هل يجوز عمل عمرة لأكثر من شخص متوفى

هل يجوز عمل عمرة لأكثر من شخص متوفى، ربّما يتبادرُ هذا السؤال إلى أذهان الكثير من الأشخاص الذين فقدوا شخص عزيز ومُقرّب، وودوا أن يهدوا لهُ في قبره صدقة من عمل صالح احتسابًا لعظيم الفضل والأجر والثواب لهُ، ومن خلالِ موقع المرجع سنتعرف بشكل  تفصيلي على حكم أداء العمرة عن الشخص المتوفي، وشروطِها، وكيفيتها، وفضلها.

أداء العمرة عن الغير

العمرةُ شعيّرة من شعائرِ الله، وهي واجبةٌ عند الشافعية والحنابلة، وسنة عند الحنفية والمالكية،حيثُ قال الله -سبحانهُ وتعالى-: (وأتموا الحج والعمرة لله)[1]، وقد يقوم العديد من المسلمين بأداء العمرة عن الغيّر من آبائهم، وأمهاتهم، وغيّرهم من الأحياءِ أو الموتى، حيثُ تؤدى مناسك العمرة عن الغير باتباع جميع مناسك الإحرام والعمرة عن النفس، مع اختلاف واحد وبسيط وهوَ النية والتلبية، فبدلاً من أن يعلن المعتمر نية العمرة عن النفس، على المعتمر إعلان نيّة العمرة عن المعتمر عنه، والتلبية بقوله “لبيك اللهم عمرة عن فلان”، وتصح النية جهرًا كانت أو سرًا.

شاهد أيضًا: حكم العمرة عن الميت من التنعيم

هل يجوز عمل عمرة لأكثر من شخص متوفى

العمرة جائزة عن الشخص المتوفى، ولكن لا يجوز أدائها لأكثر من شخص متوفى بذات النية وذات الوقت، حيثُ إن العمرة عبادة مفردة لا تؤدى لأكثر من شخص في آن واحد، وقد استند العلماء في عدم جوازِها إلى أن رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- لم يفعل ذلك أبدًا، ولم يرد عن الصحابة -رضوان الله عليهم- أيضًا، وفي جواز أداء العمرة عن الشخص المتوفى شرطًا بأن يكون المعتمر قد أدّى العمرة عن نفسهِ أولاً.

شاهد أيضًا: هل يجوز اخذ عمره عن الميت

شروط العمرة عن الشخص المتوفى

اشترط أهل العلم إلى جواز أداء العمرة عن الشخص المتوفى أنْ يكون الشخص الذي يريد تأدية العمرة عن غيّره قد أدىّ العمرة عن نفسه، وقيل: إن لم يؤدِّ العمرة عن نفسه فلا يجوز له أداؤها عن أخيه الميت، فإما أن يؤدي عن نفسه أولاً ثم يؤدي عن أخيه الميت، أو أن يجد شخصًا قد أدى العمرة عن نفسه فيكلفه بأداء العمرة عن الميت، فلا يجوز أن يعتمر عن الميت من لم يعتمر عن نفسهِ أولاً، فإن اعتمر عن نفسه جاز له أن يرجع ويعتمر عن غيره، وللمعتمر نفس أجر وثواب المعتمر عنّهُ.

شاهد أيضًا: طريقة العمرة بالتفصيل

حكم العمرة عن الشخص المتوفى

العمرة هي أحد أعظم الأعمال التي تُقرب المسلم من الله -سبحانه وتعالى-، وتكون بقصده للكعبة المشرفة لأداء المناسك، طعمًا من العبد في ربه أن يكفر عنه ذنبه، ويغفر عنه سيئه، ويحط عنه خطيئته، والعمرة واجبة عند الشافعية والحنابلة، وسنة عند الحنفية والمالكية، ومن أدّى العمرة عن نفسه فإنه يجوز له أن يؤديها عن الشخص المتوفى، وأجرها وثوابها يصل إلى المتوفى في قبره، وتزيد من رصيد حسناته، ولمن أدى العمرة عن الميت أجر وثواب مثله أيضًا، وهذا من رحمة الله وفضله.

شاهد أيضًا: هل يجوز للمرأة العمرة بدون محرم

وصول ثواب العمرة للشخص المتوفى

العمرة عن الميت من الأعمال التي يصل أجرها إلى المتوفى في قبره كاملاً بإذن الله تعالى، ولا خلاف في ذلكَ، كبقية الأعمال الصالحة التي يُنوى أدائها عن الميت، فجميعها بإذن الله تصل له في قبره، ويتنفع بها، وتغفر له، وتخفف عنه، وتزيد رصيد حسناته، وتنير قبره، وأي قربة لله جعل ثوابها للميت ستنفعه إن شاء الله، ووضح العلماء أن منْ يؤدي العمرة عن مُتوفى له ذات الأجر والثواب والفضل الذي يصل للمعتمر في قبره، ومن الجدير بالذكر أن في تشريع رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم-، وبيان لجواز العمرة عن المتوفى في أحاديث كثيرة نفعًا وأجرًا للميت والمعتمر، حيثُ أنّه -صلى الله عليه وسلم- لا يشرع بشيء ليس فيه فائدة للمسلمين.

هل يجوز تكرار العمرة عن الشخص المتوفى

لا ضيّر من تكرار أداء العمرة عن الشخص المتوفى، وثوابها يصل إليّه في قبره، ولكن يشترط أن يكون الشخص المعتمر قد أدّى العمرة عن نفسه أولاً، فأداء النسك للميت لا يُحتسب إلا إذا أدى الفرد ما عليّه من فروض ونسك أولاً لنفسه، ولا مشكلة إن تكررت في أوقاتًا متفاوتة، وهذا ما أكد عليه نبي الله محمد -صلى الله عليه وسلم- تسهيلاً على المسلمين في كافة بقاع الأرض، ولكنه قال أن أفضل أوقاتها والمداومة عليها في شهر رمضان فيجوز إذن للميت التكرار.

دليل مشروعية العمرة عن الشخص المتوفي

يجوز أداء العمرة عن الميت، كما أنّه جائز لمن لا يستطيع أدائها، فلهما نفس الحكم والفضل، وفيما يأتي أدلة شرعية لجوازِها:

  • الدليل الأول: (كان الفضلُ رَدِيفَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فجاءتِ امرأةٌ مِنْ خَثْعَمَ تستفتيه فجعَل الفضلُ ينظرُ إليها وتنظرُ إليه فجعَل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يصرِفُ وجهَ الفضلِ إلى الشِّقِّ الآخرِ فقالتْ : يا رسولَ اللهِ إنَّ فريضةَ اللهِ على عبادِه في الحجِّ أدركَتْ أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيعُ أنْ يَثْبُتَ على الراحلةِ أفأحجُّ عنه قال : نعم وذلك في حجةِ الوداعِ).[2]
  • الدليل الثاني:(جاء عن موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة: ” ولا يجوز الحج والعمرة عن حي إلا بإذنه فرضًا كان أو تطوعًا، لأنها عبادة تدخلها النيابة فلم تجز عن البالغ العاقل إلا بإذنه كالزكاة، فأما الميت فتجوز عنه بغير إذن واجبًا كان أو تطوعًا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالحج عن الميت، وقد علم أنه لا إذن له، وما جاز فرضه جاز نفله كالصدقة، فعلى هذا كل ما يفعله النائب عن المستنيب مما لم يؤمر به، مثل أن يؤمر بحج فيعتمر أو بعمرة، فيحج يقع عن الميت لأنه يصح عنه من غير إذنه، ولا يقع عن الحي لعدم إذنه فيه، ويقع عمن فعله لأنه لما تعذر وقوعه عن المنوي عنه، وقع عن نفسه مُقَامَهُ كَالْفِدْيَةِ فِي بَابِ الصَّوْمِ”.
  • الدليل الثالث: (جاء رجلٌ إلى النبي -صلّى الله عليه وسلّم- فقال: يا رسولَ الله إنَّ أبي شيخٌ كبيرٌ لا يَستطيعُ الحجَّ والعمرةَ ولا الظَّعنَ قالَ: حُجَّ عَن أبيكَ واعتمِر).[3]

حكم الإنابة عن الغير في العمرة

العمرة عن الميّت هي عمرةٌ عن الغير، وقد ذهب عامّة أهل العلم إلى أنّ الاستنابة في الحج والعمرة جائزة، وتفصيل ذلك كالآتي:

  • المذهب الشافعي: جواز العمرة عن الشخص العاجز الذي لا يبرأ من عجزه ولا يستطيع تأدية العمرة، ومن الأدلة على ذلك: عن أبي رزين العقيليأنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن، قال: حُجَّ عن أبيك واعتم.
  • المذهب الحنبلي: الإنابة عن الغير في العمرة غير جائزة إلا بإذن منه سواء أكان فرضًا أم كان تطوعًا.
  • المذهب المالكي: تكره العمرة عن الشخص الذي لا يستطيع أدائها، ولكنها إن وقعت فإنها صحيحة.
  • المذهب الحنفي: جواز العمرة عن الغير، مع اشتراط أن تكون العمرة بأمر الشخص الذي يعتمر عنه، لأن هذه العمرة نيابة، والنيابة لا تصح إلا بأمر.

كيفية أداء العمرة عن الشخص المتوفى

لأداء العمرة صفة وكيفيّة يأتي بها من أراد العمرة، ولا تختلف الكيفية فيمن أراد أن يؤدي العمرة عن نفسه أو عن غيره من الأحياء أو الأموات إلا بالنية، وكيفيتها كما يأتّي:

  • شرطُ العمرة عن الشخص المتوفى أن يكون المعتمر قد أدى العمرة عن نفسه أولاً.
  • عند وصول المعتمر للميقات فإنّه يستحب أن يغتسل ويتنظف، وللمرأة مثله وإن كانت حائض أو نفساء.
  • يتحررُ الرجل من أي لباس مخيط، ويلبس الإزار والرداء.
  • ينوي المعتمر بقلبّه، ويتلفظ بلسانه، بقوله لبيك اللهم عمرة عن فلان، وإن خاف المعتمر المحرم ألا يتمكن من أداء نسك العمرة، يجوز له أن يشترط عند إحرامه، فيقول: (فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني)، ثم يبدأ المعتمر بالتلبية التر جاءت عن نبي الله محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهي: (لبّيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إنّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)، ويستمر في التلبية حتى يبدأ بالطواف.
  • يقصد المعتمر الحجر الأسود، ويستقبلهُ، ثم يستلمه بيمينهِ، ويقبلّه إن تيسر عليه الأمر، ويقول عند استلامه: (الله أكبر).
  • يطوف المعتمر سبعة أشواط بالكعبة المشرفة، وعند محاذات الركن اليماني يستلمه إن تيسر، ولا يقبله.
  • يستحب للمعتمر أن يرمل، أي أن يسرع في مشيه في الأشواط الثلاثة الأول، ويستحب أن يضطبع في طواف القدوم، أي أنْ يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن، وطرفي الرداء على كتفه الأيسر.
  • في كل شوط يبين الحجر الأسود والركن اليماني يردد المعتمر:(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).[4]
  • بعد صلاة المعتمر وعند اقترابه من الصفا فإنه يردد، قول الله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّـهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّـهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ)[5]، ويرقى على الصفا، ويستقبل القبلة، ويرفع يديه ذاكرًا داعيًا الله.
  • ينزل المعتمر من الصفا متجهًا إلى المروة، وعندما يصل العلم الأخضر يسرع في المشي، ثم يعود إلى المشي بعد تجاوز العلم الأخضر، وهكذا حتى ينتهي المعتمر سبعة أشواط بين الصفا والمروة.
  • يتحلل المعتمر عند الانتهاء من السعي، ويحلق الرجل رأسه أو يقصر، والحلق أفضل، والمرأة تقصر من طرف شعرها قدر أُنملة.

فضل أداء العمرة

جاءت الكثير من الأحاديث النبوية التي توضح فضل وثواب أداء العمرة، ومنّها:

  • تكفر العمرة ذنوب العبد، وتحط عنه سيئاته، وتزيد من رصيد حسناته، فعن أبي هريرة -رضي الله عنّه- قال: (العمرةُ إلى العمرةِ كفَّارَةٌ لمَا بينَهمَا، والحجُّ المبرورُ ليسَ لهُ جزاءٌ إلّا الجنَّةُ).
  • تعمل على إزالة الفقر، كما جاء عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (تابِعوا بينَ الحجِّ والعُمرةِ، فإنَّهُما ينفيانِ الفقرَ والذُّنوبَ، كما ينفي الكيرُ خبثَ الحديدِ).

شروط العمرة عن الغير

للعمرة عن الغير حيّ أو متوفى شروط، ومن شروط الإنابة في العمرة عن الغيرِ ما يأتي:

  • يشترط في أداء العمرة عن الغير، أن يكون الشخص قد أدى العمرة عن نفسه أولاً، وغير ذلك فإنها غير جائزة.
  • إن كان المعتمر عنه ميتًا، فإنه يجوز أداء العمرة عنه، ويصل ثوابها له في قبره، وللمعتمر ثواب المعتمر عنه.
  • إن كان المعتمر عنه حيًا، فإنه يجوز أداء العمرة عنه، إن كان عاجزًا، أو كان يعاني من مرض شديد يمنعه من القدرة على أدائها، ويشترط الحصول على موافقته في العمرة عنه.
  • يجوز للمعتمر أن يأخذ ممن يريد الاعتمار عنه مبلغًا يسد احتياجاته في السفر، أما أكثر من ذلك بقصد التجارة أو المال فإنه غير جائز.

إلى هنا نكون قد وصلنا إلى نهاية مقالنا هل يجوز عمل عمرة لأكثر من شخص متوفى، حيث سلطنا الضوء على كل ما يتعلق بأداء العمرة وأحكامها عن الميت والحي، إلى جانب عظيم فضلها وثوابها.

المراجع

  1. سورة البقرة , الآية 196
  2. صحيح ابن حبان , ابن حبان، عبدالله بن عباس، 3996 ، أخرجه في صحيحه
  3. السنن الكبرى للبيهقي , الإمام أحمد، رجل من بني عامر، 4/350، لا أعلم في إيجاب العمرة حديثا أجود من هذا ولا أصح منه
  4. سورة البقرة , الآية 201
  5. سورة البقرة , الآية 158
  6. صحيح البخاري , البخاري، أبو هريرة، 1773، صحيح

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *