حكم الاستثناء في اليمين

حكم الاستثناء في اليمين هو من الأحكام الهامّة التي يتوجّب على المسلمين معرفتها، حيث إنّ الله -سبحانه وتعالى- شرّع للنّاس أمورًا فيها نفعهم وتنظيم حياتهم، وحرّم عليهم أمورًا فيها ضرّهم وتخريبٌ لحياتهم، فما شرّعه الله -سبحانه وتعالى- كلّه فيه خير وما حرّمه كلّه فيه ضرٌّ وشر، لذلك ينبغي على المسلم الأخذ بما أمر الله به وشرّعه، وترك ما نهى عنه وحرّمه، ويهتمّ موقع المرجع من خلال هذه المقال بالتّعريف ما هو الاستثناء في اليمين وبيان حكمه وشروط صحّته، كما سيبيّن عدّة أحكام هامّة ترتبط بالاستثناء في اليمين.

مفهوم اليمين

إنّ الخوض في حكم الاستثناء في اليمين يتطلّب معرفة مفهوم اليمين ومعناه، فاليمين في اللغة هي اليد اليمنى وجمعها أيمان، واليمين هو الحلف والقسم وقد سمّي بذلك أنّ العرب كانوا إذا حلف الواحد فيهم أخذ بيمين صاحبه، وقيل لأنّ اليمين تحفظ الشيء كما تحفظه اليد اليمنى، ويقال القسم والحلف والإيلاء وكلّها بمعنى واحد، أمّا اصطلاحًا فاليمين يعرف أنّه توكيد الأمر وتخصيصه أو نفيه بذكر اسم الله -سبحانه وتعالى- أو صفةٌ  من صفاته على وجهٍ محدّد ومخصوص، وتنعقد يمين الرّجل بمجرّد نطقها هازلًا أو جادًّا، ولليمين صيغٌ كثيرة صحيحة، ويُكره للرجل الإكثار من اليمين لنهي الشرع عن ذلك.[1]

شاهد أيضًا: ما هي كفارة اليمين

ما هو الاستثناء في اليمين

إنّ الاسثناء في اليمين يمكن تعريفه بأنّه إتباع الحالف يمينه بقول إن شاء الله، فهو تعليق الإيمان بمشيئة الله كقول المؤمن أنا مؤمن إن شاء الله، والاستثناء في اليمين من الأمور الموجودة في حياة المسلمين، ولذلك من المهم بيان حكم الاسثناء في اليمين فيما يأتي.

شاهد أيضًا: حكم من حلف بالطلاق ثم أراد الرجوع عن يمينه

حكم الاستثناء في اليمين

إنّ قول أهل العلم في حكم الاستثناء في اليمين أنّه من الأمور المشروعة ومن حلف واستثنى في يمينه لم يحنث، فلا كفّار على من استثنى في يمينه فقال إن شاء الله ولا حنث عليه إن خالف ما حلف عليه وقد أجمع أهل العلم على هذا الأمر، واستدلّوا بما رواه الصحابي الجليل عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “مَن حَلفَ على يمينٍ، فقالَ: إن شاءَ اللَّهُ فقد استَثنَى”.[2] كما بيّن أهل العلم أنّه يصحّ الاستثناء بغير المشيئة، وكذلك روى الصحابي الجليل أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: “قالَ سُلَيْمانُ: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ علَى تِسْعِينَ امْرَأَةً، كُلُّهُنَّ تَأْتي بفارِسٍ يُجاهِدُ في سَبيلِ اللَّهِ، فقالَ له صاحِبُهُ: قُلْ: إنْ شاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَقُلْ إنْ شاءَ اللَّهُ، فَطافَ عليهنَّ جَمِيعًا فَلَمْ يَحْمِلْ منهنَّ إلَّا امْرَأَةٌ واحِدَةٌ، جاءَتْ بشِقِّ رَجُلٍ، وايْمُ الذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لو قالَ: إنْ شاءَ اللَّهُ، لَجاهَدُوا في سَبيلِ اللَّهِ فُرْسانًا أجْمَعُونَ”.[3] فالمسلم من واجبه أن يبتعد عن الإكثار من الأيمان وأن يتحلّى بالصّبر والحلم وأن يبتعد عن كلّ ما يغضبه، ومن الجدير بالذّكر أنّ الحنث يُقصد به إخلاف اليمين والعمل بغير مضمونها وما عُقدت عليه.[4]

شاهد أيضًا: معنى كلمة رجل أعطى بي ثم غدر

شروط صحة الاستثناء في اليمين

بعد بيان حكم الاستثناء في اليمين قد بيّن أهل العلم أنّ الاستثناء في اليمين لا يكون صحيحًا إلا بعدّة شروط، على المسلم أن يطبّقها ليكون استثناؤه منعقدًا وصحيحًا، ومن تلك الشّروط ما يأتي:[5]

  • الدلالة على الاستثناء باللفظ: يُشترك في الاستثناء أن يكون باللفظ لمن يقدر على ذلك، وهذا ما ذهب إليه أهل المذاهب الفقهية الأربعة وحكي بالإجماع عليه، فاليمين لا تنعقد إلا باللفظ وكذلك الاستثناء ينقعد باللفظ.
  • أن يكون الاستثناء متّصلًا باليمين في صيغة اليمين: فمن صحّة الاستثناء أن يتصل باليمين وهذا متّفقٌ عليه بين المذاهب الأربعة، فلو جاز الاستثناء غير موصولٍ باليمين، لاستطاع أيّ إنسانٍ أن يستثني يمينه متى شاء، والاستثناء من تمام الكلام فاتّصاله كما الشّرط وجوابه وكما الخبر للمبتدأ.
  • قصد الاستثناء في صيغة اليمين: فلذلك من شروط صحّة الاستثناء عقد النّية فيه وقصده لليمين، فاليمين لا تنعقد من غير قصد كذلك الاستثناء.

أثر الاستثناء في اليمين

إنّ أثر الاستثناء في اليمين بيّنه أهل العلم مع بيان حكم الاستثناء في اليمين، فالاستثناء في اليمين عند أهل العلم يؤثّر في اليمين والنّذر والظهار ونحوها، وهو أمرٌ مشروعٌ في الإسلام، كما أنّ الاستثناء للحالف بقول إن شاء الله قبل اليمين أو بعدها يحصّن الحالف من الإثم، ويعفيه كذلك من الكفارة، فالتّقييد بمشيئة الله مانعٌ من انعقاد اليمين أو يحلّ انعقادها وقد ذهب جمهور أهل العلم أنّ قول المسلم إن شاء الله متصلًا باليمين يمنع انعقادها ويحصّن المسلم من الذنب ولا حنث عليه لو خالف يمينه ولا كفّارة والله ورسوله أعلم.[6]

شاهد أيضًا: شخص حلف بغير الله وش يسوي

ما اليمين التي يصح فيها الاستثناء

إنّ تعريف وحكم الاستثناء ممّا وضّحه العلماء، فالاستثناء قد يكون بالمشيئة أو يكون بإلّا أو أحد أخواتها، فالاستثناء بالمشيئة لا يكون إلا في اليمين بالله والنذر المبهم وهو النذر الذي لمن يعيّن فيه المنذور، فلو قال المسلم والله لا أفعل كذا وكذا إن شاء الله، وفعله فلا كفارة عليه إن طبّق شروطه، أمّا لو حدّد النذر كمن يحلف بالطّلاق، وحنث في يمينه فإنّه يلزمه ولا تنفعه المشيئة، أمّا الاستثناء بإلا أو أحد أخواتها فإنّه ينفع في جميع الأيمان المنقعدة، وينفع الاستثناء في جميع متعلّقات اليمين سواء كانت مستقبلية أو ماضية منعقدة أو غموسًا والله ورسوله أعلم.

الحكمة من مشروعية اليمين

قد شرّع الله -سبحانه وتعالى- اليمين للنّاس لعدّة أمور ولحكمةٍ بالغةٍ منه سبحانه، فاليمين تفيد في تأكيد الأمر المحلوف عليه، وتدفع المخاطب للثّقة في كلام الحالف، وبها يكون الطّلب من المخاطب أقوى، ويكون حثّه على أمرٍ ما أو نهيه عن فعل شيءٍ ما أشدّ وأنفع، كما أنّ اليمين تنفع لتقوية عزم الحالف على فعل أمرٍ يخشى على نفسه من عدم القيام به، أو ينفعه في ترك شيءٍ يخشى إقدامه عليه، وينبغي الرّضا لمن حُلف له بالله إذا كان الحالف الصادق حالفًا والمحلوف له مأمورٌ أن يرضى بيمين الحالف له.[7]

ماذا تعني اليمين الغموس

من أكثر الأسئلة التي تتعلّق باليمين ويتمّ طرحها على أهل العلم هي ما حكم الاستثناء في اليمين وماذا تعني اليمين الغموس، فالغموس في اللغة من الغمس، فيقال غمسه في الماء أي غطّه فيه وأدخله، واليمين الغموس اصطلاحًا يعرف أنّه الحلف على إثبات شيء ونفيه مع تعمّد الكذب فيه وقد سمّيت غموسًا لأنّها تغمس صاحبها في الإثم وفي النّار، وهي من الأمور المحرّمة في الإسلام باتّفاق أهل العلم وقد قال تعالى في كتابه العزيز: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.[8] وهي يمينٌ لا تنعقد ولا كفّارة فيها، إلا أنّ كفارتها التوبة والاستغفار والله أعلم.[9]

ما هي كفارة اليمين

قبل اختتام مقال حكم الاستثناء في اليمين، فإنّ الحانث في اليمين من غير أن يستثني تلزمه كفّارة ليمينه وهي ما يخرجه الحانث في يمينه من إطعامٍ للطّعام أو كسوةٍ لعشرة مساكين أو عتق رقبة أو صيام ثلاثة أيّام، وتعرف الكفّارة في اللغة بأنّها السّتر فهي تغطّي الذنب وتستره، وتسمّى الكفارة لأنّها تمحو الذّنب وتكفّره، وهي واجبةٌ على كلّ يمين معقودةٍ يُحنث بها، لقوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.[10] ولا تشرع الكفارة لليمين الغموس ولا يمين اللغو ولا لمن حلف بغير الله.[11]

بهذا نختتم مقال حكم الاستثناء في اليمين، الذي سلّط الضّوء على تعريف مفهوم اليمين ومصطلح الاستثناء في اليمين، ووضّح حكم وشروط صحة الاستثناء في اليمين، وبيّن أثره وفيم يؤثر، ثمّ ذكر الأيمان التي ينفع فيها الاستثناء، وانتقل لتوضيح الحكمة من مشروعية اليمين وعرّف اليمين الغموس، وبيّن أحكام كفارة اليمين.

المراجع

  1. dorar.net , تَعريفُ اليَمينِ , 22/12/2021
  2. صحيح أبي داود , الألباني/ عبد الله بن عمر/ 3261/صحيح
  3. صحيح البخاري , البخاري/ أبو هريرة/ 6639/ صحيح
  4. dorar.net , حُكمُ الاستِثناءِ في اليَمينِ , 22/12/2021
  5. dorar.net , شُروطُ صِحَّةِ الاستِثناءِ في صيغةِ اليَمينِ , 22/12/2021
  6. al-maktaba.org , الاستثناء في اليمين , 22/12/2021
  7. dorar.net , الحِكمةُ مِنَ اليمينِ , 22/12/2021
  8. سورة آل عمران , الآية 77
  9. dorar.net , تَعريفُ اليَمينِ الغَموسِ , 22/12/2021
  10. سورة المائدة , الآية 89
  11. islamqa.info , ما هي كفارة اليمين بالتفصيل ؟ , 22/12/2021

مقالات ذات صلة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *