ما هو حد الحرابة في الإسلام بمذاهبه الأربعة؟

ما هو حد الحرابة في الإسلام جاء الإسلام منظمًا لحياة الناس، ومن بين ما نظمه الإسلام ما يتعلق بمسألة العقوبات وتحديد جرائم الحدود، فهو يخضع لنظام متقن من حيث الكيفية والنتيجة والعلة أو العقوبة، لذلك يهتم موقع المرجع في الحديث عن ما هو حد الحرابة في الإسلام، وتفاصيل هذه العقوبة عند المذاهب الفقهية الأربعة.

ما هي الحرابة

قبل أن نتحدث عن ما هو حد الحرابة في الإسلام، لا بد من معرفة معنى الحرابة، الحرابة في اللغة: من الحَرْبِ التي هي نقيض السلم: يقال: حاربه محاربة، وحرابًا، أو من الحَرَبِ بفتح الراء، وهو السلب،  يقال: حَرَبَ فلانًا ماله أي سلبه فهو محروب وحريب، والحرابة في الاصطلاح: عرفها الحنفية بأنها؛ “الخروج على المارة لأخذ المال على سبيل المغالبة على وجه يمتنع المارة من المرور وينقطع الطريق سواء كان من جماعة أو فرد، وعرفها المالكية؛ “بالخروج لأخافة سبيل الطريق بأخذ المال أو القتل أو لمجرد قطع الطريق”، وعرفها الشافعية بأنها؛ “البروز لأخذ المال أو القتل أو الإرعاب مكابرة مع البعد عن الغوث” وعرفها الحنابلة بأنها؛ “التعرض للناس بالسلاح وأخذ مالهم قهرًا ومجاهرة” فكل جريمة يقصد منها الإفساد في الأرض ،ونشر الرعب في قلوب الناس، وترويع الآمنين، فهي من الحرابة، والمحارب: هو قاطع الطريق، الذي يهدد السالكين فيها، لسلب المال على وجه تتعذر معه الاستغاثة.[1]

ما هو حد الحرابة في الإسلام

الحرابة من الكبائر، وهي من الحدود باتفاق الفقهاء، وسمى القرآن مرتكبيها: محاربين لله ورسوله، وساعين في الأرض بالفساد، وغلظ عقوبتها أشد التغليظ، قال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}،[2] ونفى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- انتسابهم إلى الإسلام فقال: “مَن حَمَلَ عليْنا السِّلاحَ فليسَ مِنَّا“، وقد اتفق الفقهاء على أن حكم الحرابة وجوب الحد بالقطع، أو القتل، أو الصلب، أو النفي، ولا خلاف بينهم في أن عقوبة المحاربين حد من حدود الله لا تقبل الإسقاط ولا العفو ما لم يتوبوا قبل القدرة عليهم، واختلفوا في هذه العقوبات، أهي على التخيير أم على التنويع، على قولين:[3]

القائلون بالتنويع

ذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن “أو” في الآية تدل على ترتيب الأحكام، وتوزيعها على ما يليق بها من الجنايات، فقطع الطريق متنوع، ويوجد بين أنواعه تفاوت في الجريمة، فقد يكون بأخذ المال فقط، وقد يكون بالقتل لا غير، وقد يكون بالجمع بين الأمرين، وقد يكون بالتخويف فحسب، فكان سبب العقاب مختلفًا، فتحمل الآية على بيان حكم كل نوع فيقتلون ويصلبون إن قتلوا وأخذوا المال، وتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف إن أخذوا المال لا غير، وينفون من الأرض، إن أخافوا الطريق، ولم يقتلوا نفسًا ولم يأخذوا مالًا.

القائلون بالتخيير

ذهب المالكية إلى أن عقوبة حد الحرابة على التخيير، فإن من قطع الطريق وقدر عليه الإمام، فهو مخير بين أن يُجري عليه أي هذه الأحكام إن رأى فيه المصلحة حتى وإن لم يقم المحارب بارتكاب القتل أخذ المال، فإن قتل فلا بد من قتله، إلا إن رأى الإمام أن في إبقائه مصلحة أعظم من قتله، وليس له تخيير في قطعه، ولا نفيه، وإنما التخيير في قتله أو صلبه، وإن أخذ المال ولم يقتل لا تخيير في نفيه، وإنما التخيير في قتله، أو صلبه، أو قطعه من خلاف، وإن أخاف السبيل فقط فالإمام مخير بين قتله، أو صلبه، أو قطعه.

شاهد أيضًا: ما هو حد الغيلة في الإسلام وكيف ينفذ

شروط إقامة الحد على المحارب

بعد أن تعرفنا على ما هو حد الحرابة في الإسلام، سنتحدث عن شروط إقامة الحد على المحارب، المحارب عند الجمهور: هو كل ملتزم مكلف أخذ المال بقوة في البعد عن الغوث، ولا بد من توافر شروط في المحارب قبل إقامة الحد عليه، وهذه الشروط هي:[1]

  • الالتزام: فيجب أن يكون المحارب ملتزمًا بأحكام الشريعة، بأن يكون مسلمًا، أو ذميًا، أو مرتدًا، فلا يحد الحربي، ولا المعاهَد، ولا المستأمَن.
  • التكليف: البلوغ والعقل شرطان في عقوبة الحرابة لأنهما شرطا التكليف الذي هو شرط في إقامة الحدود.
  • السلاح: عند الحنفية والحنابلة: يشترط أن يكون مع المحارب سلاح، ولا يشترط المالكية والشافعية حمل السلاح بل يكفي عندهم القهر والغلبة وأخذ المال ولو باللكز والضرب بجمع الكف.
  • البعد عن العمران: ذهب المالكية والشافعية وبعض الحنفية والحنابلة؛ إلى أنه لا يشترط البعد عن العمران وإنما يشترط فقد الغوث، وذهب الحنفية وهو المذهب عند الحنابلة إلى اشتراط البعد عن العمران، فإن حصل منهم الإرعاب وأخذ المال في القرى والأمصار فليسوا بمحاربين.
  • الذكورة: ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه لا يشترط في المحارب الذكورة، وقال الحنفية: يشترط في المحارب الذكورة، فلا تحد المرأة.
  • المجاهرة: المجاهرة أن يأخذ قطاع الطريق المال جهرًا، فإن أخذوه مختفين فهم سراق، وإن اختطفوا وهربوا فهم منتهبون ولا قطع عليهم.

شاهد أيضًا: شروط العفو عن سجناء الحق العام في السعودية

كيفية تنفيذ حد الحرابة

يوجد اختلافات في المذاهب الفقهية الأربعة في كيفية تنفيذ حد الحرابة في الإسلام، وتفصيلها كما يلي:[4]

النفي

ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه إن أخاف الطريق ولم يأخذ مالًا ولم يقتل نفسًا فعقوبته النفي من الأرض، واختلفوا في معنى النفي، فقال أبو حنيفة: نفيه حبسه حتى تظهر توبته أو يموت، وذهب مالك: إلى أن المراد بالنفي إبعاده عن بلده إلى مسافة البعد، وحبسه فيه، وقال الشافعي: المراد بالنفي الحبس أو غيره كالتغريب كما في الزنى، وقال الحنابلة: نفيهم أن يشردوا فلا يتركوا يستقرون في بلد، أما المرأة فذهب الشافعية والحنابلة إلى أنها تغرب، واشترطوا لتغريب المرأة أن يخرج معها محرمها، فإن لم يخرج معها محرمها، فعند أحمد تغرب إلى دون مسافة القصر لتقرب من أهلها فيحفظوها، وعند الشافعية يؤخر التغريب،  وذهب المالكية إلى أنه لا تغريب على المرأة ولا صلب.

القتل

اختلف الفقهاء فيما يغلب في قَتْل قاطع الطريق، إذا قَتَل فقط، فذهب الحنفية والمالكية وهو قول عند الشافعية والحنابلة: إلى أنه يقتل، ولا يشترط التكافؤ بين القاتل والمقتول، فيقتل الحر بالعبد، والمسلم بالذمي، وقال الشافعية في الراجح عندهم، والحنابلة في إحدى روايتين لأحمد: يغلب جانب القصاص لأنه حق آدمي، فيُقتل قصاصًا أولًا، فإذا عفا مستحق القصاص عنه يقتل حدًا، ويشترط التكافؤ بين القاتل والمقتول، وعلى هذا إذا قتل مسلم ذميًا، أو قتل الحر غير حر، ولم يأخذ مالًا، لم يقتل قصاصًا، ويغرم دية الذمي، وقيمة الرقيق.

القطع من خلاف

وهو قطع اليد مع الرجل التي تخالفها، فاليمنى مع اليسرى، واليسرى مع اليمنى، وهذا يعني أنه إذا ضبط المحارب قبل أن يتوب فإنه تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى، فإن ضبط مرة أخرى قطعت يده اليسرى ورجله اليمنى.

الصلب

اختلف الفقهاء في وقت الصلب، ومدته: فقال الحنفية والمالكية: يصلب حيًا، ويقتل مصلوبًا، وقال الحنفية: يترك مصلوبًا ثلاثة أيام بعد موته، وعند المالكية تحدد مدة الصلب باجتهاد الإمام، وقال الشافعية والحنابلة: يصلب بعد القتل، لأن الله تعالى قدم القتل على الصلب لفظًا، فيجب تقديم ما ذكر أولًا في الفعل، ولأن في صلبه حيا تعذيبًا له، وعلى هذا الرأي: فإنه يقتل، ثم يغسل، ويكفن، ويصلى عليه، ثم يصلب، ويترك مصلوبًا ثلاثة أيام بلياليها ولا يجوز الزيادة عليها، وفي قول للشافعية: إنه يصلب حيًا للتشهير به ثم ينزل فيقتل.

شاهد أيضًا: من هو النبي الذي قطعت النساء ايديهن عندما رأوه

سقوط عقوبة الحرابة

يسقط حد الحرابة عن المحاربين بالتوبة قبل القدرة عليهم، وذلك في شأن ما وجب عليهم حقًا لله، وهو تحتم القتل، والصلب، والقطع من خلاف، والنفي، وهذا محل اتفاق بين أصحاب المذاهب الأربعة، واستدلوا بقوله تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ}،[5] فالله سبحانه وتعالى قد أوجب عليهم الحد، ثم استثنى التائبين قبل القدرة عليهم، أما حقوق العباد فلا تسقط بالتوبة، فيغرمون ما أخذوه من المال عند الجمهور وعند الحنفية إن كان المال قائمًا، ويُقتص منهم إذا قتلوا، ولا يسقط إلا بعفو مستحق الحق في مال أو قصاص.[6]

شاهد أيضًا: متى يموت الانسان وهو على قيد الحياة

حكم الردء

اختلف الفقهاء في حكم الردء أي المعين لقاطع الطريق بجاهه أو بتكثير السواد أو بتقديم أي عون لهم ولم يباشر القطع، فذهب الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أن حكمه حكم قاطع الطريق، لأنهم متمالئون وقطع الطريق يحصل بالكل، ولأن من عادة القطاع أن يباشر البعض، ويدفع عنهم البعض الآخر، فلو لم يلحق الردء بالمباشر في سبب وجوب الحد لأدى ذلك إلى انفتاح باب قطع الطريق، وقال الشافعية: لا يحد الردء، وإنما يعزر كسائر الجرائم التي لا حد فيها.[1]

الذنوب التي توجب إقامة الحدود

قبل ختام الحديث عنما هو حد الحرابة في الإسلام، سنتعرف على الجرائم التي شرع لها الإسلام الحدود، وفيما يأتي بيان أبرز الجرائم في الإسلام وحدودها:

  • القتل: وهو نوعان: عمد وخطأ، وزاد بعض الفقهاء قسماً ثالثاً يسمونه شبه العمد، وعقوبة القتل العمد القصاص بالقتل، أو الدية وهي مائة من الإبل، أو يعفو أولياء الدم، وعقوبة القتل شبه العمد: الكفارة على الجاني، والدية على عاقلته؛ أي أهله من جهة أبيه، أما عقوبة القتل الخطأ؛ الكفارة على الجاني والدية على عاقلته.
  • الردة: عن الإسلام بالقول أو الفعل أو الاعتقاد أو الشك، فمن حكم بردته وجب قتله بعد الاستتابة ثلاثة أيام.
  • الزنا: والزاني قسمان: البكر: الذي لم يطأ في نكاح صحيح، وعقوبته جلد مائة ونفي سنة، الثيب: وعقوبته الرجم.
  • اللواط: وهو داخل في معنى الزنا، واختلفوا في حد اللائط، والصحيح هو قتله بكل حال -محصناً أم غير محصن، فاعلاً أو مفعولاً- به.
  • القذف: وهو الرمي بزنا أو لواط، أو الشهادة بذلك ولم تكمل البينة، وحده جلد القاذف ثمانين جلدة، فإن كان القاذف هو الزوج لم يقم عليه الحد بل يؤمر بالملاعنة مع زوجته.
  • تعاطي المسكر: وهو كل ما أذهب العقل أو أسكر كالخمر والمخدرات، وعقوبته ثمانون جلدة أو أربعون.
  • السرقة: إذا توفرت شروط وجوب الحد على صاحبها وجب قطع يده من مفصل الكف اليمنى.
  • الحرابة: وعقوبة قاطع الطريق مذكورة في الآية: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.[2]

وبهذا نكون قد وصلنا إلى نهاية مقالنا، الذي تحدثنا فيه عن ما هو حد الحرابة في الإسلام، وعن معنى الحرابة، وعن تفاصيل هذه العقوبة عند المذاهب الفقهية الأربعة، وعن شروط إقامة الحد على المحارب، وعن الذنوب التي توجب إقامة الحدود.[7]

المراجع

  1. al-eman.com , الحرابة , 18/6/2021
  2. سورة المائدة , الآية 33
  3. islamweb.net , فيما يجب على المحارب , 18/6/2021
  4. alukah.net , الحرابة في الفقه الإسلامي , 18/6/2021
  5. سورة المائدة , الآية 34
  6. alukah.net , حد الحرابة وقطع الطريق , 18/6/2021
  7. islamweb.net , الجرائم التي رتب عليها الشارع عقوبات محددة , 18/6/2021

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *