حكم المحبة والتعاون بين المسلمين

حكم المحبة والتعاون بين المسلمين فالتعاون والمحبة ضرورة إنسانية، واجتماعية في هذه الحياة، ولا يمكن للمرء العيش بدونهما، والإنسان كائن اجتماعي في طبيعته، وقد خلق الله فيه الحاجة إلى أفراد آخرين لمعاونته في إنجاز أموره، لذلك يهتم موقع المرجع في الحديث عن حكم المحبة والتعاون بين المسلمين، وعن معنى المحبة، وأهميتها، وفوائدها، وأقسامها، ومراتبها، وعن معنى التعاون، وأهميته، وفوائده وأقسامه، وبعض صوره.

حكم المحبة والتعاون بين المسلمين

  • لقد أوجب الله المحبة والتعاون بين المسلمين، وحث الدين الإسلامي على نشر المحبة والتعاون بين المسلمين، وذلك من خلال العديد من النصوص الشرعية سواء كانت آيات قرآنية كريمة أو أحاديث نبوية شريفة.

ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز الكثير من الآيات القرآنية التي تحث على المحبة والتعاون بين المسلمين وسائر المخلوقات ومن ذلك قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}،[1] وقال الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}،[2] وقال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.[3]

معنى المحبة

المحبة لغةً: هي الحب، وهو نقيض البغض، وأصل هذه المادة يدل على اللزوم والثبات، واشتقاقه من أحبه إذا لزمه، تقول: أحببت الشيء فأنا محب وهو محب، والمحبة اصطلاحاً: الميل إلى الشيء السار، وقال الراغب: “المحبة: ميل النفس إلى ما تراه وتظنه خيرا”، وقال الهروي: “المحبة: تعلق القلب بين الهمة والأنس، في البذل والمنع على الإفراد”.[4]

أهمية المحبة

قال الراغب: “لو تحاب الناس، وتعاملوا بالمحبة لاستغنوا بها عن العدل، فقد قيل: العدل خليفة المحبة يستعمل حيث لا توجد المحبة، ولذلك عظم الله تعالى المنة بإيقاع المحبة بين أهل الملة، فقال عز من قائل: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}،[5] أي: محبة في القلوب، تنبيها على أن ذلك أجلب للعقائد، وهي أفضل من المهابة؛ لأن المهابة تنفر، والمحبة تؤلف، وقد قيل: طاعة المحبة أفضل من طاعة الرهبة، لأن طاعة المحبة من داخل، وطاعة الرهبة من خارج، وهي تزول بزوال سببها، وكل قوم إذا تحابوا تواصلوا، وإذا تواصلوا تعاونوا، وإذا تعاونوا عملوا، وإذا عملوا عمروا، وإذا عمروا عمروا وبورك لهم.[4]

فوائد المحبة

من فوائد المحبة وآثارها:[4]

  • دلالة على كمال الإيمان وحسن الإسلام.
  • المحبة تغذي الأرواح والقلوب وبها تقر العيون، بل إنها هي الحياة التي يعد من حرم منها من جملة الأموات.
  • تظهر آثار المحبة عند الشدائد والكربات.
  • من ثمار المحبة النعيم والسرور في الدنيا، الموصل إلى نعيم وسرور الآخرة.
  • محبة الناس مع التودد إليهم تحقق الكمال الإنساني لمن يسعى إليه.
  • محبة الإخوان في الله من محبة الله ورسوله.
  • التحاب في الله يجعل المتحابين في الله من الذين يستظلون بظل الله تعالى يوم لا ظل إلا ظله.
  • لا يكتمل إيمان المرء إلا إذا تحقق حبه لأخيه ما يحبه لنفسه، وفي هذا ما يخلصه من داء الأنانية.
  • أن يستشعر المرء حلاوة الإيمان فيذوق طعم الرضا وينعم بالراحة النفسية.

أقسام المحبة

قسم بعض أهل العلم المحبة إلى أنواع، كابن القيم الذي قسمها إلى أربعة أنواع وهي محبة الله، ومحبة ما يحب الله، والمحبة مع الله وهي المحبة الشركية، والحب لله وفي الله،وابن حزم الذي قسمها إلى تسعة أنواع، وهي:[4]

  • محبة المتحابين في الله عز وجل، إما لاجتهاد في العمل، وإما لاتفاق في أصل النحلة والمذهب، وإما لفضل علم بمنحه الإنسان.
  • محبة القرابة.
  • محبة الألفة في الاشتراك في المطالب.
  • محبة التصاحب والمعرفة.
  • محبة البر؛ يضعه المرء عند أخيه.
  • محبة الطمع في جاه المحبوب.
  • محبة المتحابين لسر يجتمعان عليه يلزمهما ستره.
  • محبة بلوغ اللذة وقضاء الوطر.
  • محبة العشق التي لا علة لها إلا ما ذكرنا من اتصال النفوس.

مراتب المحبة

قسم العلماء المحبة إلى مراتب عديدة، ومن هؤلاء العلماء ابن قيم الجوزية الذي أوصلها إلى عشر مراتب، وهي كما يلي:[4]

  • العلاقة: وسميت علاقة لتعلق القلب بالمحبوب.
  • الإرادة: وهي ميل القلب إلى محبوبه وطلبه له.
  • الصبابة: وهي انصباب القلب إليه، بحيث لا يملكه صاحبه، كانصباب الماء في الحدور.
  • الغرام: وهو الحب اللازم للقلب، الذي لا يفارقه، بل يلازمه كملازمة الغريم لغريمه.
  • الوداد: وهو صفو المحبة.
  • الشغف: يقال: شغف بكذا. فهو مشغوف به. وقد شغفه المحبوب. أي وصل حبه إلى شغاف قلبه.
  • العشق: وهو الحب المفرط، الذي يخاف على صاحبه منه.
  • التتيم: وهو التعبد، والتذلل.
  • التعبد: وهو فوق التتيم، فإن العبد هو الذي قد ملك المحبوب رقه، فلم يبق له شيء من نفسه ألبتة، بل كله عبد لمحبوبه ظاهرا وباطنا، وهذا هو حقيقة العبودية. ومن كمل ذلك فقد كمل مرتبتها.
  • الخلة: التي انفرد بها الخليلان، إبراهيم ومحمد صلى الله عليهما وسلم.

معنى التعاون

التعاون لغةً: هو العون: وهو الظهير على الأمر، وأعانه على الشيء: ساعده، واستعان فلان فلانا وبه: طلب منه العون، وتعاون القوم: أعان بعضهم بعضا، والمعوان: الحسن المعونة للناس، أو كثيرها، والتعاون اصطلاحاً: هو المساعدة على الحق ابتغاء الأجر من الله سبحانه.[6]

أهمية التعاون

لقد جعل الله سبحانه وتعالى التعاون فطرة جبلية، جبلها في جميع مخلوقاته: صغيرها وكبيرها، ذكرها وأنثاها، إنسها وجنها، فلا يمكن لأي مخلوق أن يواجه كل أعباء الحياة ومتاعبها منفردا، بل لابد أن يحتاج إلى من يعاونه ويساعده؛ لذلك فالتعاون ضرورة من ضروريات الحياة، التي لا يمكن الاستغناء عنها، فبالتعاون ينجز العمل بأقصر وقت وأقل جهد، ويصل إلى الغرض بسرعة وإتقان.
والملاحظ أن نصوص الشريعة جاءت بالخطاب الجماعي، فقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا وردت (89) مرة، وقوله: أيها الناس عشرين مرة، وقوله: بني آدم خمس مرات، دلالة على أهمية الاجتماع والتعاون والتكامل، كما حث النبي صلى الله عليه وسلم على التعاون ودعا إليه.[6]

فوائد التعاون

من فوائد التعاون وآثاره:[6]

  • استفادة كل فرد من خبرات وتجارب الآخرين في شتى مناحي الحياة، وإظهار القوة والتماسك، وتنظيم الوقت وتوفير الجهد.
  • ثمرة من ثمرات الأخوة الإسلامية، وسبيل لرفع الظلم عمن وقع عليه، وحماية للفرد.
  • تقاسم الحمل وتخفيف العبء، وسهولة التصدي لأي أخطار تواجه الإنسان ممن حوله، وسهولة إنجاز الأعمال الكبيرة التي لا يقدر عليها الأفراد.
  • القضاء على الأنانية وحب الذات، ومن أهم ركائز النجاح والتفوق، وثمرة من ثمار الإيمان.
  • سبب نيل تأييد الله، وسبب نيل محبة الله ورضاه، ويجعل الفرد يشعر بالسعادة.
  • يزيل الضغائن والحقد والحسد من القلوب، ويساعد الفرد على بذل المزيد من الجهد والقوة، ويساعد على سرعة التنفيذ.
  • يسرع من عجلة التطور العلمي والتقدم التقني، ويولد سلامة الصدر ويكسب حب الخير للآخرين، ويؤدي بالفرد إلى الإتقان في العمل.
  • يولد عند الفرد الشعور بالقوة، ويجدد طاقة الفرد وينشطها، ويسهل العمل وييسره، ويحقق أكبر الاستثمارات.
  • يحد من الازدواجية في العمل، ويتبين للفرد ما يمتلك من طاقة وخبرات وقدرات، وسبيل لاستغلال الملكات والطاقات المهدرة الاستغلال المناسب لما فيه مصلحة الفرد والمجتمع.

أقسام التعاون

ينقسم التعاون إلى قسمين: تعاون على البر والتقوى، وتعاون على الإثم والعدوان، قال ابن تيمية: “فإن التعاون نوعان: الأول: تعاون على البر والتقوى؛ من الجهاد وإقامة الحدود، واستيفاء الحقوق، وإعطاء المستحقين؛ فهذا مما أمر الله به ورسوله، ومن أمسك عنه خشية أن يكون من أعوان الظلمة فقد ترك فرضا على الأعيان، أو على الكفاية متوهما أنه متورع، والثاني: تعاون على الإثم والعدوان، كالإعانة على دم معصوم، أو أخذ مال معصوم، أو ضرب من لا يستحق الضرب، ونحو ذلك؛ فهذا الذي حرمه الله ورسوله. فإذا كانت الأموال قد أخذت بغير حق، وقد تعذر ردها إلى أصحابها، ككثير من الأموال السلطانية؛ فالإعانة على صرف هذه الأموال في مصالح المسلمين كسداد الثغور، ونفقة المقاتلة، ونحو ذلك: من الإعانة على البر والتقوى”.[6]

صور من التعاون

للتعاون صور كثيرة نذكر منها ما يلي:[6]

  • التعاون على تجهيز الغازي.
  • التعاون على دفع الظلم.
  • التعاون في الثبات على الحق والتمسك به.
  • التعاون في الدعوة إلى الله.
  • التعاون في تزويج العزاب.
  • التعاون في طلب العلم والتفقه في الدين.
  • التعاون لتفريج كربات المهمومين وسد حاجات المعوزين.
  • التعاون مع الأمير الصالح، وتقديم النصح له ومساعدته على القيام بواجباته.
  • تقديم النصيحة لمن يحتاجها.
  • معاونة الخدم.
  • التعاون على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
  • التعاون في جمع التبرعات والصدقات والزكاوات وتوزيعها على مستحقيها.
  • التعاون على حل الخلافات والنزاعات التي تقع في وسط المجتمع المسلم.
  • التعاون في إقامة الحدود وحفظ أمن البلاد.

وهكذا نكون قد وصلنا إلى نهاية مقالنا، الذي تعرفنا فيه على حكم المحبة والتعاون بين المسلمين، وعلى معنى المحبة، وأهميتها، وفوائدها، وأقسامها، ومراتبها، وعلى معنى التعاون، وأهميته، وفوائده وأقسامه، وبعض صوره.

المراجع

  1. سورة المائدة , الآية 2
  2. سورة الحجرات , 9-10
  3. سورة آل عمران , الآية 103
  4. saaid.net , الحب في الإسلام , 08/09/2021
  5. سورة مريم , الآية 96
  6. islamweb.net , التعاون شعار المؤمنين , 08/09/2021

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *