لماذا اخفى الله موت سيدنا سليمان عن الجن

لماذا اخفى الله موت سيدنا سليمان عن الجن؟ واحدٌ من الأسئلة الدينية التي قد شغلت الكثير من المسلمين لغرابة الموقف، فالمسلمين موقنين أنّ الله -سبحانه وتعالى- لا يُخبر بقصّةٍ ما في كتابه الكريم إلا وكان من ورائها عبرة وحكمة بالغة، فالقرآن الكريم كلام الله ووحيه المنزل، والذي ذُكر فيه قصّة موت سليمان وعدم معرفة الجنّ بذلك، وفي هذا المقال يوضّح لنا موقع المرجع سبب إخفاء الله -سبحانه وتعالى- موت سيدنا سليمان -عليه السلام- عن الجن.

نبي الله سليمان عليه السلام

قبل المرور على بيان التساؤل لماذا اخفى الله موت سيدنا سليمان عن الجن سيتمّ التّعرف بنبي الله سليمان -عليه السلام- وهو واحدٌ من ملوك بنو إسرائيل، اشتهر بحكمته وثرائه الفاحش وملكه الواسع، وهو نبيٌّ من أنبياء الله -صلوات الله عليهم أجمعين- وابن نبي الله داوود -عليه السلام- ذُكرت قصّته في القرآن الكريم في العديد من السور كسورة سبأ وسورة النمل والبقرة والأنعام، وقد آتاه الله العلم والحكمة وعلّمنه منطق الطّير والمخلوقات جميعها، وسخّر له الريح والجنّ وكل الحيوانات تحت خدمته، وقد قال الله -سبحانه وتعالى- في محكم تنزيله:{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ}.[1] وقد اشتهر بالحكمة الكبيرة ففضّله الله على كثيرٍ من عباده فكان من أعظم ملوك الأرض بإذن ربّه، وحكم بالعدل والقسط بين النّاس.[2]

شاهد أيضًا: قصة سيدنا سليمان كاملة

نبي الله سليمان والجن

إنّ من صور المُلْك العظيم الّذي آتاه الله تعالى لنبيّه الكريم سليمان -عليه السّلام- أن سخّر بين يديه الجنّ بكلّ أصنافه وأنواعهم، يأمرهم بما يريد ويخاطبهم ويراهم، كما سخّر له الله تعالى جميع المخلوقات الأخرى، فلقد استجاب -سبحانه وتعالى- لدعوة النّبيّ سليمان عليه السّلام حين قال: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ}.[3] فلقد أوكل سليمان للجنّ العديد من المهام والوظائف، وحكم بينهم بالقسط والعدل والخير، فكان منهم المؤمن ومنهم الكافر، ومنهم المسيء ومنهم الخيّر، فكانوا يمتثلون لأمر سليمان عليه السّلام بمشيئة الله تعالى، فكانوا يبنون المساجد والأبنية الضّخمة، وكانوا ينحتون التّماثيل ويقومون بكلّ عملٍ لا تتحمّله القوى البشريّة، فمن المعروف أنّ الجنّ لهم قدراتٌ ليست عند البشر، وكان سليمان عليه السّلام عادلًا في حكمه بين الخلائق، فإن أساء من الجنّ أحدٌ أو عصى الأوامر أو تعدّى على حقّ غيره، نال عقابه وجزاؤه، وأمّا من كان يحسن التّصرّف ويطيع الأمر ويعطي كلّ ذي حقٍّ حقّه ولا يتعدّى، فكان ينال الجزاء الحسن والأجر الكريم من الملك العادل، وقد ذكر القرآن الكريم عددًا من المواقف الّتي تحكي عن الجنّ مع سليمان عليه السّلام، منها ما هو في سورة النّمل والبقرة وغيرهما.[4]

شاهد أيضًا: من هو النبي الذي يعرف لغة الطير

وفاة سيدنا سليمان

قد قيل في وفاة نبيّ الله سليمان -عليه السّلام- قد توفّاه الله تعالى وهو جالسٌ على كرسيّه، وكان متكئ على عصاه الخشبيّة، وخفي موته على خدمه من الجنّ والإنس وكافّة الخلائق، ولم يكتشف أحدٌ موته حتّى أرسل الله تعالى دابّة الأرض الّتي تأكل الخشب، فكانت تأكل من عصاه حتّى صارت العصاة هشّةً وانكسرت بين يديه، فوقع جسد النّبيّ أرضًا، وحينها عرف كلّ من كان عنده بموته؛ وفيما يأتي سنتعرفّ على إجابة السّؤال لماذا اخفى الله موت سيدنا سليمان عن الجن وما الحكمة من ذلك.[5]

لماذا اخفى الله موت سيدنا سليمان عن الجن

قد أخفى الله تعالى موت سليمان عليه السّلام عن الجنّ ليبيّن للنّاس أنّ الجنّ وغيرهم من المخلوقات لا يعلمون الغيب أبدًا، فلا يعلم الغيب إلّا الله تعالى، قد يتساءل البعض كيف لم يعلم أهله وأولاده ونساؤه أنّه مات، وكيف لم يفتقده أتباعه وخدّامه، فقد قيل في هذا الأمر روايتين اثنتين، والرّواية الأولى تقول أنّ نبيّ سليمان عليه السّلام كان قد أوصاه والده النّبيّ داوود عليه السّلام أن يكمل بناء المسجد الأقصى وكان قد وضع الرّكائز الأساسيّة له، وبقي له عامٌ واحدٌ حتّى ينتهي بناؤه، فلمّا شعر سليمان بدنوّ أجله أوصى أهله بأن لا يعلموا النّاس أو الخدم من الجنّ بموته حتّى يتمّ إنهاء بناء المسجد الأقصى الّذي كان يعمل في بنائه الجنّ، وكان ذلك، وقيل إن ذلك استمرّ حولًا كاملًا، ولمّا انتهى بناء المسجد الأقصى علم الجنّ والإنس بموت الملك سليمان عليه السّلام، أمّا الرّواية الثّانية فتقول: إن سليمان عليه السّلام كان يختلي بنفسه بين الحين والآخر لفتراتٍ طويلةٍ تصل إلى السّنتين، وكان يتزوّد من الطّعام والشّراب ويوصي أهله وخدمه بأن يتركوا فلا يقربوه في محرابه ولا يطلبوه، وعندما مات كان في فترة تبتّل واختلاء، ولم يعلم بموته أجدٌ حتّى أكلت دابّة الأرض من عصاه وانكسرت بين يديه وهوى جسده على الأرض، حينها علم أهله وخدمه بموته عليه السّلام، ولكنّ الثّابت أن الله تعالى جعل في إخفاء موته غايةً وهو أن يبيّن الله تعالى للجنّ والإنس أنّه لا يعلم الغيب وما فيه إلّا الله تبارك وتعالى، والله أعلم.[5]

ما الحكمة من إخفاء موت نبي الله سليمان عن الجن

إنّ الله تعالى قد جعل في خفاء موت سليمان عليه السّلام حكمةً عظيمةً وغايةً سليمة، وهي أن يبيّن للنّاس الّذين صدّقوا الادّعاء بأنّ الجنّ تعلم الغيب، بأنّ هذا الدّعاء فراغٌ وكاذب، وأنّه لا يعلم الغيب إلا الله تعالى، فلو كانت الجنّ تعلم الغيب، لكانت علمت بموت سليمان وما بقيت تعمل وتتعذّب في بناء المسجد الأقصى وفي خدمة النّبيّ وأهله، حتّى أكلت الدّابة من عصاه ووقع بعد أن اختلّ توازنه على الأرض، وعندها علم الجميع بموته، بعد أن ظنّوه يصلّي ويتبتّل لله تعالى، والله أعلم.[6]

شاهد أيضًا: من هو أول من كتب بسم الله الرحمن الرحيم

أين توفي سيدنا سليمان عليه السلام

توفّي نبيّ الله سليمان عليه السّلام في بيت المقدس في السّنة الواحدة والثّلاثين بعد التّسعمائةٍ قبل الميلاد، وتحديدًا بعد خمسمائةٍ وبضع سنواتٍ من وفاة نبيّ الله موسى عليه السّلام، وكان سليمان قد حكم بني إسرائيل لمدّة أربعين عامًا، إذّ تولّى الحكم وهو ابن ثلاثة عشر عامًا، وتوفّي وهو ابن اثنين وخمسين عامًا، ولم يُعرف موضع قبره وأين دُفن حتّى يومنا هذا، وقيل بأنّ قبره يقع على ساحل بحيرة طبريّة، كما قد قيل بأنّه قد دُفن في قبره أبيه نبيّ الله داود عليه السّلام، وقيل إن جثمانه قد دُفن في بيت المقدس عند الجسمانيّة، والله أعلم.[7]

إلى هنا نكون قد وصلنا إلى ختام مقالنا لماذا اخفى الله موت سيدنا سليمان عن الجن، فلقد قدّمنا في هذا المقال مقتطفاتٍ من سيرة نبيّ الله سليمان عليه السّلام، وتحدّثنا عن ملكه وحكمته والجنّ المسخّرين بين يديه عليه السّلام، كما ذكرنا قصّة وفاته والحكمة من إخفاء خبر موته عن الجن، وأخيرًا تحّدثنا عن مكان وفاته عليه الصّلاة والسّلام.