هل البكاء على الميت يعذبه في قبره

هل البكاء على الميت يعذبه في قبره حيث إنَّ الإنسان بفطرته مليءٌ بالعواطف والمشاعر المختلفة من فرح أو حزن، وقد تكون ردود أفعال المسلم في مواطن الفرح أو الحزن خارجة عن إرادته وسيطرته، ولهذا فإنَّ الدين الإسلامي قد وضع قواعد وضوابط لهذه المشاعر لتكون أقوالُ وأفعالُ المسلم في الحالتين ضمن ما يرضي الله عزَّ وجلَّ، وفي هذا المقال سوف يقدم لنا موقع المرجع شرحًا مفصلًا حول البكاء على الميّت وما هي أحكامه وما المشروع والممنوع فيه.

هل البكاء على الميت يعذبه في قبره

إنَّ البكاء على الميت لا يعذبه في قبره إلّا إذا صاحَبَ البكاء نواح ولطم خدود وشق جيوب، والميّت كان قد أوصى بذلك أو أقره في حياته ولم ينكره، فقد كان الناس في الجاهلية يوصون أهلهم بالنواح والبكاء عليهم، وكان ذلك موجودًا ومشهورًا في زمانهم، ونهى الإسلام عن ذلك كما جاء في حديث الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَيْسَ مِنّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعا بِدَعْوى الْجاهِلِيَّةِ”[1]، والله أعلم[2].

حكم البكاء على الميّت

ورد في السنة النبوية الشريفة توضيح وتفصيل لأحكام البكاء والحزن على الميّت فمنه المشروع ومنه الممنوع:

البكاء المشروع على الميّت

البكاء العادي بدمع العين دون رفع الصوت لا بأس به وجائز، فقد جاء عن النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- في حادثة وفاة ابنه ابراهيم أنّه بكى لذلك، فتعجّب عبدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ -رضي الله عنه- وسأله عن ذلك، فقال الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: “يا ابْنَ عَوْفٍ إنَّهَا رَحْمَةٌ.. إنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، والقَلْبَ يَحْزَنُ، ولَا نَقُولُ إلَّا ما يَرْضَى رَبُّنَا، وإنَّا بفِرَاقِكَ يا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ[3]. وقد ورد عن الرسول -صلى الله عليه وسلّم- أيضًا: “إنَّ الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، وإنما يعذب بهذا أو يرحم”، وأشار إلى لسانه عليه الصلاة والسلام[4][5].

البكاء الممنوع على الميّت

البكاء الممنوع على الميّت هو الذي يرافقه النواح ورفع الصوت والصياح، وشق الثوب، ولطم الخد، ونتف الشعر وكلام فيه سخط على قضاء الله وقدره، هذا الأفعال محرمة لا ترضي الله -سبحانه وتعالى-، وقد ورد النهي عن ذلك في حديث الرسول -صلى الله عليه وسلّم-: “لَيْسَ مِنّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعا بِدَعْوى الْجاهِلِيَّةِ”[1].

قد يهمك أيضًا: تفسير حلم البكاء على الميت في المنام لابن سيرين والنابلسي

هل يسمع الميّت بكاء أهله أو كلامهم

اختلف العلماء في هذه المسألة فمنهم من يقول بأن الأموات يشعرون بالأحياء ويسمعونهم ومنهم من ينفي ذلك، وفيما يلي تفصيل لهذه المسألة وفق ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة:

  • من العلماء من قال: الميت في قبره لا يسمع شيئًا من بكاء وكلام الأحياء حتى السلام لا يسمعه ولا يرد عليه، وقد ورد أن أم المؤمنين السيدة عائشة -رضي الله عنها- قد أنكرت أن الموتى يسمعون كلام الأحياء وقد استدلت على ذلك بقوله تعالى:{إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَىٰ وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ}[6]، وبقوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ ۖ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ}[7]، وقد وافقها في ذلك جماعة من الحنفية وبعض العلماء المعاصرين، مثل: ابن باز، وابن عثيمين.
  • ومن العلماء من قال: إنَّ الميت يسمع ويشعر بمن يزوره في قبره، واستدلوا على ذلك بما جاء في السنّة النبوية مثل الأدلة التالية:
    • ما ورد من وقوف النبي -صلى الله عليه وسلّم- على قتلى المشركين الذين قتلوا في معركة بدر، فقد ورد: “أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، تَرَكَ قَتْلَى بَدْرٍ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَامَ عليهم فَنَادَاهُمْ، فَقالَ: يا أَبَا جَهْلِ بنَ هِشَامٍ يا أُمَيَّةَ بنَ خَلَفٍ يا عُتْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ يا شيبَةَ بنَ رَبِيعَةَ أَليسَ قدْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فإنِّي قدْ وَجَدْتُ ما وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، كيفَ يَسْمَعُوا وَأنَّى يُجِيبُوا وَقَدْ جَيَّفُوا؟ قالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ ما أَنْتُمْ بأَسْمع لِما أَقُولُ منهمْ، وَلَكِنَّهُمْ لا يَقْدِرُونَ أَنْ يُجِيبُوا ثُمَّ أَمَرَ بهِمْ فَسُحِبُوا، فَأُلْقُوا في قَلِيبِ بَدْرٍ”[8].
    • وما ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلّم- قال أنه بعد دفن الميّت وانصراف أصحابه عنه: “إنَّ المَيِّتَ إذا وُضِعَ في قَبْرِهِ، إنَّه ليَسْمَعُ خَفْقَ نِعالِهِمْ إذا انْصَرَفُوا. وفي رواية: إنَّ العَبْدَ إذا وُضِعَ في قَبْرِهِ وتَوَلَّى عنْه أصْحابُهُ”[9]، وفي هذا الحديث إشارة واضحة إلى أنَّ الميّت يسمع صوت أقدام أصحابه بعد دفنه.
    • وقد ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلّم- كان يأمر أصحابه بالسلام على الموتى عند زيارة القبور كما جاء في الحديث: “كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يُعَلِّمُهُمْ إذَا خَرَجُوا إلى المَقَابِرِ، فَكانَ قَائِلُهُمْ يقولُ، في رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: السَّلَامُ علَى أَهْلِ الدِّيَارِ، وفي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ، : السَّلَامُ علَيْكُم أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ المُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وإنَّا، إنْ شَاءَ اللَّهُ لَلَاحِقُونَ، أَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمُ العَافِيَةَ”[10].

وعلى هذا فيمكن القول بأنَّ ما ورد في السنة النبوية حول سماع الموتى يجب علينا الإيمان به، وما لم يأتي في السنة فموقفنا منه الوقوف، والله أعلم.[11]

شاهد أيضًا: كيف اواسي شخص حزين وأجعل قلبه سعيد مثابر في تلك الحياة

هل يجوز إطالة الحزن على الميّت

إنَّ الحزن على الميّت هو أمر فطري خارج عن إرادة الإنسان ولهذا فلا حرج فيه وقد أباحه الإسلام ولكنّه حدده بثلاثة أيام فقط، إلا في حال حداد الزوجة على زوجها فعليها أن تحد كامل مدة العدة وهي أربعة أشهر وعشرة أيام كما جاء في قول الله سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً}[12]،أما في حال كانت الزوجة حاملًا فتحد حتى تلد كما جاء في الآية الكريمة:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}[13].

وفي ختام هذا المقال يكون قد اتضح هل البكاء على الميت يعذبه في قبره أم لا، وتبين أحكام البكاء على الميّت وما شرعه الإسلام وما نهى عنه فيما يخص الحزن والحداد على الميّت، وهل يسمع الموتى أهلهم والأحياء من حولهم أم لا.

المراجع

  1. صحيح البخاري , عبدالله بن مسعود، البخاري، 3519، صحيح.
  2. binbaz.org.sa , حكم البكاء على الميت , 16-6-2021
  3. صحيح البخاري , أنس بن مالك، البخاري، 1303، صحيح.
  4. صحيح مسلم , عبدالله بن عمر، مسلم، 924، صحيح.
  5. islamqa.info , هل البكاء على الميت بالدموع يعذب الميت ؟ , 16-6-2021
  6. سورة النمل , آية 80.
  7. سورة فاطر , آية 22.
  8. صحيح مسلم , أنس بن مالك، مسلم، 2874، صحيح.
  9. صحيح مسلم , أنس بن مالك، مسلم، 2870، صحيح.
  10. صحيح مسلم , بريدة بن الحصيب الأسلمى، 975، صحيح.مسلم،
  11. binothaimeen.net , حكم قراءة القرآن على القبر وهل يسمع الميت الأحياء ؟ , 16-6-2021
  12. سورة البقرة , آية 234.
  13. سورة الطلاق , آية 4.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *