حكم صيام بعض ايام عشر ذي الحجه

حكم صيام بعض ايام عشر ذي الحجه هو موضوع هذا المقال وعنوانه، ومن  الجدير بالذّكر أن الله -سبحانه وتعالى- قد فضّل العشر الأوائل من ذي الحجّة على ما سواها من الأيّام، وجعل لها مكانةً ساميةً عند المسلمين، وجعل العمل الصّالح فيها أفضل وأحب إلى الله من العمل في غيرها من الأيّام  خلال العام، ومن تلك الأعمال الصّالحة التي حثّ الإسلام على الإكثار منها في العشر الأوائل هو الصّيام، ولفضل الصّيام وأهميّته سيقوم موقع المرجع ببيان حكم صيام بعض ايام عشر ذي الحجه في هذا المقال.

فضل الصيام في العشر الأوائل من ذي الحجة

قبل معرفة حكم صيام بعض ايام عشر ذي الحجه سيتم التّعرّف على فضل الصّيام في العشر الأوائل من ذي الحجّة، فمن الجدير بالذّكر أنّه لم يرد في القرآن والسّنّة ما هو مخصّصٌ لفضل الصيام بذاته في هذه الأيّام، بل كانت النّصوص تتّجه نحو الحديث عن العمل الصّالح بعمومه، دون تحديدٍ لأيّ عمل، وخير الأعمال الصّالحة في النّهار هي الصّيام فالصّيام يدخل في جنس الأعمال الصّالحة وهو من أفضلها وخيرها، وقد جعله الله لنفسه وهو يجزي به، وقد خصّ النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- صيام يوم عرفة من بين الأيّام العشر بالحديث عنه وبيان فضله، وذلك فيما رواه الصّحابي الجليل أبو قتادة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: “صيامُ يومِ عرفةَ إنِّي أحتسِبُ على اللهِ أنْ يُكفِّرَ السَّنةَ الَّتي قبْلَه والسَّنةَ الَّتي بعدَه وصيامُ يومِ عاشوراءَ إنِّي أحتسِبُ على اللهِ أنْ يُكفِّرَ السَّنةَ الَّتي قبْلَه”.[1] صوم يوم عرفة لوحده يكفّر سنتين من ذنوب المسلم،فصيام العشر من ذي الحجّة من الأعمال الصّالحة المستحبّة للمسلم، والتي ينبغي على كلّ مسلم أن يسعى للحفاظ عليها في هذه الأيّام المباركات وأن ينهل بها عظيم الأجر من الله سبحانه وتعالى.[2]

حكم صيام بعض ايام عشر ذي الحجه

إنّ حكم صيام بعض ايام عشر من ذي الحجه من السّنّة، وذلك لأنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حثّ على البذل والإكثار من الأعمال الصّالحة في الأيام العشر من ذي الحجة، وذلك في الحديث الذي رواه الصّحابي الجليل عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- عن النّبيّ -صلى الله عليه وسلّم- أنّه قال: “ما مِن أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيها أحبُّ إلى اللَّهِ من هذِهِ الأيَّام يعني أيَّامَ العشرِ ، قالوا : يا رسولَ اللَّهِ ، ولا الجِهادُ في سبيلِ اللَّهِ ؟ قالَ : ولا الجِهادُ في سبيلِ اللَّهِ ، إلَّا رَجلٌ خرجَ بنفسِهِ ومالِهِ ، فلم يرجِعْ من ذلِكَ بشيءٍ”.[3] والصّيام من أحب الأعمال الصّالحة إلى الله -سبحانه وتعالى- ولا يُشترط صيام العشر ذي الحجّة كاملة لنيل الأجر والثّواب، ولا أن تُصام مجتمعة، والنّبي -صلى الله عليه وسلم- كان قد صامها كلها تارةً وترك بعضها تارةً، خوفاً من أن تُفرض على المسلمين من بعده، ولكن هذا لا يلغي أنّها من أهم الأعمال الصّالحة التي ينبغي للمسلم التّقرّب بها إلى الله -سبحانه وتعالى- في الأيّام العشر الأوائل من ذي الحجّة، وعلى المسلم أن يعرف أنّه عند القول صيام عشر ذي الحجّة فالمقصود بها التّسع من ذي الحجّة فاليوم العاشر هو يوم عيد الأضحى ويوم النّحر فلا يدخل معها في استحباب الصّوم فيه، بل إنّ الصّوم فيه من المحرّمات، فصوم التّسع من ذي الحجة كلّها أو بعضها سنّةٌ عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- وأكثرها تأكيداً في سنّيّته هو اليوم التّاسع منها الذي هو يوم عرفة، والذي قد جاء فيه نصٌّ صريحٌ في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بفضل صيام يوم عرفة، والذي يُكفّر الله به سنتين من ذنوب المسلم والله ورسوله أعلم.[4]

شاهد أيضًا: هل يجب صيام العشر من ذي الحجة كاملة

هل يجوز صيام العشر من ذي الحجة بنيتين

بعد معرفة حكم صيام بعض ايام عشر ذي الحجه وهو أمرٌ جائز وصيامها سنّة مستحبّة، فلابدّ من توضيح جكم صيام العشر من ذي الحجة بنيّتين، كالجمع بنيّة القضاء مع نيّة صيام النّافلة في عشر ذي الحجة، وهذه المسألة تسمّى عند أهل العلم بمسألة التّشريك، وهي تعني الجمع بين عبادتين بنيّةٍ واحدة، فالوارد عن أهل العلم في هذه المسألة أنّه لا يجوز للمسلم الجمع بين نيّتين في صيام العشر من ذي الحجّة والتّشريك بينهما، لأنّ صيام ذي الحجّة عبادة مقصودة لذاتها وغيرها من  الصيّام عبادة مقصودة لذاتها، فلا يجوز الجمع بين عبادتين كلّ عبادةٍ فيهما مقصودة لذاتها، ولو كانت إحدى العبادتين غير مقصودة لذاتها كتحيّة المسجد الذي يجوز جمع نيّتها مع نيّة صلاة الفرض في المسجد، لأنّ المقصود بها شغل الوقت بالصّلاة في المسجد ولذلك يجوز بها الجمع بين النّيتين، ولا يجوز صيام العشر من ذي الحجة بنيّتين، لكن يجوز للمسلم لو كان عليه قضاء الفرض، أن يعقد نيّة القضاء للفرض في عشر ذي الحجّة فالفرض أولى من النّافلة، ولو جاز له أن يقضيها في وقتٍ غير الأيّام العشر، لكنّه بنّته القضاء في العشر كان له أجران بإذن الله أجر القضاء وأجر الصّيام والعمل الصّالح في العشر من ذي الحجّة، أمّا لو عقد نيّة صيام القضاء ومعها نيّة صيام عشر ذي الحجّة لم يُجزه صيامه عن القضاء والله ورسوله أعلم.[4]

شاهد أيضًا: هل يجوز صيام العشر من ذي الحجة قبل القضاء

حكم صيام العشر من ذي الحجة كاملة

بعد ذكر حكم صيام بعض أيام عشر ذي الحجه لا بدّ من الإشارة إلى أنّ صيام العشر الأوائل من شهر ذي الحجّة هو أمرٌ مستحبٌّ عند كلّ المذاهب، وليس فرضاً أو واجباً من الواجبات الشّرعيّة، بل هو من الاعمال المستحبّة فقط، ولقد ورد في السّنّة النّبويّة حديثان متعارضان روتهما اثنتين من أمّهات المسلمين، الأوّل يشير إلى أنّ الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- كان لا يترك صيام العشر الأوائل إطلاقاً، والحديث يقول: “أربعٌ لم يكُنْ يدَعُهنَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : صيامَ يومِ عاشوراءَ والعَشْرَ وثلاثةَ أيَّامٍ مِن كلِّ شهرٍ والرَّكعتَيْنِ قبْلَ الغَداةِ”.[5] أمّا الحديث الثّاني فهو من رواية عائشة أمّ المؤمنين -رضي الله عنها- وتشير إلى أنّها لم ترَ رسول الله يصوم في العشر الأوائل من ذي الحجّة أبداً، فقد قالت: “ما رَأَيْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ صَائِمًا في العَشْرِ قَطُّ”.[6] وقد فسّر اهل العلم عدم رؤية عائشة رضي الله عنها صيام رسول الله في العشر الأوائل من ذي الحجّة، على أنّه لربّما لم يصمها لمرضٍ أو لسفرٍ أو أيّ شيء ٍ قد يشغله عن الصّيام، ولكنّ رسول الله قد بيّن فضل صيام الأيّام التّسع الأوائل من ذي الحجّة، وتحريم صيام اليوم العاشر والّذي هو يوم العيد، ولكنّه لم يفرض صيامها، وإنّما سنّه، ولا حرج إن ترك أحدٌ هذه السّنّة، والله أعلم.[4]

شاهد أيضًا: هل يجوز صيام العشر من ذي الحجة غير كاملة

فضائل العشر الأوائل من ذي الحجة وما يشرع فيها

قد تحدّثنا سابقاً عن حكم صيام بعض أيام عشر ذي الحجه، فما فضائلها وما الأعمال المستحبّة في هذا الأيّام؟ فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في فضل هذه الأيّام المباركة: “ما من أيامٍ أعظم عند اللهِ ولا أحبّ إليه العملُ فيهن من أيامِ العشرِ فأكثروا فيهنَّ من التسبيحِ والتحميدِ والتهليلِ والتكبيرِ”. [المتجر الرابح/الدمياطي/عبدالله بن عباس/153/إسناده جيد] فهذه الأيّام هي أعظم أيّام الدّهر عند الله تعالى، حيث أقسم بها في القرآن الكريم، مبيّناً بذلك شأنها العظيم، وإنّ في هذه الأيّام يوم عرفة، وهو اليوم المشهود الّذي يباهي به الله تعالى الملائكة بمن يطوفون ببيته الحرام، وفيه يعتق الله تعالى عباده من النّيران ويكفّر عنهم ذنوبهم جميعها، وتجتمع في هذه الأيّام العشرة أمّهات العبادة، أي الصّلاة والصّيام والصّدقات والحجّ، أمّا عن الأعمال المستحبّة فيها، فسنذكرها تباعاً فيما يأتي:[2]

  • الحفاظ على السّنن الرّواتب والنّوافل إلى جانب الفرائض والصّلوات المكتوبة.
  • الإكثار من ذكر الله تعالى من تكبيرٍ وتسبيحٍ وتهليل ٍوتحميدٍ وغيرها من أنواع الذّكر.
  • الصّيام فيها مستحبٌّ من أوّل يومٍ وحتّى اليوم التّاسع أي يوم عرفة، أمّا يوم العيد فصومه حرام.
  • أداء مناسك الحجّ والعمرة لمن استطاع إليهما سبيلاً.
  • الإكثار من إخراج الصّدقات للفقراء والمحتاجين والمساكين.
  • بر الوالدين والابتعاد عن عقوقهما.
  • الإكثار من الدّعاء وتلاوة القرآن الكريم.
  • الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكرات.
  • قيام اللّيل وإحياء الثّلث الأخير منه.
  • إماطة الأذى عن الطّريق وزيارة المريض، وكفالة الأيتام، وغيرها الكثير من الأعمال الصّالحة الّتي يسنّ للمسلم أن يفعلها في هذه الأيّام أو غيرها، ففيها فضلٌ عظيمٌ والله أعلم.

شاهد أيضًا: تكبير العشر الاوائل من ذي الحجة

وفي ختام المقال نقول أنّه من الأفضل اتّباع سنّة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- واتّباع ما كان يفعله والانتهاء عمّا كان ينهى عنه، وقد تحدّثنا في هذا المقال عن حكم صيام بعض أيام عشر ذي الحجه، بالإضافة إلى فضل هذه الأيام وفضل صومها، وحكم جمع نيّتين في صيامها.

المراجع

  1. صحيح ابن حبان , ابن حبان/أبو قتادة/3632/أخرجه في صحيحه
  2. alukah.net , عشر ذي الحجة - فضائلها - والأعمال المستحبة فيها , 03/06/2024
  3. صحيح أبي داود , الألباني/عبد الله بن عباس/2438/صحيح
  4. islamweb.net , يستحب صيام أيام عشر ذي الحجة , 03/06/2024
  5. صحيح ابن حبان , ابن حبان/حفصة أم المؤمنين/ 6422/أخرجه في صحيحه
  6. صحيح مسلم , مسلم/عائشة أم المؤمنين/1176/صحيح

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *