حكم الاحتجاج على المعاصي بمشيئة الله

حكم الاحتجاج على المعاصي بمشيئة الله من الأحكام التي يتساءل الإنسان عن حكمها، فالإنسان بين معصية وتوبة في حياته الدنيا، وقد يكرر الذنب أكثر من مرة؛ فيرى أنه ليس الأمر بيده فيعلقها على المشيئة، ولهذا سيتم التعرف في موقع المرجع على مفهوم مشيئة الله، ومن ثم الإجابة على حكم الاحتجاج على المعاصي بمشيئة الله، وما حكم الاحتجاج بالقدر عند المصائب، وما هي حالات الاحتجاج بالقدر وكل ذلك في هذا المقال.

مشيئة الله

لقد تعددت الآيات التي وردت فيها مشيئة الله، وقد اتضح معنى ذلك في قوله تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}،[1] وفي قوله: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}؛[2] أي أنه إذا أراد الله سبحانه وتعالى شيئًا فيقول له؛ كن فيكون وكما أراده سواء أكان مكانًا أو زمانًا أو هيئةً، فالله -عز وجل- يفعل ما يريد ولا يُسأل عمّا يفعل؛ بل يكشف لعباده إن أراد عن جزء من علمه وفعله وحكمته؛ حيث قال سبحانه: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ}،[3] فهو مالك وخالق كل شيء؛ حيث أراد أن يكون هناك سماء وأرض وأنس وجن وملائكة وخلق كثير مما نعلم ولا نعلم؛ وأراد أن يترك للإنسان حرية اختياره فى كل ما سيحاسبه عليه؛ فنقول: “أراد” أي “شاء” أن يجعل لهم مشيئة فى كل ما سيحاسبهم عليه و “شاء” سبحانه أن يكونوا مجبورين فى بعض قدره عليهم وهو كل قدر يخصهم ولا يحاسبون عليه من شكل وجنس وصحة ومرض و بأي مكان سيموت؛ كما في قوله تعالى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}.[4]

أما في نطاق مشيئة العبد؛ فيقع اختياره لأفعال قد تؤدي به لمرض؛ كالتدخين والزنا فهنا يحاسب عليها، وقد تؤدي به لبركة وزيادة فى العمر؛ كصلة الأرحام وهو ما يسمى بالقدر المعلق: أي معلق على اختيار العبد وتصرفاته؛ وهذا هو ما جاء في قوله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}،[5] لأنه أراد وشاء وهذا لا يؤثر فى فعل العباد لأنه سر مكتوم و علم مسبق منه سبحانه وتعالى.[6]

حكم الاحتجاج على المعاصي بمشيئة الله

لا يجوز الاحتجاج على المعاصي بمشيئة الله، حيث إن الكثير من الناس المقصرين يتعللون على تقصيرهم وذنوهم ومعاصيهم بأنها من عند الله وأنه سبحانه قدرها عليهم ولا ينبغي أن يلاموا على ذلك، فهذا مما لا يصح بأي حال من الأحوال، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية: “وليس لأحد أن يحتج بالقدر على الذنب باتفاق المسلمين، وسائر أهل الملل، وسائر العقلاء؛ فإن هذا لو كان مقبولًا لأمكن كل أحد أن يفعل ما يخطر له من قتل النفوس وأخذ الأموال، وسائر أنواع الفساد في الأرض، ويحتج بالقدر، ونفس المحتج بالقدر إذا اعتدي عليه، واحتج المعتدي بالقدر لم يقبل منه، بل يتناقض، وتناقض القول يدل على فساده، فالاحتجاج بالقدر معلوم الفساد في بدائه العقول”، وقد دلت العديد من الآيات على حرمة الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي أو ترك الطاعات؛ ومن الأدلة الشرعية التي جاءت في ذلك:[7]

  • قال تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا ءَابَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلا تَخْرُصُونَ}،[8] فهؤلاء المشركون احتجوا بالقدر على شركهم ، ولو كان احتجاجهم مقبولاً صحيحاً ما أذاقهم الله بأسه.
  • قال تعالى: {رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}،[9] فلو كان الاحتجاج بالقدر على المعاصي جائزًا لما انقطعت الحجة بإرسال الرسل، بل كان إرسال الرسل لا فائدة له في الواقع.
  • قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}؛[10] حيث إن الله أمر العبد ونهاه، ولم يكلفه إلا ما يستطيع، فقال سبحانه: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا}، أي لو كان العبد مجبرًا على الأفعال لكان مكلفًا بما لا يستطيع الخلاص منه، وهذا باطل؛ لأنه إذا وقعت المعصية بجهل، أو إكراه؛ فلا إثم عليه لأنه معذور، فلو صح هذا الاحتجاج لكان ليس هنالك فرق بين المكره والجاهل وبين العامد المتعمد.

و عليه فإن القدر سر مكتوم، لا يعلمه أحد من الخلق إلا بعد وقوعه، وإرادة العبد لما يفعله سابقة لفعله ، فتكون إرادته للفعل غير مبنية على علم بقدر الله، فادعاؤه أنَّ الله قدر عليه كذا وكذا ادعاء باطل؛ لأنه ادعاءٌ لعلم الغيب، والغيب لا يعلمه إلا الله، وقد يترتب على الاحتجاج على الذنوب بمشيئة الله؛ تعطيل للشرائع والحساب والمعاد والثواب والعقاب، وهذا لا يحص على أي حال من الأحوال.

شاهد أيضًا: دعاء التوبة والاستغفار من الذنوب والمعاصي مكتوب

حكم الاحتجاج بالقدر عند المصائب

يجوز الاحتجاج بالقدر على المصائب، وهذا كما وضحه العلماء يكون من باب التعزي والتصبر؛ لا من باب التسخط على القدر، بل يجب على الإنسان أن يتحلى بالصبر والتسليم، لا سيما أنه لا يجوز الاحتجاج بالقدر على المعاصي والذنوب إلا إذا تبت منها كما ذكرنا سابقًا، ولقد ذكر العلماء أن المقصود بالاحتجاج عند المصائب الذي يكون بسبب ابتلاء شديد في حياة الإنسان، يصل به إلى التسليم بالقصاء والقدر بعد ذلك، ومما ورد في مسألة الاحتجاج عند المصائب وذكر كثيرًا في السنة عندما احتج موسى على آدم وهذا مما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وقد ورد فِي الصحيحين:

“عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: احْتَجَّ آدَم وَمُوسَى، فَقَالَ مُوسَى: أَنْتَ آدَم الَّذِي خَلَقَك اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيك مِنْ رُوحِهِ وَأَسْجَدَ لَك مَلَائِكَتَهُ، وَعَلَّمَك أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، فَلِمَاذَا أَخْرَجْتنَا وَنَفْسَك مِنْ الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ آدَم: أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاك اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلَامِهِ، فَهَلْ وَجَدْت ذَلِكَ مَكْتُوبًا عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَحَجَّ آدَم مُوسَى وَآدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَحْتَجَّ عَلَى مُوسَى بِالْقَدَرِ ظَنًّا أَنَّ الْمُذْنِبَ يَحْتَجُّ بِالْقَدَرِ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ وَلَا عَاقِلٌ، وَلَوْ كَانَ هَذَا عُذْرًا لَكَانَ عُذْرًا لَإِبْلِيسَ، وَقَوْمِ نُوحٍ، وَقَوْمِ هُودٍ، وَكُلِّ كَافِرٍ، وَلَا مُوسَى لَامَ آدَمَ أَيْضًا لِأَجْلِ الذَّنْبِ، فَإِنَّ آدَمَ قَدْ تَابَ إلَى رَبِّهِ فَاجْتَبَاهُ وَهَدَى، وَلَكِنْ لَامَهُ لِأَجْلِ الْمُصِيبَةِ الَّتِي لَحِقَتْهُمْ بِالْخَطِيئَةِ، وَلِهَذَا قَالَ: فَلِمَاذَا أَخْرَجْتنَا وَنَفْسَك مِنْ الْجَنَّةِ؟ فَأَجَابَهُ آدَم أَنَّ هَذَا كَانَ مَكْتُوبًا قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ، فَكَانَ الْعَمَلُ وَالْمُصِيبَةُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَيْهِ مُقَدَّرًا، وَمَا قُدِّرَ مِنْ الْمَصَائِبِ يَجِبُ الِاسْتِسْلَامُ لَهُ، فَإِنَّهُ مِنْ تَمَامِ الرِّضَا بِاَللَّهِ رَبًّا، وَأَمَّا الذُّنُوبُ: فَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يُذْنِبَ، وَإِذَا أَذْنَبَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَغْفِرَ وَيَتُوبَ، فَيَتُوبُ مِنْ الْمَعَائِبِ وَيَصْبِرُ عَلَى الْمَصَائِبِ”.[11]

و عليه  فما قدّر من المصائب يجب الاستسلام له؛ فإنه من تمام الرضا بالله ربًا، أما الذنوب فليس لأحد أن يذنب، وإذا أذنب فعليه أن يستغفر ويتوب، فيتوب من المعائب ويصبر على المصائب.

شاهد أيضًا: ما هي أركان الإيمان

حالات الاحتجاج بالقدر

ذكرنا فيما سبق أن الاحتجاج على القدر بفعل المعاصي مما لا يجوز شرعًا، إلا أنه قد أورد العلماء حالات معينة للاحتجاج على القدر وهي على النحو الآتي:[12]

  • الأولى الجواز: وعليه يجوز للإنسان أن يحتج بالقدر على المصائب لا على المعائب، ويقصد بهذا أنه إذا مرض الإنسان، أو ابتلي بمصائب بغير اختياره، فله أن يحتج بقدر الله فيقول: “قدّر الله وما شاء فعل”، وأن يصبر، ويرضى إن استطاع ذلك، لينال ثواب الصابرين؛ كما في قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}.[13]
  • الثانية عدم الجواز: وعليه لا يجوز أن يحتج الإنسان بالقدر على المعاصي والمعائب، وترك الواجبات، بقوله: هذا ما قدر الله؛ لأن الله أمر بفعل الطاعات، واجتناب المعاصي، وأمر بالعمل، ونهى عن الاتكال على القدر في أي حال من الأحوال،
    ولو كان القدر حجة لأحد لم يعذب الله المكذبين للرسل؛ كقوم نوح وعاد وثمود وغيرهم، ولم يأمر بإقامة الحدود على المعتدين، ولم يشرع الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

وهكذا نكون قد وصلنا إلى ختام مقال حكم الاحتجاج على المعاصي بمشيئة الله، وبيّنا الحكم الشرعي في ذلك، وذكرنا في بداية المقال مفهوم مشيئة الله، من ثم تعرفنا على حكم الاحتجاج بالقدر على المصائب، ومن ثم حالات الاحتجاج بالقدر.

المراجع

  1. سورة النحل , الآية 40
  2. سورة البروج , الآية 16
  3. سورة البقرة , الآية 255
  4. سورة لقمان , الآية 34
  5. سورة الرعد , الآية 39
  6. al-maktaba.org , ما معنى مشيئة الله , 03/09/2021
  7. islamqa.info , حكم الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي وترك الواجبات , 03/09/2021
  8. سورة الأنعام , الآية 39
  9. سورة النساء , الآية 165
  10. سورة التغابن , الآية 16
  11. سورة البقرة , الآية 286
  12. مجموع الفتاوى , ابن تيمية، أبو هريرة، 8/304، حسن
  13. islamweb.net , الاحتجاج بالقدر عند المصائب , 03/09/2021
  14. سورة القرة , الآيات 155-157

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *