ما الحكمة من ايراد القصص القراني

ما الحكمة من ايراد القصص القراني هو الموضوع الّذي سيناقشه هذا المقال، وقبل بدء الحديث عن القصص القرآني وجب أنّ القرآن الكريم هو الكتاب السّماويّ الّذي أنزله الله -تعالى- على نبيّه محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- قبل أكثر من ألفٍ وأربعمائة عامٍ مضت، وتحدّى به الله -سبحانه وتعالى- المخلوقات من إنسٍ وجنٍّ على أن يأتوا بآيةٍ من مثله فعجزوا عن ذلك، فقد تفرّد بالعديد من الخصائص عن غيره من الكتب السّماويّة الّتي سبقته، وختم الله تعالى به الرّسالات السّماويّة وانقطع بعده الوحي عن الأرض، ويهتمّ موقع المرجع في بيان الحكمة من ايراد القصص القراني والدّروس المستفادة منها وكيفيّة التعلّم من قصص القرآن الكريم.

تعريف القصص القرآني

قد عرّف علماء التّفسير القصص القرآني على أنّه سردٌ لأحداث أيّامٍ وأزمانٍ خلت، وإعلامٌ بأخبار القرون الأولى، فتكون مذكورةً على مراحل مرتّبةٍ يتبع بعضها بعضاً، وهذه القصص تتضمّن ما حدث وما جرى قبل نزول القرآن الكريم على النّبيّ محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم، أمّا الأحداث الحاضرة وما جرى بعد نزوله، حيث لم يعدّها العلماء قصصاً قرآنيّاً، ويعدّ القصص القرآني أحد علوم القرآن الّذي اجتهد بها علماء الأمّة الإسلاميّة، واختلف القصص القرآني وتفرّد بميّزاتٍ عديدةٍ عن القصص الإنساني ومنها أنّه أصدق منه وأعظم وأنفع وأحسن من القصص الإنساني، وذلك لأنه كلام الله-جلّ وعلا- وقد ثبت ذلك في قوله: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا}،[1] للقصص القرآني أنواعٌ ثلاثةٌ وهي:[2]

  • قصص الأنبياء: فقد تحدّثت هذه القصص عن سير الأنبياء والأحداث الّتي واجهوها، وذكر المعجزات الّتي آتاهم الله -سبحانه وتعالى- إيّاها كما جاء فيها ذكر دعوتهم لأقوامهم إلى توحيد الله جلّ وعلا والمراحل الّتي مرّت بها الدّعوات ومصير من عارضها وكذّبها.
  • كذلك قصص غابرة: وهذا النّوع يتضمّن قصصاً لبشرٍ عاديين، قد عاشوا في الأزمان والقرون الخالية، وتذكر قصصهم أحداثاً فريدةً لم يعشها أحدٌ قبلهم ومن هذه القصص قصّة ذي القرنين، وقصّة مريم العذراء، وقصّة قرون، وطالوت وجالوت، وغيرهم المثير من القصص.
  • و قصص من سيرة النّبيّ: وهذه القصص هي الّتي وقعت أثناء الدّعوة الإسلاميّة ويذكر ضمنها معجزة الإسراء والمعراج، والغزوات الّتي غزاها الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- كغزوة أحدٍ وبدرٍ وتبوك وحنين وفتح مكّة وغيرها والله أعلم.

ما الحكمة من ايراد القصص القراني

إنّ الحكمة من ايراد القصص القراني هي وعظ النّاس واعتبارهم من قصص الأقوام السّابقة وتحذيرهم من تكرار أفعالهم وأخطائهم لئلّا يعاقبوا كما عوقب من هم قبلهم، وبحسب ما ورد عن أهل العلم فإنّ القصص في القرآن قد أخذت ثلثه أي أنّها احتلّت عشر أجزاءٍ بكامله منه، فهي منهجٌ ربّانيٌّ متكاملٌ، حيث تنطوي كلماتها وعباراتها على الكثير من المواعظ والعبر والدّروس، كما يوجد فيها تحذيرٌ وإنذارٌ لمن يكرّر ذنوباً وآثاماً قد فعلتها الأقوام السّابقة، فيذكر القرآن العواقب القاسية والوخيمة الّتي قد لاقوها في نهاية المطاف.

وكذلك قد ذكر القرآن الكريم قصصاً يبيّن فيها أجر من أطاع الله تعالى وأطاع رسله عليهم السّلام، وما السّعادة والفضل الّذي قد نالهما العبد المطيع، وليس الهدف من القصص في القرآن هو السّرد والحديث والرّواية كما يعتقد البعض، فحكمة الله -تعالى- أبلغ من ذلك بكثير، فظاهر هذه القصص بأنّها سرد أخبارٍ فقط، لكن من يفقه القرآن الكريم ويتدبّر آياته بعمقٍ، يدرك الحكمة الإلهيّة من إيراد القصص القرآني وبيان تحقّق سننه في الأرض ، والله تعالى أعلم.[2]

عظمة القصص في القرآن

قد شغل القصص القرآني حيّزاً كبيراً من القرآن الكريم، ووردت فيه شتّى أنواع القصص الّتي تحمل العبر والمواعظ والدّروس للنّاس وللمطّلعين على القرآن الكريم، وإنّ للقصص في القرآن وإيرادها مظاهر عظيمةٍ وتقديرٍ عديدةٍ ومنها أنّ مصدرها إلهيّ، فكلام الله -جلّ وعلا- هو أصدق الكلام والحديث، وكذلك أنّها قد ذكرت كما حدثت دون مبالغةٍ أو تدخلٍ للخيال أو الوهم فيها، بل ذكرت كما عاشها أصحابها بالتّفصيل ودون خطأٍ أو زيادةٍ أو نقصان، كما أشار القرآن الكريم عند ذكر القصص إلى هامشيّة الوقت والتّاريخ الّتي وقعت فيه الأحداث والقصص المذكورة، وإنّما ذكرت للحكم فيها والدّروس الّتي تحتويها، والله أعلم.[3]

الدروس المستفادة من قصص الأنبياء

حملت قصص الأنبياء والرّسل الكثير من الدّروس والعبر، كيف لا وهي أعظم القصص وأفضلها، فهي تروي سير أفضل البشر وتذكر الأحداث الّتي عاشوها، والحروب الّتي خاضوها، والأذى الّذي لقيوه عند الدّعوة لله -سبحانه وتعالى، ومن الدروس المستفادة من ورود قصص الأنبياء في القرآن:[4]

  • بيان أنّ الرّسالات السّماويّة ذات مصدرٍ واحدٍ وأصلها واحد، كما تبيّن أن غايتها واحدة.
  • النّصر المحتوم للمسلمين وأتباع الرّسل والأنبياء وإزهاق الباطل والكفر ودحض المشركين والكفرة.
  • أنّ وعد الله بالعقاب أو النّعيم حقٌّ، وأنّه آتٍ لا محالة من ذلك.
  • التّذكير بالعداوة الخالدة بين الشّيطان الرّجيم وبين الإنسان المسلم المتّبع ملّة الإسلام.
  • تعظيم قدرة الله -تعالى- بالاطّلاع على المعجزات الّتي أيّد الله لها أنبياءه ورسله.
  • وقد حملت قصص الأنبياء بحوراً من الدّروس والعبر والمواعظ الّتي لا يمكن حصرها والله أعلم بها.

شاهد أيضًا: قصة اثر فيها الرسول أصحابه على نفسه

كيف يكون الاقتداء بالأنبياء

إنّ الله تعالى قد أرسل لكلّ أمّةٍ رسول، يوكل إليه مهمّةً ذات أهميّةٍ كبيرة، وهي دعوة النّاس إلى الحق وهدايتهم إلى طريق الصّواب،  فيأمرهم بعبادة الله وحده وينهاهم عن الشّرك به، وقد أُنرل على الأنبياء الوحي وجُعلوا قدوةً للنّاس، وأُمر النّاس أن يقتدوا بأنبياء الله، لأن الإنسان لا يمكنه أن يعيش بلا قدوةٍ حسنةٍ يقتدي بها، ويكون الاقتداء بالأنبياء والرّسل بالوقوف على سيرتهم وسنّتهم أولاً، وذلك لأنّ الاقتداء يتمحور على ثلاثة أمور وهي الاعتقاد في القلب، والأقوال باللسان، والأفعال بالجوارح والأعضاء، فتكون العقيدة هي عقيدة التّوحيد كما هي عند كلّ الأنبياء، والعمل هو العمل الصّالح، فالأنبياء خير القدوة الحسنة، فهم قدوةٌ للحكّام والمحكومين، وهم قدوةٌ للعلماء والدعاة، فعلى المؤمن أن يعتبر من قصص الأنبياء، وأن يؤمن ويثبت فؤاده ويطمئن، لأنّه بذلك سيعرف ما الحكمة من ايراد القصص القراني في القرآن الكريم والله اعلم.[5]

تثبيت قلوب المؤمنين

إنّ من ثمرات الإيمان بالله، ثبات قلب المؤمن بإيمانه، فإن تقلّب قلبه عن طاعة الله فذلك من أعظم المصائب وأشدّها، فإذا اكتمل إيمان العبد ثبت قلبه، وكملت استقامته وتمسّك بخصال الخير، فإن جاءه الموت جاءه على الإيمان وذلك من ثبات القلوب، أمّا إذا ضعف إيمانه تزعزع قلبه عن الطّاعات وتلبّسته المعاصي والسّيّئات، فقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرّحمن يقلّبها كيفما يشاء، ومن أسباب جصول الثّبات على  الحقّ هي:[6]

  • الشّعور بالفقر أمام الله -سبحانه وتعالى- والحاجة إلى تثبيته.
  • الإيمان بالله من أهمّ أسباب الثّبات على الخير والمداومة على الصّلاح.
  • ترك المعاصي والذّنوب كبيرها وصغيرها فهي من مسببات زيغ القلب.
  • تلاوة القرآن وتدبّره وتعلّمه والعمل بأحكامه.
  • ترك الظّلم والصّبر على الطّاعات والابتعاد عن المنكرات.
  • الإكثار من ذكر الله تعالى فذلك يزيد الإيمان في القلوب.

طاعة الله في كل أوامره

إنّ الله سبحانه خلق الجنّ والإنس ليعبدوه حقّ عبادته، وأمرهم بشكره على نعمه التي وهبهم إيّاها، فطاعة الله حقّ على كلّ مسلم ومسلمة، فالله تعالى أمدّ عباده بما يشتهوا ولم يأمرهم إلّا بالعبادة،  فالطّاعة والعبادة هي الغاية التي خلق الإنسان لها، وطاعة الله بذاتها عبادة محضة، والطّاعة بمعناها هي الخضوع والانقياد لرغبة الله وتنفيذ أوامره،  وقد أمر القرآن الكريم بطاعة الله في الكثير من المواضع، فقد قال تعالى في محكم تنزيله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}،[7] وقد فصّل الشّرع ماينبغي على العبد طاعة الله فيه، وذلك في القرآن والسّنة على حدٍّ سواء، فبطاعة الله تكون النّيّة خالصةٌ لله وحده، وذلك يساعد المؤمن على القيام بواجباته التّعبديّة لله تعالى.[8]

كيف يكون التعليم بالقصص

إنّ ممّا لا شكّ فيه هو أنّ القصّة المحكمة تطرق المسامع بشغف، ومن المعروف أنّ الإنسان بطفولته يميل لسماع القصص المرويّة، فيسمع ويصغي ويحاكي، وهذه الفطرة من المهمّ استثمارها في التعليم بالقصص القرآني، ففي القصص القرآني تربةٌ خصبة لإنجاح التّعليم، فهي تزوّد المعلّم والمتعلّم بزادٍ تهذيبيّ من أخبار النّبيّين، وسنّة الله في الأرض، وتنقل أخبار الأمم السّابقة وما حالت إليه أوضاعهم، وما يساعد على تلقي العبرة أن القصص في القرآن حقيقة وليست خيال، فهي تحرك المشاعر والعواطف في القلوب، وتثبت حقيقة التّوحيد والوحي وأسس الدّعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وبذلك يستطيع المعلّم صياغتها كيفما شاء، لتلائم عمر المتعلّم وقدرته على استقبالها.[9]

ما الحكمة من ايراد القصص القراني  مقالٌ ذكر الحكمة من ايراد القصص القراني، مبيّناً عظمة القصص في القرآن والدروس المستفادة من قصص الأنبياء وكيف يكون الاقتداء بهم، وتحدّث المقال عن تثبيت قلوب المؤمنين وطاعة الله تعالى في كل أوامره، وفي نهاية المقال أجيب عن تساؤل كيف يكون التّعليم  بالقصص.

المراجع

  1. سورة النساء , الآية 87
  2. islamweb.net , القصة في القرآن الكريم , 21/02/2021
  3. alukah.net , عظمة قصص القرآن , 21/02/2021
  4. alukah.net , أهداف القصة في القرآن , 21/02/2021
  5. alukah.net , الاقتداء بالأنبياء , 21/02/2021
  6. saaid.net , مع الثبات وأسبابه , 21/02/2021
  7. سورة النساء , الآية 59
  8. binbaz.org.sa , وجوب عبادة الله وتقواه , 21/02/2021
  9. alukah.net , التكرار والقصص في القرآن , 21/02/2021

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *