حكم إدخال المصحف إلى موضع قضاء الحاجة

حكم إدخال المصحف إلى موضع قضاء الحاجة من أهمّ المواضيع الشرعية التي ينبغي لكلّ مسلم ومسلم أن يكونوا على اطّلاعٍ واسعٍ عليها، فالمصحف الشريف يحوي كلام الله ووحيه المجموع، ولذلك فإنّ معاملته والتّعامل معه تترتب عليها الأحكام الشرعية الواسعة والكبيرة، ومن واجب كلّ مسلم أن يحرص على معرفة هذه الأحكام، ولأهميّة هذا الأمر في حياة المسلمين، سيوضّح لنا موقع المرجع من خلال هذا المقال حكمًا هامًّا من أحكام التّعامل مع كتاب الله وهو حكم إدخال المصحف إلى مكان قضاء الحاجة أو الخلاء.

المصحف الشريف

للمرور على حكم إدخال المصحف إلى موضع قضاء الحاجة فإنّه من الأهمّية بمكان تعريف المصحف، فالمشهور في كلمة مُصحف بضمّ الميم في اللغة، أنّه اسمٌ لكلّ مجموعة صحف مكتوبة ضمّت بين دفّتين، وقد سمّي المصحف مصحفًا لأنّه جمع الصحف التي كتب عليها القرآن في دفتين، ويُعرف المصحف اصطلاحًا أنّه اسمٌ لما كُتب فيه كلام الله -سبحانه وتعالى- بين دفتين، ويُطلق على ما كان يحوي القرآن كله، والقرآن اسمٌ لكلام الله تعالى المكتوب في المصاحف، والمصحف هو ما جمع المكتوب من كلام الله بين دفتين.[1]

شاهد أيضًا: حكم ترك صلاة الاستسقاء

حكم إدخال المصحف إلى موضع قضاء الحاجة

إنّ حكم إدخال المصحف إلى موضع قضاء الحاجة:

  • من الأمور المحرّمة في الإسلام

وذلك لما في هذا الفعل من منافاة الاحتراك لكلام الله -سبحانه وتعالى- المكتوب بين دفتي المصحف الشريف، إلا في بعض الظّروف التي يمكن للمسلم أن يُدخله مع الكراهة لذلك، وذلك عندما يخاف أن يُسرق في حال قام بوضعه خارجًا، أو إن خشي على نفسه نسيانه، وفي كلّ موضع ضرورة ترتبط بحفظ المصحف وصونه، لكنّ الأشرطة وغيرها ممّا تمّ التسجيل عليه لا يعتبرها أهل العلم كما المصحف، فهي غير مكتوبة ولا حرج في إدخالها لموضع قضاء الحاجة وجاء تحريم إدخال المصحف لموضع القذارة ونحوه من باب تعظيم شعائر الله وذلك لقوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}.[2] فمن واجب كلّ مسلم أن يعظّم المصحف لأنّه يحوي القرآن وهو كلام الله ووحيه المُنزل.[3]

شاهد أيضًا: حكم العملات الرقمية ابن باز

آراء المذاهب الفقهية في إدخال المصحف لموضع قضاء الحاجة والخلاء

فصّل أهل العلم في حكم إدخال المصحف إلى موضع قضاء الحاجة أو الخلاء، فقد قال الحنابلة والمالكيّة في هذه المسألة أنّها محرّمة تحريمًا قطعيًّا إلا في حال وجود ضرورةٍ أو حاجة تقتضي ذلك، كالخوف من الضياع أو السرقة للمصحف، وينفرد المالكية بجواز ذلك بشرط ستره كأن يوضع في جيب ونحوه، أمّا أصحاب المذهب الشّافعي فقد رأوا أن إدخال المصحف للخلاء فيه كراهةً شديدة ويأثم صاحب الفعل إذا لم يكن مقترنًا بضرورة، فالأفضل والأسلم للمسلم أن يبقي المصحف خارج موضع قضاء الحاجة حتّى يبتعد عن الشّبهات، ولا يقع في المحظورات والله أعلم.[4]

حكم مس المصحف من غير طهارة

بالاطلاع على حكم إدخال المصحف إلى موضع قضاء الحاجة فسيتمّ توضيح وبيان حكم مس المصحف من غير طهارة أو من غير وضوء، حيث أنّه وكما ورد عن أهل العلم أنّ هذا الأمر محرّمٌ أيضًّا فلا يجوز للمسلم أن يمسّ المصحف بغير وضوءٍ وطهارة، ومن تعمد فعل ذلك فهو آثم، وهذا قول جمهور أهل العلم، ولا يترتب على فعل ذلك عقوبة معيّنة لكن عليه أن يبادر للتّوبة إلى الله، ويمكن للمسلم أن يمسّه بغير وضوء مع وجود حائلٍ بينهما، والأولى أن لا يمسّه، ولا ينطبق هذا الأمر على القرآن في الجوال أو الهاتف فهو لا يُعامل معاملة المصحف.[5]

آداب تعامل المسلم مع المصحف

إنّ حكم إدخال المصحف إلى موضع قضاء الحاجة محرّم، وذلك أدبٌ من آداب التّعامل مع المصحف من طرف المسلمين، حيث من واجب المصحف أن يتمثّل الأدب في تعامله مع كتاب الله وكلامه، من باب التّعظيم والتعبد لله -سبحانه وتعالى- ومن آداب التعامل مع المصحف:[6]

  • أن لا يلمس المصحف من غير طهارة أبدًا وهذا باتّفاق أهل العلم.
  • أن لا يجعل من المصحف وسادةً له، أو أن يعتمد عليه.
  • أن لا يقوم المسلم بمدّ رجليه للمصحف ولا حتّى أثناء النوم، ومن واجبه رفع لمكانٍ مرتفع.
  • لا يجعل فوق المصحف شيء آخر ولا غيره من الكتب.
  • أن لا يقوم برميه لو أراد أن يناوله لمسلمٍ آخر بل يقوم بذلك بأدب وتأنّي.
  • أن يحمله بيمينه فيأخذه باليمين ويعطيه باليمين، ويقرأ فيه باليمين.
  • لا يضعه على الأرض ولا يدخل به الخلاء أو مكان قضاء الحاجة.
  • لا يأخذ منه الفأل أو يتطيّر به فذلك من البدع ومن التّشبه بالجاهلية.
  • لا يهجر المسلم القراءة من المصحف ولو كان حافظًا له.
  • لا يعرّض المسلم المصحف للتّلف ولا يدفنه إن بلي إلا بمكان طاهر يُصان فيه.

شاهد أيضًا: حكم تغطية الوجه في الصلاة

حكم إدخال هاتف فيه قرآن للحمام

قد يحمل المسلم في هاتفه أو جواله القرآن الكريم، ولذلك من المهم أن يتعرّف على حكم إدخال هاتف فيه قرآن للحمام أو موضع قضاء الحاجة أو ما يُعرف بالخلاء، وفي ذلك تفصيلٌ من أهل العلم، فلو كانت الآيات القرآنية ظاهرة على شاشة الهاتف، بادية للعيان، فإنّه من المكروه أن يُدخل الهاتف إلى الخلاء، حيث يُكره إدخال كلّ شيء رُسم فيه ذكر الله أو رسوله إلى الخلاء باتّفاق المذاهب الأربعة، أمّا لو كانت الآيات لا تظهر على الهاتف أو كان مغلقًا فلا حرج في إدخاله في هذه الحال، وذلك لعدم وجود علّة المنع التي تمنع ذلك.[7]

حكم إتلاف أشرطة وتسجيلات قرآنية

انتشر في العصر الحديث الكثير من الوسائل والأدوات التي من الممكن أن يتمّ تسجيل القرآن الكريم فيها، ولكنّها قد تتعرّض للتّلف أو العطب وتصبح غير نافعة ولا تؤدّي مهمّتها، فيضطّر المسلم لإتلافها والتخلص منها، وفي ذلك يبحث المسلم عن الأحكام الشرعية المترتبة عليها، فقد قال أهل العلم في حكم إتلاف هذه الأدوات التي تمّ تسجيل القرآن عليها، أنّه لا حرج في إتلافها، ولا بأس برميها لأنّها لا تُعامل كالمصاحف الورقيّة المكتوبة في الشرع، ولا تنطبق عليها أحكام المس والطّهارة وغيرها، لكنّ إتلافها من غير داعٍ غير مستحب، وإن كان صاحبها لا يريدها، فمن الأولى أن يعطيها لمن هو بحاجة لها، فيستفيد منها، ورميها وإتلافها لا يعدّه أهل العلم بأنّه امتهانًا أو إساءةً للقرآن الكريم، أو معصيةً لله تعالى، والله أعلم.[8]

شاهد أيضًا: حكم استعمال الماء النجس

آداب قضاء الحاجة في الإسلام

قبل ختام مقال حكم إدخال المصحف إلى موضع قضاء الحاجة، وبعد معرفة الحكم الشرعي المترتب على ذلك، فإنّه سيتمّ الإشارة لآداب قضاء الحاجة في الإسلام، فالدّين الإسلامي مبنيٌّ على الأدب في العمل والتّعامل، ومبني على الأخلاق الحميدة والسلوكيات القويمة، ومن آداب قضاء الحاجة في الإسلام ما سيتمّ ذكره فيما يأتي:[9]

  • أن لا يستقبل المسلم القبلة عند البول أو الغائط، وهذا من باب تعظيم واحترام شعائر الله.
  • أن لا يلمس ذكره بيمينه أثناء بوله.
  • لا يمكن للمسلم أن يزيل النّجاسة بيمينه، بل يقوم بإزالتها بيده الشّمال.
  • أن يقضي حاجته جالسًا ودانيًا من الأرض، وذلك لأمرين الأول أنّ ذلك أستر له، والثاني أنّه آمن عليه من ارتداد بوله ورشاشه عليه، فينتج عن ذلك تلويث البدن أو الثّوب.
  • من أدب المسلم أن يستتر عن عيون الناس عند قضاء حاجته، فإن لم يجد ما يستتر فيه فيبتعد عمّن حوله من الناس
  • عند قضاء حاجته يقوم بكشف عورته عند دنوّه من الأرض وذلك أستر له.
  • أن يسمّي الله ويستعيذ من الخبث والخبائث قبل الدّخول للخلاء، وعند خروجه يسأل الله المغفرة بقول غفرانك اللهم.
  • أن يعتني بإزالة النّجاسة كلّ الاعتناء بعد أن ينتهي من قضاء حاجته.
  • أن لا يستخدم العظم أو الروث في الاستجمار، بل يستخدم الحجارة أو المناديل أو ما نحوها في حال لم يجد ماءً.
  • أن لا يقوم المسلم بالبول في الماء الرّاكد فيلوّثه ولا في ظلٍّ يستظلّ الناس فيه فيفسده.

بهذا نصل لختام مقال حكم إدخال المصحف إلى موضع قضاء الحاجة، الذي قام ببيان معنى المصحف والفرق بينه وبين القرآن الكريم، ثمّ بيّن آراء المذاهب الفقهية الأربعة بإدخال المصحف لموضع الخلاء، وبيّن عدّة أحكامٍ فقهية كحكم مسّ المصحف بغير طهارة وحكم إتلاف الأجهزة والأشرطة المسجل عليها المصحف، وختم ببيان آداب قضاء الحاجة.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *