كيف وقع الشرك في قوم نوح عليه السلام

كيف وقع الشرك في قوم نوح عليه السلام؟ من الأسئلة الشرعية التاريخيّة الهامّة، حيث إنّ الله -سبحانه وتعالى- أنزل آدم -عليه السلام- إلى الأرض وأمره بتوحيده وعبادته، وكان الأصل في البشر هو التّوحيد، وكلّ مولودٍ يولد بفطرته موحّدًا، لكنّ الشّيطان استطاع أن يغوي البشر بعد مضي قرون على نزول آدم على الأرض، فأشركوا بالله -عزّ وجلّ- وصار الشّرك إلى يُعرف أنّه نقيض التّوحيد موجودٌ في الأرض، وفي هذا المقال سيطلعنا موقع المرجع على كيفية وسبب وقوع قوم نوح في الشرك.

نوح عليه السلام

معرفة كيف وقع الشرك في قوم نوح عليه السلام تتطلّب التّعرف على نبي الله نوح -عليه السلام- فهو نبي الله ورسوله، ذُكر في الكتب السماوية جميعها، وقد قام بدعوة قومه حوالي ألف سنة، وهو الحفيد التاسع أو العاشر لآدم -عليه السلام- وهو أبو البشر الثاني بعد نجاته من الطّوفان عبر السلإينة التي أمره الله أن يبنيها، يُقال إنه أوّل رسول، وهو واحدٌ من أولي العزم من الرسل، وقد ذكر القرآن الكريم قصّته مع قومه كاملة، ووردت سورةٌ كاملة باسمه فيه، أمّا نسبه فكما ورد فيه أنّه نوح بن لامك بن متوشلخ بن خنوخ إدريس بن يرد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم أبو البشر أجمعين. [1]

شاهد أيضًا: قصة النبي يوسف مختصرة

كيف وقع الشرك في قوم نوح عليه السلام

وقع الشرك في قوم نوح عليه السلام بتعظيم الموتى والغلو في قبورهم، فقد كان أوّل وقـوع الشّرك في قـوم سيّدنا نـوح -عليه السلام- من الغلوّ في القبور ، والغلو هو تجاوز الحدّ في التّعظيم والحبّ والتبجيل، فقد أعمل الشيطان كيده لقوم نوح، بأن يختلفوا بعد أن تركوا اتّباعهم الأنبياء وما أمروا به من توحيد الله وعبادته دون غيره، وأنّ يعظّموا الموتى من الرّجال الصالحين حتّى وقعوا في الشرك، وانقسموا لموحّدين ومشركين، فأدخل الشّيطان الخلاف في قلوبهم بأن وسوس لهم لترك ما أتى به الأنبياء، وكذلك أن يُعظّموا الموتى حتّى يعكفوا على قبورهم، ثم صوّروا تماثيلهم، ثمّ كاد لهم بأن يعبدوا تلك التماثيل، وبذلك دخل الشرك على قوم نوح الذين كانوا أول من أشرك، بعد أن كان التّوحيد هو الأصل في بني آدم، وهو المقصود من خلق الله لهم وجاءت الأنبياء والرّسل كلّهم يدعون إليه. [2]

شاهد أيضًا: لماذا يتعلق المشركون بغير الله تعالى

من هم قوم نوح وأين سكنوا

بعد معرفة كيف وقع الشرك في قوم نوح عليه السلام، سيتمّ بيان من هم قوم نوح وأين سكنوا في الأرض، فقوم نوح هو الاسم الذي يُطلق على القوم الذين أُرسل عليهم نبي الله نوح -عليه السلام- ويقال أنّ اسمهم بنو راسب، وقد سكنوا تحديدًا في جنوب العراق عند مدينة الكوفة، وقد روى الصّحابي الجليل عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- عن النّبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: “كان بينَ نوحٍ وآدَمَ عشَرةُ قُرونٍ، كُلُّهم على شَريعةٍ مِن الحقِّ، فاختَلَفوا، فبعَثَ اللهُ النَّبيِّينَ مُبشِّرينَ ومُنذِرين. قال: وكذلك هي في قراءةِ عبدِ اللهِ: (كان النَّاسُ أمَّةً واحدةً، فاختَلَفوا)”. [3] ليكون قوم نوح من أوائل من أشرك بالله وخرجوا عن ملّة التّوحيد باتّباعهم الشيطان. [4]

شاهد أيضًا: قصة نوح عليه السلام مختصرة

ما سبب وقوع قوم نوح في الشرك

بالاطّلاع على إجابة وبيان كيف وقع الشرك في قوم نوح عليه السلام، فلا  بدّ من التّعرف على سبب وقوع نوح في الشرك، حيث إنّ الكيفية والسبب يرجعان لأمرٍ واحدٍ تقريبًا، فسبب وقوعهم في الشرك هو غلوّهم في قبور الصالحين، والغلو هو ما أدخله عليهم الشيطان، وكانت بدايته الغلو في عبادتهم وأعمالهم، حتّى صلّوا ووقعوا في الشّرك فعظّموا الأموات كما يُعظّم ربّ العالمين، وعكفوا على القبور، ثمّ بنوا تماثيل لأمواتهم حتّى عبدوها. [2]

من أول قوم أشركوا بالله

إنّ جواب كيف وقع الشرك في قوم نوح عليه السلام يشير إلى أنّ قوم نوح هم أوّل قوم أشركوا بالله، وذلك بمغالاتهم في أعمالهم وعبادتهم التي تحوّلت فيما بعد للمغالاة في الأموات، وكلّ ذلك بوسوسة الشيطان وضلاله لهم، ثم ليقوموا بصناعة الأوثان وعبادتها، وليُرسل الله -سبحانه وتعالى- لهم أول رسولٍ للأرض، وهو نوح عليه السلام، فقبله كان الأصل في البشر كلّهم التّوحيد ولم يعبد أحدٌ غير الله. [2]

شاهد أيضًا: من هم القوم الذين ارسل لهم سيدنا هود عليه السلام

متى وقع الشرك في البشر مع الدليل

لقد وقع الشّرك في البشر في قوم نبي الله نوح عليه السلام، الذين كانوا أول الأقوام وقوعًا في الشّرك، وذلك بسبب وساوس الشيطان ومكائده لبنو البشر، الذي زيّن لهم الغلو في الأموات وتعظيمهم، ثم يوسوس لهم أن ينصبوا لأمواتهم مجالس، حتّى عاملوهم كالآلهة، وقد قال تعالى: {كَان النَاس أُمةً واحِدَة فَبَعَث اللهُ النَّبِيينَ مبَشِّرِين وَمنذِرِينَ}. [5] وبهذا فإنّ الغلو من الأمور التي يُحذّر الإسلام منها لما لها من مخاطر وآثار يستغلّها الشّيطان لتحقيق مآربه، وقد وردت بعض الأقوال الضعيفة التي تقول غير أنّه وقع قبل قوم نوح، ومنها: [6]

• كان أوّل شرك في بني آدم كان من قابيل، حيث أنّه وكما روى الطّبري: إنّ قابيل لما قتل هابيل وهرب من أبيه إلى اليمن أتاه إبليس، وقال له: إنّ هابيل قُبل قربانه وأكلته النار لأنّه يخدم النار ويعبدها، فانصب أنت أيضًا نارًا تكون لك ولعقبك، فقام قابيل ببناء بيت نار وهو أول من نصب النّار وعبدها، وهو قولٌ ضعيف.
• قيل إنّ أول شرك كان في ومن يرد بن مهلائيل وهو أبو إدريس عليه السلام.
• وقيل إنّ أبناء شيث لما مات آدم عليه السّلام جعلوا قبره في مغارة في جبل في الهند وكانوا يأتون عليه فيعظّمونه ويترحمون عليه، وكلّها روايات ضعيفة.

شاهد أيضًا: ما هو الشرك الخفي

أول شرك وقع في العباد

من الأمور التي لم يختلف فيها أهل العلم هي أوّل شرك وقع في العباد، وهو شرك الشيطان، وفيه عبد النّاس الشّيطان، وقد ورد قوله تعالى في سورة الأنبياء: {وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ}. [7] يقول ابن جريج في شرح هذه الآية: إنّ من يقول من الملائكة إنّي إله من دونه، ولم يقل ذلك إلا إبليس، وقد دعا الناس لعبادته، فنزلت هذه الآية فيه والله أعلم.

ماذا عبد قوم نوح

عبد قوم نوح عليه السلام أصنامًا كانوا قد صنعوها لرجالٍ صالحين، عظّموهم وغالوا بتعظيمهم قبل أن يقوموا بصناعة الأوثان والأصنام وعبادتها، وقد ورد في سورة نوح قوله تعالى: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا}. [8] وقد ورد في الأثر والأحاديث ما يفسر هذه الآية ويُخبر أنّها أسماء الرّجال الصالحين الذين قام قوم نوح بعبادة أصنامهم، وأين صارت الأصنام بين العرب فيما بعد، ومنها ما ذكر البخاري في صحيحه من رواية عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: “صَارَتِ الأوْثَانُ الَّتي كَانَتْ في قَوْمِ نُوحٍ في العَرَبِ بَعْدُ؛ أمَّا وَدٌّ كَانَتْ لِكَلْبٍ بدَوْمَةِ الجَنْدَلِ، وأَمَّا سُوَاعٌ كَانَتْ لِهُذَيْلٍ، وأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمُرَادٍ، ثُمَّ لِبَنِي غُطَيْفٍ بالجَوْفِ عِنْدَ سَبَأٍ، وأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ، وأَمَّا نَسْرٌ فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ لِآلِ ذِي الكَلَاعِ، أسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِن قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أوْحَى الشَّيْطَانُ إلى قَوْمِهِمْ: أنِ انْصِبُوا إلى مَجَالِسِهِمُ الَّتي كَانُوا يَجْلِسُونَ أنْصَابًا، وسَمُّوهَا بأَسْمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا، فَلَمْ تُعْبَدْ، حتَّى إذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وتَنَسَّخَ العِلْمُ عُبِدَتْ”. [9]

ما أسباب الشرك بالله

قبل ختام مقال كيف وقع الشرك في قوم نوح عليه السلام سيتم توضيح أسباب ظهور الشرك بالله، وهي من الأسباب التي ترتبط ارتباطً وثيقًا بدرجة إيمان العبد وصحّة تفكيره ودرجة علمه، ومن أسباب الشرك ما يأتي: [10]

• المغالاة في الإعجاب والتعظيم: وهي من الأمور التي ترجع للفطرة البشرية التي تميل للإعجاب بالمتميّزين عن غيرهم بأيّ صفة،لكنّ المبالغة في ذلك يقود لعواقب وخيمة ومنها الشرك.
• الشذوذ عن الإيمان غير المحسوس: والميل للإيمان بالحسوس، فالفطرة الإنسانية عرضة للمرض إذا لم يداوم المرء على علاجها.
• جهل البشر: وهو أكثر الأسباب التي تدفع الأمم لمخالفة الأنبياء والرسل، وكذلك الابتعاد عن عبادة الله الواحد الأحد.
• اتّباع الشهوة وهوى النفس: وهي من أعظم الأمور التي تؤدي لانحراف الفطرة السليمة، وتقودها للشرك بالله.
• التّكبر والكبر والإعجاب بالنفس: حيث يبدأ الأمر بالتّكبر على الناس ثم يصل للتّرفع عن عبادة الواحد الأحد.
• التقليد بدون وعي: وهو بما يتّبعه البشر ويقلّدون العادات السائدة، فيكون تقليدٌ أعمى يقود للهاوية.
• وساوس الشيطان وضلاله: وهو الذي نذر نفسه ليغوي أبناء آدم أجمعين، وهو عدوّهم إلى يوم يُبعثون.

شاهد أيضًا: ما حكم من يعمل الأعمال الصالحة يريد بذلك مجرد المطامع الدُنيوية

وبهذا نختتم مقال كيف وقع الشرك في قوم نوح عليه السلام، والذي عرّف بنبي الله نوح، وبقوم نوح ومكان مسكنهم، وسبب وقوعهم في الشرك، وقد ذكر المقال من أول قوم وقعوا في الشرك بالله وما هو أول شرك وقع على العباد، وكذلك ذكر ماذا عبد قوم نوح وأسماء أصنامهم، وختم ببيان أسباب الشرك بالله.