ما الفرق بين مفهوم العبادة الشرعي والمفهوم السائد عند الناس

ما الفرق بين مفهوم العبادة الشرعي والمفهوم السائد عند الناس سيتم التعرف عليه في المقال الآتي، إذ إنَّ معنى العبادة في الإسلام يختلف عنه في أذهان وأفعال الناس، وسوف يقدم موقع المرجع تعريف العبادة في الإسلام أولًا، ثمَّ سوف يدرج الفرق بين مفهوم العبادة عند الناس ومفهوم العبادة الشرعي، وعلى العلاقة التي تربط بين الإيمان والعبادة، كما سوف نتعرف على أنواع العبادة وأفضلها وغير ذلك من المعلومات المتعلقة بالموضوع.

مفهوم العبادة في الإسلام

أوجب الله تعالى على الناس العبودية وفرض عليهم الكثير من العبادات، ويقتدي الإنسان بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام وآخرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أمره الله تعالى بعبادته، إذ قال في محكم التنزيل: “وَاعبُد رَبَّكَ حَتّى يَأتِيَكَ اليَقينُ”،[1] حتى أنَّ الملائكة يعبدون الله تعالى ولا ينقطعون عن عبادته، وقد وصف الله تعالى أحوالهم في كتابه بقوله: “وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ * إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ”،[2] ويشير معنى العبادة إلى أنَّه الخضوع والتذلل لله تعالى بقصد التعظيم، وهو لا يجوز لغير الله سبحانه وتعالى، ويستخدم لفظ العبادة وبمعنى الطاعة، العبودية تطلق على إظهار الخضوع والتذلل أيضًا، ولكن العبادة أبلغ منها وهي الغاية في الخضوع والتذلل، وهي الانقياد التام لله تعالى والخضوع له، والتقرب إليه سبحانه بما يحب وبما شرع من أعمال وأفعال وأقوال، وعرفها ابن تيمية رحمه الله تعالى بقوله: العبادة اسمٌ جامعٌ لكلّ ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأفعال، سواءً كان القول أو الفعل ظاهرًا أم باطنًا.[3]

شاهد أيضًا: حكم من أنكر ركنا من أركان الإيمان

ما الفرق بين مفهوم العبادة الشرعي والمفهوم السائد عند الناس

من أجل معرفة الفرق بين كلا المفهومين لا بدَّ من تعريف كل منهما على حدة وذكر ما يعنيه بشكل دقيق، وفيما يأتي سيتم إدراج تعريف مفهوم العبادة الشرعي وتعريف مفهوم العبادة السائد عند الناس بشكل مفصل:[4]

مفهوم العبادة الشرعي

العبادة بمفهومها الشرعي كما سبق هي جميع الأعمال التي يحبها الله تعالى، ويمكن للمسلم أن يتقرب بها إليه تعالى من أقوال وأفعال سواء كانت باطنة أو ظاهرة، وهي في مجملها الخضوع والانقياد لطاعة الله تعالى من دون تكبر أو إعراض عنه أو عن أوامره، لذلك فهي تشكل جميع الأعمال الصالحة في الإسلام.

مفهوم العبادة السائد عن الناس

قد يظن بعض الناس أنَّ مفهوم العبادة يقتصر على الفرائض التي افترضها الله تعالى على المسلمين، وهي الصلاة والزكاة والحج والصيام، وأنَّ هذا هو مفهوم العبادة، حيثُ أنَّ المفهوم السائد عن الناس للعبادة هي الفرائض فقط، وقد وردت العديد من الأحاديث حول الفرائض وضرورة القيام بها، وفي حديث أنَّ رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إذا قام بأداء الفرائض هل يدخل الجنة فقال له رسول الله: نعم، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: “أنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: أرَأَيْتَ إذا صَلَّيْتُ الصَّلَواتِ المَكْتُوباتِ، وصُمْتُ رَمَضانَ، وأَحْلَلْتُ الحَلالَ، وحَرَّمْتُ الحَرامَ، ولَمْ أزِدْ علَى ذلكَ شيئًا، أأَدْخُلُ الجَنَّةَ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: واللَّهِ لا أزِيدُ علَى ذلكَ شيئًا”،[5] ولذلك يظن بعض الناس أنَّ هذا هو مفهوم العبادة فقط.

اقرأ أيضًا: حكم النطق بالشهادتين لمن أراد الدخول في الإسلام

أنواع العبادة في الإسلام

تضمُّ عبادة الله تعالى في الدين الإسلامي عدد كبير من العبادات مختلفة الأنواع والصور، وإنَّ الوجوه الإيمانية الكثيرة لا تعدُّ ولا تُحصى، وفيما يأتي سيتم ذكر بعضها بشكل مفصل[4]

  • العبادات الاعتقاديّة أو القلبية: هي العبادة التي تتّصل بكلّ ما يعتقد به الإنسان حول الله تعالى من أنّه هو الأحد، وهو القادر على الضرّ والنفع، وهي تفيد توجُّه القلب إلى الله بالحبّ، والرغبة، والرجاء، والخوف، والتوكُّل عليه، وغيرها.
  • العبادات اللسانية: على رأسها نطق المسلم بالشهادتَين، وتشمل كذلك تلاوة القرآن الكريم وذِكر الله تعالى والنصيحة للناس وغيرها.
  • العبادات الماليّة: تكون من خلال إنفاق المال في وجهه المشروع وابتغاء مرضاة الله تعالى مثل الزكاة والصدقات وغيرها.
  • العبادات البدنيَّة: أشكالها كثيرة جدًّا في الإسلام، أهمها: الصلاة والصوم والحج والجهاد في سبيل الله وغيرها.
  • العبادات المركبة: تتكوّن هذه العبادة من أكثر من نوع من العبادات، مثل الحجّ: إذ يكون فيها أكثر من نوع من العبادات الأخرى.
  • العبادة الذاتيّة: هي المختصة بمن يقوم بها مثل قراءة القرآن الكريم والأذكار، إذ لا يشمل تأثيرها غير فاعلها.
  • العبادة المتعديّة: هي التي يتجاوز تأثيرها فاعلها إلى غيره من الناس، ومثالٌ عليها: الزكاة؛ حيث يخرج المسلم جزءاً من ماله ويقدمه إلى الفقير.
  • العبادة الشرعيّة: وهي التي تعني الخضوع لأوامر الله تعالى الشرعية، وهذه العبادة خاصة بمن اتبع الرسل عليهم الصلاة والسلام، ومن أطاع ربه جل وعلا.
  • العبادة الكونيّة: تعني هذه العبادة الخضوع الكامل لأوامر الله تعالى الكونية، وهي شاملة لجميع الخلائق مؤمنهم وكافرهم.

شاهد أيضًا: كم عدد أسماء الله الحسنى وما هي أهمية العلم بها وفضلها

الحث على العبادة في الكتاب والسنة

لقد وردت الكثير من كلمات الحث والتشجيع على أداء العبادة في كثير من آيات كتاب الله تعالى والأحاديث النبوية الشريفة، وهذا ما يشير إلى أهمية العبادة في حياة المسلمين، ولما لها من أثر كبير عليهم في الحياة الدنيا والآخرة، وفيما يأتي بعض الأدلة على الحث على العبادة في القرآن والسنة النبوية:

  • قال تعالى: “وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا”.[6]
  • قال تعالى: “الر ۚ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ۚ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ * وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ۖ وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ”.[7]
  • قال تعالى: “وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ”.[8]
  • عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: “لمَّا قدمَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ المدينةَ، انجَفلَ النَّاسُ قبلَهُ، وقيلَ: قد قدمَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، قد قدمَ رسولُ اللَّهِ، قد قدمَ رسولُ اللَّهِ ثلاثًا، فَجِئْتُ في النَّاسِ، لأنظرَ، فلمَّا تبيَّنتُ وجهَهُ، عرفتُ أنَّ وجهَهُ ليسَ بوَجهِ كذَّابٍ، فَكانَ أوَّلُ شيءٍ سَمِعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ، أن قالَ: يا أيُّها النَّاسُ أفشوا السَّلامَ، وأطعِموا الطَّعامَ، وصِلوا الأرحامَ، وصلُّوا باللَّيلِ، والنَّاسُ نيامٌ، تدخلوا الجنَّةَ بسَلامٍ”.[9]
  • عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: “أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ طَرَقَهُ وفَاطِمَةَ بنْتَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَيْلَةً، فَقالَ لهمْ: ألَا تُصَلُّونَ، قالَ عَلِيٌّ: فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّما أنْفُسُنَا بيَدِ اللَّهِ، فَإِذَا شَاءَ أنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا، فَانْصَرَفَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِينَ قُلتُ ذلكَ، ولَمْ يَرْجِعْ إلَيَّ شيئًا، ثُمَّ سَمِعْتُهُ وهو مُدْبِرٌ يَضْرِبُ فَخِذَهُ ويقولُ: وَكانَ الإنْسَانُ أكْثَرَ شيءٍ جَدَلًا”.[10]

ما هي علاقة العبادة بالإيمان

من خلال التعرف على مفهوم الإيمان سوف تتوضَّح العلاقة بينه وبين العبادة، ويعرف أهل السنة والجماعة الإيمان بأنه قولٌ وعملٌ أي قول القلب؛ وهو التصديق بالقلب، وقول اللسان وهو النطق بالشهادتين وبقية الأعمال مثل قراءة القرآن والتسبيح والدعوة إلى الله تعالى وغيرها، أما العمل فهو كذلك عمل القلب ويكون بالتوكل على الله سبحانه ومحبته ورجائه والخوف منه والإنابة إليه وغير ذلك من أعمال القلب وعمل الجوارح هو الصلاة والصيام والحج والزكاة وغير ذلك، ولذلك يتضح أن العبادة هي نفسها الإيمان، لأنَّ العبادة اسمٌ جامع لما يحبُّه الله من أقوال وأعمال باطنة وظاهرة، وتشمل أعمال القلب والجوارح وقول اللسان، فالعلاقة بين العبادة والإيمان علاقة وثيقة الصلة، حيث أن العبادة هي حقيقة الإيمان بالله تعالى.[11]

شاهد أيضًا: كيف اقوي ايماني بالله

أفضل العبادات في الإسلام

على اختلاف أنواع العبادات وكثرتها إلا أنَّ هناك بعض العبادات التي يكون لها الأفضلية في التطبيق والتقرب بها إلى الله تعالى أكثر من غيرها، وفيما يأتي أفضل العبادات:[4]

  • الالتزام بالفرائض: حيث أن القيام بالفرائض التي افترضها الله تعالى على المسلم أحب إليه تعالى من غيرها من النوافل.
  • الابتعاد عن المحرمات: وهي الابتعاد عن جميع ما حرم الله تعالى في كتابه وسنة نبيه.
  • قراءة القرآن الكريم: فقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ قراءة القرآن هي أفضل الأعمال والعبادات.

في نهاية مقال ما الفرق بين مفهوم العبادة الشرعي والمفهوم السائد عند الناس تعرفنا على معنى العبادة في الإسلام وعلى الفرق بين مفهوم العبادة عند الناس وفي اصطلاح الشرع، كما تعرفنا على أنواعها وعلى أفضلها وعلى الحث على العبادات في القرآن الكريم والأحاديث النبوية.

المراجع

  1. سورة الحجر , آية 99
  2. سورة الأعراف , آية 205-206
  3. noor-book.com , العبودية , 02/11/2021
  4. alukah.net , أنواع العبادة , 02/11/2021
  5. سورة النساء , آية 36
  6. سورة هود , آية 1-3
  7. سورة النحل , آية 36
  8. صحيح ابن ماجه , الألباني، عبد الله بن سلام، 2648، صحيح
  9. صحيح البخاري , البخاري، علي بن أبي طالب، 7465، صحيح
  10. al-maktaba.org , رسالة العبودية , 02/11/2021

مقالات ذات صلة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *