تفسير اية وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا
جدول المحتويات
تفسير اية وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا هو ما سنعرضه في هذا المقال، فتفسير القرآن الكريم هو من أهمّ العلوم الدّينيّة، وقد صرف أهل العلم الكثير من الجهود الحثيثة في هذا المجال، وما زال أهل العلم يتدارسون آيات القرآن الكريم ويستخرجون منها أعظم المعاني وأجلّ المفاهيم، وإنّ موقع المرجع يساعدنا على معرفة تفسير وشرح الآية المذكورة، وفهم معانيها ومقصدها.
في أي سورة وردت آية وجعلناكم شعوبا وقبائل
إنّ الآية الكريم وجعلناكم شعوبا وقبائل قد نزلت في سورة الحجرات، وهي السّور الثّامنة بعد المائة، وذلك حسب ترتيب نزول السّور، واتّفق أهل العلم على أنّ السّورة مدنيّة، أي أنّها نزلت بعد الهجرة المباركة، وقد ورد في ذلك قولًا لم يُعرف له أصلٌ وهو أنّها سورةٌ مكيّة، ولقد نزلت هذه السّورة العظيمة بعد نزول سورة المجادلة، وقبل نزول سورة التّحريم، وحسب ما جاء عن أهل العلم والفقهاء، أنّ سورة الحجرات قد نزل بها الوحي على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في السّنة التّاسعة للهجرة المباركة، كما عُرفت باسمٍ واحدٍ في جميع الكتب وهو سورة الحجرات، وسمّيت بهذا الاسم نسبةً للقصّة الّتي وردت في بني تميم الذين نادوا رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- من وراء حجراته، وإنّ هذه السورة العظيمة قد اُفتتحت بقوله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}.[1] وقد بلغ عدد آياتها ثمان عشرة آيةً والله أعلم.[2]
شاهد أيضًا: تفسير اية واخفض لهما جناح الذل من الرحمة
تفسير اية وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا
إنّ القرآن الكريم هو ذكرٌ حكيمٌ تتجلّى فيه صور الإبداع والإعجاز الإلهيّ، فكلّ آيةٍ من آياته تتحدّث عن قضيّةٍ أو حكم عظيمٍ وهامٍّ من أحكام الشّريعة الإسلاميّة، ومن خلال علم التّفسير يستطيع الإنسان فهم هذا الحكم أو فهم القضيّة المطروحة في الآية الكريمة، وفيما يأتي سنتحدّث عن تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.[3]
تفسير ابن كثير
يقول ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير آية وجعلناكم شعوبًا وقبائل، أنّ الله تعالى قد خلق النّاس جميعًا من أصلٍ واحد وهو التراب والماء، ونشرهم في الأرض ليستعمروها، وجعل لكلّ منهم ما يميّزه عن الآخر، وجعل اختلافهم سببًا لتقاربهم وتعارفهم، كما قسم الله -سبحانه وتعالى- النّاس لشعوب وقبائل، وتعني كلمة الشّعوب بطون العجم أي أهل الغرب من غير العرب، أمّا القبائل فهم بطون العرب، ولا فضل لإنسانٍ على الآخر، وكلّ البشر متساوون، ولا يُفاضل بينهم إلّا من خلال ميزان التّقوى والصّلاح، وليس لأحدٍ أن يعظّم إنسانًا ويفضّله ويرفعه مقامًا عن غيره، بل الله تعالى هو الذي يعلم من أحسن النّاس وأفضلهم، فالتّفاضل والكرامة عند الله تعالى لا تكون لمن هو ذو حسبٍ ونسب، بل من عاش تقيًّا صالحًا مطيعًا، وقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مبيّنًا في هذه المسألة: “خَيرُ النَّاسِ أقرؤهُم وأتقاهُم للهِ ، وآمرُهُم بالمعروفِ ، وأنهاهُم عنِ المنكرِ ، وأوصلُهُم للرَّحمِ”.[4] واختتم ابن كثير قوله بتفسير إن الله عليمٌ خبير، وتشير إلى أنّ الله -تبارك وتعالى- أحاط بكلّ شيءٍ علمًا وخُبرًا، فهو العالم بأموركم وأعمالكم، وما تخفون في الصّدور، وما تعتمل به القلوب فهو الخبير البصير سبحانه وتعالى.[5]
تفسير الطبري
قال الطبري رحمه الله تعالى: إنّ الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة ينّبهنا إلى قضيّةٍ عظيمةٍ وهي أنّ النّاس جميعًا متساوون، فهم قد خُلقوا ما ماء آدم وحواء عليهما السّلام، وهما قد خُلقا من طينٍ، والذّكر كالأنثى ولا فرق بينهما، ولقد جعل الله تعالى النّاس أنسباء وأقرباء، سواءً تجمعهم صلة قرابةٍ قويّة أي قريبة كصلة الدّم، أو تجمعهم القرابة والنّسب البعيد، وفسّر الطّبري الشّعوب والقبائل بأنّهم جميعًا العرب فمفرد القبائل تعني القبيلة الّتي يجمع أفرادها النسب البعيد، أمّا الشّعوب فمفردها شعب، أي شعب أبي طالب، أو شعب المضر وغيرهم، فذلكم من تجمعهم صلة الدّم والقرابة القويّة، وإنّ أكرم خلق الله تعالى عنده هو عبده التّقيًّ الصّالح، الّذي يحبّ الله تعالى ويحبّ رسوله ويتّبع نهج الشّريعة الإسلاميّة فيما تأمر وتنهى عنه، فذلك هو المكرّم بين النّاس، والّذي يحسبه الله تعالى عنده من ذو المقام الرّفيع، وقد ذكر حديث رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حين قال: “- إنَّ مَسَابَّكُمْ هذه وليست بمسابَّ على أحد ، وإنمَا أنتُم ولَدُ آدمَ طَفُّ الصاعِ لم تملؤوهُ ، ليسَ لأحدٍ على أحدٍ فضلٌ إلا بِدِينٍ ، أو عملٍ صالحٍ ، حسبُ الرجلَ أن يكونَ فاحِشًا بذِيًّا بخيلًا جَبَانًا”.[6] وأمّا عن قوله تعالى إن الله عليمٌ خبير، فذلك يدلّ على أنّ الله سبحانه لا تخفى عليه خافيةٌ لا في السّماء ولا في الأرض وهو علّام الغيوم سبحانه وتعالى عمّا يشرك الظّالمون.[7]
شاهد أيضًا: المقصود بكلمة الحجرات هو
سبب نزول آية وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا
إنّ سبب نزول الآية الكريمة وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، هو أنّه يوم أنعم الله تعالى على رسوله والمسلمين بفتح مكّة المكرّمة، أمر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بلال بن رباح رضي الله عنه وأرضاه، أن يصعد لسطح الكعبة المشرّفة ليؤذّن بالنّاس، فاستنكر أهل مكّة من غير المسلمين الأمر، واستهزأوا به لأنّه أسود اللّون، ولأنّه كان عبدًا قبل الإسلام، فقال الحارث بن هشام: ألم يجد رسول الله غير هذا العبد الأسود ليؤذّن؟ كذلك قال عتاب بن أسيد: الحمد لله الّذي مات أبي قبل أن يرى هذا اليوم، كما قال سهيل بن عمرو من جنس كلامه، فأوحى الله تعالى لنبيّه أمر النّاس وما قالوه، وأنزل الله تعالى قوله الكريم هذا، فزُجر به النّاس وعرف كلّ واحدٍ منهم مقامه ومكانته في هذه الدّنيا الفانية، وتلقّوا درسًا قيّمًا بأنّ الأنساب والأحساب والأموال، لا تغني عن المرء شيئًا، ولا تنفعه يوم القيامة في شيء، بل إنّ التّقوى هي زاد الإنسان الّذي ينجو به في الآخرة، ويحظى بكرم الله تعالى ولطفه ونعيمه، والله أعلم.[8]
شاهد أيضًا: كم مرة حثنا الله على التقوى في سورة الحجرات
موقف الإسلام من العنصرية
إنّ العنصرية مفهومٌ يدلّ على التّفريق بين النّاس لأسبابٍ عديدة، منها اللّون ومنها العرق ومنها البلد ومنها الأنساب أو الأموال، وبداية العنصريّة كانت منذ أن خلق الله تعالى آدم، فقد استكبر عليه إبليس الرّجيم عندما أمره الله تعالى بالسّجود لآدم، فقد وصف القرآن الموقف في قوله تعالى: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}.[9] فقد اعتبر إبليس أنّه أفضل من آدم لأنّ آدم مخلوقٌ من طين، ونرى العالم الآن يعجّ بالعنصريين الّذين يعدّون نفسهم أفضل من غيرهم لمجرّد أنّهم أغنياء، أو أنّهم من ذوي البشرة البيضاء أو غيرهم، لكنّ الإسلام قد نهى الإنسان عن العنصريّة والتحيّز، ورفض له أن يحكم على نفسه أو غيره بأنّه أفضل وأرفع مقامًا من غيره لأيّ سببٍ كان، بل إنّ ميزان التّفاضل بين النّاس هو التقوى والعمل الصّالح، فالمكرمين عند الله تعالى، هم الأتقياء من العباد والله أعلم.[10]
شاهد أيضًا: نزلت سورة الحجرات في الصحابيين من هم
إلى هنا نكون قد وصلنا إلى نهاية مقالنا تفسير اية وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، حيث ذكرنا في المقال تفسير ابن كثير وتفسير الطّبريّ رحمهما الله تعالى، وتحدّثنا أيضًت عن سورة الحجرات الّتي نزلت فيها الآية الكريمة، كما ورد في المقال بعض الأحاديث النّبويّة الّتي فسّرت الآية الكريمة وموقف الإسلام من العنصرية.
المراجع
- سورة الحجرات , الآيى 1-2.
- islamweb.net , التحرير والتنوير » سورة الحجرات , 22/10/2021
- سورة الحجرات , الآية 13.
- عمدة التفسير , أحمد شاكر، درّة بنت أبي لهب، 1/401، إسناده صحيح.
- quran.ksu.edu.sa , تفسير ابن كثير - تفسير سورة الحجرات - الآية 13 , 22/10/2021
- السلسلة الصحيحة , الألباني، عقبة بن عامر، 1038، صحيح.
- quran.ksu.edu.sa , تفسير الطبري - تفسير سورة الحجرات - الآية 13 , 22/10/2021
- alukah.net , التعسف في استعمال الشرف , 22/10/2021
- سورة الأعراف , الآية 12.
- islamweb.net , موقف الإسلام من العنصرية , 22/10/2021
التعليقات