هل الميت يشتاق لاهله

هل الميت يشتاق لاهله؟ سؤالٌ يراود الكثير من المسلمين، فالله -سبحانه وتعالى- خلق الموت والحياة ليبلو النّاس أيّهم أحسن عملًا، فالدّنيا دار العبادة والعمل، والموت هو نهايتها والمدخل لحياة الآخرة التي تعدّ دار الجزاء بلا عمل، والموت هو خروج روح الإنسان من جسده، ينتقل من خلاله من الدنيا لما بعد الموت، تتوقف حياته ويقوم أهله وسائر المسلمين بدفنه، ويشتاق الأحياء لأمواتهم ومن فقدوا اشتياقًا كبيرًا، لذلك فإنّ موقع المرجع سيقوم ببيان هل الميت يشتاق إلى أهله وسيبيّن أحوال الميّت بعد موته في القبر من شعورٍ وإحساسٍ بأقوال أهل العلم الصّحيحة وما ورد فيها من الدّلائل الشرعية.

هل الميت يشتاق لاهله

هل الميت يشتاق لاهله؟ لم يرد في الكتاب ولا في السّنّة النبوية الشريفة ولا عن السلف وعن أهل العلم ما يفيد أنّ الميت يشتاق لاهله، والغالب أنّ الإنسان متى مات فإنّه يغيب عن الحياة الدّنيا وينتقل لحياةٍ أخرى غير هذه الحياة، ويصير في عالمٍ آخر، فالميت ينتقل لعالم البرزخ الذي لا يعلم عنه أهل الدنيا إلا ما جاء به الوحي، ويروي بعض السّلف من الآثار ما يفيد أنّ الميّت يشعر بما يدور حوله ويرى من يزوره ويفرح به، حتى أنّ الميت قد يعرف من يغسّله ويناشده بالله أن يخفف غسله، ويقال له على سرير الموت اسمع ثناء الناس عليك، ولكن في شوقه لأهله بعد موته فالغالب أنّه لا يشتاق لأنّه يكون منشغلًا في حياته الجديدة بعد الموت من سؤالٍ في القبر ووحشة القبر والنّعيم أو العذاب بحسب عمله في الدّنيا وما قدّمت يداه لآخرته والله ورسوله أعلم.[1]

شاهد أيضًا: هل يجوز اخذ عمره عن الميت

هل الميت يشتاق للاحياء

إنّ ما ورد عن أهل العلم في مسألة هل الميت يشتاق لاهله وهل يشتاق للأحياء، فالغالب فيها أنّ الميت ينشغل بنفسه عن أهله وأحبّائه وجميع الأحياء، فهو ينشغل ما يواجه من فتنة القبر وسؤال الملكين، والظلمة في القبر وما يواجهه في حياة البرزخ التي لا يُعرف عنها إلا ما ورد في السّنة النبوية الشريفة، كما أنّه لم ترد أيّ أدلة شرعية تدل على أنّ الميت يشتاق لأهله وللأحياء من الناس، وعلم هذا عند الله سبحانه وتعالى.

شاهد أيضًا: صلاة الميت كم ركعة

هل يشتاق الطفل الميت لوالديه

إنّ ممّا يؤرّق الأحياء في الموتى هل الميت يشتاق لاهله لو كان طفلًا فيشتاق لوالديه، والأموات من الأطفالٍ لهم وضعٌ خاصٌّ بهم بعد الموت، وقد خصّهم الله بأنّهم يكونون شفعاء لأهليهم يوم القيامة وقد ورد في الصحيح عن أبو حسان الأعرج قال: “قُلتُ لأَبِي هُرَيْرَةَ: إنَّه قدْ مَاتَ لِيَ ابْنَانِ، فَما أَنْتَ مُحَدِّثِي عن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ بحَدِيثٍ تُطَيِّبُ به أَنْفُسَنَا عن مَوْتَانَا؟ قالَ: قالَ: نَعَمْ، صِغَارُهُمْ دَعَامِيصُ الجَنَّةِ يَتَلَقَّى أَحَدُهُمْ أَبَاهُ، أَوْ قالَ أَبَوَيْهِ، فَيَأْخُذُ بثَوْبِهِ، أَوْ قالَ بيَدِهِ، كما آخُذُ أَنَا بصَنِفَةِ ثَوْبِكَ هذا، فلا يَتَنَاهَى، أَوْ قالَ فلا يَنْتَهِي، حتَّى يُدْخِلَهُ اللَّهُ وَأَبَاهُ الجَنَّةَ”.[2] وقد ثبت أنّ الطّفل إذا مات يكون في روضة عند نبيّ الله إبراهيم -عليه السلام- وقد ورد عن سمرة بن جندب قال: “فانْطَلَقْنا، فأتَيْنا علَى رَوْضَةٍ مُعْتَمَّةٍ، فيها مِن كُلِّ لَوْنِ الرَّبِيعِ، وإذا بيْنَ ظَهْرَيِ الرَّوْضَةِ رَجُلٌ طَوِيلٌ، لا أكادُ أرَى رَأْسَهُ طُولًا في السَّماءِ، وإذا حَوْلَ الرَّجُلِ مِن أكْثَرِ وِلْدانٍ رَأَيْتُهُمْ قَطُّ قالَ: قُلتُ لهما: ما هذا ما هَؤُلاءِ؟…….. أَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الذي في الرَّوْضَةِ فإنَّه إبْرَاهِيمُ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأَمَّا الوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ علَى الفِطْرَةِ قالَ: فَقالَ بَعْضُ المُسْلِمِينَ: يا رَسولَ اللَّهِ، وأَوْلَادُ المُشْرِكِينَ؟ فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وأَوْلَادُ المُشْرِكِينَ”.[3] أمّا فيما يخصّ أنهم يشتاقون لأبويهم فلم يرد فيه شيء والغالب أنّه غير صحيح والله أعلم.[4]

شاهد أيضًا: تفسير رؤية خروج الدم من الميت في المنام للعزباء والمتزوجة والحامل

هل يسمع الميت كلام الأحياء

كذلك إنّ الخوض في مسألة هل الميت يشتاق لاهله فإنّه يدفع للبحث عن هل يسمع الميت كلام الأحياء، وقد اختلف أهل العلم في هذا المسألة على قولين اثنين وهما:[5]

• الميت لا يسمع كلام الأحياء: حيث ذهب فريقٌ من أهل العلم أنّ الميت لا يمكنه سماع الأحياء، وهو رأي السّيدة عائشة وابن عباس وابن مسعود وغيرهم من الصحابة الكرام، وذهب إليه جمهور أهل العلم من مالكية وأحناف وحنابلة، واستدلّوا بذلك على الكثير من الأدلة الشرعية من الكتاب والسّنة، ومنها قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ}.[6] وفي التفسير قيل أنّ الله -سبحانه وتعالى- ختم على أسماع الأموات وسلبهم قدرة السمع للأحياء، وقد ورد عن الشيخ الألباني أنّه قال لم أر من صرّح بأنّ الميت يسمع سماعًا مطلقًا كما كان في حياته ولا أظنّ عالمًا يقول به.
• يستطيع الميت السماع في الجملة: فيه قال أهل العلم أنّ الميت يمكنه أن يسمع ومنهم من قالوا لكنه لا يسمع في كلّ الأحوال، وآخرون قالوا أنّه يسمع بكل حال لكنّه لا يستطيع الانتفاع بما يسمع، وقد ورد عن ابن القيم أنّه قال أنّ الكافر ميت القلب لا تقدر على إسماعه أمرًا ينتفع منه وبه، ولم يرد الله أنّ أصحاب القبور لا يسمعون شيئًا البتّة، وقد أخبر النبي أنّه الميت يسمع نعال المشيعين وأن قتلى بدر سمعوا كلامه وخطابه، فقد روى الصحابي الجليل أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: “إنَّ العبدَ إذا وُضِعَ في قبرِهِ وتولَّى عنْهُ أصحابُهُ إنَّهُ ليسمَعُ قرعَ نعالِهم”.[7]

شاهد أيضًا: اسم الملك الموكل بسؤال الميت

هل يزور الميت أهله في المنام

قد ذهب أهل العلم إلى أنّ الأرواح بين الأحياء والأموات تلتقي في البرزخ ومن الأدلّة على ذلك قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.[8] حيث إنّ أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام فتتعارف ما شاء الله منها، فالله يقبض أرواح الأحياء إذا ماتوا وإذا ناموا، وما ذكر عن التقاء أرواح النيام مع أرواح الموتى لا يخرج عن الصّحة، فالحيّ يرى الميت في منامه فيستخبره ويخبره الميت بما لا يعلم الحي، فيصادف الخبرة كما أخبر في الماضي والمستقبل، لكم لم يثبت أنّ الأرواح تزور الأحياء في غير المنام، وما يمكن أن يراه النائم من حال الميت إن كانت رؤيا صحيحة فما يراه هو الواقع، وقد رود في الأثر الكثير من الصّحيح ممّا يدلّ على رؤية الميت في المنام ومعرفة حاله والإطّلاع عليه والله ورسوله أعلم.[9]

شاهد أيضًا: تفسير رؤية الميت يعود للحياة ثم يموت في المنام للعزباء والمتزوجة والحامل

هل يشعر الميت بمن يدعو له

هل الميت يشتاق لاهله ويشرع بمن يدعو له، هو ما بيّنه أهلم العلم وفصّلوا فيه، حيث إنّ الغالب أن الميت لا يسمع بطبيعة الحال الذين هم حوله ولا يشتاق لأهله لانشغاله بما هو فيه، لكنّ الدّعاء يصل أجره للميّت بعد موته، وهو واحدٌ من الأمور الثلاثة التي تنفعه والتي أخبر بها النبي -صلى الله عليه وسلم- والاستغفار للميت كذلك يندرج ضمن الدعاء، وقد ورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: “إنَّ الرَّجلَ لتُرفَعُ درجتُه في الجنةِ فيقولُ: أنَّى هذا؟ فيقالُ: باستغفارِ ولدِك لكَ”.[10] وبصل للميت مع الدعاء الصدقة والحجّ والعمرة، فالغالب أنّ الميت يعلم ويشعر بمن يدعو له والعلم عند الله، ثمّ إنّ أحوال الميت غيبٌ لا يعلمه إلا الله ولا يعلم منه الناس أمرًا إلا ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- ممّا نزل بالوحي، ومن واجب المسلم أن يدعو لأمواته وأموات المسلمين دون النّظر إن كان يصله الدّعاء أو لا.[11]

هل يرى الميت أهله بعد موته

لم يرد في القرآن الكريم أو السّنّة النّبويّة المباركة نصٌّ واضحٌ وصريحٌ يفيد أنّ الميت قد يرى أهله بعد موته، لكن قد قال أهل العلم بأنّ الميّت يشعر بمن يزوره في قبره، ويعرف الّذي يزوره إن كان قد عرفه في حياته الدّنيا، ومن واجب أهل الميت أن يدعو له عند زيارته وأن يترحمّوا عليه فالدّعاء من الأعمال الّتي تنفع الميت في قبره وتخفّف عنه العذاب، وقد ورد أنّ الميّت يسأل عن أهله من لحق به من الموتى ويعلم بهذه الطّريقة أحوالهم أخبارهم، وأمّا رؤيتهم أو زيارتهم فلم يرد بذلك شيءٌ قط، وذلك في علم الغيب عند الله تبارك وتعالى هو أعلمه به.[12]

شاهد أيضًا: هل يجوز اخذ الاجرة على تغسيل الميت

هل يشعر الميت قبل دفنه بمن حوله

قد ثبت في السّنّة المباركة أنّ الميت يشعر قبل دفنه وبعد الدّفن بمن حوله من خلق، وهذا الشّعور يتمثّل بالسّمع والأُنس والاستبشار، فالميت يسمع حديث الّذين حوله عند غسله وتكفينه، وحتّى بعد دفنه يسمع من يزوره من أهله ويأنس بمن يدعو له، ويستبشر بالّذين يدعون له ويترحّمون عليه عند دفنه وبعد دفنه، فقد ورد في صحيح مسلم أنّ عمرو بن العاص قبل أن يموت قال لأصحابه رضوان الله عليهم: “فإذا دَفَنْتُمُونِي فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرابَ شَنًّا، ثُمَّ أقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ ما تُنْحَرُ جَزُورٌ ويُقْسَمُ لَحْمُها، حتَّى أسْتَأْنِسَ بكُمْ، وأَنْظُرَ ماذا أُراجِعُ به رُسُلَ رَبِّي”.[13] وما إن كان يرى أو يتكلّم أو يستطيع أن يزور أهله في حلمٍ أو غيره فذلك كلّه في علم الغيب عند الله تعالى، فما جاء به الوحي عن عالم الموتى وأحواله غيضٌ من فيض، والله أعلم.[14]

شاهد أيضًا: عدد التكبيرات في الصلاة على الميت

هل يفرح الميت بمن يزوره في قبره

قال أهل العلم أنّ الميت يشعر بمن يزوره عند قبره، ويستبشر بمن يدعو له ويترحّم عليه سواءً دُعي له عند قبره أو في أيّ مكانٍ آخر، ويفرح بأهله وأحبّته إن زاروه، ويسمعهم إن تكلّموا معه، وإن بكوا عليه البكاء الشّديد الّذي يكون فيه عويلٌ ونحيبٌ وشقّ ثيابٍ ولطم، فذلك يؤذيه ويعذّبه في قبره، ومن الأمور الهامّة الّتي يجب على كلّ مسلمةٍ معرفتها، أنّه لا يجوز للمرأة أن تزور القبور، فذلك من المحرّمات عليها مهما كانت درجة القرابة بينها وبين الميت، فقد لعن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم زوّارات القبور، والله أعلم.

هل تتقابل أرواح الموتى وتتزاور

إنّ الأرواح في حياة البرزخ تُقسم إلى قسمين، أرواحٌ تنشغل بالعذاب والحساب على ما عملت في الدّنيا، وأرواحٌ لا تلقى عذابًا إطلاقًا لما عملته من صالحاتٍ في الدّنيا، فالأرواح المعذّبة تكون محبوسةً بالأغلال تلقى العذاب، وأمّا الأرواح المنعّمة فتكون حرّةً طليقةً غير حبيسة، تتلاقى وتتزاور، وتسأل الأرواح الأخرى عن حال أهل الدّنيا، ويتحدّثون مع بعضهم عمّا كان لهم في الحياة الدّنيا، وإنّ هذه الأرواح تكون برفقة مع الّذين يشبهونها، من الأتقياء والصّالحين، قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}. [15] وقد وردت العديد من الأحاديث النّبويّة المباركة الّتي تفيد بتزاور الأرواح المنعّمة وتلاقيها بعد الموت.[16]

شاهد أيضًا: تفسير حلم رؤية الميت حي في المنام لابن شاهين

هل يعلم الميت أنه قد مات ويتم تغسيله

قال أهل العلم أنّه لم يرد في القرآن الكريم أو السّنّة المباركة ما يدلّ على إحساس الميت بمن يغسّله أو يكفّنه، وقد قيل بأنّ ملك الموت يمسك الرّوح بيده وتشاهد الرّوح من يغسّل البدن ويكفّنه، ومن واجب المسلم أن يتوقّف عن الخوض والبحث بما لا فائدة تُرجى منه، وعليه أن يشغل نفسه بكلّ ما يكون له خيرًا في دينه ومعاشه وعاقبة أمره، وأن يترك الأمور الّتي لا فائدة منها له لا في الدّنيا والآخرة.[17]

حال الميت في قبره

ورد في القرآن الكريم والسّنّة المباركة أنّ الميّت في القبر تضمّه الأرض بعد دفنه، فضمّة القبر لا ينجو منها أحدٌ إطلاقًا، ومن بعد ذلك يأتي الملكان فيسألان الميّت عن ربّه ودينه ورسوله، والإجابة عن هذه الأسئلة هي الّتي تحدّد مصيره، فإن أجاب فهو من المنعّمين الّذين يُفتح لهم بابٌ من الجنّة لا يُغلق إلى يوم القيامة، وأمّا إن لم يجب فيُفتح له بابٌ من النّار لا يُغلق إلى يوم القيامة، وإن كان عليه شيءٌ من الذّنوب، لقي العذاب فيها لتكفيرها ثمّ يتنعّم إلى يوم القيامة، وكلٌّ حسب ذنوبه الّتي كسبها في الحياة الدّنيا، والله أعلم.[18]

عالم البرزخ والحياة فيه

قبل ختام مقال هل الميت يشتاق لاهله فإنّ من المهم التعريف بحياة البرزخ، فعالم البرزخ أو حياة البرزخ ما تُسمّى تبدأ بقبض الروح والعروج بها، ومن أجزائها القبر وأهواله المتضمنة الضمة وسؤال الملكين، الذي يتحدد به مصير قبر المرء فيفسح له أو يضيّق عليه ويشتعل عليه عذابًا، ويعرض على العبد فيه مقعده في النار أو في الجنّة، فيستبشر الصالح ويزداد الطالح غمًّا، ويكون المنعّم منعمًّا إلى يوم القيامة ويكون المعذّب فيه معذّبًا إلى يوم القيامة، وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: “أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: إنَّ العَبْدَ إذَا وُضِعَ في قَبْرِهِ وتَوَلَّى عنْه أصْحَابُهُ، وإنَّه لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أتَاهُ مَلَكَانِ فيُقْعِدَانِهِ، فَيَقُولَانِ: ما كُنْتَ تَقُولُ في هذا الرَّجُلِ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأمَّا المُؤْمِنُ، فيَقولُ: أشْهَدُ أنَّه عبدُ اللَّهِ ورَسولُهُ، فيُقَالُ له: انْظُرْ إلى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ قدْ أبْدَلَكَ اللَّهُ به مَقْعَدًا مِنَ الجَنَّةِ، فَيَرَاهُما جَمِيعًا – قالَ قَتَادَةُ: وذُكِرَ لَنَا: أنَّه يُفْسَحُ له في قَبْرِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إلى حَديثِ أنَسٍ – قالَ: وأَمَّا المُنَافِقُ والكَافِرُ فيُقَالُ له: ما كُنْتَ تَقُولُ في هذا الرَّجُلِ؟ فيَقولُ: لا أدْرِي كُنْتُ أقُولُ ما يقولُ النَّاسُ، فيُقَالُ: لا دَرَيْتَ ولَا تَلَيْتَ، ويُضْرَبُ بمَطَارِقَ مِن حَدِيدٍ ضَرْبَةً، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَن يَلِيهِ غيرَ الثَّقَلَيْنِ”.[19] والحياة البرزخية تختلف عن الحياة الدنيا وعن حياة الآخرة وفيها تتعلق الروح بالبدن، حيث لا تبقى فيه بكلّ الأوقات ولا تفارقه بالكلّية، وحقيقة البرزخ كاملةً لا يعلمها إلا الله.[20]

شاهد أيضًا: كلام عن الاب الميت في العام الجديد 2022

إلى هنا نكون قد وصلنا إلى نهاية مقال هل الميت يشتاق لاهله حيث بيّنا قول الشّريعة الإسلاميّة في اشتياق الميت لأهله سواءً كان كبيرًا أو صغيرًا أو طفلًا، وتحدّثنا أيضًا ضمن هذا المقال عن حال الميت في قبره، وحاله قبل الدّفن هل يشعر بما حوله، وهل يفرح بمن يزوره ويدعو له، وهل يعرف أخبار أهله، وهل يتزاور مع غيره ممّن مات وغيرها، وأخيرًا تحدّثنا عن حياة البرزخ في القرآن والسّنة.