هل يجوز زيارة مدائن صالح

هل يجوز زيارة مدائن صالح؟ ومن هم قوم مدائن صالح وما هي تلك المدائن، الكثير من الأسئلة التي يطرحها النّاس حول هذه المدائن، التي تُعدّ آثارًا لإحدى الحضارات والأمم السّابقة، وقد دارت حولها القصص وورد عن أخبارها الكثير من النّصوص والآثار، حتّى أنّ القرآن الكريم تحدّث عن القوم الذين سكنوها، وفي هذا المقال سيبيّن لنا موقع المرجع ما هي مدائن صالح وما حكم زيارتها في الإسلام، وسيعرّفنا بالقوم الذين سكنوها قبل أن يفنوا.

مدائن صالح

قبل معرفة هل يجوز زيارة مدائن صالح من المهمّ التّعريف بهذه المدائن، حيث أنّها تُعرف بمدينة الحجر، وهي من المواقع الأثرية التي تقع في المملكة العربية السعودية، وتحديدًا في محافظة العلا في منطقة المدينة المنورة، والحِجر بكسر الحاء وتسكين الجيم، والذي يعني العقل واللب وما مُنع من الوصول إليه، وهو اسم ديار قوم ثمود الذين سكنوا وادي القرى بين المدينة والشام، وقد ورد ذكرهم في القرآن الكريم في العديد من المواقع، منها قوله تعالى في سورة الحجر: {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ* وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ* وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ* فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ* فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ}. [1] وقيل أنّهم سكنوها في منتصف الألفية الثانية.

هل يجوز زيارة مدائن صالح

بحسب ما ورد عن أهل العلم أنّه لا يجوز زيارة مدائن صالح بغرض السياحة والنزهة ومشاهدة الآثار، ويجوز ذلك بغرض العظة وأخذ العبرة من قوم صالح الذين نزل بهم العذاب، فمن باب أولى للمسلم أن لا يزور مدائن صالح ولا ما يشابهها من الأماكن، وذلك لما ورد من النّهي الصّريح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الدّخول على هذه الأماكن إلا للعظة والاعتبار بأحوال الأمم السابقة، وذلك جاء فيما رواه الصحابي الجليل عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال: “أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: لا تَدْخُلُوا علَى هَؤُلَاءِ المُعَذَّبِينَ إلَّا أنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فإنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فلا تَدْخُلُوا عليهم، لا يُصِيبُكُمْ ما أصَابَهُمْ”. [2] فإنّ البشر بطبيعتهم مجبولون على حب الاستكشاف والتنزه فيما يوجد من آثار للأمم السابقة، لكنّ النّهي كان موجودًا وصريحًا عن فعل هذا الأمر من باب التّنزه فقط، وهو مُباحٌ لو قام به المسلم من باب الاتّعاظ بمصير الأمم السابقة والله أعلم. [3]

شاهد أيضًا: قصة سيدنا صالح عليه السلام كاملة مكتوبة

حكم زيارة أماكن القوم المعذبين

بمعرفة المسلم جواب هل يجوز زيارة مدائن صالح فإنّه سيعرف حكم زيارة أماكن القوم المعذبين بشكلٍ عام، والحكم واحد وهو أنّه لا يجوز للمسلم أن يزور أماكن الأقوام المعذّبة وآثارهم للسياحة والنزهة، ويجب عليه لو زارها أن يلتزم بعدّة أمور منها: [4]

  • أن لا يدخل لهذه الأماكن إلا بالبكاء وخشية الله، وبذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
  • أخذ العبرة والاتّعاظ بما آل إليه حال هذه الأمم من العذاب، والحذر من السلوك بسلوكهم.
  • أن لا يشرب المسلم ويأكل من آبارها ومائها وما يُصنع منها من طعام، وقد ورد عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال: “أنَّ النَّاسَ نَزَلُوا مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَرْضَ ثَمُودَ، الحِجْرَ، فَاسْتَقَوْا مِن بئْرِهَا، واعْتَجَنُوا به، فأمَرَهُمْ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَنْ يُهَرِيقُوا ما اسْتَقَوْا مِن بئْرِهَا، وأَنْ يَعْلِفُوا الإبِلَ العَجِينَ، وأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنَ البِئْرِ الَّتي كَانَتْ تَرِدُهَا النَّاقَةُ”. [5]
  • أن يسرع المسلم بخطاه عند المرور بهذه الأماكن وأن يغطّي الإنسان رأسه لأنّ النّبي -صلى الله عليه وسلم فعل ذلك عند مروره بمدائن صالح.

من هم قوم مدائن صالح

بعد الاطلاع على هل يجوز زيارة مدائن صالح أم لا، ومعرفة أحكام زيارتها وسبب منع الزيارة للسياحة والنزهة، فمن الضروري أن يعرف المسلم من هم قوم مدائن صالح، الذين هم ذاتهم قوم ثمود الذين ذكرهم القرآن الكريم في الكثير من المواضع، وهم قومٌ كانوا يقومون بنحت الجبال لتكون لهم بيوتًا، وكذلك يستفيدون من سهولها باتّخاذهم إيّاها قصورًا، ويعدّ قوم ثمود من العرب البائدة، ويرجع نسبهم لجدّهم ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح، حيث كانت قبائل ثمود من سكان شبه الجزيرة العربية القدماء، في منطقة الحجاز فيما يسمّى مدائن صالح، وتبين النقوش والآثار التي وجدت أنّ تاريخهم يرجع للقرن الثامن قبل الميلاد، وقد دارت بينهم وبين الآشوريين الكثير من المعارك، وكان الله سبحانه وتعالى قد أمدّهم بالقوة والبأس. [6]

شاهد أيضًا: من هو النبي الذي كان قومه ينحتون من الجبال بيوتا

قصة مدائن صالح

قصة مدائن صالح تُستخلص من قصّة نبي الله صالح -عليه السلام- الذي أرسله الله -سبحانه وتعالى- إلى قوم ثمود، وهي من القبائل العربية البائدة، وقد كانوا من الأقوام الجاحدين الذين رزقهم الله -سبحانه وتعالى- بالكثير من النّعم لكنّهم عصوه ولم يعبدوه حقّ عبادته، بل عبدوا الأصنام متفاخرين بقوّتهم وبأسهم الذي منحهم الله إياهم، وقد أمدّهم الله بالقوّة التي تخوّلهم لنحت الجبال والصّخور واتّخاذها مساكن، ولما دعاهم نبي الله صالح إلى الله، وبشرهم وأنذرهم قاموا بتكذيبه وطلبوا منه أن يأتيهم بمعجزة وآية تثبت قوله وكلامه، فأخرج الله له ناقةً عظيمة من صخرة من الجبل، وكان شرط صالح أن تشرب النّاقة الماء لوحدها في يوم، ويشرب بقيّة الدّواب في يوم، وكانت تدرّ لبنًا يكفي لشرب النّاس جميعًا، وأمرهم صالح بعدم مساسها وأذيتها، وأنّهم إن أذوها فسينزل عليهم العذاب، لكنّ من كفروا منهم أرادوا تحدّيه بقتلها، واختاروا منهم أسوأهم وشرارهم وقتلوا تلك النّاقة. [7]

العذاب على مدائن صالح

بعد أن قام من كفروا بصالح ودعوته بقتل النّاقة ذهبوا إليه ساخرين مستهزئين، يخبرونه بفعلتهم ويستعجلون العذاب الذي وعدهم به لو أنّهم قتلوها، فخرج نبي الله صالح عليه السلام غاضبًا، ووعدهم بأنّ الله سيرسل عليهم العذاب بعد ثلاثة أيّام، وغادرهم صالح وتركهم في ضلالهم، وبعد ثلاثة أيّام في فجر اليوم الرّابع، انشقت السّماء عن صيحةٍ عظيمة ونزلت على الجبال ومن فيها فهلكوا جميعًا وهلك معهم كلّ شيءٍ حيٍ فيها، ولم يبق من قوم صالح أحد بل صعقوا جميعًا وهلكوا، إلا من آمن به منهم فقد غادروا مع نبي الله، وبهذا بقيت آثارهم شاهدةً على ما حلّ بهم من العذاب بعد كلّ ما آتاهم الله من القوة والبأس، لكنّهم كفروا بأنعم الله وأشركوا وكفروا به. [7]

مدائن صالح في القرآن الكريم

لم تُذكر مدائن صالح في القرآن باسمها الصّريح إنّما أشير إليها، وقد ذُكرت مدائن صالح في القرآن الكريم في الكثير من المواضع، والتي اشتملت على ذكر قصة نبي الله صالح -عليه السلام- وكيف دعا ثمود الذين سكنوا الحجر ومدائن صالح، وذُكرت قصّة صالح في القرآن الكريم مفصّلة في سورة الأعراف وهود والحجر والشعراء وفصلت، وذكرت قصّته أقلّ تفصيلًا في سور الإسراء والنمل والذاريات والحاقة والفجر والشمس، وتمت الإشارة إليها دون أيّ تفصيل في سور التوبة والحج والفرقان والعنكبوت وص وغافر والنجم والبروج، ومن الآيات التي ذكرت فيها ثمود ومدائنهم: [8]

  • قال تعالى في سورة الأعراف: {وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ هَٰذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً ۖ فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ ۖ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ* وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}. [9]
  • قال تعالى في سورة هود: {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا ۗ أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ ۗ أَلَا بُعْدًا لِّثَمُودَ }.[10]

شاهد أيضًا: من اين اخرج الله الناقة لقبيلة ثمود

بهذا نختتم مقال هل يجوز زيارة مدائن صالح، والذي عرّف بمدائن صالح، وبيّن حكم زيارة أماكن القوم المعذبين موضّحًا من هم أهل مدائن صالح، وذاكرًا لقصّتهم مع نبيّ الله صالح عليه السلام نزول العذاب عليهم، وبيّن ختامًا مواضع ذكر مدائن صالح في القرآن الكريم.

المراجع

  1. سورة الحجر , الآية 80-84.
  2. صحيح البخاري , البخاري، عبد الله بن عمر، 433،صحيح.
  3. al-eman.com , الذهاب على مدائن صالح , 20/10/2021
  4. islamweb.net , أماكن نزول العذاب.. والواجب على المار تجاهها , 20/10/2021
  5. صحيح البخاري , البخاري، عبد الله بن عمر، 3379، صحيح.
  6. wikiwand.com , ثمود , 20/10/2021
  7. marefa.org , صالح , 20/10/2021
  8. islamweb.net , قصة النبي صالح عليه السلام في القرآن , 20/10/2021
  9. سورة الأعراف , الآية 73، 74.
  10. سورة هود , الآية 67، 68.

مقالات ذات صلة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *