هل الحداد على الميت يعذبه في القبر

هل الحداد على الميت يعذبه في القبر فالموت حقٌ على كلّ مخلوق، والإنسان بفطرته مخلوقٌ مجبولٌ على العواطف والمشاعر المختلفة، من حزنٍ وفرح ونحو ذلك، وعند فراق الإنسان لأحبته وموت أحدهم فإن الإسلام أمره بالصبر والاحتساب عند الله، وعدم السخط والجزع والهلع والنياح والبكاء بشدة، كما ضبط الإسلام العزاء وأحكام الميت كلّها ليكون فيها النفع للميت والحي، ويهتم موقع المرجع ببيان هل الميت يعذب ببكاء أهل عليه وهل الحداد والبكاء على الميت يعذب به.

هل الحداد على الميت يعذبه في القبر

ذكر أهل العلم أنّ الحداد على الميت يعذّب الميت، فقد صحت الكثير من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه قال: “قالَ عبدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنْهما لِعَمْرِو بنِ عُثْمَانَ: أَلَا تَنْهَى عَنِ البُكاءِ؛ فإنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: إنَّ المَيِّتَ لَيُعَذَّبُ ببُكَاءِ أَهْلِهِ عليه….. فلَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ دَخَلَ صُهَيْبٌ يَبْكِي يقولُ: وا أَخَاهُ! وا صَاحِبَاهُ! فَقالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: يا صُهَيْبُ، أَتَبْكِي علَيَّ وقدْ قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ المَيِّتَ يُعَذَّبُ ببَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِه عليه؟!”.[1]

وقد أخبر أهل العلم أنّ المراد بالبكاء في الأحاديث ليس البكاء المطلق، بل البكاء والنياحة ورفع الصوت، وقد أجمعوا كلهم على أن المراد بالبكاء هنا البكاء بصوت ونياحة لا مجرد دمع العين، وقيل إن كان الرجل قد وافق أهله بهذا الأمر في حياته فإنه يعذب به، ولو لم يكن فلا يعذب به، وهو قول البخاري، وقيل أنه يتألم بالنداء عليه، ولا يعني ذلك أن الله يعاقبه ويعذبه بذلك والله أعلم.[2]

شاهد أيضًا: لماذا الحداد ٤٠ يوم

هل الميت يعذب ببكاء أهله عليه

إنّ البكاء على الميت بلا صوت جائز باتفاق أهل العلم، وإنّ البكاء بغير صوت لا يُعذب الميت فيه، وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم عند موت ابنه إبراهيم، وقد وصف ذلك بالرحمة، لكن ما حُرّم من البكاء هو النوح والندب والبكاء المقرون بأحدهما أو كلاهما، فالإجماع عند أهل العلم على اختلاف المذهب أنّ المراد بالبكاء الذي يعذب عليه الميت هو البكاء بالصوت لا مجرد دمع العين، وكذلك يُعذب الميت إن أوصى أن يُناح عليه بعد موته أو يحد عليه، ومن الجدير بالذكر أن الحزن والحداد والبكاء لا ينفع الميت بل يضره والواجب على الحي أن يتصدق عن الميت وأن يدعو له وأن يستغفر له بعد موته وترك الحداد والحزن والبكاء.[3]

شاهد أيضًا: هل البكاء على الميت يعذبه في قبره

الحداد والبكاء على الميت هل يعذب به

لا يوجد في الشريعة ما يسمى حداد الأربعينية أو أربعينية الميت، بل هي من البدع التي ابتدعها الناس، والواجب على المسلم أن يبتعد عنها، والحداد على الميت ثلاثة أيامٍ فقط، وهو المشروع، إلا على الزوجة بالخصوصية فتحد على زوجها أربعة أشهر وعشرة أيّام أما ما سواها فلا يحل ذلك، وقد روت أم حبيبة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لا يحِلُّ لامرأةٍ تُؤمِنُ باللهِ واليَومِ الآخِرِ أن تُحِدَّ على مَيِّتٍ فوقَ ثلاثِ ليالٍ، إلَّا على زَوجٍ أربعةَ أشهُرٍ وعَشرًا”. [4] فالبكاء بدون نياحة لا حرج فيه لأن الله لا يعذب بحزن القلب ودمع العين إنما يكون التعذيب باللسان، والجزع والتسخط، وقد ورد عن أهل العلم أنّ الميت إن لم يوصِ بها لا يُعذب بها، أما لو كان يعلم أنّ ذلك من عادة قومه فإنه يلزمه أن يتبرأ من ذلك في وصيته قبل موته، وإلا كان مشاركًا له في الوزر والله ورسوله أعلم.[5]

شاهد أيضًا: حكم العدة للارملة فوق الخمسين

الحداد على الميت وزيارة المقبرة ابن عثيمين

سُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله حينما كان عضوًا في هيئة كبار العلماء، عن مسألة هل الحداد على الميت يعذبه في القبر، فأجاب بقوله:[6]

“لا يجوز هذا العمل، أن الظاهر من حال هؤلاء أن لا يقتصرن على البكاء المجرد بل إنهن لابد أن يكون ثم نياحة وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم النائحة والمستمعة، وكذلك الإحداد لمدة عام كله من المنكر الذي لا يجوز فإنه لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الأخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا، وما عدا ذلك من الإحداد فكله محرم ولا يجوز، وليعلم المؤمن أنه إذا صبر على المصيبة أعانه الله عز وجل وسدد خطاه وأنساه مصيبته وأثابه عليها مع الاحتساب، وإذا تسخط وحزن استمرت المصيبة في قلبه وازداد بذلك حسرة على حسرته، فليتق الله عز وجل وليرض به رباً فإن لله حكمة فيما أخذ وفيما أبقى، وكل شيء عنده بأجل مسمى”.

عذاب الميت في قبره ببكاء أهله عليه ابن باز

ذكر الشيخ ابن باز رحمه الله عندما عرضت عليه مسألة الإحداد على الميت والنياحة عليه والبكاء لفقده، أنّ الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الميت يعذّب في القبر بما يناح عليه، وعلى المسلمين السمع والطاعة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ومن الحكمة للمسلم أن يوصي أهله قبل موته ويكتب في وصيته بعدم النوح عليه، لئلا يعذب في قبره بسببهم، ولا يُعلم عن هذا العذاب كيفيته وحاله فقد يكون عذابًا خاصًا وقد يكون من جملة عذاب القبر العام وعلمه عند الله، والواجب على المسلمين الصبر والاحتساب عند الفقد والموت عدم الجزع والنوح والإحداد، ولا عزاء فوق ثلاث، فمن زاد عن ثلاث خالف أمر الله سبحانه وتعالى وخالف أمر نبيه صلى الله عليه وسلم.[7]

بهذا نكون قد وصلنا لنهاية مقال هل الحداد على الميت يعذبه في القبر، والذي تم من خلاله بيان حكم البكاء على الميت والنوح عليه والإحداد، وكذلك تم بيان آراء وأقوال أهل العلم في هذه المسألة الخطيرة.

المراجع

  1. صحيح البخاري , البخاري/ عبد الله بن عمر/ 1286/صحيح
  2. islamqa.info , معنى تعذيب الميت ببكاء أهله عليه , 14/05/2022
  3. islamweb.net , البكاء على الميت.. المشروع منه والممنوع , 14/05/2022
  4. سنن أبي داود , أبو داود/ أم حبيبة/ 2299/سكت عنه وقال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح
  5. islamweb.net , الحداد المشروع والحداد الممنوع , 14/05/2022
  6. ar.islamway.net , الحداد على الميت وزيارة المقبرة , 14/05/2022
  7. binbaz.org.sa , عذاب الميت في قبره ببكاء أهله عليه , 14/05/2022

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *