هل يغفر الله لممارس العادة

هل يغفر الله لممارس العادة من الأمور التي يبحث عن حكمها الكثير من النّاس، فالله -سبحانه وتعالى- خلق عباده وجعل فيهم الشّهوة، وشرّع لهم الزّواج بعقدٍ شرعي يبيح للرجل والمرأة أن يستمتعا ببعضهما البعض، وذلك من الحكمة الإلهية في استمرار الحياة والخلق إلى أن يشاء الله، وبهذا يتكاثر البشر ويقيمون أمر الله في الأرض، لكنّ الشّيطان يزيّن للناس الشهوات والمحرمات فينحرف بعض الناس عن الطريق القويم، فيتّبعوا الشّهوات ويسلكوا طريق ما حرمه الله، فيقضون شهواتهم بالعادة السّرية في لحظة ضياع، لكن سرعان ما يرجع المسلم ويتوب، وفي هذا المقال يبيّن موقع المرجع هل يغفر الله لممارس العادة السرية وما حكمه في الإسلام.

ما المقصود بالعادة

يبحث الكثير من الناس عن إجابةٍ لتساؤلٍ يخطر ببالهم، وهو هل يغفر الله لممارس العادة، أو كما يُطلق عليها العادة السرية، وهو لفظٌ استُحدث ليُطلق على ما يسّمى عند أهل العلم بالاستمناء، والذي يعني طلب الشّيء في اللغة وطلب خروج الشّيء، أمّا في الاصطلاح فيعني إخراج المني من الجسد بغير جماعٍ أو مباشرةٍ من الزّوج لزوجته ومن غير اتّصالٍ جنسيٍّ بينهما، وتكون العادة بالاستمناء بتعمّد بقصد إنزال المني بشهوة باليد أو بغيره من الجمادات.[1]

حكم من يمارس العادة السرية

قبل الإجابة عن هل يغفر الله لممارس العادة السرية لا بدّ من بيان حكم العادة السرية وحكم من يمارس العادة في الإسلام، فالوارد عن أهل العلم أنّ الاستمناء محرّمٌ شرعًا بكافّة أشكاله، وبأي طريقةٍ كانت، وهو ما قاله جمهور أهل العلم، وذلك لحكمة أنها سبيلٌ لقطع النسل، وقد استدلّ العلماء على تحريمها بأدلّةٍ شرعيةٍ صحيحة، ومنها:[2]

  • قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُون}.[3] حيث إنّ الله أمر المسلمين التّمتع بالأزواج فقط، ومن يفعل غير ذلك فقد اعتدى على حرمات الله.
  • أمر النّبي -صلى الله عليه وسلم- للشباب بالزواج لمن استطاع منهم الباءة، وأعطاهم حلًّا لمن لم يستطع، وهو الصيام، فالصياك يقيه من الفتن والوقوع في الحرام، ولم يجز الاستمناء لمن لم يستطع الزواج.
  • الأضرار النفسية والجسدية المترتبة على العادة السرية وبمن يمارسها،  فهي تؤثر سلبًا على كفاءة الرجل في حق زوجته وقد تسبب العقم.

هل يغفر الله لممارس العادة

إنّ الوارد عن أهل العلم أنّ الله -سبحانه وتعالى- يغفر لممارس العادة إذا تاب منها، فالله سبحانه وتعالى يحبّ التوابين ويحبّ المتطهرين، فهو يبسط يده في الليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده في النهار ليتوب مسيء الليل، فلو جنح المسلم عن الطريق وارتكب هذا الإثم فعليه أن يبادر للتوبة وأن يستغفر الله على ما ارتكب، والله سيغفر له ذنبه، وقد استدلّ أهل العلم في قولهم على الحديث الصحيح الذي رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: “إنَّ عَبْدًا أصابَ ذَنْبًا – ورُبَّما قالَ أذْنَبَ ذَنْبًا – فقالَ: رَبِّ أذْنَبْتُ – ورُبَّما قالَ: أصَبْتُ – فاغْفِرْ لِي، فقالَ رَبُّهُ: أعَلِمَ عَبْدِي أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ويَأْخُذُ بهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ ما شاءَ اللَّهُ ثُمَّ أصابَ ذَنْبًا، أوْ أذْنَبَ ذَنْبًا، فقالَ: رَبِّ أذْنَبْتُ – أوْ أصَبْتُ – آخَرَ، فاغْفِرْهُ؟ فقالَ: أعَلِمَ عَبْدِي أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ويَأْخُذُ بهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ ما شاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أذْنَبَ ذَنْبًا، ورُبَّما قالَ: أصابَ ذَنْبًا، قالَ: قالَ: رَبِّ أصَبْتُ – أوْ قالَ أذْنَبْتُ – آخَرَ، فاغْفِرْهُ لِي، فقالَ: أعَلِمَ عَبْدِي أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ويَأْخُذُ بهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثَلاثًا، فَلْيَعْمَلْ ما شاءَ”.[4] وقد ورد عن النووي قوله أنّه لو كرّر العبد ذنبه ما شاء ثمّ استغفر ربّه لغفر له، فلا ييأس من يرتكب إثم العادة وليسارع لتركها وليتب إلى الله.[5]

هل يغفر الله لممارس العادة في رمضان

إنّ ممارسة العادة السرية أمرٌ قبيحٌ ومحرم، وعلى المسلم أن يقلع عنه وأن يتوب إلى الله، وفعلها في رمضان أشدّ قبحًا من غيره من الأوقات لحرمة الشّهر، فإذا مارسها المسلم في نهار رمضان لزمه التوّبة والقضاء لأنّها تفسد الصيام، ثمّ ما ورد عن أهل العلم أنّ الله يغفر الذّنوب جميعًا إلا أن يُشرك به، فمن يبادر إلى التوبة النصوح سيجد أنّ الله غفورٌ رحيم، فالله يغفر الذنب للعبد التائب ما لم يشرك بالله في عبادته، فالتوبة هي الحل ليغفر الله الذنب لممارس العادة في رمضان.[6]

شاهد أيضًا: ما حكم من استمنى في نهار رمضان متعمدا

هل تقبل صلاة من يمارس العادة

فيما سبق تمّ بيان هل يغفر الله لممارس العادة السرية، وقد يتساءل البعض عن حكم صلاة من يمارس العادة وهل تقبل صلاته، وقد بيّن أهل العلم أنّ العادة فعلٌ محرّمٌ غير جائز في الإسلام، وعلى المرء أن يتوب منها، لكنّهم أضافوا أنه لم يرد نصًّا أو دليلًا شرعيًّا أنّ من يفعل العادة لا تقبل صلاته، بل هي صحيحة ومقبولة بإذن الله في حال طهارته، فمن يمارس العادة تكون حكم صلاته بحسب ما يحصل له، فإن مارسها ولم ينزل ولم يمذي وكان على وضوءٍ أو توضأ فصلاته صحيحة، ولو مارس العادة ومذى ولم يمنِ وينزل، فعليه أن يغسل فرجه ويتوضّأ ثمّ يصلي وصلاته صحيحة مقبولة، أمذا لو مارس العادة واستمنى وأنزل، فوجب عليه الغسل لتكون صلاته مقبولة وصحيحة، أمّا لو مارس العادة فشك في هل أنزل منيًا أم مذيًا فإنّه يتخير فيجعل له حكم ما شاء منهما، والأفضل أن يغتسل بقول العلماء والحرص على الإقلاع عنها والتوبة منها.[7]

ما هي عقوبة من يفعل العادة السرية في الإسلام

إنّ عقوبة من يمارس العادة السرية في الإسلام غير محددة ولا نصّ فيها، لذلك فإنّ عقوبة من يمارسها التعزير وهي عقوبة يحددها وليّ الأمر كالحاكم والقاضي فيما لم يرد فيها حدٌّ ولا كفّارة، وكما بيّن أهل العلم أنّه لم يتمّ تحديد عقوبة شرعية للمستمني، ولا يشرّع للناس تحديدها بل هي موكولة لوليّ الأمر، والواجب على من وقع في هذه المعصية التوّبة إلى الله والإكثار من الاستغفار، فليس لأنّه لم يرد في عقوبته الدنيوية نصٌّ ذلك أنّ الله لن يعاقبه، ففي الآخرة أمره إلى الله إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له، والله ورسوله أعلم.[8]

شاهد أيضًا: هل يجب الاغتسال بعد الاحتلام

ما هي كفارة العادة

فصّل أهل العلم في أحكام العادة السّرية، ومّما بينوه كفارة العادة السرية وهل يكون على من يمارسها كفارة، فكما ورد أنّه لا كفّارة على المسلم إن مارس العادة السرية، ولكنّ كفارتها الوحيدة هي التوبة، والمبادرة من المسلم للتوبة النصوح مع عقد العزم على عدم الرجوع إليها أبدًا، فالتائب من الذّنب كمن لا ذنب له، ولا دليل شرعي أو أيّ نصٍّ وارد يقول أنّ لها كفّارة غير التوبة والله ورسوله أعلم.[8]

ما هي الحالات التي تكون فيها العادة حلال

إنّ العادة السرية محرّمة عند جمهور أهل العلم مطلقًا، فالشافعية والمالكية يرون تحريمها مطلقًا، أمّا الأحناف فلديهم أنّها من المحظورات في الأصل لكن يمكن أن تكون مباحةً في عدّة أحوال، وهي أن لا يكون الرّجل متزوّجًا ويخشى الوقوع حقيقةً في الزّنا إن لم يفعلها، وأن لا يكون مقصده الأساسي منها هو المتعة واللذة، بل يكون هدفه كسر شدّة الشبق الواقع فيه، لكنّ الأصل تحريمها فهي انحراف، ولكن يدخل فيها قاعدة الاضطرار، فلو خُشي من الزنا أو الوقوع في اضطّراباتٍ نفسية، فإنّها تُباح في حدود دفع ذلك، فالأحناف لم يبيحوها ولكنّهم جوّزوها لمن اضطّر إليها، فارتكابها أخف وأهون من ارتكاب الزنا، أما الحنابلة نصّوا على أنّه محرم وصاحبه يستحق التعزير ولا يباح له إلا عند الضرورة.[9]

شاهد أيضًا: ما حكم النوم على جنابه

أضرار ناتجة عن ممارسة العادة السرية

إنّ للعادة السرية الكثير من الأضرار والمخاطر، والكثير من الناس من يجهلون مخاطرها وأضرارها، فكم من شخصٍ أصبح ضعيفًا بعد زواجه وغير قادر على الاستمتاع بزوجته، وتأثّرت نفسيّته وانهارت ثقته بنفسه، فالاستمرار فيها يؤدي إلى مشكلات نفسية وجسمية كثيرة، ومن أضرارها:[10]

  • الشعور بعقدة الذنب والإثم والندم، والشعور بالحقارة والقذارة.
  • سرعة الانفعال وزيادة التوتر الدائم والإصابة بالوسواس والاضطّراب النفسي.
  • العزلة عن الناس، والارتياب في الآخرين.
  • الإصابة بالضعف والبرود الجنسي، فيكون الجماع مع الزوجة خاليًا من أيّ نشوة بعد الزواج.
  • تسلب العادة الغيرة والشّهامة وتنقص المروءة.
  • تسبب نقص الحيوية وزيادة الخمول وضعف البصر والسمع، وانحلال القوة الجسمانية.
  • تسبب العادة فقر الدم واصفرار الوجه وانسداد الشهية وضعفًا في الذّاكرة، وضعف في الأعصاب والهزال والدوران.
  • الأمراض الجنسية المتنوعة، من التهابات واحتقان وتضخم في البروستات.
  • تسبب سرعة القذف وحساسية مجرى البول.

بهذا نختتم مقال هل يغفر الله لممارس العادة، والذي سلّط الضّوء على معنى العادة السرية ومفهومها، وبيّن حكمها وحكم من يمارسها، وبيّن المقال عدّة أحكام شرعية بخصوص العادة السرية، كحكم صلاة من يمارس العادة، وما هي عقوبة ممارسها وما كفارتها، وبيّن متى يبيح الشّرع اللجوء للعادة، وختم بذكر بعض الأضرار الناجمة عن ممارسة العادة السرية.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *