هل يجوز صيام العشر من ذي الحجة قبل القضاء

هل يجوز صيام العشر من ذي الحجة قبل القضاء هذا من أهمّ المسائل الّتي تشكّل اختلافاً بين المسلمين، فيجب على المسلم أن لا يتفوّه بما لا يعلم ولا يفقه، وعليه أن يبحث عن آراء كبار العلماء في مثل هذه المسائل، الّتي تشغل بال غالبية المسلمات، فمن المعروف أن فترة الحيض عند النّساء قد تمنعهنّ من الصيام في رمضا المبارك، وبذلك يكون على قضاء أيّام إفطارها بعد انتهائه، فهل يجوز صيام العشر من ذي الحجة قبل القضاء، وإجابة هذا السّؤال سيساعدنا موقع المرجع على معرفتها، وكذلك سيهتمّ بإطلاعنا على تعريف فريضة الصّيام، وحكم الصّوم بنيّتين، وفضل صيام يوم عرفة.

الصيام في الإسلام

قبل الإجابة عن السّؤال الّذي طرحه المقال والّذي يقول: هل يجوز صيام العشر من ذي الحجة قبل القضاء، يجدر بنا التّعريف بفريضة الصّيام وحكمها في الشّريعة الإسلاميّة، فالصّيام هي إحدى الفرائض والتّكاليف الشّرعيّة، والّتي فرضها الله تعالى على المسلمين، وهي ليست بالعبادة الجديدة، فقد فرضها الله تعالى على الأمم السّابقة قبل مجيء الإسلام، لكن كانت أحكامها وصفاتها مختلفةً عن الصيّام في الإسلام، والصّيام في الإسلام هو أحد أركانه الخمسة الّتي يقوم عليها، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- في حديثه: ” بُني الإسلامُ على خمسٍ، شهادةِ أن لا إله إلا اللهُ، وإقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، والحجِّ، وصيامِ رمضانَ”.^[1]

وقد فرض الله تعالى الصّيام على المسلمين في السّنة الثّانية للهجرة المباركة، ونزلت وقتها الآية القرآنيّة الّتي تقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}^[2] ووعد الله تعالى الصّائمين بأجرٍ جزيلٍ وعظيم، واختصّ -سبحانه وتعالى- بأجر الصّيام، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فيما رواه عن ربّ تبارك وتعالى: “كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له، إِلَّا الصِّيَامَ، هو لي وَأَنَا أَجْزِي به فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لَخُلْفَةُ فَمِ الصَّائِمِ، أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِن رِيحِ المِسْكِ”.^[3] وعلى كل مسلمٍ أن يؤدّي هذه الفريضة على أتمّ الوجوه، وأن يخلص في أدائها النّيّة لله تعالى، فيجزيه بها خير الجزاء، والله أعلم.^[4]

اقرأ أيضًا: فضل العشر الأوائل من شهر ذي الحجة

هل يجوز صيام العشر من ذي الحجة قبل القضاء

يجوز للمسلم أن يصوم النّفل قبل أن يقضي الفرض إذا كان لديه وقتٌ طويلٌ وواسعٌ يقضي به أيّامه المفروضة، لكنّ الأولى قضاء حقّ الله تعالى أوّلاً، فالصّيام حقٌّ لله تعالى، ومن أفطر خلال شهر رمضان المبارك، صار لديه دينٌ لله تعالى، عليه أن يقضيه، وهذا الأم شائعٌ بين النّساء، بسبب فترة الحيض الّتي يمرّون فيها، كذلك يمكن للرّجال أن يفطروا لسببٍ من الأسباب كالسفر أو المرض وغيرهما، وإنّ صوم العشر الأوائل من ذي الحجّة دون قضاء الأيّام المفروضة، فيه اختلافٌ بين العلماء، فمنهم من حرّم صيام النّافلة قبل القضاء، ومنهم من أجازه، فمن حرمه كان له رأيه بأنّ حقّ الله تعالى يجب أن يوفّى أوّلاً، وهو آكد على المسلم من النّوافل والتّطوّع، ويجب على المسلم أن يصوم ما أفطره من أيّام رمضان المبارك، ثمّ صيام العشر ذي الحجّة.

ومن الشّيوخ والفقهاء الّذين تحدّثوا بشأن هذه المسألة الشّيخ محمّد بن صالح العثيمين -رحمه الله تعالى- حيث قال: بأن يجوز للمسلم أن يصوم صيام النّوافل قبل القضاء، شرط أن يكون عند المسلم متّسعٌ من الوقت ليقضي الأيّام الّتي أفطرها خلال رمضان، لكنّ الأفضل أن يقضي ما عليه من صيام، ثمّ ليصوم النّافلة، وإن صام المسلم قبل أن يقضي حقّ الله تعالى، فصيامه صحيحٌ ومقبولٌ بإذن الله تعالى، ولا حرج عليه بذلك، وإنّ الفقهاء والعلماء قد أفتوا بأنّ وقت قضاء صيام أيّام رمضان يمتدّ حتى قدوم رمضان الّذي يليه، لذا صوم العشر من ذي الحجّة جائزٌ شرعاً، قبل أن يقضي المسلم ما عليه، لكن لا يجوز للمسلم أن يصوم ما يرتبط بأيّام رمضان كستّ أيّامٍ من شوّال، قبل أن يقضي فرضه، وإن صام لا يحصل على أجرها، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “مَن صامَ رَمَضانَ ثُمَّ أتْبَعَهُ سِتًّا مِن شَوَّالٍ، كانَ كَصِيامِ الدَّهْرِ”.^[5] وبذلك إن لم يقضِ ما عليه فكأنه لم يصم رمضان كاملاً، فلا يحصل الأجر بها، أمّا صيام التّطوّع كيوم عاشوراء ويوميّ الاثنين والخميس فيجوز له الصّيام قبل القضاء، والله أعلم.^[6]

اقرأ ايضًا: حكم الإمساك عن الشعر والأظافر في عشر ذي الحجة للمضحي

هل يجوز صيام العشر من ذي الحجة بنيتين

بعد الإجابة عن سال هل يجوز صيام العشر من ذي الحجة قبل القضاء، وبيان تفصيل ما جاء في هذه المسألة، يُطرح السّؤال الّذي يقول هل يجوز صيام العشر من ذي الحجة بنيتين؟ أي نيّة القضاء ونيّة النّفل،  وقد أفاد بعض أهل العلم بجواز ذلك، لأن أيّام العشر من ذي الحجّة أيّامٌ فضيلةٌ ومباركة، واستغلالها للقضاء أمر حسنٌ وجائز، وهذا ما رُوي عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، حيث أفتى بجواز قضاء الفرض مع أيّام التّطوّع، فيحصل المسلم على الأجر مضاعفاً أجرٌ للقضاء وأجرٌ للتّطوّع، كذلك بعض اهل العلم كره ذلك، ونهى عن صيام الفرض في أيّام التّطوّع، كما روي عن عليّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه أنّه نهى عن ذلك، لكنّ الأصل في هذا الأمر هو عدم الكراهة، وقال الشّيخ ابن عثيمين رحمه الله: أنّ يجوز للمسلم أن يصوم العشر من ذي الحجة بنيتين، وذلك عبادةٌ وتطوّعٌ وأداء فريضة، يُجزى بها المسلم أجراً عظيماً، ويرث فضلاً كبيراً بإذن الله تعالى.^[7]

اقرأ أيضًا: فضل صيام عرفة لغير الحاج

فضل صيام يوم عرفة

إنّ صيام يوم عرفة فضلٌ كبيرٌ كما ورد عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فهو من أعظم الأيّام وأفضلها عند الله تعالى، وفي هذا اليوم أجرٌ كبير ٌوعظيم، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ” صِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتي بَعْدَهُ”.^[8] أي أنّ صيام هذا اليوم كفارةٌ لذنوب سنتين كاملتين، فكيف للمسلم أن يفوّت هذا الجزاء العظيم، ناهيك عن فضل العشر الأوائل من ذي الحجّة، فقد قال بفضلها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “ما من أيامٍ العمَلُ الصالحُ فيها أحَبُّ إلى اللهِ من هذه الأيامِ العَشْرِ، قالوا: ولا الجهادُ في سَبيلِ اللهِ؟ قال: ولا الجهادُ في سَبيلِ اللهِ، إلَّا رجُلٌ خرَجَ بنَفْسِه ومالِه، ثم لم يَرجِعْ من ذلك بشيءٍ”.^[9] فالله تعالى يفضّل هذه الأيّام العشر، ويضاعف بها الأجور والحسنات، ويستجيب فيها الدّعوات، فعلى المسلم أن يكثر من الأعمال الصّالحة في هذه الأيّام خاصّةً يوم عرفة منها، والله أعلم.^[10]

وخلاصة القول أن يجوز للمسلم أن يصوم ويقضي الفرض في أيّام العشر من ذي الحجّة، او غيرها من الأيّام الّتي يسنّ فيها صيام التّطوّع، وكانت هذه إجابة السّؤال الرّئيس في هذا المقال هل يجوز صيام العشر من ذي الحجة قبل القضاء، بالإضافة إلى الحديث عن فضل يوم عرفة والأيام العشر من ذي الحجّة، وحكم الصّيام بنيّتين.