العقيقة والأضحية مقصود لذاته فلم تجزئ إحداهما عن الأخرى، ولأن كل واحدة منهما لها سبب مختلف عن الآخر، فالمقصود بالأضحية الفداء عن النفس ومن العقيقة الفداء عن الطفل وعليه فلا يتداخلان، ولا تقوم إحداهما عن الأخرى، كدم التمتع ودم الفدية، قال الهيتمي رحمه الله في تحفة المحتاج شرح المنهاج: “وظاهر كلام الأصحاب أنه لو نوى بشاة الأضحية والعقيقة لم تحصل واحدة منهما ، وهو ظاهر ; لأن كلا منهما سنة مقصودة”، وقال الخطاب رحمه الله في مواهب الجليل: “إذا ذبح أضحيته للأضحية والعقيقة لا يجزيه، وإن أطعمها وليمة أجزأه، والفرق أن المقصود في الأولين إراقة الدم، وإراقته لا تجزئ عن إراقتين، والمقصود من الوليمة الإطعام، وهو غير مناف للإراقة، فأمكن الجمع”.

القول الثاني

يجوز الجمع بين العقيقة والأضحية، وتجزئ الأضحية عن العقيقة، وهو رواية عن الإمام أحمد، وهو مذهب الأحناف، وبه قال الحسن البصري ومحمد بن سيرين وقتـادة رحمهم الله، وحجة أصحاب هذا القول: أن المقصود منهما التقرب إلى الله بالذبح، فدخلت إحداهما في الأخرى، كما أن تحية المسجد تدخل في صلاة الفريضة لمن دخل المسجد، روى ابن أبي شيبة رحمه الله في المصنف: “إذا ضحوا عن الغلام فقد أجزأت عنه من العقيقة”، وعن هشام وابن سيرين قالا : “يجزئ عنه الأضحية من العقيقة”، وقال البهوتي رحمه الله في شرح منتهى الإرادات: “وإن اتفق وقت عقيقة وأضحية ، بأن يكون السابع أو نحوه من أيام النحر ، فعق أجزأ عن أضحية، أو ضحى أجزأ عن الأخرى ، كما لو اتفق يوم عيد وجمعة فاغتسل لأحدهما ، وكذا ذبح متمتع أو قارن شاة يوم النحر ، فتجزئ عن الهدي الواجب وعن الأضحية”.

شاهد أيضًا: هل يجوز الاشتراك في الاضحية باقل من السبع

ما هي العقيقة

العقيقة لغة: مأخوذة من عق يعق عقًا: إذا شق وقطع، ومنه تسمية شعر المولود عقيقة، وتسمى الذبيحة عقيقة؛ لأنها تذبح، فيشق حلقومها ومريئها وودجاها قطعًا، والعقيقة اصطلاحًا: ما يذبح عن المولود، وقيل: هي الطعام الذي يصنع ويدعى إليه من أجل المولود، يسمى ما يذبح عن المولود عقيقة، وذلك باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وحكي الإجماع على ذلك، عن سلمان بن عامر الضبي رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: “مع الغلامِ عَقيقةٌ، فأَهْريقوا عنه دَمًا، وأَمِيطوا عنه الأذَى”[2] وعن سمرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الغلامُ مُرتَهَنٌ بعَقيقتِه؛ يُذبَحُ عنه يومَ السَّابعِ”،[3] والعقيقة سنة مؤكدة، حيث يشرع أن يذبح عن الذكر شاتان، وعن الأنثى شاة، عن أم كرز الكعبية رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: “عنِ الغلامِ شاتانِ مُكافَأَتانِ، وعنِ الجاريةِ شاةٌ”.[4][5]

شاهد أيضًا: الأضحية في عيد الأضحى ، حكمها شروطها ووقتها

الحكمة من العقيقة

يمكن تلخيص الحكمة من العقيقة بالنقاط التالية:[6]

  • الشكر لله جل وعلا على نعمة الولد.
  • التلطف في إشاعة نسب الولد.
  • الاقتداء بإبراهيم الخليل عليه السلام حين ذبح الكبش الذي جعله الله فداء لولده إسماعيل؛ فصار سنة في أولاده بعده: أن يفدي أحدهم ولده عند ولادته بذبح، فيخيل إليه أنه بذل ولده في سبيل الله كما فعل إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وفي ذلك تحريك لمعاني الإحسان والانقياد.
  • أنها تكون حرزًا له من الشيطان بعد ولادته، كما كان ذكر اسم الله عند وضعه في الرحم حرزًا له من ضرر الشيطان.
  • أنها تفك رهن المولود

شاهد أيضًا: هل يجوز ذبح الأضحية في بلد اخر

أوجه الاتفاق والاختلاف بين العقيقة والاضحية

هناك اتفاق في بعض الجوانب واختلاف في جوانب أخرى بين العقيقة والأضحية، نعرضها لكم في السطور التالية:[7]

أوجه الاتفاق

تتفق العقيقة مع الأضحية بما يلي:

  • الحكم الشرعي: تتفق الأضحية مع العقيقة في أن كلا منهما من السنن المؤكدة التي حث عليها الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد شرعت الأضحية في السنة الثانية من الهجرة، وهي ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع؛ أما العقيقة فمثلها في الحكم مثل الأضحية؛ حيث قال البعض بوجوبها، إلا أن الجمهور على أنها سنة مؤكدة.
  • فضلهما: لا شك أن لكل من الأضحية والعقيقة فضلًا عظيمًا، فالأضحية تنفيذ لأمر الله تعالى، والعقيقة اقتداءٌ برسول الله صلى الله عليه وسلم.
  • الذبح أفضل من الصدقة بالقيمة: فالنبي -صلى الله عليه وسلم- ضحى، وكذلك ضحى الخلفاء والصحابة من بعده، وورد أنه عق عن الحسن والحسين، وكذلك فعل الصحابة، ولو كانت الصدقة بالقيمة أفضل، لفعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة من بعده.
  • حلق الرأس: تتفق الأضحية مع العقيقة في مسألة حلق الرأس، ففي الأضحية يحلق المضحي رأسه، أو يأخذ من شعر رأسه إذا هم بذبح أُضحيته متشبهًا بالحاج المحرم، فالحلق هنا سنة للمضحي حينما يجيء وقت الذبح بعد صلاة عيد الأضحى، وفي العقيقة، فالحلق للمولود سنة في يوم ذبحها، وهو يوم سابعه.
  • المقدار: يتشابه القدر المذبوح في الأضحية والعقيقة، ففي الأضحية ضحى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكبشين أقرنين أملحين، والأمر يتشابه تمامًا في العقيقة، فعن الغلام شاتان متكافئتان، وعن الجارية شاة واحدة.
  • الإنابة في الذبح: الأفضل عند ذبح الأضحية والعقيقة أن يذبح المضحي وصاحب العقيقة (والد المولود) بيده إن كان يحسن الذبح، فإن لم يكن يحسن الذبح، فليشهد ذبح الأضحية أو العقيقة، كما يجوز الإنابة في ذبح هذه وتلك.
  • الخلو من العيوب: يجب أن تخلو كل من الأضحية والعقيقة من أي عيب قد يؤثر في سلامة أي منهما.
  • تقسيم اللحم: يسن للمضحي أن يأكل من لحم أضحيته ويطعم منها، ويباح أن يدخر، وقد اتفق أكثر الفقهاء على أن الأضحية تقسم إلى ثلاثة أقسام، قسم لصاحبها، وقسم لأهله وذويه، وقسم للفقراء والمساكين، أما بالنسبة لتقسيم العقيقة، فتقاس على الأضحية؛ لأنها تشبهها في صفاتها وحكمها وقدرها وشروطها، فأشبهتها في مصرفها أيضًا، وزاد الفقهاء في أمر العقيقة أنه يجوز الاجتماع على أكل لحمها مطبوخًا رجاء الدعاء للمولود.

شاهد أيضًا: حكم الأضحية في المذاهب الأربعة

أوجه الاختلاف

تختلف الأضحية والعقيقة في بعض الأحكام؛ منها:

  • الاستطاعة: فالأضحية سنة مؤكدة في حق الموسر عند الجمهور، وعند الأحناف أنها واجبة عملًا لا اعتقادًا على الموسر، أما العقيقة فهي سنة مؤكدة، ولو كان الأب معسرًا، فالفرق أن الأضحية سنة مؤكدة على الموسر؛ لأنها تتكرر كل عام، أما العقيقة فهي سنة مؤكدة في حق الموسر والمعسر؛ لأنها لا تتكرر إلا كلما رزق الإنسان مولودًا، وهذا بالطبع لا يتكرر كل عام.
  • المشاركة: أجاز الفقهاء الاشتراك في الأضحية، فيشترك السبعة في البقرة أو في البدنة، أما العقيقة فأكثر الفقهاء على المنع في المشاركة، ولا تقاس على الأضحية في المشاركة؛ لأنها تتعلق بنفس معينة، وهي نفس المولود.
  • وقت الذبح: للأضحية وقت معلوم، ويبدأ بعد الفراغ من صلاة عيد الأضحى، وحتى غروب شمس يوم الثاني عشر من ذي الحجة أي ثاني أيام التشريق، وعند الشافعية حتى غروب شمس آخر أيام التشريق أي الثالث عشر من ذي الحجة، أما العقيقة فوقتها اليوم السابع من الولادة.
  • البيع منهما: شدد العلماء على عدم جواز البيع من الأضحية، أما العقيقة فأجازوا البيع منها والتصدق بثمنه، وحجتهم أن العقيقة بمثابة الوليمة التي يفعلها صاحبها لسرور عنده، فهي في ملكه، فله أن يبيع ويتصرف فيها كما شاء، خلاف الأضحية التي لا يجوز بيع شيء منها؛ لأنها تعينت بالذبح.

شاهد أيضًا: هل الاضحية واجبة على المقتدر وحكمها لغير المقتدر

أيهما أولى العقيقة أو الاضحية

فإن كلًا من الأضحية والعقيقة سنة مؤكدة عند جمهور العلماء، ويرى أبو حنيفة وأصحابه وجوب الأضحية مرة في كل عام على المقيمين من أهل الأمصار، وأما العقيقة عندهم فإنها مباحة وليست مستحبة، فالأحسن أن يفعل المرء السنتين معًا لأن كلا منهما مطلوبة على سبيل السنية، فإن لم يستطع ذلك ولم يكن اليوم متفقًا، فليقدم الأقدم منهما زمنًا، وإن كان يوم العيد هو يوم العقيقة ولم يستطع أن يفعلهما معًا بأن يعق ويضحي، فالظاهر أن الأولى له أن يأخذ بمذهب من يقول بالتشريك، وهناك من قال بتقديم الأضحية لأنها آكد من العقيقة، ومرتبتها في السنة أعلى، وجمهور العلماء أجمع على أنها سنة مؤكدة، أما العقيقة فهناك اختلاف بشأن أهي سنة أم لا.[8]

وهكذا نكون قد وصلنا إلى نهاية مقالنا، الذي تحدثنا فيه عن هل يجوز الجمع بين العقيقة والاضحية، وعن ما هي العقيقة وما الحكمة منها، وعن أوجه الاتفاق والاختلاف بين العقيقة والاضحية، وعن أيهما أولى العقيقة أو الأضحية.

المراجع

  1. islamqa.info , حكم الجمع بين الأضحية والعقيقة في ذبيحة واحدة , 06/06/2024
  2. مجمع الزوائد , الهيثمي، أبو هريرة، 4/61، رجاله رجال الصحيح.
  3. صحيح الترمذي , الترمذي، سمرة بن جندب، 1522، حسن صحيح.
  4. صحيح النسائي , الألباني، أم كرز الخزاعية الكعبية، 4227، صحيح
  5. dorar.net , تعريفُ العَقيقةِ وتسميتها , 06/06/2024
  6. dorar.net , الحِكمةُ مِنَ العَقيقةِ , 06/06/2024
  7. alukah.net , أوجه الاتفاق والاختلاف بين الأضحية والعقيقة , 06/06/2024
  8. islamweb.net , هل يقدم الأضحية أم العقيقة؟ , 06/06/2024

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *