هل يجوز الوضوء بالثلج
جدول المحتويات
هل يجوز الوضوء بالثلج هو ما سيتناوله موضوع هذا المقال، حيث يبحث الكثير من المسلمين عن معرفة الأحكام الشرعيّة التي تتعلّق بالوضوء وأحكام الطهارة وخاصّةً في الشتاء إذا انقطع الماء وغمرت الثلوج أرجاء البلاد، لذا يهتمّ موقع المرجع عبر هذا المقال ببيان الحكم الشرعيّ لوضــوء المسلمين بالثلــج في حال وجود الماء وفي حال انقطاعه، مبيّنًا الشروط التي بيّنتها الشريعة الإسلاميّة للوضوء وكيفية الوضوء الصحيح.
مفهوم الوضوء
قبل كلّ شيء وقبل بيان هل يجوز الوضوء بالثلج لا بدّ من الخوض في ذكر مفهوم الوضوء وفضائله كما بيّنتها الشريعة الإسلاميّة، فالوضوء في المعاجم اللغوية من الوضاءة، والتي تعني النظافة والبهجــة والحسن، أمّا في المعنى الاصطلاحيّ الشرعيّ فهو ما يكون من غسل أعضاءٍ مخصوصــةٍ بصفةٍ مخصوصــة بقصد التعبّــد للخالق سبحانه وتعالى، وقد ورد في فضائل الوضوء العديد من أحاديث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، نذكر منها ما يأتي:[1]
- الوضــوء شطــر الإيمــان: وذلك أنّ الوضوء هو الطهارة وقد روى أبو مالك الأشعريّ -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: “الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمانِ، والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ المِيزانَ، وسُبْحانَ اللهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ -أَوْ تَمْلأُ- ما بيْنَ السَّمَواتِ والأرْضِ، والصَّلاةُ نُورٌ، والصَّدَقَةُ بُرْهانٌ، والصَّبْرُ ضِياءٌ، والْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ، أوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُها، أوْ مُوبِقُها”.[2]
- الوضــوء يكفّــر الذنــوب: وفي ذلك روي في الحديث الصحيح: “عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ أنَّه رَأَى عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ دَعَا بوَضُوءٍ، فأفْرَغَ علَى يَدَيْهِ مِن إنَائِهِ، فَغَسَلَهُما ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أدْخَلَ يَمِينَهُ في الوَضُوءِ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ واسْتَنْشَقَ واسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وجْهَهُ ثَلَاثًا ويَدَيْهِ إلى المِرْفَقَيْنِ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ برَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ كُلَّ رِجْلٍ ثَلَاثًا، ثُمَّ قالَ: رَأَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَتَوَضَّأُ نَحْوَ وُضُوئِي هذا، وقالَ: مَن تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هذا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لا يُحَدِّثُ فِيهِما نَفْسَهُ، غَفَرَ اللَّهُ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ”.[3]
- الوضــوء من صفــات أهل الإيمــان: فعن ثوبان مولى رسول الله -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: “استَقيموا ولَن تُحصوا واعلَموا أنَّ خيرَ أعمالِكُمُ الصَّلاةَ ولا يحافظُ علَى الوضوءِ إلَّا مؤمنٌ”.[4]
- الوضــوء من عـلامات أهل الإيمــان يوم القيــامة: كذلك جاء في صحيح الحديث: “رَقِيتُ مع أبِي هُرَيْرَةَ علَى ظَهْرِ المَسْجِدِ، فَتَوَضَّأَ، فقالَ: إنِّي سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: إنَّ أُمَّتي يُدْعَوْنَ يَومَ القِيامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِن آثارِ الوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطاعَ مِنكُم أنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ”.[5]
- الوضــوء يوجـب الجنّة لصاحبـه: وفي ذلك روى عقبة بن عامر رضي الله عنه: “كانَتْ عليْنا رِعايَةُ الإبِلِ فَجاءَتْ نَوْبَتي فَرَوَّحْتُها بعَشِيٍّ فأدْرَكْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قائِمًا يُحَدِّثُ النَّاسَ فأدْرَكْتُ مِن قَوْلِهِ: ما مِن مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثُمَّ يَقُومُ فيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، مُقْبِلٌ عليهما بقَلْبِهِ ووَجْهِهِ، إلَّا وجَبَتْ له الجَنَّةُ قالَ: فَقُلتُ: ما أجْوَدَ هذِه! فإذا قائِلٌ بيْنَ يَدَيَّ يقولُ: الَّتي قَبْلَها أجْوَدُ، فَنَظَرْتُ فإذا عُمَرُ، قالَ: إنِّي قدْ رَأَيْتُكَ جِئْتَ آنِفًا، قالَ: ما مِنكُم مِن أحَدٍ يَتَوَضَّأُ فيُبْلِغُ، أوْ فيُسْبِغُ، الوَضُوءَ ثُمَّ يقولُ: أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا عبدُ اللهِ ورَسولُهُ؛ إلَّا فُتِحَتْ له أبْوابُ الجَنَّةِ الثَّمانِيَةُ يَدْخُلُ مِن أيِّها شاءَ. وفي رواية: فَذَكَرَ مِثْلَهُ غيرَ أنَّه قالَ: مَن تَوَضَّأَ فقالَ أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسولُهُ”.[6]
شاهد أيضًا: اذا غسلت رجلي اليسرى قبل اليمنى هل يبطل الوضوء
هل يجوز الوضوء بالثلج
إنّ الوضوء بالثلج جائز في الشريعة الإسلاميّة إن سال الثلج على أعضاء الجسد، ولا يجزئ إن ظلّ ناشفًا ولم يسيل والله أعلم، فالثلج هو أحد أشكال الماء، وقد أوضح العلماء أن الطهارة به والوضوء كذلك يجوز به فقط إن كان ذائبًا، وفي ذلك قال أهل العلم:[7]
- الإمام الشافعي: “يجوز رفع الحدث وإزالة النجس بالماء المطلق وهو ما نزل من السماء أو نبع من الأرض، فما نزل من السماء ماء المطر وذوب الثلج والبرد، والأصل فيه قوله عز وجل: (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به)”.
- الإمام النووي: “قال أصحابنا: إذا استعمل الثلج والبرد قبل إذابتهما فإن كان يسيل على العضو لشدة حر وحرارة الجسم ورخاوة الثلج صح الوضوء على الصحيح، وبه قطع الجمهور لحصول جريان الماء على العضو, وإن كان لا يسيل لم يصح الغسل بلا خلاف”.
- ابن قدامة: “فإن أخذ الثلج فأمرَّه على أعضائه لم تحصل الطهارة ولو انبل به العضو؛ لأن الواجب الغسل، وأقل ذلك أن يجري الماء على العضو، إلا أن يكون خفيفا فيذوب ويجري ماؤه على الأعضاء، فيحصل به الغسل، فيجزئه”.
شاهد أيضًا: المراد بالمكاره في قوله صلى الله عليه وسلم اسباغ الوضوء على المكاره
حكم الوضوء بالثلج قبل الإذابة
كذلك الخوض في بيان هل يجوز الوضوء بالثلج يدفع إلى بيان حكم التطهر والوضوء بالثلج قبل الإذابة، فلا خلاف بين أهل العلم حول الوضوء بالثلج إذا ذاب الثلج فهو أمرٌ جائزٌ كما سلف إيضاحه، ولكن الخلاف بينهم في حكم استعماله قبل الإذابة، وقد انقسم أهل العلم على ثلاثة أقوال:[8]
- القول الأول: “ذهب المالكيّة والحنابلة – وهو المعتمد عند الحنفيّة – إلى عدم جواز التّطهر بالثّلج قبل الإذابة ما لم يتقاطر ويسل على العضو، يقول صاحب الدرّ المختار: يرفع الحدث مطلقاً بماء مطلق، وهو ما يتبادر عند الإطلاق كماء سماء وأودية وعيون وآبار وبحار وثلج مذاب بحيث يتقاطر – ويقول صاحب الشّرح الكبير: وهو – أي الماء المطلق – ما صدق عليه اسم ماء بلا قيد وإن جمع من ندى، أو ذاب أي تميّع بعد جموده كالثّلج وهو ما ينزل مائعاً ثمّ يجمد على الأرض – ويقول صاحب المغني: الذّائب من الثّلج والبرد طهور، لأنّه ماء نزل من السّماء، وفي دعاء النّبيّ صلى الله عليه وسلم: اللّهمّ اغسل خطاياي بالماء والثّلج والبرد – فإن أخذ الثّلج فمرّره على أعضائه لم تحصل الطّهارة به، ولو ابتلّ به العضو، لأنّ الواجب الغسل، وأقل ذلك أن يجري الماء على العضو، إلّا أن يكون خفيفاً فيذوّب، ويجري ماؤه على الأعضاء فيحصل به الغسل، فيجزئُه”.
- القول الثاني: “ذهب أبو يوسف من الحنفيّة والأوزاعي إلى جواز التّطهر به وإن لم يتقاطر، يقول الطّحطاوي: قوله: بحيث يتقاطر – هو المعتمد، وعن أبي يوسف: يجوز وإن لم يتقاطر، ويقول النّووي: وحكى أصحابنا عن الأوزاعيّ جواز الوضوء به وإن لم يسل ويجزيه في المغسول والممسوح، وهذا ضعيف، أو باطل إن صحّ عنه لأنّه لا يسمّى غسلاً ولا في معناه”.
- القول الثالث: “فرّق الشّافعيّة بين سيل الثّلج على العضو لشدّة حرّ وحرارة الجسم ورخاوة الثّلج، وبين عدم سيله، فإن سال على العضو صحّ الوضوء على الصّحيح لحصول جريان الماء على العضو، وقيل: لا يصح، لأنّه لا يسمّى غسلاً، حكاه جماعة منهم الماورديّ والدّارمي، وإن لم يسل لم يصحّ بلا خلاف في المغسول ويصح مسح الممسوح منه”.
شاهد أيضًا: المراد باسباغ الوضوء زياده غسل الوضوء اكثر من ثلاث مرات
شروط الوضوء
كذلك الخوض في بيان هل يجوز الوضوء بالثلج يدفع إلى ذكر شروط الوضوء التي اشترطها الدين الإسلاميّ فيما يأتي:[9]
- الإسلام: فالإسلام هو الشرط الأول للوضوء، قال تعالى في كتابه الكريم: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ}.[10]
- العقل: وذلك ما روي في الصحيح: “أُتِي عمرُ بمجنونةٍ ، قد زنت فاستشار فيها أناسًا ، فأمر بها عمرُ أن تُرجَمَ ، فمرَّ بها على عليِّ بنِ أبي طالبٍ فقال : ما شأنُ هذه ؟ قالوا : مجنونةُ بني فلانٍ زنت ، فأمر بها عمرُ أن تُرجَمَ . قال : فقال : ارجِعوا بها ، ثمَّ أتاه فقال : يا أميرَ المؤمنين ، أما علِمتَ أنَّ القلمَ قد رُفِع عن ثلاثةٍ ؛ عن المجنونِ حتَّى يبرأَ ، وعن النَّائمِ حتَّى يستيقظَ ، وعن الصَّبيِّ حتَّى يعقِلَ ؟ قال : بلَى ، قال : فما بالُ هذه تُرجَمُ ؟ قال : لا شيءَ ، قال فأرسِلْها ، قال : فأرسِلْها ، قال : فجعل يُكبِّرُ”.[11]
- النيّة: وذلك ما جاء في قوله تعالى من سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}.[12]
- انقطاع ما ينافي الوضوء: من الحيض والنفاس وغيره، فهو يمنع صحّة الوضوء بإجماع أهل العلم.
- إزالة ما يمتع وصوء الماء إلى الأعضاء: حيث يجب إزالة كلّ ما يمنع وصول الماء إلى الأعضاء المعنيّ بها الوضوء.
- دخول الوقت لمن به حدث قائم: وذلك ما روي في الصحيح عن عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها: “جَاءَتْ فَاطِمَةُ بنْتُ أبِي حُبَيْشٍ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فلا أطْهُرُ أفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لَا، إنَّما ذَلِكِ عِرْقٌ، وليسَ بحَيْضٍ، فَإِذَا أقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وإذَا أدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ ثُمَّ صَلِّي – قالَ: وقالَ أبِي: – ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ، حتَّى يَجِيءَ ذلكَ الوَقْتُ”.[13]
- الوضوء يكون بالماء الطهور: فعلى المسلم أن يتحرّى الماء الطاهر بالمطلق للوضوء به، والله ورسوله أعلم.
شاهد أيضًا: تفسير حلم رؤية الوضوء في المنام لابن سيرين والنابلسي وابن شاهين
هل يجوز الوضوء بالثلج مقالٌ فيه تمّ الخوض في بيان ماهيّة الوضوء وذكر فضائله في ضوء الكتاب الكريم والسّنّة النبويّة الشريفة، كما بيّن المقال حكم التطهر بالثلج قبل الإذابة وكيفيّة الوضوء الصحيح وشروطه كما أخبر بها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
المراجع
- dorar.net , من فضائل الوضوء , 29/12/2021
- صحيح مسلم , مسلم/أبو مالك الأشعري/223/صحيح
- صحيح البخاري , البخاري/عثمان بن عفان/164/صحيح
- صحيح ابن ماجه , الألباني/ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم/226/صحيح
- صحيح البخاري , البخاري/أبو هريرة/136/صحيح
- صحيح مسلم , مسلم/عقبة بن عامر/234/صحيح
- islamweb.net , شروط حصول الطهارة وتطهير النجاسة بالثلج , 29/12/2021
- islamweb.net , حكم التّطهر بالثّلج قبل الإذابة , 29/12/2021
- dorar.net , شروط الوضوء , 29/12/2021
- سورة التوبة , الآية 54
- صحيح أبي داود , الألباني/عبد الله بن عباس/4399/صحيح
- سورة المائدة , الآية 6
- صحيح البخاري , البخاري/عائشة أم المؤمنين/228/صحيح
التعليقات