حكم تحريك المصلي شفتيه بالذكر

حكم تحريك المصلي شفتيه بالذكر هو الحكم الذي سيتمّ بيانه فيما يأتي، فالصلاة والذّكر من العبادات المشروعة في الدين الإسلامي، أمّا الصلاة فهي فرضٌ على كلّ مسلم ومسلمة، وهي ركنٌ من أركان الإسلام، والصلاة عمود الدين وأول ما يحاسب عليه المرء يوم القيامة، فلو صلحت صلح عمله كلّه ولو فسدت فسد عمله كلّه، وذكر الله سبحانه وتعالى ممّا شرّعه المولى وهو من الأمور التي تكون واجبةً في بعض الحالات ومستحبة في حالاتٍ أخرى ومباحة في غيرها، ويهتمّ موقع المرجع في هذا المقال ببيان تنبيه الذاكرين على تحريك اللسان عند الذكر في الصلاة وغيرها.

حكم تحريك المصلي شفتيه بالذكر

إنّ تحريك المصلي شفتيه بالذكر عند الصلاة أو خارجها أمرٌ مشروع وواجبٌ على المسلم، وقد بيّن أهل العلم أنّ الأذكار المشروعة في الصلاة وغيرها لا تحتسب ولا يعتدّ به حتّى يكون قد تلفظ بها المسلم، ويكون التذلفظ بأن يسمع نفسه في حال كان صحيح السمع، ويكون تحريك الشفتين واللسان بالذّكر تضرّعًا إلى الله، وهو ما أمر به الله -سبحانه وتعالى- في كتابه العزيز بقوله: { وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ}.[1] ومعنى الآية أنّ اذكر الله في نفسك خاليًا، فمن ذكر الله خاليًا في نفسه ذكره الله في نفسه، ومن ذكره في ملأٍ عنده ذكره الله في ملأٍ خيرٍ ممّن عنده، وليس المقصود بها أن يكون الذّكر في القلب دون تحريك اللسان، فهذا الأمر لو أخذ أجره الإنسان لكنّه ليس من التضرع، وإنّ الكثير من الناس من يأتون بأذكار اليوم والليلة أو أذكار الصلاة في قلوبهم بلا تصرّع بألسنتهم، وهذا من الخطأ والله أعلم.[2]

أقوال أهل العلم في تحريك المصلي شفتيه بالذكر

قد أسهب أهل العلم في مسألة الذّكر في الصلاة وفي خارجها وكيفيّته، وبيّنوا أنّه من الواجب تحريك اللسان والشفتان فيه، وممّا ورد من أقوالهم:[2]

  • قال الشيخ ابن تيمية: “يجب أن يحرِّك لسانه بالذكر الواجب في الصلاة من القراءة ونحوها مع القدرة، ومن قال: إنها تصحُّ بدونه يُستتاب، ويستحب ذلك في الذكر المستحب”.
  • قال ابن عثيمين: “القراءة لا بد أن تكون باللسان، فإذا قرأ الإنسان بقلبه في الصلاة فإن ذلك لا يُجزئه، وكذلك أيضًا سائر الأذكار، لا تجزئ بالقلب، بل لا بد أن يحرك الإنسان بها لسانه وشفتيه؛ لأنها أقوال، ولا تتحقق إلا بتحريك اللسان والشفتين”.
  • قال ابن الحاجب: “لا يجوز إسرار من غير حركة لسان؛ لأنه إذا لم يحرك لسانه لم يقرأ وإنما فكر”.
  • ورد في الموسوعة الفقهية الكويتية: “لا يعتدُّ بشيء مما رتَّب الشارع الأجر على الإتيان به من الأذكار الواجبة أو المستحبة في الصلاة وغيرها حتى يتلفظ به الذاكر ويُسمع نفسه إذا كان صحيح السمع”.

شاهد أيضًا: حديث يدل على خطورة ترك الصلاة

الصلاة بالقلب

إنّ حكم تحريك المصلي شفتيه بالذكر في صلاته واجبٌ عليه، والصلاة بالقلب لا تجوز، فقراءة القرآن لا تعدّ قراءةً إلا إن تلفّظ المسلم  القارئ بها، ولو لم يسمعه من حوله لكنّه على الأقل يكتفي بتحريك اللسان والفكين والشفتين أو يسمع نفسه، وقد ورد عن الإمام النووي أنّ شرط القراءة وغيرها أن يسمع نفسه في الصلاة إن كان صحيح السمع، وذلك في الجميع من التشهد والسلام وتكبيرة الإحرام والتسبيح، وسائر الذّكر في الصلاة في الفريضة وفي النّفل وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم، وأجاب ابن عثيمين عن سؤاله عن الرّجل يقرأ القرآن في صلاته في قلبه، فقال : “لا يَصلُحُ أن يُقال: قرأ فلانٌ إلا بنطق، فأما إذا أمَرَّها على قلبه، فهذا لم يقرأ، ولا تجزئه في الصلاة؛ لأنه ترك الفاتحة في الحقيقة، وترك التسبيح، وترك التكبير، لكن اختلف العلماء: هل يُشترط أن يُسمِع نفسه؛ بمعنى: أن يكون لحركات لسانه وشفتيه صوتٌ يَسمَعُه”.[3]

شاهد أيضًا: هل يجوز الصلاة بعد الأذان مباشرة

حكم إسماع الإنسان نفسه بالقراءة في الصلاة ابن باز

إنّ حكم تحريك المصلي شفتيه بالذكر واجب، وقد بيّن الإمام ابن باز أنّه لا بدّ من تحريك اللسان، ولا بدّ من الصّوت، ولو لم يفعل ذلك لم يسمّى قارئًا، وعند الذّكر لو لم يحرك لسانه ويصدر به صوتًا لم يسمّى ذاكرًا، واشترط الشّيخ ابن باز مع تحريك اللسان أن يسمع المصلي نفسه، إلا بعذرٍ له كأن يكون به صمم، وذاك تكرون قراءته وذكره اجتهادًا منه بالذي يظنّه حصل به المطلوب، فمن يقرأ بقلبه وذكر بقلبه فهو من ذكر القلب ولا تصحّ الصلاة فيه، فالمسلم مأمورٌ بالقراءة.[4]

شاهد أيضًا: كم عدد واجبات الصلاة

حكم من كان لا يحرك لسانه بالقراءة في الصلاة جهلا

إنّ الأذكار التي تقال باللسان كالتكبير وقراءة القرآن والتسبيح والتحميد والتهليل وحكم تحريك المصلي شفتيه بالذكر واجبٌ على المسلم أن يحرك لسانه  فيه، وقد اشترط الكثير من أهل العلم أن يسمع المسلم نفسه بالذكر، ولكن الراجح أنّه يكفيه تحريك اللسان والإتيان بالحروف، ولو لم يفعل المسلم ذلك ونظر بعينه أو تفكر بقلبه لا يكون الأمر صحيحًا، كما لو أنّه لم يحرك لسانه بالقراءة في الصلاة أو التكبير جهلًا منه فلا يلزمه إعادة الصلاة، فالجهل بالحكم يسقط وزره عن المسلم لكنّه موكّلٌ بالبحث عن الأحكام جميعها، والتيقن منها حتّى لا يقع في محظور ولا يرتكب ما حرّم الله، فمن لم يبلغه أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- سقط عنه الحكم، والله سبحانه وتعالى يعفو عن الخطأ والنسيان، أمّا لو أتى بهى وهو عالمٌ بالحكم الشرعي لها بطلت صلاته وواجبٌ عليه أن يعيدها والله ورسوله أعلم.[5]

شاهد أيضًا: علام يدل فرض الصلاة فى السماء السابعة

أنواع ذكر الله ومظاهرها

إنّ الذكر يشمل معنيين عامًّا وهو كلّ أنواع العبادات من صلاة وصيام وحج وغير ذلك، ومعنىً خاص وهو ذكر الله بالألفاظ الواردة في القرآن الكريم أو السنة النبوية، وأعظم الذكر تلاوة كتاب الله، وللذكر نوعان وهما ذكرٌ مطلق وهو الذّكر الذي لم يعيّن بشيء وهو يكون في سائر الأوقات، وذكرٌ مقيد وهو ما قيّد بمكانٍ وزمان، فذكر الله بعد الصلاة أو بعد الأذان مقدّمٌ على سائر الذكر المطلق والصحيح أنّ الذكر المقيد من باب أولى للمسلم أن يأتي به، ويمكن أن يكون الذّكر المطلق على عدّة أنواع، منها ذكرٌ بالقلب، وهو التفكر بعظمة الله وتسبيحه في القلب وتعظيمه والخوف من عصيانه، وذكرٌ في اللسان ويكون بالنّطق بكلّ كلامٍ يقرّب من الله، ومنه كلمة التوحيد أو تلاوة القرآن أو الأذكار المأثورة، والذكر بالجوارح فكلّ عملٍ يقرّب من الله مثل إقامة الصلاة والحج والجهاد كلّه من الذّكر والله أعلم.[6]

شاهد أيضًا: تكون منزلة حافظ القرآن الكريم عالية في

أهمية ذكر الله في القرآن والسنة

بعد بيان حكم تحريك المصلي شفتيه بالذكر، لا بدّ من بيان أهمية الذكر في الإسلام، وقد ورد في بيان فضله وأهميته الكثير من النصوص والأدلة من الكتاب والسنة، وفيما يأتي سيتمّ المرور على بعض ما ورد:

  • قال تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}. [7]
  • قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}. [8]
  • عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “مَن قالَ: لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهو علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ، في يَومٍ مِئَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ له عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ له مِئَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عنْه مِئَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ له حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ، يَومَهُ ذلكَ، حتَّى يُمْسِيَ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ أَفْضَلَ ممَّا جَاءَ به إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِن ذلكَ، وَمَن قالَ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، في يَومٍ مِئَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ ولو كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ”.[9]
  • عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أنّه قال: “كُنَّا عِنْدَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ، كُلَّ يَومٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ؟ فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِن جُلَسَائِهِ: كيفَ يَكْسِبُ أَحَدُنَا أَلْفَ حَسَنَةٍ؟ قالَ: يُسَبِّحُ مِئَةَ تَسْبِيحَةٍ، فيُكْتَبُ له أَلْفُ حَسَنَةٍ، أَوْ يُحَطُّ عنْه أَلْفُ خَطِيئَةٍ”. [10]

بهذا القدر نصل لنهاية مقال حكم تحريك المصلي شفتيه بالذكر، والذي سلّط الضوء على حكم الصلاة بالقلب، وحكم إسماع المسلم نفسه بالصلاة،  وبيّن حكم من صلى بغير تحريك لسانه جهلًا منه، وختم ببيان أنواع الذّكر وأهميّته من القرآن والسنة.

المراجع

  1. سورة الأعراف , الآية 205
  2. ar.islamway.net , تنبيه الذاكرين على تحريك اللسان عند الذكر , 02/01/2022
  3. ar.islamway.net , الصلاة بالقلب , 02/01/2022
  4. binbaz.org.sa , حكم إسماع الإنسان نفسه بالقراءة في الصلاة , 02/01/2022
  5. islamqa.info , كان لا يحرك لسانه بالقراءة في الصلاة جهلا , 02/01/2022
  6. alukah.net , ذكر الله تعالى: أنواعه وفضائله , 02/01/2022
  7. سورة الأحزاب , الآية 35
  8. سورة المنافقون , الآية 9
  9. صحيح مسلم , مسلم/ أبو هريرة/ 2691/صحيح
  10. صحيح مسلم , مسلم/ سعد بن أبي وقاص/ 2698/صحيح

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *