حكم زيارة مدائن صالح

حكم زيارة مدائن صالح التي عاشت فيها ثمود، وهم من الأقوام السابقة التي أرسل الله -تعالى- إليهم نبيّه صالح عليه السلام، فكذّبوه فحلّ فيهم العذاب الذي لا رادّ له، وفي هذا المقال سوف يتوقف موقع المرجع مع بيان حكم زيارة هذه المدائن عند اكثر من جهة من جهات الفتوى في العالم العربي والإسلامي، وختامًا يقف المقال مع حديث حول مدائن صالح وموقعها والحكمة من تحريم زيارتها ويجيب عن سؤال هل يجوز زيارة مدائن صالح.

حكم زيارة مدائن صالح

إنّ حكم زيارة مدائن صالح لا يجوز في الإسلام إن كان ذلك على سبيل التنزّه أو السياحة، وينبغي لمن مرّ في ديارهم أن يكون على حالة من الخوف والبكاء والخشوع لئلّا يقع به من العذاب ما وقع بمن سبقه من القوم الذين كانوا يسكنونها، ويستدلّ العلماء على ذلك بالحديث الصحيح الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم: “لا تَدْخُلُوا علَى هَؤُلَاءِ القَوْمِ إلَّا أنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فإنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فلا تَدْخُلُوا عليهم؛ أنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أصَابَهُمْ”،[1] ويُعلّل الإمام ابن حجر العسقلاني أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يكون الإنسان باكيًا خاشعًا بقوله:[2]

“ووجه هذه الخشية أن البكاء يبعثه على التفكر والاعتبار، فكأنّه أمرهم بالتفكر في أحوال توجب البكاء من تقدير الله تعالى على أولئك بالكفر مع تمكينه لهم في الأرض وإمهالهم مدة طويلة، ثم إيقاع نقمة بهم وشدة عذابه، وهو سبحانه مقلب القلوب فلا يأمن المؤمن أن تكون عاقبته إلى مثل ذلك، والتفكر وأيضًا في مقابلة أولئك نعمة الله بالكفر وإهمالهم إعمال عقولهم فيما يوجب الإيمان به والطاعة له، فمن مر عليهم ولم يتفكر فيما يوجب البكاء اعتبارًا بأحوالهم فقد شابههم في الإهمال، ودل على قساوة قلبه وعدم خشوعه، فلا يأمن أن يجره ذلك إلى العمل مثل أعمالهم فيصيبه ما أصابهم”.

شاهد أيضًا: هل طاعة الزوج مقدمة على طاعة الوالدين

حكم زيارة مدائن صالح الفوزان

ذهب الشيخ صالح الفوزان إلى أنّ زيارة مدائن صالح بقصد السياحة والتنزه أمرٌ فيه إثم، ولكن إذا مر بها الشخص مضطرًا كونها في الطريق إلى بعض المناطق كالذهاب من المملكة إلى بلاد الشام أو جهة معينة وليست قصدًا للزيارة فهذا لا بأس به، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في حديث شريف: “لا تَدْخُلُوا علَى هَؤُلَاءِ القَوْمِ إلَّا أنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فإنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فلا تَدْخُلُوا عليهم؛ أنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أصَابَهُمْ”،[1] أما الذهاب إليها للافتخار بها وأنها تدل على الحضارة فهذا لا يجوز؛ فهي ديار معذبين لا يُعجب بها بل يُبكى عند المرور فيها.[3]

شاهد أيضًا: هل يجوز للرجل ان يتزوج اخت ارملته

حكم زيارة مدائن صالح هيئة كبار العلماء

ترى هيئة كبار العلماء منع زيارة مدائن صالح مستدلّين بالحديث السابق الذي يقول فيه عليه الصلاة والسلام: “لا تَدْخُلُوا علَى هَؤُلَاءِ القَوْمِ إلَّا أنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فإنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فلا تَدْخُلُوا عليهم؛ أنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أصَابَهُمْ”،[1] ورأت هيئة كبار العلماء منع الإحياء والسكن في مدائن صالح.[4]

شاهد أيضًا: حكم تعليم الجاهل بالأسلوب الحسن

قصة مدائن صالح

سميت مدائن صالح بهذا الاسم نسبة إلى نبي الله صالح عليه السلام، النبي المرسل إلى قوم ثمود الذين سكن معهم في منطقة الحِجْر، وهم أول من حفر بيوتًا في الحِجْر، وقد بعث الله نبيّه صالح -عليه السلام- إلى ثمود ولكنهم لم يؤمنوا له، يقول تعالى: {وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ * قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَٰذَا ۖ أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ}.[5][6]

ومثل كل الأقوام الكافرة طلبت ثمود من نبي الله صالح -عليه السلام- أن يأتيهم بمعجزة تثبت صدق رسالته، غير أنّهم حدّدوا له ماهيّة المعجزة وهي أن يُخرج لهم ناقةً من الصخر، فأخرجها لهم بإذن الله، ولكنّه أخبرهم أنّها ناقة غير عادية، وعليهم ألّا يمسّوها بسوء مخافة أن ينزل الله -تعالى- عليهم العذاب، يقول تعالى: {وَيَا قَوْمِ هَٰذِهِ نَاقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ}،[7] وخصص لها بئر معيّنة تشرب منها، فأدّى ذلك إلى كره قوم ثمود للناقة.[6]

فاتفق جماعة من قوم صالح -عليه السلام- القوم على قتلها، فقتلوها وصاروا يستهزئون بصالح -عليه السلام- وعذاب ربّه الموعود، ومرت ثلاثة أيام وهم يلهون ويلعبون ويعتقدون أنّ لا شيء سوف يمسّهم، وفي فجر اليوم الرابع جاءتهم صيحةٌ عظيمةٌ من السماء ورجفةٌ وزلزلةٌ من تحتهم فهلكوا جميعًا إلّا من آمن بالله وبنبيّه، يقول تعالى: {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا ۗ أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ ۗ أَلَا بُعْدًا لِّثَمُودَ}.[8][6]

شاهد أيضًا: حكم الاختلاط في العمل

حقيقة مدائن صالح

هي عبارة عن موقع أثري يقع في المملكة العربية السعودية في الجزء الشمالي الغربي منها في منطقة تسمى “العلا”، وهي محافظة تابعة للمدينة المنورة، وتعد مدائن صالح من أهم حواضر الأنباط بعد البتراء، وتضم هذه المدائن واجهةً صخريةً منحوتةً، وتضم عددًا من الآثار الإسلامية وبقايا سكة حديد الحجاز.[9]

شاهد أيضًا: حكم صيد الطيور

لماذا مدائن صالح محرمة

السبب من منع زيارة مدائن صالح وغيرها من المدائن التي قد هلكَ فيها الأقوام السابقة هو أنّها أماكن قد حلّ فيها عذابٌ شديد من الله -تعالى- على أقوام قد كفرت بالله وتحدّت قدرته، فيُخشى على من كان فيها أن يحلّ فيه مثلما حلّ بأولئك القوم، وهذا كلّه مُستفاد من الحديث الذي يرويه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن حال النبي -صلى الله عليه وسلّم- حين مرّ بمدائن صالح، فيقول ابن عمر رضي الله عنهما: “لَمَّا مَرَّ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالحِجْرِ قَالَ: لا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ، أنْ يُصِيبَكُمْ ما أصَابَهُمْ، إلَّا أنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، ثُمَّ قَنَّعَ رَأْسَهُ وأَسْرَعَ السَّيْرَ حتَّى أجَازَ الوَادِيَ”،[10].

شاهد أيضًا: ما حكم دفع الزكاة الى غير مصارفها التي حددها الشرع

وإلى هنا يكون قد تم مقال حكم زيارة مدائن صالح بعد الوقوف على الحكم الشرعي التفصيلي لزيارتها كما ورد عن عدد من العلماء القدامى والمعاصرين، وغير ذلك مما اتصل بموضوع المقال الرئيس.