نبذة عن أبي جعفر المنصور

نبذة عن أبي جعفر المنصور الخليفة العباسي، صاحب الفضل في ترسيخ دعائم القوة في الخلافة العباسية، والقضاء على القلاقل والثورات التي واجهت حكمه، فقد مهد الطريق أمام خلفائه بإزالة العوائق والاعتماد على توطين العلم العربي والغربي في خدمة بلاد المسلمين، فكان عهده من بدايات عصر النهضة للحضارة العباسية الإسلامية، التي امتدت شرقاً وغرباً، وموقع المرجع بدوره سوف يتيح لكم فرصة التعرف عليه، بتقديم نبذة عن أبي جعفر المنصور.

الدولة العباسية

إنّ الدولة العباسية هي دولة بني العبَّاس أو ما يعرف بالخلافة الإسلامية الثالثة عبر التاريخ، وبنو العباس ثاني السلالات الإسلامية الحاكمة، بعد بني أمية الذين قضي عليهم على يد العباسيين وينحدر نسبهم إلى العباس بن عبد المطلب، العم الأصغر للنبي الكريم محمد بن عبد الله، نقل العباسيين العاصمة من دمشق إلى الكوفة ومنها إلى الأنبار ثم بغداد، استمر حكمهم قرابة الـ 8 قرون منذ العام 750 للهجرة حتى العام 1517 للهجرة.

عصرها الذهبي خلال عهدي هارون الرشيد وابنه العالم المأمون، بدأت الدولة العباسية القهقرة بعد اتساع رقعتها بسبب النزعة الشعوبية وتعدد الأعراق والجنسيات والاعتقادات الدينية، كما أن البعد عن مركز الخلافة ساعد في خروج البلدان النائية عن السيطرة وكثرة الحركات الانفصالية، عدا عن حروب جنكيز خان وقضاؤه على مدينة الخلافة وتشريد بنو العباس، ومع اجتياح العثمانيين بلاد المسلمين سلم آخر حاكم عباسي لهم لضعف دولته.

شاهد أيضًا: من هو المؤسس الحقيقي للدولة العباسية

نبذة عن أبي جعفر المنصور

إنّ أبو جعفر المنصور هو الخليفة العباسي الثاني والمؤسس الحقيقي للدولة العباسية، اسمه الحقيقي عبد الله المنصور ابن مُحمد ابن عَلي ابن عبد الله ابن العباس ابن عَبْد المُطلّب من بني هَاشم القريشيين، ولد في الفترة الممتدة بين عامي 714 م/ 95 هـ – 775 م / 158 هـ، والدته تدعى سلامة بربرية الأصل، وضعته في بلدة الحميمة من الشراة في البلقاء الواقعة جنوب الأردن، عاش طفولته فيها قبل أن يرحل إلى الكوفة بعد أن ألقي القبض على أخيه الأكبر إبراهيم الإمام، ساهم في توطيد حكم أخيه الأصغر أول خليفة عباسي، فولي حكم أذربيجان والجزيرة الفراتية وأرمينية، وشارك في قمع الثورات ضد العباسيين في بداية حكم السفاح، عهد السفاح الحكم إليه خلال العام 136 هـ، وبويع خليفةً في العام 137 هـ بعد وفاة شقيقه بمرض الجدري.[1]

أهم أعمال أبو جعفر المنصور العسكرية

منذ مبايعته عمل أبو جعفر المنصور على توطيد حكمه ومواجهة الخارجين الطاعة، فمكّن نفسه من الحكم مع الالتفات إلى تقوية الدولة من الناحية الاقتصادية والعسكرية وحتى النهضة العلمية، وفيما يلي أهم الأعمال التي قام بها المنصور خلال حكمه، وهي:

• القضاء على عمه عبد الله بن علي: بعد اعتلاء المنصور سدة الحكم واجه أطماع عمه عبد الله بن علي، الذي وجد نفسه أحق بالخلافة، فجهز جيشاً بقيادة أبي مسلم الخراساني لمواجهة زحف عمه من الشام إليه، فانتصر عليه لكنه لاذ بالفرار إلا أن المنصور أتى به وزجه بالسجن حيث مات فيه
• القضاء على أبي مسلم الخراساني: شهد المنصور تعنّت الخراساني ورفضه الانصياع للأوامر، خصوصاً بعد تنامي شعبيته في خراسان، فشم منه المنصور رائحة الخيانة، لذا دبر له مكيدة أبعده بها عن خراسان ثم دعاه إليه في الكوفة وقتله.
• القضاء على سنباذ: هو مجوسي من أتباع أبي مسلم الخراساني، الذي غضب للمكيدة التي أودت بحياته وثار على أبي جعفر المنصور، أرسل المنصور جيشاً بقيادة جمهور بن مرار العجلي، قضى عليه وأفناه.
• القضاء على جمهور بن مرار العجلي: بعض تخليص الأموال المنهوبة من بلاد المسلمين واسترجاعها من أيدي سنباذ، انقلب جمهور على المنصور وقرر الاستحواذ على المال لنفسه، فأرسل المنصور جيشاً بقيادة محمد بن الأشعث، وهزمه شر هزيمة قبل يولّي فاراً إلى أذربيجان.
• إخماد ثورات الخوارج: تم على يد القائد العسكري خازم بن خزيمة.
• القضاء على محمد النفس الزكية: وهو من سلالة آل البيت ومن أحفاد علي بن أبي طالب، حاول المنصور حل الخلافات بالمراسلة لكنها باءت بالفشل، لذا اضطر للحل العسكري فقضى على محمد النفس الزكية وأخوه إبراهيم.
• القضاء على ثورة كافر خراسان: على يد القائد العسكري خازم بن خزيمة بجيش قوامه أربعين ألفاً.

شاهد أيضًا: من ابرز المدن التي انشاها العباسيون

إنجازات أبو جعفر المنصور

خلال فترة النزاعات على الحكم التي شهدتها الدولة العباسية، وفي ظل خلافة أبو جعفر المنصور، التفت الأخير إلى تطوير مقدرات الدولة فلم يكتفي بالحروب والثورات، وأنجز ما يلي:

• بناء مدينة بغداد وجعلها مركز الخلافة: بنى أبو جعفر المنصور مدينة بغداد على الطراز الحديث وأطلق عليها دار السلام، دائرية الشكل ولها سور يحميها يسمى “السور الأعظم”، تتخلله أربعة بوابات (الشام – الكوفة – البصرة – خراسان)، وقد اختار بغداد لمناخها المعتدل على شاطئ دجلة، ونقل إليها مركز الخلافة.

• نهضة اقتصادية: شهدت الدولة العباسية نهضة اقتصادية في ظل حكم المنصور، فقد سك أول دينار ذهبي أهدي لملك مرسيا “أوفا”، اشتمل الدينار على نص عربي “محمداً رسول الله”، واهتم المنصور بالصناعة والزراعة وكافة المقومات الاقتصادية الأخرى،  فقضى على القرصنة في خط الملاحة بين الدولة العباسية والصين، وفتحت في عهده طبرستان من بلاد ما وراء النهر.
• العناية بالحدود: حصّن المنصور تخوم البلاد خصوصاً بجهة الشمال، ما دفع ملك الروم للمسارعة في طلب الصلح، وتقديم الجزية للمسلمين، كما هاجم أهل قبرص وأدّبهم لخروجهم عن الميثاق بعد فتحها ودعمهم الروم.
• بيت الحكمة: وهو من أميز إنجازات أبي جعفر المنصور، التي بينت اهتمامه بنشر العلوم المختلفة في بلاد المسلمين، وتقديم الرعاية للعلماء سواءً من المسلمين أو غيرهم، فأنشاء “بيت الحكمة” داخل قصر الخلافة ببغداد وتحت إشرافه المباشر، إلا أن فكرة بيت الحكمة كمكتبة عالمية، تعود إلى الخليفة العالم المأمون، راسل المنصور إمبراطور الروم وطلب منه الحصول على مؤلفات اليونانيين وخلاصة علمهم فأجابه بالقبول، وحصل على كتب الهندسة والطب والفلك والحساب، ليصار إلى ترجمتها والاستفادة منها.

وفاة أبو جعفر المنصور

اتجه الخليفة المنصور لمكة المكرمة قاصداً بيت الله، وفي الطريق مرض مرضاً شديداً، فنزل في قريةٍ قام سيدها بتهجير أهلها، أمر الربيع بن يونس حاجبه أن يدخل بيتاً، فلم يجد أحداً فدخل المنصور وتحسس أحد الجدران قرأ ما كتب عليه من الأبيات:

“أبـا جـعــفر حـانت وفـاتـك وانقضت سنوك وأمر الله لابد واقع
أبا جعفر هل كاهن أو منجم لك اليوم من حر المنية مانع”

علم المنصور أن الأجل قد حان على أبواب مكة، فكتب وصيته لابنه التي طالبه فيها بدفع مرتبات الجنود وسداد دينه، وحفظ ذويه الصغار، مشيراً إلى أنه تاركاً وراءه خزانة المسلمين عامرةً بالمال.

شاهد أيضًا: عدد حكام الدولة العباسية

هكذا، ومع هذا القدر من المعلومات عن أحد حكام بني العباس، نكون قد وصانا بكم إلى ختام موضوع بحثنا، الذي كان بعنوان نبذة عن أبي جعفر المنصور، فقد تعرفنا عبره على شخصيته ونسبه وأبرز أعماله العسكرية وإنجازاته في نهضة البلاد، كما اطلعنا على تفاصيل وفاته والعبرة منها.