انه ينفع مما نزل من البلاء ومما لم ينزل

انه ينفع مما نزل من البلاء ومما لم ينزل، الدعاءُ عبادة، والمَؤمنُ الحقْ يتقرّبُ منْ ربّه بأحسنِ العبادات وأتَمها وأفضلّها، وفي الدعاء قربُ وتضرع وخضوع لله سبحانهُ وتعالى، وفيّه استجابة وتحقيقُ لِمُرادِ الأمرِ والحديثِ كُلّه، وفي الدعاءِ جلب للخير ورفع للضرر وتحقيق للنفسِ ما يسّرها، ومن خلالِ موقع المرجع سنتعرفُ على حديثِ ينفع مما نزل من البلاء ومما لم ينزل.

انه ينفع مما نزل من البلاء ومما لم ينزل

إنّ الدعاءَ هو ما ينفع مما نزل من البلاء ومما لم ينزل، حيث يقول -صلى الله عليّه وسلم-: (لا يُغْنِي حَذَرٌ من قَدَرٍ، والدعاءُ ينفعُ مما نزل، ومما لم يَنْزِلْ، وإنَّ البلاءَ لَيَنْزِلُ، فيَتَلَقَّاه الدعاءُ، فيَعْتَلِجَانِ إلى يومِ القيامةِ)[1]، ولذلكَ فإنّ الدعاء من أفضلِ الطرق وأقربُ الوسائِل التي يُمكن أن يستخدمَها المُسلم، ليدفع عن نفسّهِ أيُّ ضررِ أو بلاء أو مكروه، ويستجلب به النَّفع، فهو سلاحُ المسلم الذي يُدافعُ به المصائب، وهوَ العبّادةُ الوحيدة التي تغيّر القدر بإرادة الله -تعالى-، ولا تَناقض بين الدّعاء والقدر، فبالدّعاء تتحقق آمال العبد وتُقضى حوائجه ويُدفع عنه الهم والكرب، فهو كمن يأخذ بالأسباب ويتوكّل على الله -تعالى- بالدّعاء، ثمّ يرضى بما كتبه الله -تعالى- له من القدر.

شاهد أيضًا: ما الفرق بين الاستعانه والاستغاثه والدعاء

هل الدعاء يغير القدر

الدُعاءُ والتّضرع لله -تعالى- والطّلب منه أن يدفع بلاءً، أو يجلب خيرًا، أو شكرًا له على نعمة، والدُعاءُ يُغيّرُ القدر، فلا يَردُّ ولا يُخففُ من القضاءِ والقدرِ سوى عبادةُ الدُعاء، لقول نبي الله مُحمد -صلى الله عليّه وسلم-: (لا يردُّ القدرَ إلا الدُعاء)[2]، وكلُّ هذا في علم الله سُبحانه وبأمر منّهُ، فالصّلة الوثيقة بين القضاء والقدر والدّعاء تجعلهما يتنازعان في السّماء، فيكون القدر في طريقه للنّفاذ والنّزول، فيتقابل مع الدّعاء ويتنازعان في السّماء، فيكون في علم الله -تعالى- أنّ هذا الدّعاء المستجاب سيغيِّر هذا القدر، أو يكون في علمه -سبحانه وتعالى- أنّه سيخفِّف ويقلِّل من تأثير القضاء والقدر على هذا الإنسان، أو يكون في علمه -سبحانه وتعالى- أنّ هذا الدّعاء سيبقى يتنازع مع القضاء والقدر إلى يوم القيامة، وكلّ ذلك في علم الله -تعالى- الأزليّ.

مقامات الدعاء مع البلاء

يوجدُّ ثلاثةُ مقامات للدعاءِ مع البلاء، وهيْ كالآتّي:

  • أنْ يكون الدعاء أقوى وأشد درجة من البلاء، فيدفعِ به ويرفعه عن المُسلم، وذلكَ لأنّهُ توفرت في دعاء العبدِ جميعَ شروط وواجبات ومُستحباتِ الدعاء المُستجاب، وقد قال -صلى الله عليّه وسلم- في ذلكَ الأمر: (ما مِنْ رجلٍ يدعو اللهَ بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ولا قطيعةُ رَحِمٍ إلا أعطاه بها إحدى ثلاثِ خِصالٍ: إمَّا أن يُعَجِّلَ له دعوتَه، أو يَدَّخِرَ له مِنَ الخيرِ مِثْلِها، أو يَصرِفَ عنه مِنَ الشرِّ مِثْلِها، قالوا يا رسول اللهِ، إذًا نُكْثِرُ، قال: اللهُ أكثرُ).[3]
  • أن يكون الدعاء أضعف من البلاء، فيقوى البلاء على الدعاء، لقلّة يقينِ العبد باستجابة اللهُ الواحد الأحد لدعائِه، أو لغفلة العبد وهو يدعو الله -تعالى-، فربما يُخفف من شدة البلاءِ  بمقدار تحقيق العبد من أسباب استجابة الدّعاء وهو يدعو الله -تعالى-.
  • أن يتنازعَ الدعاءَ والبلاءَ في السماءِ، فيمنعُ كلَّ واحد منهما الآخر.

شاهد أيضًا: الدعاء الذى يحرق السحر ويقلبة على الساحر

أهمية الدعاء

في الدعاء والتوجه إلى الله -سبحانه وتعالى- أهميّة كبيرة ونفع عظيم يعود على المسلم في الدنيا والآخرة، وتتلخصُّ أهمية الدعاء في النقاطِ الآتيّة:

  • استشعارِ العبد بمدى قُربَ الله -سُبحانه وتعالى- منّهُ، واستجابتهِ لدعائِه، حيثُ قالَ الله -سبحانه وتعالى-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).[4]
  • في الدعاء معرفة ويقيّن بأنّهُ أفضل عبّادة، لأنّ في الدعاء خضوع وإذلال للهِ الواحدِ القهار، وفيّه يقيّنٌ بقوة الله جل جلاله، وقدرتّهُ على تغييرِ الأمر، وأنّ الخيرَ بيدّهُ كله سبحانه.
  • استجابة الله -سبحانهُ وتعالى- للدعاءِ إذا حققَ الداعيْ شروطَ الاستجابة، وشروط الاستجابة هِيّ تحقيق الإيمان بالله -تعالى-، وتنفيذ أوامره واجتناب نواهيه، وحضور القلب، والدعاء بأمر جائز شرعًا، بالإضافة إلى يقينِ استجابة الدُعاء.
  • انه ينفع مما نزل من البلاء ومما لم ينزل، فهو أكرمُ عبادة على اللهِ -سبحانهُ وتعالى-، حيثُ قال رسول الله مُحمد -صلى الله عليّه وسلم: (ليسَ شيءٌ أَكْرَمَ علَى اللَّهِ منَ الدُّعاءِ).[5]
  • معرفة أنّ الإكثار من الدعاء من الأمور التي أرشدَ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- أصحابه إليها، حيثُ قال رسول الله مُحمد -صلى الله عليّه وسلم: (ما من مسلمٍ يدعو بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ، ولا قطيعةُ رَحِمٍ ؛ إلا أعطاه بها إحدى ثلاثَ : إما أن يُعجِّلَ له دعوتَه ، وإما أن يدَّخِرَها له في الآخرةِ ، وإما أن يَصرِف عنه من السُّوءِ مثلَها . قالوا : إذًا نُكثِرُ . قال : اللهُ أكثرُ).[6]

شاهد أيضًا: هل يجوز الدعاء للكافر بالشفاء

الأدلة على أهمية الدعاء وفضله

وَردت العديد من الأدلة الشرعيّة من كتاب الله -سبحانه وتعالى- وسنّة نبيه مُحمد -صلى الله عليّه وسلم- تدلُّ على مدى أهميّة عبادةِ الدعاء، وعظيّم فضلّه، ومنَها:

  • قال رسول الله مُحمد -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له).[7]
  • قال الله -سبحانه وتعالى-: (قُلِ ادعُوا اللَّـهَ أَوِ ادعُوا الرَّحمـنَ أَيًّا ما تَدعوا فَلَهُ الأَسماءُ الحُسنى).[8]
  • قال الله -سبحانه وتعالى-: (ادعوا رَبَّكُم تَضَرُّعًا وَخُفيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُعتَدينَ).[9]

أثر الدعاء

يعتبرّ الدعاء والتوجه إلى الله سبحانهُ وتعالى والخضوع لهّ ذا آثار عظيّمة وفوائد جمّة، نذكرها فيما يأتّي:

  • في الدعاء رفع للبلاءِ والمحن والمصائب والمكروه الذي قدْ يصيّبُ الإنسان أو يحلَ بهِ.
  • في الدعاء جلب للخير، وزيادة فيّه، وتكفيّر للذنوب والمعاصي والآثام.
  • الدعاء أحد أهم الاستجابةَ والنصرَ وتحقيق المُراد ونيل لرضا الله -سبحانه وتعالى-.
  • نيل أجر العبادة، فالدعاء من أكرم العبادات وأفضلها، وفيّه قرب وخضوع وإذلال لله -جل جلالّهُ-.
  • إظهار ضعف العبد، وذلّته، وحاجته إلى ربّه، وتضرُّعه بين يدَيه.
  • انه ينفع مما نزل من البلاء ومما لم ينزل وييسر المحن.
  • بيان مفهوم التوكُّل على الله، والاستعانة به، لأنّ العبد ما توجَّه إلى الله -سبحانه وتعالى- به إلّا لثقته بقدرته على تحقيق مَطلبه، أو دَفع مكروه عنه.

آداب الدعاء

ذكرَ العُلماء مجموعة من الآدابِ التي يجبُّ أن يتحلى بها المُسلم عند دعائِه، ومنّها ما يَأتّي:

  • الدُعاء في أوقاتِ الاستجابة، مثلَ شهرُ رمضان، ليلة القدر، يوم عرفة، يوم الجمعة، الثلث الأخير من الليلِ، ما بينَ الأذان والإقامة، وغيّرها.
  • التضرّع والإذلال إلى الله -جل علاه-، واليقين باستجابةِ الدُعاء.
  • البّعد عن الدعاء بالإثمِ، أو قطيعة الرحم، أو  الدعاء على الأولاد، أو الزوجة، أو المال، لأنّ هذا الدعاء إذا وافق ساعة استجابة، فمن شأنه أن يُوقِع صاحبه في الحسرة، والندامة.
  • البُعد عن استعجال إجابة الدعاء، بمعنى أن يقول الداعي: “لقد دعوتُ ولم يستجب لي”، لأنّ الاستعجال يُنافي الأدب مع الله -تعالى-.
  • استقبال القبلة، والإلحاح في الدعاء من خلالِ تكرارهُ.
  • ابتداء الدعاء بحَمد الله -تعالى-، والصلاة على رسوله محمد -صلّى الله عليه وسلّم-.
  • الاستقامة على طاعة الله -تعالى-، والابتعاد عن معصيته، والابتعاد عن أكل مال الحرام، لأنّ من أسباب استجابة الدعاء طِيب المَطْعَم.

إلى هُنا نكونُ قد وصلنا إلى نهايةِ مقالنا انه ينفع مما نزل من البلاء ومما لم ينزل، حيثُ سلطنَا الضوءَ على عبادة الدعاء أكرّمُ العباداتِ، ومدَى أهميّتها، بالإضافة إلى الآدابِ وعظيمِ الفضلَ.

المراجع

  1. الكامل في الضعفاء , ابن عدي، عائشة أم المؤمنين، 4/170 ، زكريا بن منظور ضعيف يكتب حديثه
  2. صحيح الترمذي , الألباني، سليمان الفارسي، 2139، حسن
  3. تخريج شرح الطحاوية , شعيب الأرناؤوط ، 682 ، صحيح
  4. سورة البقرة , الآية 186
  5. صحيح الترغيب , الألباني ، أبو هريرة ، 1629 ، حسن
  6. تخريج شرح السنة , شعيب الأرناووط ، أبو سعيد الخدري ، 5/187 ، صحيح
  7. صحيح مسلم , مسلم ، أبو هريرة ، 1631 ، صحيح
  8. سورة الإسراء , الآية 110
  9. سورة الأعراف , الآية 55

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *