من هو أول سفير في الإسلام

من هو أول سفير في الإسلام؟ سؤالٌ يتردد على أذهان الكثير من المسلمين خاصّةً أولئك الذين يهتمّون بدراسة التاريخ الإسلامي، والذي بدأ بالهجرة النبوية إلى المدينة المنورة، حيث كانت انطلاقة الشرارة لقيام الدولة الإسلامية الأولى وتأسيس أركانها، وانطلقت لتكون قلبها يثرب وأطرافها أطراف العالم، وكان الصحابة الكرام هم أولى جنودها ومؤسسيها، وعبر موقع المرجع سيتمّ التعرف على أول سفير في الإسلام إطلاقًا.

من هو أول سفير في الإسلام

إنّ أول سفير في الإسلام هو الصحابي الجليل مصعب بن عمير رضي الله عنه، وذلك كان في العام الثاني عشر من بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- وقبل الهجرة، حيث وفد إلى مكّة المكرّمة وفودٌ من قبيلتي الأوس والخزرج من المدينة، وذلك ليبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في بيعةٍ يُطلق عليها بيعة العقبة معلنين إسلامهم فيها، وقد أرسل معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، مصعب بن عمير -رضي الله عنه- سفيرًا معهم يعلمهم أصول الدين ويدعو من بقي في المدينة المنورة، فيُقرئهم القرآن ويعلّمهم الإسلام ويفقّههم في الدين، وقد نزل في المدينة على أسعد بن زرارة رضي الله عنه، وقد سمّي مصعب في المدينة بالمقرئ.[1]

نجاح مصعب بن عمير في سفارته

قام مصعب بن عمير بمهمّته على أكمل وجه، فقد أتى للأنصار ودعاهم للإسلام، فيسلم على يده الرج والرجلان، وانتشر الإسلام في المدينة المنورة، وأسلم على يده الكثير من الناس، وبقي مصعب في المدينة المنورة ما يقرب السّنة الكاملة بدعو إلى الله ويعلّم الناس تعاليم دينهم، ثمّ رجع إلى مكّة المكرمة يبشر النبي بما وفّقه الله إليه، فاستبشر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفرح به فرحًا شديدًا، وأسعده ما أنجز من مهمته، ثمّ أقام مصعب في مكّة فترة من الزمن قبل أن يعود للمدينة المنورة قبيل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في السّنة الثالثة عشرة من البعثة النبوية.

حكمة النبي في اختيار السفراء في الإسلام

إنّ النّبي -صلى الله عليه وسلم- كان حكيمًا فهو لا ينطق عن الهوى، وقد كان خبيرًا بأصحابه الكرام، وقد اعتمد عليهم كرسل وسفراء ودعاة لمختلف الجهات والمدن والبلدان، وأرسل الكثير منهم للملوك والأمراء، وقد كان يختارهم -صلى الله عليه وسلم- وفقًا لمواصفاتٍ يتحلّون بها، وذلك لعلمهم وفصاحتهم وصبرهم وشجاعتهم، والحكمة التي يتحلّون بها وغير ذلك من الصفات، فكان اختيار النبي لمصعب ليكون سفيرًا ليثرب، لأنّه كان قد هاجر إلى الحبشة وأحسن التعامل مع أهلها، وهم ليسوا بأعراب والأولى له أن يحسن التعامل مع العرب أفضل ممّا فعل مع أهل الحبشة، ثمّ إنّ هجرته للحبشة أكسبته الخبرة في التعامل مع الغرباء والتعامل مع العادات المختلفة، وهو رضي الله عنه كان حكيمًا عاقلًا هادئًا صبورًا حليمًا واسع الصدر، وله الكثير من المواقف التي تدلّ على ذلك، وقد كان من سفراء النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل وأبو موسى الأشعري، ودحية الكلبي وعبد الله بن حذاقة وحاطب بن أبي بلتعة وغيرهم رضوان الله عليهم أجمعين.

شاهد أيضًا: من هو أول من صام من الأنبياء

ولادة مصعب عمير ونشأته

ولد مصعب بن عمير أول سفير في الإسلام في مكّة المكرمة، وهو مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي بن كلاب القرشي الهاشمي، وقد ولد ونشأ في بيتٍ من بيوت أشراف مكّة وساداتها، وكان من أكثر شباب قريش رقّةً وثراءً وذلك من أثر النعماء التي كان يعيشها في ظلّ والديه، فكان يرتدي أفخر الثياب ويتعطر بأندر العطور وأطايب الطيب، فكان من زينة فتيان قريش وأكثرهم حسنًا وزينة، وذلك كلّه حتّى ظهر الإسلام وهو في ريعان شبابه رضي الله عنه.[2]

شاهد أيضًا: من هو أول شهيد في غزوة أحد

إسلام مصعب بن عمير

سمع أول سفير في الإسلام مصعب بن عمير أنّ محمد بن عبد الله يزعم أنّه نبي، ويدعو الناس ويجلس مع أصحابه في دار الأرقم، فتوجّه مصعب بن عمير إليه وجلس معه، وسمع منه فشرح الله صدره وأنار له قلبه وهداه للإسلام، فأسلم رضي الله عنه وكتم إسلامه خوفًا من بطش قريش وأمّه وعشيرته، وظلّ كاتمًا له حتّى رآه عثمان بن طلحة وهو يصلي فأخبر عنه، ولمّا علمت أمّه جنّ جنونها وحبسته في منزله حتى يرجع عن دينه وهدّدته ببرّه لها واستعطفته، لكنّ ذلك لم يجدي مع الشاب المؤمن، فسلبته كلّ نعيم الدنيا ومنعته من كلّ حاجة، فجوعته وعذّبته حتى تغير لونه وذهب لحمه نال التعب من جسده، ليخرج بعدها هربًا منها، وهاجر مع المسلمين إلى الحبشة فرارًا من البطش، وانطلق في الإسلام ليكون عظيم الشّأن والمنزلة.[2]

شاهد أيضًا: من هو أول مولود في الإسلام بعد الهجرة

مناقب مصعب بن عمير

كان مصعب بن عمير من الصّحابة الكرام السّباقين للإسلام، وهو أول سفير في الإسلام، وبعد إسلامه أقبل على المسلمين بعد أن فرّ من أمه التي حبسته وعذّبته، وعليه قطعة قماش موصولٍ بجلد تستر بدنه النحيل، فنكّس الصحابة الكرام رؤوسهم رحمةً له، وقد روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: “فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم انظُروا إلى هذا الَّذي نوَّر اللهُ قلبَه! لقد رأيتُه بين أبوَيْن يُغذُّونه بأطيَبِ الطَّعامِ والشَّرابِ ولقد رأيتُ عليه حُلَّةً شراها أو شُرِيَت بمائتَيْ درهمٍ فدعاه حبُّ اللهِ وحبُّ رسولِه إلى ما ترَوْن”. [3] وكان مصعب بن عمير ممّن هاجروا للحبشة وهاجروا إلى المدينة، وقد أرسله النبي بينهما سفيرًا للمدينة فكان داعيةً للإسلام.

كان مصعب بن عمير أوّل من دعا الناس للاجتماع يوم الجمعة في المدينة، وممّا رود في الصّحيح: “بعث النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مصعبَ بنَ عميرٍ إلى أهلِ المدينةِ، فلما كان يومُ الجمعةِ جمع بهم وكانوا أربعينَ، وكانت أولَ جمعةٍ جُمِعَت بالمدينةِ”. [4] وهو من أسلم على يده عددٌ كبيرٌ من الأنصار، وقد شارك في معركة بدر في السنة الثانية للهجرة وأبلى فيها بلاءً حسنًا.[2]

استشهاد مصعب بن عمير

لما كانت غزوة أحد فإنّ أول سفير في الإسلام لن يتخلف عنها، وكان مصعب بن عمير من القلّة القلائل الذين ثبتوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يحمل لواء المسلمين، وقاتل قتال الأبطال، وشاع في المعركة مقتل النبي، بعد أن تكالب المشركون عليه، وكان مصعب بن عمير ممّن أحاطوا النبي يدفعون عنه، وقد توجّه إليه أحد المشركين وهو ابن قمئة فضرب يده اليمنى فقطعها، ومصعب يردد قول الله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}. [5] ثمّ أخذ الراية بيسراه، فضربها ابن قمئة فقطعها، فشدّ مصعب الراية بعضديه، وضمّه إلى صدره، فضربه بالرّمح في صدره وسقط شهيدًا، وكان ابن أربعين سنة، وكان ذلك بعد اثنين وثلاثين شهرًا من الهجرة.[2]

شاهد أيضًا: أول مولود ولد في الأنصار بعد قدوم النبي 

موقف النبي بعد استشهاد مصعب بن عمير

بعد انقضاء معركة أحد خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- يتفقّد الشهداء، فمرّ بهم واحدًا تلو الآخر، ولمّا وصل إلى مصعب بن عمير رفع صلى الله عليه وسلم يديه ودعا، قمّ قرأ قوله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}. [6] وهي آيةٌ نزلت فيه والله أعلم، ثمّ لمّا أراد المسلمون دفن مصعب فلم يجدوا شيئًا يكفّنوه فيه، وقد ورد عن خباب بن الأرت أنه قال: “هَاجَرْنَا مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ونَحْنُ نَبْتَغِي وجْهَ اللَّهِ، فَوَجَبَ أجْرُنَا علَى اللَّهِ، فَمِنَّا مَن مَضَى، أوْ ذَهَبَ، لَمْ يَأْكُلْ مِن أجْرِهِ شيئًا، كانَ منهمْ مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ، قُتِلَ يَومَ أُحُدٍ، فَلَمْ يَتْرُكْ إلَّا نَمِرَةً، كُنَّا إذَا غَطَّيْنَا بهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ، وإذَا غُطِّيَ بهَا رِجْلَاهُ خَرَجَ رَأْسُهُ، فَقَالَ لَنَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: غَطُّوا بهَا رَأْسَهُ، واجْعَلُوا علَى رِجْلَيْهِ الإذْخِرَ أوْ قَالَ: ألْقُوا علَى رِجْلَيْهِ مِنَ الإذْخِرِ ومِنَّا مَن أيْنَعَتْ له ثَمَرَتُهُ فَهو يَهْدِبُهَا”.[7]

شاهد أيضًا: من هو أول من سمى القرآن بالمصحف

بهذا نختتم مقال من هو أول سفير في الإسلام، والذي بيّن حكمة النبي في اختيار السفراء، وسلّط الضوء على حياة مصعب بن عمير من ولادته وإسلامه حتّى استشهاده رضي الله عنه.