حكم الدعاء على النفس بالموت

حكم الدعاء على النفس بالموت من الأحكام التي يحتاج الإنسان إلى معرفتها بعد أن بات هذا الدعاء لسان حال الإنسان في وقتنا الحالي، وذلك لما أصبح في هذه الحياة من ضغوطات متعددة جعلت من الإنسان تمني مفارقة الحياة بأي شكل من الأشكال ودون معرفة عواقب ذلك، ولهذا سيتم التعرف في هذا المقال من موقع المرجع على حكم الدعاء على النفس بالموت وهل هو دعاء مستجاب وما هي كفارة هذا الدعاء.

حكم الدعاء على النفس بالموت

إن الدعاء على النفس بالموت هو أمرٌ منهيٌّ عنهُ في الكتاب والسنة النبوية، لما فيها من وجود خلل في إيمان العبد بقضاء الله -عز وجل- وقدره، ومن الجدير بالذكر أنَّ الله قد خلق كل شيء بوقت معلوم وأجل محدود، ولذلك نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن الدعاء بالموت حيث قال في الحديث الشريف: “لا يَتَمَنَّيَنَّ أحَدٌ مِنْكُمُ المَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ به، فإنْ كانَ لا بُدَّ مُتَمَنِّيًا لِلْمَوْتِ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أحْيِنِي ما كانَتِ الحَياةُ خَيْرًا لِي، وتَوَفَّنِي إذا كانَتِ الوَفاةُ خَيْرًا لِي”،[1] وعليه فإن الدعاء بالموت على النفس لضرر أو بلاء حل بالعبد المسلم لا يصح، لأنه إن صبر واحتسب هذا العبد نال رضى الله وفاز بجنانه، ومما ورد في ذلك أنه إن طلب الموت بنية الشهادة أو الشوق إلى لقاء الله -عزّ وجل- أو من الخوف على نفسه من فتنة الدّين فهذه من الأمور التي أجاز العلماء الدعاء بها، وأما لغير ذلك فهو مكروه بالإجماع.[2]

اقرأ أيضًا: حكم النقاب ابن باز

حكم تمني الموت للغير

ذكرنا أن الدعاء على النفس بالموت منهيٌ عنه، ولكن هل عندما يدعو الإنسان على شخص معين أو يتمنى لغيره الموت لضرر سببه له جائز؟ نقول أن العلماء ذكروا أن تمني الموت للغير لا يضره ولا يؤثر به، ومن باب أولى ترك هذه الأدعية، لأن الإنسان يجب أن يحب لغيره ما يحبه لنفسه، وهو بطبيعته لا يحب الموت فلا يتمناه لغيره حيث قال رسول الله: “لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ”،[3] وسواء أكان هذا الضرر الذي يسببه الشخص كبير أم صغير، لكن قيل إن كان هنالك ظلم شديد من قبل شخص معين فلا حرج بالدعاء عليه بما يناسب ظلمه قال تعالى: {لَّا يُحِبُّ اللَّـهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ}؛[4] وعليه فإن تمني الموت للغير سواء أكان زوج أو أب أو ابن أو شخص معين فهو منهيٌ عنه، ومن قام به عليه أن يستغفر ويدعو بالخير له حتى ينال الأجر والإجابة.[5]

هل الدعاء على النفس بالموت يستجاب

إنَّ الدعاء من العبادات التي يلجأ إليها العبد في كل وقت وحين لينال ما يريد، حيث قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}،[6] فهو الوسيلة التي يصل بها المسلم إلى مبتغاه بكثرة إلحاحه على الله -عزّ وجل- واغتنام أوقات الإجابة التي وعد الله بها عباده بالاستجابة فيها، لكن هل الدعاء على النفس بالموت يستجاب؟ نقول: لا، لأنه من اللغو الذي لا يأخذ به ولا يعتبر على قول بعض أهل العلم،حيث جاء في تفسير البغوي: أنّه من اللغو دعاء الرجل على نفسه، وقد ذكر ابن كثير أيضًا: أن الدعاء على النفس والأهل والولد في حال غضب أو ضيق أو حزن من الأمور التي لا يستجاب بها الدعاء، وذلك من رحمة الله ولطفه بعباده، بأنه لا يعجل إلا الخير ولا يستجيب إلا بما هو خير للنفس والحياة.[7]

شاهد أيضًا: فضل سورة الفاتحة في استجابة الدعاء

حكم الدعاء على النفس بالموت وقت الغضب

إن الإنسان لا ينبغي له أن يتبع غضبه ولا يسلم نفسه له، بل على الإنسان أن ينتبه لقوله حينما يغضب، حتى لا يقع في ورطة لقول يصدر منه أو فعل يقوم به، حيث ورد عن أبي هريرة أنَّ رسول الله عليه الصلاة والسلام أوصى رجلًا فقال: “أنَّ رَجُلًا قالَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أوْصِنِي، قالَ: لا تَغْضَبْ. فَرَدَّدَ مِرَارًا، قالَ: لا تَغْضَبْ“،[8] وعليه فإن الإنسان لا يجوز له أن يدعو على نفسه بالموت والهلاك حين غضبه؛ بل عليه أن يدعو الله ويستغفره حتى تهدأ نفسه، ومن الجدير بالذكر أن الله -عزّ وجل- لا يعجل الإجابة للعبد بدعائه لشر أو هلاك أو موت سواء أكان على نفسه أو غيره، وهذا من رحمته بعباده حيث قال تعالى في سورة يونس: {وَلَو يُعَجِّلُ اللَّـهُ لِلنّاسِ الشَّرَّ استِعجالَهُم بِالخَيرِ لَقُضِيَ إِلَيهِم أَجَلُهُم فَنَذَرُ الَّذينَ لا يَرجونَ لِقاءَنا في طُغيانِهِم يَعمَهونَ}.[9]

كفارة الدعاء على النفس بالموت

يلجأ العبد المسلم عند معرفة ما فيه نهيٌ وتحريم إلى تكفير ما اقترف، وكثير منا يدعو على نفسه بقصد أو من غير قصد، ولكن باب التوبة مفتوح وعلى العبد إن دعا على نفسه أن يلجأ إلى الله -عزّ وجل- ويكثر من الدعاء والاستغفار، وأن يعزم على عدم العودة لمثل هكذا أدعية، لما نهى عنه رسول الله في حديثه الشريف حيث قال: “لا تدعُوا على أنفُسِكُمْ، ولا تدعُوا على أولادِكم، ولا تدعوا على خدمِكم، ولا تدعوا على أموالِكم، لا تُوَافِقوا من اللهِ ساعةً يُسألُ فيها عطاءٌ فيُستجابُ لكم”،[10] ولذلك يشرع العبد إلى القنوت والدعاء بما هو خير له في الدنيا والآخرة، وأن يطلب من الله أن يطيل في عمره للدوام على العبادات والطاعات ونيل الحسنات للفوز بالجنة.[11]

وهنا نصل إلى ختام مقال حكم الدعاء على النفس بالموت، حيث تعرفنا فيه على حكم هذا الدعاء وكفارته، وأنه دعاء من رحمة الله بعباده لا يستجاب، وإنما يستجاب ما فيه الخير والصلاح للنفس والأمة الإسلامية، فلنثكر من دعاء الخير ونبتعد عند دعاء الموت والشر لرفع كل بلاء وبلية في هذا الزمان.