تفسير اية وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا

إنَّ تفسير اية وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا من أهم التفسيرات التي يجب على كل مسلم أن يطلع عليها ويعرف معناها ومضمونها والمقصود فيها، فهذه الآية الكريمة توضح قضية اجتماعية تتعلق بالعلاقات العامة بين الشعوب على هذه الأرض، ولهذا يهتمُّ موقع المرجع في الحديث عن هذه الآية الكريمة وتفسيرها عند كلِّ من السعدي والطبري، إضافة إلى الحديث عن سبب نزولها الوارد في علم أسباب النزول، وأهمية الأخوة الإنسانية ونبذ العنصرية في الإسلام.

وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا في أي سورة

قبل الشروع في تفسير اية وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، لا بدَّ من القول تقع آية وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا في سورة الحجرات، حيث يقول الله -سبحانه وتعالى- في هذه السورة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[1] وفيما يأتي سوف نسلط الضوء على تفسير هذه الآية الكريمة.[2]

شاهد أيضًا: سبب نزول سورة المدثر

تفسير اية وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا

إنَّ تفسير اية وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا من أهم التفسيرات التي يجب على كلِّ مسلم ومسلمة الاطلاع عليها؛ لأنَّ من أهم الآيات التي تدعو إلى نبذ الحقد والكراهية وتدعو إلى الابتعاد عن العنصرية والنزاعات العرقية، وفيما يأتي نفسر آية وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا كما جاء في تفسير السعدي وتفسير الطبري كلّ على حِدةٍ:

تفسير السعدي لآية وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا

يقول الله تعالى في سورة الحجرات: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}، وقد جاء في تفسير السعدي لآية وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا التفسير الآتي: يبين الله -سبحانه وتعالى- أنَّه خلق البشر من أصل واحد، وجعل آدم وحواء آباءً للبشر أجمعين، ذكورًا وإناثًا، وجعل الناس شعوبًا وقبائل، أي قبائل صغار وقبائل كبار، لكي يتعارفوا ويوطدوا العلاقات فيما بينهم، وذلك لأنّ استقلال كل واحد منهم بنفسه قد يكون سببًا للفرقة والحقد والكراهية، لذلك جعل الله البشر قبائل وشعوب وأمم وحضارات لكي تتعاون فيما بينها وتتناصر وتتوارث العلم والتطور والتقدم حتَّى يكمل الإنسان عمارة الأرض.

ثمَّ يقول الله -سبحانه وتعالى- في هذه الآية: إنَّ أكرم الناس عند الله تعالى أتقاهم، أي أنَّه ميزان التفاضل بين الناس هو التقوى، تقوى الله تبارك وتعالى، وتكون التقوى بالطاعة والبُعد عن الذنوب والآثام والمعاصي، فلا فضل لإنسان على إنسان بالنسب ولا بالقوم ولا بالعشيرة ولا بالشكل، بل إنَّما التفاضل بين الناس ميزانُهُ التقوى، وهذا المعنى يتطابق مع المعنى الوارد في حديث رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- الذي قال فيه: “يا أيها الناسُ ! إنَّ ربَّكم واحدٌ ، و إنَّ أباكم واحدٌ ، ألا لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ ، و لا لعجميٍّ على عربيٍّ ، و لا لأحمرَ على أسودَ ، و لا لأسودَ على أحمرَ إلا بالتقوى إنَّ أكرمَكم عند اللهِ أتقاكُم ، ألا هل بلَّغتُ ؟ قالوا : بلى يا رسولَ اللهِ قال : فيُبَلِّغُ الشاهدُ الغائبَ”[3]والله تعالى أعلم.[4]

تفسير الطبري لآية وجعلناكم شعوبا وقباْئل لتعاْرفوا

جاء في تفسير الإمام الطبري لآية وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ما يأتي: يبدأ الله تعالى الآية الكريمة بمخاطبة الناس أجمعين، فيقول يا أيها الناس إنَّا أنشأنا خلقكم أجمعين من اتحاد ماء الرجل مع ماء الأنثى، وجعلناكم أقرباء في النسب، فكنت شعوبًا وأممًا وقبائلَ يخلط فيما بينكم نسب القرابة، مهما اقترب هذا النسب أو ابتعد، وقد ذكر الطبري في تفسيره لهذا القول على وجه التحديد أنَّه قيل للرجل من العرب: من أيّ شعب أنت؟ قال: أنا من مضر، أو من ربيعة، وأما أهل المناسبة القريبة أهل القبائل، وهم كتميم من مضر، وبكر من ربيعة، وأقرب القبائل الأفخاذ وهما كشيبان من بكر ودارم من تميم, ونحو ذلك.

ثمَّ تتحدث الآية الكريمة عن ميزان التفاضل بين الناس، فأكرم الناس عند الله سبحانه وتعالى هم أكثرهم تقوى، والتقوى في الإسلام هي أن يؤدي المسلم فرائضه ويجتنب النواهي والمعاصي، وليس ميزان التفاضل بين الخلق كثرة العشيرة وعراقة النسب، والله تعالى عليم بالمتقين من الناس وعليم بأكثر الناس كرمًا، وهو الذي لا تخفى عليه خافية في هذه الحياة الدنيا، والله تعالى أعلم.[2]

سبب نزول آية وجعلْناكم شعوْبا وقباْئل لتعاْرفوا

جاء في سبب نزول آية وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا عن الإمام ابن الجوزي في كتابه زاد المسير ما يأتي: “أن النبي -صلَّى الله عليه وسلّم- يوم فتح مكة أمرَ بلال -رضي الله عنه- أنْ يصعد على ظهر الكعبة ويؤذن، فلما صعد بلال -رضي الله عنه- ليرفع الأذان على ظهر الكعبة، في البلد الذي طُرِدَ منه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وشاء الله -جلَّ وعلا- أن يعود إليه رسوله عليه الصَّلاة والسَّلام؛ لينشر فيه أنوار التوحيد والإيمان، فقام بلال -رضي الله عنه- ليرفع الأذان على ظهر الكعبة، فقال الحارث بن هشام: أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذناً؟! فنزل قول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}، والله تعالى أعلم.

الأخوة الإنسانية ونبذ العنصرية في الإسلام

لقد أكرم الله -سبحانه وتعالى- البشر بأن جعلهم أكرم الخلق والكائنات في هذه الأرض، قال تعالى في سورة الإسراء: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}[5] وإنَّما هذا التكريم يكمن في أنَّ الله تعالى جعل الإنسان خليفة على هذه الأرض، يعمرها ويبنيها، وقد منَّ الله تعالى على الناس جميعًا بأن جعل لهم عقلًا وصورة حسن، فقد خلق الإنسان في أحسن تقويم ومظهر، ولم يفرق الله تعالى بين البشر إلَّا بالتقوى، فلا فرق بين البشر بالعرق ولا باللون ولا بالنسب ولا بالحسب، وقد وقف الإسلام من العنصرية موقف المعارض والمندد، وفيما يأتي نسلط الضوء على بعض مواقف الإسلام من العنصرية:

  • حارب الإسلام العنصرية بكل أشكالها وجعلي ميزات التفاضل بين الناس التقوى فقط.
  • قرَّب الإسلام وجمع بين الناس من مختلف الأعراق والأجناس، فكان من خيرة الصحابة الكرام صحابة من الأحباش ومن الروم، مثل: بلاب الحبشي وصهيب الرومي والصحابي سلمان الفارسي من بلاد فارس وغيرهم.
  • حرَّر الدين الإسلامي الإنسان من العبودية ومن كل الفوارق الطبقية التي كانت قائمة في زمن الجاهلية، وسن التشريعات التي أزالت العبودية والرق، فجعل كفارة اليمين وكفارة القتل العمد عتق رقبة في سبيل محاربة الرق والعبودية.
  • حارب الإسلام العصبية بكل أشكالها، وكان هذا واضحًا جليًا في السنة النبوية المباركة، فقد جاء عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه قال: “ليسَ منَّا منْ دعا إلى عصبيةٍ، و ليسَ منَّا منْ قاتلَ على عصبيةٍ، و ليسَ منَّا منْ ماتَ على عصبيةٍ”[6] وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: “إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قد أذهَبَ عنكم عُبِّيَّةَ الجاهليَّةِ، وفَخرَها بالآباءِ، مُؤمِنٌ تَقيٌّ، وفاجِرٌ شَقيٌّ، أنتُم بَنو آدَمَ، وآدَمُ من تُرابٍ، ليَدَعَنَّ رِجالٌ فَخرَهم بأقْوامٍ، إنَّما هُم فَحمٌ من فَحمِ جَهنَّمَ، أو ليكونُنَّ أهونَ على اللهِ من الجِعْلانِ، التي تدفَعُ بأنْفِها النَّتْنَ”[7] والله تعالى أعلم.

إلى هنا نصل إلى نهاية هذا المقال الذي تحدَّثنا فيه عن تفسير اية وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا كما جاء في تفسير السعدي وكما جاء عن الإمام الطبري، وتحدثنا عن سبب نزول هذه الآية الكريمة، وتحدَّثنا أيضًا عن الأخوة الإنسانية ونبذ العنصرية في الإسلام.

المراجع

  1. سورة الحجرات , الآية 13.
  2. quran.ksu.edu.sa , سورة الحجرات - الآية 13 , 06-03-2021
  3. السلسلة الصحيحة , الألباني، جابر بن عبد الله، 2700، إسناده صحيح.
  4. islamweb.net , تفسير السعدي , 06-03-2021
  5. سورة الإسراء , الآية 70.
  6. الجامع الصغير , السيوطي، جبير بن مطعم، 7665، صحيح.
  7. تخريج سنن أبي داود , شعيب الأرناؤوط، أبو هريرة، 5116، صحيح لغيره.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *