صفات عباد الرحمن في سورة الفرقان

صفات عباد الرحمن في سورة الفرقان هو العنوان الذي سيناقشه هذا المقال، حيث أرسل الله النبيّ محمدٍ -صلى الله عليه و سلم- مبشرًا ونذيرًا للبشر أجمعين، وكان خاتم الأنبياء والمرسلين، وأوحى الله-عزّ وجلّ- إليه برسالةٍ سماويّةٍ معجَزَة عبر الزمن، وهي  القرآن الكريم الذي فيه من السور والآيات ما تشرح وتبيّن أحكام الشريعة وصفات المؤمنين والمنافقين وتروي بعضًا من قصص الأمم السابقة والأنبياء والصالحين، ويهتم موقع المرجع ببيان ما هي صفات عباد الرحمن التي وردت في سورة الفرقان وذكر ما هو الجزاء الذي وعدهم به الرحمن، إضافةً لذكر نبذة عن سورة الفرقان وعن مقاصدها.

سورة الفرقان

قبل كل شيء وقبل الخوض في ذكر صفات عباد الرحمن في سورة الفرقان ، لا بدّ من ذكر نبذة عن هذه السورة، فسورة الفرقان هي سورة مكيّة، وهي السورة الخامسة والعشرون بحسب ترتيبها في القرآن الكريم، كما يبلغ عدد آياتها سبع وسبعين آية، وكلماتها ثمانمائة  واثنتين وسبعين كلمة، وحروفها ثلاثة آلاف وسبعمائة وثلاث وثلاثين حرفًا، سميت سورة الفرقان بهذا الاسم لأنها تحتوي على كلمة الفرقان، والتي ذكرت ضمن آيات السورة ثلاث مرات، وذلك في أوّلها وأوسطها وأخرها، كما تبيّن لنا هذه السورة الكريمة أن الله هو المعبود الوحيد وله الأمر كلّه وحده، وتوضح صفات العبد المؤمن الصادق الملتزم بأوامر ربه سبحانه وتعالى، ونزلت بمثابة مواساة وتطمين ومؤازرة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتقويةً له في مواجهة المشركين، لحقدهم على النبي -صلّى الله عليه وسلّم- ومجادلتهم بالباطل، ووقوفهم في وجه الهداية والحق، وصدّهم عنه، وتبيّن عنف وقسوة مشركي قريش، للقضاء على دعوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، واتباعهم كافة الطرق لتحقيق ذلك، و تصور هذه الآيات السور الذي يحيط به الله -سبحانه وتعالى- برسوله الكريم، كأنّما يمسح على آلامه وأوجاعه، مسحًا لطيفًا، ليهدأ من روعه، ويعطيه الثقة والراحة والمحبة والرعاية.[1]

شاهد أيضًا: تجربتي مع سورة الرحمن 21 مرة

صفات عباد الرحمن في سورة الفرقان

لا بدّ أن في ذكر صفات عباد الرحمن في سورة الفرقان حِكمٌ عظيمة، فقد وصفهم الله -سبحانه وتعالى- في ختام سورة الفرقان بصفاتٍ تتعلق بمعاملتهم مع أنفسهم، ومع غيرهم من الناس، ومعاملتهم مع ربهّم عزّ وجلّ، وجعلهم قدوةً للمؤمنين، ومثلهم الأعلى، وفيما يأتي سنبيّن صفات وأخلاق عباد الرحمن وهي:[2]

  • التواضع: وهو خلقٌ رفيعٌ جليل، يتخلّق به عباد الرحمن، إذ يمشون في وقارٍ وهدوءٍ وعفة، فهم لا يتكبرون ولا يتجبرون ولا يريدون رفعةً وعلوّ في الدنيا، قال تعالى: {وَعِبَادُالرَّحْمَٰنِ الَّذِينَيَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا}،[3] أي أنهم يمشون بين الناس برفق وتراحم دون كبر على إخوانهم المؤمنين.
  • الحِلم: قال تعالى: {وَإِذَاخَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}،[4] فعباد الرحمن يعفون ويصفحون إذا تعارضهم من يتّصف بسوء الخلق، بعدم الردّ عليهم مع القدرة على ذلك، حيث أنّهم ليسوا عاجزين عن رد الإساءة لكنّهم يعفون ابتغاءً لمرضاة الله سبحانه وتعالى.
  • قيام الليل: عباد الرحمن ليسوا كغيرهم من المؤمنين، فهم يمضون الليل في خضوعٍ وخشوعٍ وتضرعٍ لله -سبحانه وتعالى-، ساجدين قائمين بين يديه، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا}،[5] ففضلوا القيام على النوم والراحة، وتركوا الفراش الدافئ، ليستمتعوا بمناجاة الله -عزّ وجلّ- وعبادته، دليلًا على صدقهم وقوة ايمانهم.
  • الخوف: يظلّ عباد الرحمن في خوفٍ دائمٍ، وخشيةٍ من عذاب الله -سبحانه وتعالى-، ويطلبون منه العفو والمغفرة والنجاة من النار، قال تعالى: {وَالَّذِينَيَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ۖ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا}،[6] حيث أن خوفهم هذا دليل على اعتمادهم الكامل على ربهم، لا على أعمالهم، في أن ينجيهم من عذاب جهنم.
  • الاقتصاد في الإنفاق وترك الاسراف: قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْيُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا}،[7] فهم يتوسطون في الإنفاق، فلا يسرفوا إسرافًا زائدًا بغير حقّ، ولا يبخلوا بخلًا كثيرًا، إنمّا يكون معتدلين في الإنفاق.
  • الإخلاص في العبادة لله -سبحانه وتعالى- وحده: قال تعالى: {وَالَّذِينَلَايَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا}،[8] فهم مخلصون بعبادتهم ودعائهم وأعمالهم الصالحة لله -سبحانه وتعالى- ولا يشركون معه أحد، ويعلمون أن الشرك من أقبح الذنوب وأعظمها.
  • اجتناب قتل النفس: قال تعالى: {وَلَايَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}،[8] من أعظم الذنوب بعد الشرك بالله، هو قتل النفس البشرية بغير مبرر، فهذه الصفة ليست من صفات عباد الرحمن.
  • اجتناب الباطل: قال تعالى: {وَلَا يَزْنُونَ}،[8] عباد الرحمن لا يفعلون الكبائر، ولا يقعون بها، فهم يجتنبون الزنا، ويبتعدون عن كل شيء يقرب من هذه الفاحشة، ويحرصون على تحصين فروجهم، فهم من أعفّ وأطهر الخلق، ويجتنبوا الباطل بجميع أشكاله، قال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا}،[9] أيّ لا يقرون بالباطل، سواء كان بالعمل، أو بالعقل، أو الإقرار، ويترفعون عنه.
  • الاتعاظ بآيات الله: من أعظم صفات عباد الرحمن، أنهم يتأثرون بآيات الله -سبحانه وتعالى- عندما يسمعونها، قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا}،[10] فيتدبرون الآيات ويتأثرون بها، وإذا ذكرت تخشع قلوبهم، ويقبلون على الله -سبحانه وتعالى- ويزداد ايمانهم، ولا يقابلوها بالصم عند سماعها، وصرف النظر عنها، إنّما يقوموا بالإقبال والمسارعة لمرضاة الله -سبحانه وتعالى- وامتثال اوامره واجتناب نواهيه.
  • الدعاء بصلاح الزوجة والذرية: قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْلَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ}،[11] من صفات عباد الرحمن أنهم يدعون الله -سبحانه وتعالى- أن يهب لهم الزوجة الصالحة الطائعة لربها، لتقر أعينهم، والذرية الطيبة لضمان استمرار ثوابهم بعد موتهم.

شاهد أيضًا: ما الفرق بين الرحمن والرحيم

من صفات عباد الرحمن في الانفاق

من صفات عباد الرحمن في سورة الفرقان عدم الإسراف والتبذير، فالإسلام دين الوسطيّة، وقد نهى الله -عزّ وجلّ- المؤمنين من الإسراف والتبذير والمبالغة بالترف، يقول الله تعالى في كتابه الكريم: {لَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا}،[12] والاسراف الذي نهانا عنه الإسلام إنما هو الإسراف على النفس بالأكل والشرب واللباس والمتع الشخصيّة، حتى لا تدلّل النفس فتطمع بصاحبها وتفسد، فقد كان الرسول -صلّى الله عليه وسلم- و الصحابة رضوان الله عليهم لا يأكلون إلّا إذا جاعوا، ليستطيعوا أداء عبادتهم وصلاتهم دون تعبٍ أو جوعٍ، ولا يلبسون إلّا ما يستر عورتهم، و يقيهم حرّ الصيف وبرد الشتاء.

شاهد أيضًا: من هو اول من كتب بسم الله الرحمن الرحيم

جزاء عباد الرحمن

بعد أن ذكرنا صفات عباد الرحمن في سورة الفرقان، وبيّنا أخلاقهم وأعمالهم، لا بدّ من أن نبين جزاءهم الذي أعدّه الله -سبحانه وتعالى- من نعيمٍ مقيمٍ لا ينفد في دار الخلد، للمتصفين بصفات عباد الرحمن، فهنيئًا لهم في الدرجات العالية من الجنة، فهم في أعلى عليين من جنات النعيم، وذلك لأنهم صبروا على طاعة ربهم، واجتنبوا ما نهى عنه مما تشتهيه انفسهم، قال تعالى: {أُولَٰئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا * خَالِدِينَ فِيهَا ۚ حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا}،[13] فالجزاء من جنس العمل، فجازاهم الله بالغرفة، وهي منزلة رفيعة في جنات النعيم، تجمع كل ما تشتهي الأعين.

شاهد أيضًا: الاخلاص هو طلب العون من الله في حصول المطلوب والنجاة من

مقاصد سورة الفرقان

كلمة الفرقان تعني الفرق بين أمرين، إذا فُصل بينهما، وسمي القرآن بهذا الاسم، لأنه يفصل بين الحق والباطل، وكذلك لأنه نزل مفرقًا، ولسورة الفرقان مقاصد وموضوعات سنذكرها فيما يأتي:[14]

  • تثبيت رسول الله عليه الصلاة والسلام، وتسليتـه، والتسريــة عنه.
  • كذلك نوّهت السورة بالقرآن الكريم، وأثبتت كونه منزلًا من عند الخالق سبحانه وتعالى.
  • كما كان من أبرز مقاصد سورة الفرقان التنويه على صدق رسالة النبيّ الكريم بالدلائل، وبيان منزلة الذين اتبعوه من المؤمنين.

شاهد أيضًا: حكم الإمام علي في التعامل مع الناس

وفي الختام ناقش هذا المقال صفات عباد الرحمن في سورة الفرقان حيث قدّم تعريفًا لسورة الفرقان، وبيّن ماهي صفات عباد الرحمن في الإنفاق، وجزاء عباد الرحمن كما ذكرها الله -سبحانه وتعالى- وأكّدها رسوله الكريم صلّى الله عليه وسلّم، كما ذكر المقال المقاصد لسورة الفرقان.

المراجع

  1. islamweb.net , سورة الفرقان مكية وآياتها سبع وسبعون , 22/10/2021
  2. alukah.net , صفات عباد الرحمن في سورة الفرقان , 22/10/2021
  3. سورة الفرقان , الآية 63
  4. سورة الفرقان , الآية 63
  5. سورة الفرقان , الآية 64
  6. سورة الفرقان , الآية 65
  7. سورة الفرقان , الآية 67
  8. سورة الفرقان , الآية 68
  9. سورة الفرقان , الآية 72
  10. سورة الفرقان , الآية 73
  11. سورة الفرقان , الآية 64
  12. سورة الإسراء , الآية 29
  13. سورة الفرقان , الآية 75،76
  14. dorar.net , سورةُ الفُرقانِ , 22/10/2021

مقالات ذات صلة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *