هل الانسان مخير ام مسير
جدول المحتويات
هل الانسان مخير ام مسير هذا السؤال متعلق بقضية مهمة وهي الجبر والاختيار، وكثير من الناس يسألون عنه وعن علاقته بإرادة الله، لذلك يهتم موقع المرجع في الحديث عن هل الانسان مخير ام مسير، وعن الاختيار في حياة المسلم، وعن شروط الإيمان بالقضاء والقدر وعلاقته بإرادة الإنسان، وعن اختلاف المذاهب في مسألة أفعال العباد.
هل الانسان مخير ام مسير
إن إجابة سؤال هل الانسان مخير ام مسير هي: أن الإنسان مخير ومسير في نفس الوقت، أي أنه مسير في أمور ومخير في أمور أخرى، ولا يمكن القول أن الإنسان مسير بشكل مطلق أو مخير بشكل مطلق، أما كونه مخير، فلأن الله تعالى أعطاه عقلًا وسمعًا و إدراكًا وإرادةً، فهو يعرف الخير من الشر، والضار من النافع، وما يلائمه وما لا يلائمه، فيختار لنفسه المناسب ويدع غيره، وبذلك تعلقت التكاليف الشرعية به من الأمر والنهي، واستحق العبد الثواب على الطاعة، والعقاب على المعصية، قال تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}.[1]
وأما كونه مسير فلأنه لا يخرج بشيء من أعماله كلها عن قدرة الله تعالى ومشيئته، قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ}،[2] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ أولَ ما خلق اللهُ القلمُ، فقال لهُ : اكتبْ، قال : ربِّ وماذا أكتبُ ؟ قال: اكتُبْ مقاديرَ كلِّ شيءٍ حتى تقومَ الساعةُ”،[3] فالإنسان مسير في التصرفات والحركات التي تصدر منه خارج قصده وإرادته، كالتثاؤب، وحركة الارتعاش، والولادة، والموت، والمرض، والسقوط بغير قصد، ومخير في الأفعال التي تأتي كثمرة لإرادته المحضة، كالذهاب والأكل والبيع والقراءة والسفر.[4]
شاهد أيضًا: متى يموت الانسان وهو على قيد الحياة
الاختيار في حياة المسلم
بعد ان تعرفنا على إجابة سؤال هل الانسان مخير ام مسير، سنتحدث عن أقسام الاختيار في حياة المسلم، حيث ينقسم التخيير في حياة المسلم إلى ثلاثة أقسام، هي على النحو الآتي:[5]
- التخيير المنضبط: وفيه يكون الإنسان المسلم قادرًا على الخروج عن إطار الشريعة الإسلامية فهو مخير، ولكنه في الآن ذاته منضبط بحرية إرادته على تعاليم الشريعة، ويكون في هذه الحالة مطيعًا، ويلقى حسابه ثوابًا في الدنيا و الآخرة.
- التخيير الغير المنضبط: وفيه يخرج الإنسان المسلم عن إطار الشريعة الإسلامية بإرادته الحرة، ويكون في هذه الحالة آثمًا، ويلقى حسابه عذابًا في الدنيا أو الآخرة أو كليهما إن لم يتب قبل غرغرته.
- التخيير المطلق المباح: وهو يقع في دائرة الإباحة، وفيه يكون الإنسان المسلم حرًا تمامًا حريةً غير آثم فيها بل مثابٌ فيها على الراجح إن كان يضع في ذهنه نية إباحة ما يريده بإرادته الحرة في ظل الشريعة الإسلامية.
شاهد أيضًا: دعاء الاستخارة الصحيح مكتوب كامل وأفضل أوقات صلاة الإستخارة
هل القضاء ينفي إرادة الإنسان
يظن البعض أن القضاء يلغي حق الإنسان في الاختيار لكنه على العكس من ذلك، فعلى الرغم من أن كل ما يجري في هذا الكون مهما صغر أو عظم، هو بقضاء الله تعالى وقدره، وسبق علمه به في سابق أزله، كما قال الله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}،[6] وقال الله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}،[7] وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “إنَّ أحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يَكونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فيُؤْمَرُ بأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، ويُقَالُ له: اكْتُبْ عَمَلَهُ، ورِزْقَهُ، وأَجَلَهُ، وشَقِيٌّ أوْ سَعِيدٌ”،[8] وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ”.[9]
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “إنَّ أولَ ما خلق اللهُ القلمُ، فقال لهُ : اكتبْ، قال : ربِّ وماذا أكتبُ ؟ قال : اكتُبْ مقاديرَ كلِّ شيءٍ حتى تقومَ الساعةُ”،[3] وعن طاوس بن كيسان اليماني قال: “سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ يقولُ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: كُلُّ شيءٍ بقَدَرٍ، حتَّى العَجْزِ وَالْكَيْسِ”،[10] إلا أن الله تبارك وتعالى قد جعل للعبد اختيارًا ومشيئة وإرادة بها يختار طريق الخير أو الشر، وبها يفعل ما يريد، وعلى أساسها يحاسب على أفعاله التي اختارها لنفسه لأنها أفعاله حقيقة، فيُثاب على الحق إن اختاره ويعاقب على الباطل إن اختاره.[4]
شاهد أيضًا: هل هناك صحابة من الجن
شروط الإيمان بالقضاء والقدر
إن التصديق بالقضاء والقدر ركن من أركان الإيمان ولا يتم إلا بأربعة أمور، هي:[11]
- الإيمان بأن الله تعالى عالم بكل صغيرة وكبيرة جملة وتفصيلًا: قال تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}،[12] وقال تعالى: {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}،[13] وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}،[14] وقال تعالى: {يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور ِ}.[15]
- الإيمان بأن الله تعالى كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء: قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}،[7] وقال تعالى: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ}،[16] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ”.[9]
- أنه لا يكون شيء في السموات ولا في الأرض إلا بإرادة الله: ومشيئته الدائرة بين الرحمة والحكمة، يهدي من يشاء برحمته، ويضل من يشاء بحكمته، قال تعالى {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}.[6]
- أن الله تعالى خالق كل شيء: قال تعالى: {قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}،[17] وقال تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}،[18] وقال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}.[19]
شاهد أيضًا: حكم قراءة الفاتحة في الصلاة في المذاهب الاربعة
اختلاف المذاهب في مسألة أفعال العباد
وقبل أن نختم حديثنا عن هل الانسان مخير ام مسير، سنتحدث عن اختلاف المذاهب في مسألة أفعال العباد، اختلف الناس في هذه المسألة إلى عدة أقوال ومذاهب عديدة:
الجبرية
يرى هذا المذهب أن الإنسان لا يقدر على شيء، ولا يوصف بالاستطاعة، وإنما هو مجبور في أفعاله لا قدرة له ولا إرادة ولا اختيار، وإنما يخلق الله تعالى الأفعال فيه، على حسب ما يخلق في سائر الجمادات، وتنسب إليه الأفعال مجازاً، كما تنسب إلى الجمادات، وهذا المذهب مخالف للضرورة، وللوجدان الطبيعي للإنسان الذي يدرك الفرق البديهي بين الأفعال الاضطرارية، والأفعال الاختيارية التي يفعلها الإنسان بمحض قدرته وإرادته.[20]
القدرية
يرى هذا المذهب أن أفعال العباد وطاعاتهم ومعاصيهم لم تدخل تحت قضاء الله وقدره، فأثبتوا قدرة الله على أعيان المخلوقين وأوصافهم، ونفوا قدرته على أفعال المكلفين، بل نفوا علمه بها قبل أن تقع، وقالوا: إن الله لم يردها ولم يشأها منهم، وهم الذين أرادوها وشاءوها وفعلوها استقلالًا، وأنكروا أن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء، فأثبتوا خالقًا مع الله، وهو كل مكلف من البشر، وأنكروا تعلق قدرة الله وإرادته بأفعال الناس، فهم على النقيض تمامًا من الجبرية، ولا شك أن هذا غلو في إثبات الاستقلال للقدرة البشرية.[20]
المعتزلة
يرى هذا المذهب أن العبد يفعل فعله بقدرته التي أودعها الله تعالى فيه باختياره، ومعنى فعل العبد هو أنه يخلق فعله ويوجده من العدم بإرادته الحرة، فالفعل ناتج فقط عن قدرة العبد وبلا تدخل من قدرة الله تعالى، وهذا مع إقرارهم أن الله تعالى يعلم ما سوف يكون منذ الأزل، ومع هذا فإن أفعال العباد ليست مخلوقة لله تعالى بل هي مخلوقة للناس، وهم يعللون هذا بأن الأفعال لو كانت مخلوقة لله تعالى للزم على هذا أن يكون العبد مجبورًا، لأنهم لم يتصوروا أمرًا بين الخلق والجبر، فقرروا أنه إن لم يكن مخلوقاً للعبد فإن العبد يكون لا محالة مجبوراً عليه، وكل مقصدهم هو أن يفروا من كون العبد مجبورًا.[21]
أهل السنة
مذهب أهل السنة وهو أرجح المذاهب وأعدلها، أن الله سبحانه وتعالى خالق كل شيء، بما فيها أفعال العباد، وأنه وهب للمكلفين قدرة وإرادة تتعلق بأفعالهم الاختيارية التي يحاسبون بها ويثابون أو يعاقبون عليها، وأنه لا تلازم بين كون الأفعال البشرية مخلوقة بقدرة الله، وبين كونها مكتسبة للعبد بإرادته واختياره وقدرته، والخلاصة أن قدرة الله وإرادته، وقدرة الإنسان وإرادته: متعلقان بالفعل البشري لكن باعتبارين مختلفين، فتعلق القدرة الإلهية به هو تعلق خلق وإيجاد من عدم، وتعلق القدرة البشرية هو تعلق كسب بإرادة وقدرة خلقهما الله في العبد.[22]
وهكذا نكون قد وصلنا إلى نهاية مقال هل الانسان مخير ام مسير، الذي تحدثنا فيه عن التخيير والتسيير، وعن أقسام التخيير، وعن الإيمان بالقضاء والقدر وعلاقته بإرادة الإنسان، وعن اختلاف المذاهب في مسألة أفعال العباد.
المراجع
- سورة الإنسان , الآيتين 2-3
- سورة التكوير , الآية 29
- صحيح أبي داود , الألباني، عبادة بن الصامت، 4700، صحيح.
- islamweb.net , هل الإنسان مسير أم مخير , 27/6/2021
- islamway.net , الجبر والاختيار، عقيدة وعمل , 27/6/2021
- سورة القمر , الآية 49
- سورة الحديد , الآية 22
- صحيح مسلم , مسلم، عبدالله بن مسعود، 2643، صحيح.
- صحيح مسلم , مسلم، عبدالله بن عمرو، 2653، صحيح.
- صحيح مسلم , مسلم، طاووس بن كيسان اليماني، 2655، صحيح.
- saaid.net , هل الإنسان مسير أو مخير , 27/6/2021
- سورة المائدة , الآية 97
- سورة الحجرات , الآية 16
- سورة المجادلة , الآية 7
- سورة التغابن , الآية 4
- سورة القمر , الآية 52
- سورة الرعد , الآية 16
- سورة الزمر , الآية 62
- سورة الصافات , الآية 96
- alukah.net , القدرية والجبرية , 27/6/2021
- dorar.net , رأي المعتزلة في أفعال العباد , 27/6/2021
- dorar.net , مذهب أهل السنة والجماعة في القدر , 27/6/2021
التعليقات