هل يجوز الترحم على الكافر

هل يجوز الترحم على الكافر الذي لا يؤمن بالله سبحانه وتعالى، فإن العبد المسلم من باب نيل الأجر والثواب قد يتساءل على أنه هل يجوز الترحم على الكافر، وما هو مفهوم الترحم، وهل يجوز الترحم على المسيحي، وهل تجوز الصلاة على الكافر، فكل هذه الأسئلة ستتم الإجابة عنها في موقع المرجع في السطور التالية.

مفهوم الترحم

الترحم في اللغة: كلمة أصلها اسم من: “تَرَحُّمٌ”، وتأتي في صورة مفرد مذكر وجذرها “رحم”، وجذعها “ترحم”، وهي من طلب الرحمة؛ حيث نقول: رحمه الله، ونقول: تَرَحَّمَ، يترحَّم، ترحُّمًا، فهو مترحِّم، والمفعول مترحَّمٌ عليه، وترحَّمَ: دعا له بالرَّحمة، فعندما نقول نترحم على الميت: يكون ذلك بالدعاء له بالرحمة، وطلب المغفرة له.

وقيل: الترحم من الرحمة، ومن معانيها: الرقة والعطف والمغفرة، وهو أيضًا؛ الدعاء بالرحمة فنقول: رحمت الله عليك، رحمه الله، ولا تخرج هذه المعاني عن ذلك عند الفقهاء وأهل الله، وقال الراغب: “الرحمة رقة تقتضي الإحسان إلى المرحوم، وتستعمل تارة في الرقة المجردة، وتارة في الإحسان المجرد عن الرقة، نحو رحم الله فلانًا، وقال ابن منظور: “الرحمة في بني آدم عند العرب رقة القلب وعطفه، ورحمة الله، وإحسانه، ورزقه”.

شاهد أيضًا: هل يجوز الاستغفار للميت وما هي الأعمال التي تنفع الميت

هل يجوز الترحم على الكافر

لا يجوز الترحم على الكافر بإجماع أهل العلم، لا سيما وأن الترحم عليهم أبلغ من الاستغفار لهم، وكان ذلك بدليل ما  نهى الله -عز وجل- به النبي -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين من الاستغفار للمشركين حيث قال تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}،[1] ولأن من مات على الكفر لا يغفر الله له، بدليل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}،[2] ولذلك لا يجوز على الإطلاق الترحم على الكافر حين موته، وهذا لما ارتكبه من معاصي وبُعد عن دين الله الحنيف.

وقد ذكر النووي: “أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُدْعَى لِلذِّمِّيِّ بِالْمَغْفِرَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا فِي حَال حَيَاتِهِ مِمَّا لاَ يُقَال لِلْكُفَّارِ، لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يُدْعَى لَه بِالْهِدَايَةِ، وَصِحَّةِ الْبَدَنِ وَالْعَافِيَةِ وَشِبْهِ ذَلِكَ”، وقال في ذلك أيضًا: ابن تيمية في مجموع الفتاوى: وقد قال تعالى: {ادعوا ربكم تضرعًا وخفية إنه لا يحب المعتدين}، في الدعاء، ومن الاعتداء في الدعاء: أن يسأل العبد ما لم يكن الرب ليفعله، مثل: أن يسأله منازل الأنبياء وليس منهم، أو المغفرة للمشركين، ونحو ذلك”.[3]

شاهد أيضًا: هل البكاء على الميت يعذبه في قبره

هل يجوز الترحم على المسيحي بعد موته

إن الترحم على المسيحيين بعد موتهم لا يجوز، وكان ذلك بدليل قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}،[1] وجاء ذلك أيضًا بدليل قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الشريف: “والذي نفسي بيده؛ لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، ولا يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار”،  وهذا لأن الله تعالى قد قضى عليهم بالخلود في النار، فالدعاء لهم بالرحمة طلب لتغيير قضاء الله المبرم، والذي لا يغير ولا يبدل بالدعاء، أما عن الدعاء لهم بالهداية حال حياتهم ورغبةً في إسلامهم، فإن ذلك جائز؛ حيث دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- لدوس وكانوا كفارًا فقال: “اللَّهمَّ اهْدِ دَوْسًا وائْتِ بهم، اللَّهمَّ اهْدِ دَوْسًا وائْتِ بهم“.[4]

شاهد أيضًا: من صور عبادة المشركين للأنبياء عليهم السلام

هل تجوز الصلاة على الكافر

لا تجوز صلاة الجنازة على الكافر أو المشرك، حيث إن الله -عز وجل- قد حرم الصلاة على الكافر، أو أن يستغفر له بعد موته، وسواء أكان قريبًا له أم لم يكن، وقد قال أبو إسحاق الشيرازي: “وإن مات كافر لم يصل عليه، لقوله عز وجل: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ}، ولأن الصلاة لطلب المغفرة، والكافر لا يغفر له، فلا معنى للصلاة عليه”، وقال النووي أيضًا:
“وَأَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ عَلَى الْكَافِرِ”.

وقد جاء في “الموسوعة الفقهية”:
“كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَيَسْتَغْفِرُ لَهُمْ، حَتَّى نَزَل قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ) . فَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّي عَلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَلاَ يَسْتَغْفِرُ لَهُمْ، وَكَانَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ صَلَّى عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَافِقٌ ، وَمَنْ عُلِمَ أَنَّهُ مُنَافِقٌ لَمْ يُصَل عَلَيْهِ، وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا مَاتَ مَيِّتٌ لَمْ يُصَل عَلَيْهِ ، حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهِ حُذَيْفَةُ ؛ لأِنَّ حُذَيْفَةَ كَانَ قَدْ عَلِمَ أَعْيَانَ الْمُنَافِقِينَ”.

ومن الجدير بالذكر أن الله سبحانه وتعالى نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- حينما طلب أن يستغفر لأبي طالب بعد موته ، وكان ذلك بقوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ * وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ}.[5] [6]

أحوال الدعاء للكافر

بعد أن تعرفنا على حرمة الترحم على الكافر، لا بُد من معرفة أحوال الدعاء للكافر؛ حيث إن الإنسان في بعض الأحيان قد يلجأ للدعاء لهم من بقصد أو من غير قصد، ولهذا سيتم بيان أحوال الدعاء للكافر على النحو الآتي:[7]

الحالة الأولى: الدعاء لهم بالمغفرة والرحمة

لقد أجمع أهل العلم على حرمة الاستغفار للكافر والترحم عليه، وهذا لما قد نقل عن الإمام النووي؛ بل عد القرافي المالكي وابن علان الشافعي أن من الكفر الاستغفار للكافر إذا تيقن موته على شركه؛ لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ}؛[8] وإذا شك في إسلامه فلا يستغفر له كذلك؛ لأن الأصل فيه الكفر وعدم الإسلام، حيث قال تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}،[1] ومما جاء في حديث رسول الله: “استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي”، حيث قال النووي: وفيه النهي عن الاستغفار للكفار؛ وكذلك ما ورد عن أبي بردة، عن أبيه قال: “كانتِ اليهودُ يَتعاطَسونَ عندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ رَجاءَ أنْ يقولَ لهم: يَرحَمُكم اللهُ، فكان يقولُ لهم: يَهديكم اللهُ ويُصلِحُ بالَكم“.[9]

الحالة الثانية: الدعاء لهم بالهداية

أجاز العلماء الدعاء لعموم الكفار بالهداية؛ أما إذا كان الكافر مسالمًا غير محارب، ولم يصدر منه أذى للمسلمين فإنه أولى بالدعاء له بالهداية؛ ففي ذلك إنقاذًا له من النار، ودخوله في طاعة الله، وهذا غاية ما يقصده المسلم في السعي لتحقيق رسالة سيد المرسلين الذي بعث رحمة للعالمين، ومما ورد في السنة من الدعاء للكافر بالهداية:

  • حديث أبي هريرة رضي الله عنه: “اللهم اهد دوسا وأت بهم”.[4]
  • حديث أبي هريرة رضي الله عنه: “اللهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَة”؛[10] حيث كانت مشركة آنذاك.
  • حديث جابر رضي الله عنه قال: قالوا: “يا رسول الله، أحرقتنا نبال ثقيف، فادع الله عليهم. قال: “اللهم اهد ثقيفًا”.

الحالة الثالثة: الدعاء عليهم

إن الدعاء على الكفار  ورد في كتاب الله العزيز وسنة نبيه الكريم، لأن أذيتهم للمسلمين ومحاربتهم لهم، والسخرية بدينهم وشعائرهم، أوجبت أن يدعى عليهم بالهلاك وأن يكفى المسلمون شرهم، قال النووي: “وقد أخبرَ الله سبحانه وتعالى في مواضع كثيرة معلومة من القرآن عن الأنبياء صلواتُ الله وسلامُه عليهم بدعائهم على الكفّار”، وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “اللَّهُمَّ أعِنِّي عليهم بسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ“،[12] وقوله: “اللهم عليك بأبي جهل”، ودعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأحزاب، وفيه: “اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اهزمهم وزلزلهم”، ودعاءه يوم الخندق: “ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا، كما شغلونا عن صلاة الوسطى حتى غابت الشمس”، وكذلك دعاؤه على قريش: “اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ”، ثُمَّ سَمَّى: “اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِعَمْرِو بْنِ هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَعُمَارَةَ بْنِ الوَلِيدِ”.

وعليه فإن رسول الله قد جمع بين الدعاء للكافر والدعاء عليه، حيث قال ابن حجر: “كان -صلى الله عليه وسلم- تارة يدعو عليهم وتارة يدعو لهم، فالحالة الأولى: حيث تشتد شوكتهم ويكثر أذاهم كما تقدم في الأحاديث التي قبل هذا بباب، والحالة الثانية: حيث تؤمن غائلتهم ويرجى تألفهم كما في قصة دوس”.

وهكذا نكون قد وصلنا إلى نهاية مقال هل يجوز الترحم على الكافر، وبينا حرمة ذلك، وتعرفنا على مفهوم الترحم، وذكرنا حكم الترحم على المسيحي أيضًا بعد موته، ومن ثم تطرقنا للحديث عن حكم الصلاة على الكافر؛ والتي نهى عنها الله سبحانه وتعالى وأمر بذلك نبيه عليه الصلاة والسلام.

المراجع

  1. سورة التوبة , الآية 113
  2. سورة محمد , الآية 34
  3. islamweb.net , الترحم على غير المسلمين , 12/09/2021
  4. تخريج المسند , شعيب الأرناؤوط، أبو هريرة، 7315، صحيح
  5. سورة التوبة , الآيات 113-114
  6. islamqa.info , لا تجوز الصلاة على المشرك , 12/09/2021
  7. saaid.net , أحوال الدعاء للكافر , 12/09/2021
  8. سورة النساء , الآية 48
  9. تخريج المسند , شعيب الأرناؤوط، أبو موسى الأشعري، 19586، صحيح
  10. صحيح مسلم , مسلم، أبو هريرة، 2491، صحيح
  11. صحيح البخاري , البخاري، عبدالله بن مسعود، 4823، صحيح

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *