اليورو يرتفع فوق مستوى التكافؤ مع الدولار، فهل سيستمر في اتجاهه الصعودي؟
جدول المحتويات
وصل اليورو إلى أعلى مستوى في أربعة أشهر يوم الثلاثاء (15 نوفمبر) مع ضعف العملة الأمريكية، لتعود العملة الموحدة فوق مستوى التكافؤ بعد أن ظلت دونه لفترة، وعلى الرغم من الارتفاعات الأخيرة، إلا أن اليورو لا يزال أضعف بكثير من متوسطاته التاريخية.
يأتي الارتفاع الأخير لليورو نتيجة ضعف الدولار الأمريكي على خلفية التوقعات بشأن محور سياسات البنك الاحتياطي الفيدرالي، حيث يرى المحللون أن البنك سيبطئ من وتيرة التشديد النقدي بعد رفعه لسعر الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس خلال أربعة اجتماعات متتالية، وذلك بعد صدور أرقام تضخم المستهلك الأمريكي التي جاءت أقل من المتوقع، ومن المرجح أن يتبنى البنك سياسة أقل عدوانية في اجتماع ديسمبر.
أفاد مكتب إحصاءات العمل الأمريكي عن أرقام مؤشر أسعار المستهلك لشهر أكتوبر، تقدم التضخم الرئيسي لمؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 0.4% في أكتوبر بينما جاء المعدل السنوي عند 7.7% وهو أقل بكثير من توقعات السوق البالغة 8% ويتباطأ عن قراءة سبتمبر التي بلغت 8.2%، وفي الوقت نفسه، سجل التضخم الأساسي الذي يستثني أسعار الغذاء والطاقة معدلًا شهريًا بنسبة 0.3% بينما جاء المعدل السنوي عند 6.3% أي أقل من 6.5% المتوقعة، بعد بيانات الوظائف غير الزراعية الجيدة في شهر أكتوبر وبيانات مؤشر أسعار المستهلك، يتوقع المستثمرون الآن أن يقوم البنك الاحتياطي الفيدرالي بإبطاء وتيرة الزيادات المستقبلية في أسعار الفائدة.
ومن جهة أخرى، ارتفعت عوائد سندات الخزانة الألمانية لأعلى مستوياتها في 14 عاماً مما عزز من قيمة العملة الموحدة، ذلك بفعل التكهنات المتزايدة بأن البنك المركزي الأوروبي سيواصل نهجه التشديدي في رفع سعر الفائدة بوتيرة كبيرة وسريعة، كما تمكنت العملة المشتركة من تجاهل بعض التوقعات الاقتصادية القاتمة من المفوضية الأوروبية، أشارت التوقعات الاقتصادية لخريف 2022 إلى أن الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو ومعظم أعضائه من المتوقع أن ينزلقوا إلى الركود في الربع الأخير من العام وسط حالة عدم اليقين المتزايدة وضغوط أسعار الطاقة العالية وتآكل القوة الشرائية والبيئة الخارجية الأضعف وشروط التمويل الأكثر صرامة، وتتوقع المفوضية الأوروبية أن يصل التضخم إلى ذروته بنهاية العام عند 9.3% في الاتحاد الأوروبي و 8.5% في منطقة اليورو قبل أن يتراجع تدريجياً إلى هدف التضخم طويل الأجل في عام 2024.
ما أسباب ضعف اليورو خلال 2022؟
انخفض سعر تداول اليورو لأول مرة إلى ما دون التكافؤ في شهر يوليو، واستمر في التداول تحت أو بالقرب من التكافؤ لفترة، وقد انخفض بأكثر من 12% مقابل الدولار خلال هذا العام متأثراً بارتفاع التضخم تاريخياً وانخفاض ثقة المستهلك.
قام البنك المركزي الأوروبي (ECB) وبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة بسرعات مختلفة في أعقاب هذه الضغوط التضخمية، حيث قام البنك الاحتياطي الفيدرالي برفع سعر الفائدة بواقع 50 نقطة أساس في شهر مارس وأربع مرات متتالية بواقع 75 نقطة أساس في كل مرة لتصل سعر الفائدة على الأموال الفيدرالي بين نطاق 3.75% -4.00%، بينما رفع البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة بواقع 50 نقطة أساس في شهر يوليو للمرة الأولى منذ عام 2011 ومرتين متتاليتين بواقع 75 نقطة أساس لتصل إلى 1.5%، أدى هذا الفارق بين السرعة التي تفاعل بيها البنك الاحتياطي الأمريكي والبنك الأوروبي إلى قفزات كبيرة في عوائد سندات الخزانة الأمريكية طويلة الأجل وقوة الدولار الأمريكي؛ مما فاقم من ضعف اليورو، التي كانت تحت تأثير الكثير من الضغوط بما في ذلك تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وأزمة إمدادات الطاقة.
ارتفع الدولار الأمريكي بنحو 17% من بداية عام 2022 حتى نهاية سبتمبر، حتى بالمقارنة مع الجنيه الإسترليني فإن التكافؤ ليس بعيدًا بعد الانهيار الأخير، يتم دعم الدولار الأمريكي قبل كل شيء من خلال الزيادات الشديدة في أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وتزايد عدم اليقين الاقتصادي والسياسي العالمي، وعلى ما يبدو أن الدولار هو الوحيد الذي يمكنه منح المستثمرين الشعور “بالملاذ الآمن” في الوقت الحالي.
من ناحية أخرى، أدت الزيادات الكبيرة في أسعار الفائدة الفيدرالية والتي بدأت في وقت مبكر إلى ميزة ملحوظة في عائد سندات الحكومة الأمريكية، ونتيجة لذلك، أدى إلى زيادة الطلب من المستثمرين الدوليين على استثمارات الدولار الأمريكي، كانت السندات الحكومية الأمريكية أعلى بنسبة 4.1% في نهاية سبتمبر ضعف نظيراتها الألمانية عند حوالي 1.7%.
من ناحية أخرى، لا يزال الاقتصاد الأمريكي في حالة جيدة نسبيًا، على الرغم من المخاوف المتزايدة من الركود، فقد تطورت كل من سوق العمل الأمريكية وأرباح الشركات الأمريكية مؤخرًا بقوة، في حين أن الزيادة العالمية في أسعار الطاقة نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية أضرت بمستوردي الطاقة مثل منطقة اليورو أو الصين أو اليابان، فإنها تحسن “شروط التبادل التجاري”، أي نسبة أسعار السلع المصدرة والمستوردة للدول المصدرة للطاقة مثل الولايات المتحدة.
على المدى الطويل، يمكن لقوة عملتها أن تضع الولايات المتحدة في وضع تنافسي غير موات؛ لأنها تجعل الصادرات الأمريكية أكثر تكلفة بالنسبة للمشترين الأجانب، ولكن بالنسبة للعديد من الاقتصادات الأخرى يمثل الدولار الأمريكي القوي عبئًا على سبيل المثال؛ لأن سلع الطاقة يتم تداولها في الغالب بالدولار الأمريكي، وأصبحت أسعارها (الواردات) أيضًا أكثر تكلفة نتيجة لذلك، بالإضافة إلى ذلك، يزداد عبء ديون بعض الدول الناشئة إذا اقترضت بالعملة الأمريكية.
أزمة الطاقة والتضخم المستورد حادان والاستهلاك والإنتاج الأوروبيان ضعيفان
مع ارتفاع أسعار الطاقة العالمية في النصف الأول من هذا العام، كان النفور العالمي من المخاطرة في ارتفاع، وعادت الأموال الدولية إلى الدولار الأمريكي، واجه اليورو والجنيه الإسترليني ضغوط انخفاض كبيرة هذا العام، حتى إن اليورو انخفض دون مستوى التعادل مقابل الدولار الأمريكي.
تعتبر أوروبا مستورداً صافياً للطاقة، وقد أدى الضغط الهائل للتضخم المستورد إلى تفاقم مشكلة التضخم، وصل مؤشر أسعار المستهلك في منطقة اليورو إلى مستويات تاريخية، كما تجاوزت المملكة المتحدة رقمًا مزدوجًا.
تحت الضغط التضخمي الهائل، تراجعت ثقة المستهلك في منطقة اليورو إلى الهاوية، في أغسطس انخفضت ثقة المستهلك إلى -24.9 وهو أدنى مستوى منذ عام 1990، كما انعكس تقلص الرغبة في الإنفاق في أوروبا بشكل مباشر في أرقام المبيعات، في يوليو انخفض معدل النمو السنوي لمبيعات التجزئة في منطقة اليورو إلى نطاق الركود، من ناحية الإنتاج تواجه أوروبا أيضًا اختناقات في كثير من الأحيان، تأثرت الصناعة التحويلية الأوروبية بضعف الإمدادات من الداخل كما سقطت في نطاق الركود، في أغسطس انخفض مؤشر مديري المشتريات التصنيعي إلى ما دون خط الازدهار والانحدار، كما شهدت ألمانيا (إحدى ركائز الصناعة الأوروبية) زيادة في تكاليف الإنتاج مع ارتفاع أسعار الكهرباء وتراجع الإنتاج الصناعي، وانخفض مؤشر ثقة التصنيع IFO الألماني أيضًا بشكل حاد، وانخفض مؤشر الثقة الاقتصادية ZEW الألماني أيضًا إلى ما دون مستوى الوباء المنخفض لعام 2020.
انتعاش اليورو في العام المقبل
من المرجح أن تستمر ثلاثة جوانب على وجه الخصوص في الضغط على العملة الأوروبية المشتركة، على المدى القصير، الفرق في أسعار الفائدة بين الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، ومن المتوقع أن يكون التضخم في أوروبا أعلى منه في الولايات المتحدة خلال العامين المقبلين والآفاق الاقتصادية الأوروبية غير المؤكدة بسبب أزمة الطاقة، بالإضافة إلى ذلك، هناك شكوك عامة بشأن القرب الجغرافي لمنطقة اليورو من الحرب الروسية الأوكرانية.
يمكن أن يتأرجح اليورو في المستقبل القريب من ارتفاع أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي الأوروبي (ECB)، خاصة وأن دورة رفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة قد تقترب من نهايتها في ربيع عام 2023، سوق العقود الآجلة يسعر حاليًا في معدل أساسي أوروبي قدره 2.7% ومعدل أساسي في الولايات المتحدة بنسبة 4.3% خلال شهر سبتمبر 2023، إذا تزامنت نهاية دورة سعر الفائدة الرئيسية في الولايات المتحدة مع استقرار اقتصادي محتمل في سياق سياسة مالية داعمة في أوروبا في ربيع 2023، فهذا يمكن أن ينهي ارتفاع الدولار، ويبدأ في انعكاس الاتجاه، يتوقع دويتشه بنك سعر صرف اليورو / الدولار 1.08 خلال فترة 12 شهراً.
التعليقات