هل سيتراجع الدولار الأمريكي بحلول نهاية عام 2023؟

نظرًا لأن الاقتصاد الأمريكي المرن بشكل غير متوقع يستمر في دفع التوقعات بحدوث ركود في المستقبل، فقد تلقى الدولار الأمريكي الدعم في الأشهر الأخيرة، ومع ذلك، من المرجح أنه قبل نهاية عام 2023 سيضعف أمام العملات الرئيسية بما في ذلك اليورو والين اليابانى والفرنك السويسرى.

حتي الآن لا يزال الدولار الأمريكي محافظًا على قوته فى عام 2023، على الرغم من الأزمات المتتالية فى القطاع المصرفى الإقليمى فى الولايات المتحدة والأزمة السياسية المتعلقة بسقف الديون، ولعل أحد أسباب قوة الدولار هو قوة المستهلك الأمريكى وسوق العمل الذى لا يزال قويًا.

ما يحافظ على الدولار الأمريكي أيضًا ويجعله متمسكًا هو تصميم البنك الاحتياطي الفيدرالي في معركته ضد التضخم خاصة وأن لا يزال فوق المستوي المستهدف، بالإضافة إلى عدم وجود أية دلائل على وجود تباطؤ فى النشاط الاقتصادي، على العكس من ذلك، هناك علامات على حدوث تصدعات في الانتعاش الاقتصادي الناشئ في الصين مما أدى إلى مخاوف أوسع بشأن قوة النمو العالمي.

قوة الدولار الأمريكي

على مدار التاريخ كان الدولار الأمريكي قويًا ومنح عوائد كبيرة، كما كانت توقعات التجارة العالمية ضعيفة، على العكس من ذلك، كانت الأسباب الرئيسية لتراجع الدولار هى أسعار الفائدة التي كانت أقل بكثير فى الولايات المتحدة بالإضافة إلى صحة الاقتصاد الأمريكي.

ومع ذلك، نعتقد أن قوة الدولار الأمريكي الأخيرة قد تكون قصيرة الآجل، فمع تراجع سعر الغاز الطبيعى تقلصت الميزة التجارية للولايات المتحدة بالنسبة لمستوردى الطاقة مثل منطقة اليورو واليابان، مما نتج عن ذلك دعم العملة الموحدة والين الياباني في سوق تداول العملات التي تحملت كلاهما أزمة الطاقة خلال عام 2022، ومن المتوقع أن تقوم البنوك المركزية فى سويسرا ومنطقة اليورو بتشديد سياستها النقدية بمعدل أكبر بما يضعف من مزايا الدولار.

يبدو أن شروط الائتمان الاكثر تشددًا فى جميع دول العالم والمخاوف المتزايدة للمستثمرين تجاه توقيت الركود الأمريكي في نهاية المطاف ستصب في مصلحة عملات الملاذ الآمن الأخري خلال الأشهر القادمة، يفضل المستثمرون الين الياباني الذي يؤدي تقليديًا إلى ارتفاع معدلات كره المستثمرين للمخاطرة، بالإضافة إلى الفرنك السويسري نظرًا للأرصدة الخارجية السليمة وتفضيل البنك الوطني السويسري لعملة قوية ومستقرة لإبقاء التضخم المستورد تحت السيطرة.

ومع ذلك، من المرجح أن يكون المسار نحو انخفاض الدولار مليئًا بالعقبات، حيث تعيد الأسواق تعديل افتراضاتها بشأن السياسة النقدية الأمريكية وآفاق النمو العالمي، نتوقع أيضًا أن تختلف ديناميكيات الدولار اعتمادًا على زوج العملات، بالنسبة لبقية عام 2023 نرى ضعف الدولار الأمريكي أمام اليورو والين اليابانى والفرنك السويسرى بينما يرتفع أمام الجنيه الإسترليني والدولار الكندى واليوان الصينى، من المتوقع أن يتداول اليورو أمام الدولار بين نطاق 1.06 دولار– 1.10 دولار في الأشهر القادمة وأن يصل إلي مستوي 1.12 دولار بعد عام من الآن.

قيم العملات النسبية تعكس التدفق العالمي للأموال

وصل الدولار إلى التكافؤ مع العملة الأوروبية الموحدة “اليورو” في عام 2022 وهي المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك منذ عقدين، التكافؤ يعني أن الدولار الواحد يساوي يورو واحد، ومع ذلك، فإن هذه الديناميكية لم تدوم، حيث ضعف الدولار مرة أخرى في أواخر عام 2022 وفي الأشهر الأولى من عام 2023، بحلول منتصف هذا العام استمر اليورو في التداول أعلى من الدولار.

يقول أحد خبراء السوق: “تعكس قيم العملات النسبية التدفق العالمي للأموال، فخلال معظم عام 2022 كانت الأموال الأجنبية تتدفق إلى الولايات المتحدة أكثر من العكس، يساعد اتجاه تدفقات رأس المال في تحديد القوة النسبية لعملة معينة”.

عندما يفقد الدولار قوته مقابل اليورو كما حدث في الأشهر الأخيرة، تصبح السلع والخدمات أكثر تكلفة بالنسبة للأمريكيين الذين يسافرون إلى الخارج، لكن التأثير مختلف من الناحية الاقتصادية والاستثمارية.

يقول أحد محللي السوق إن بيئة أسعار الفائدة هي أحد المفاتيح لتحديد تحركات العملة، ويشير إلى أنه في أوائل عام 2022 بفضل قرار البنك الاحتياطي الفيدرالي تحركت عائدات السندات بشكل عام أعلى في الولايات المتحدة منها في أوروبا، وأكثر من ذلك عند النظر في التضخم، تميل العوائد الحقيقية الأكثر جاذبية (عوائد السندات الحكومية مطروحًا منها معدل التضخم المحلي) إلى جذب المزيد من دولارات الاستثمار الأجنبي مما يؤدي إلى تحسين الطلب على الدولار ورفع قيمته.

ويضيف أن التوقعات الاقتصادية كانت عاملاً مساعدًا إضافيًا في قوة الدولار، خاصة مع ظهور مخاطر الركود في أوروبا أكثر وضوحًا عند مقارنتها بنفس المخاطر في الولايات المتحدة، ومع ذلك، تغيرت هذه البيئة في الأشهر الأخيرة من عام 2022، حيث بدأ البنك الاحتياطي الفيدرالي في إبطاء وتيرة زيادة أسعار الفائدة، في الوقت نفسه، بدأ البنك المركزي الأوروبي ( ECB) في تنفيذ المزيد من الارتفاعات الدراماتيكية في أسعار الفائدة، ويتابع قائلًا: كل هذا يعود إلى سياسة البنك المركزي النسبية والنمو الاقتصادي النسبي وأسعار الفائدة النقدية النسبية والتضخم النسبي بين بلدين أو الولايات المتحدة ومنطقة اليورو.

الدافع للتخلص من الدولار

على المدي الطويل تكثر الكثير من الأسئلة حول استمرار هيمنة الدولار كأكبر عملة احتياطية في العالم، في الواقع، منذ الحرب الروسية الأوكرانية فى فبراير 2022 تزايد الجدال حول الاعتماد المتزايد للعالم علي الدولار وتراجع حصته في الاحتياطيات العالمية.

بالنظر إلى طبيعة الجغرافيا السياسية متعددة الأقطاب للدول، يبدو أن تنويع الاحتياطيات أمر لا مفر منه، حيث تخشي الدول أمن الأصول الاحتياطية لها وتتطلع إلي ما يسمي بدول “عدم الانحياز” التي رفضت دعم العقوبات التى تفرضها الولايات المتحدة على الدول لحماية نفسها من أى مخاطر من تبعات مواصلة التبادل التجارى مع روسيا، وقد حاولت الصين بالفعل زيادة استخدام اليوان من أجل تسوية المعاملات التجارية الدولية.

على الرغم من أن حصة الدولار من الاحتياطيات العالمية في أدنى مستوي لها حاليًا منذ عام  1994، وفقًا لأحدث البيانات الصادرة عن صندوق النقد الدولي، إلا إنه لا يزال يحتفظ بحصة تتجاوز 40 % كما أنه لا يزال لديه هيمنة واسعة لا جدال فيها كأكبر عملة احتياطية في العالم.

لا منافسة مع الدولار الأمريكي

حتي الآن لم تتمكن أى عملة من الاقتراب من المنافسة مع الدولار الأمريكي فما يقرب من 90% من جميع عمليات تداول العملات الأجنبية يكون الدولار الأمريكي في أحد جوانبها، كما أن البنوك المركزية العالمية تحتفظ بكميات كبيرة من الأصول الاحتياطية بالدولار الأمريكي.

ببساطة، هناك القليل جدًا من العملات الاجنبية المتوفرة فى جميع دول العالم لتنويع هذه المحافظ، وستكون بدائل الدولار الأمريكي (وسندات الخزانة الأمريكية) إما أقل أمانًا أو أقل سيولة أو توفر عائد أقل أو مزيج من الثلاثة، وبالتالي لا تستطيع الصين أن تجادل فى أن عملتها الوطنية (اليوان) يقدم بديل لتخفيف القيود على رأس المال، وباستثناء احتياطيات اليوان الروسية فإن العملة الصينية تمثل 2.7 % فقط من الاحتياطيات العالمية.

وفي الوقت نفسه، لكي تتأهل عملة احتياطية مهيمنة تحتاج الدولة إلى أن تكون مصدر للطلب العالمى وأن يواجه عجز تجاري وبالتالى تصدير رأس المال.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *