من هو النبي الذي آمن به جميع قومه وتفاصيل قصته وحياته ووفاته

من هو النبي الذي آمن به جميع قومه سؤالٌ لطالما جال في خاطر الكثير ممّن حرصوا على الانتهال من علوم سير الأنبياء، فمعرفة سير العظماء والأنبياء وأهل الصلاح أمرٌ مهمٌّ لتثبيت قلوب الناس على الإيمان، قال تعالى: {وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ۚ وَجَاءَكَ فِي هَٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ}.[1] وكذلك هي سبيلٌ من سبل الانتهال من المواعظ والعبر وغيرها، كلّ ذلك وأكثر يقدمه لكم موقع المرجع على طبقٍ من الذهب من خلال مقالاته التعليمية والدينية والثقافية.[2]

الأنبياء والرسل

قبل الخوض في بيان من هو النبي الذي آمن به جميع قومه لا بدّ من بيان من هم الأنبياء والرسل، وما هو الفرق بين النبي والرسول، فالرسول هو من كان يؤمر بتبليغ الدعوة بما يوحى إليه، ويبعث إلى الأمم مستقلًّا، وأمّا النبيّ فهو من يوحى إليه ولكنه لا يؤمر بتبليغ الرسالة، وقد يكون تابعًا لغيره من الأنبياء، كأنبياء بني إسرائيل وغيرهم، وقد يتساءل البعض عن عدد الأنبياء والرسل، ونزولًا عند ذلك لا بدّ من الإشارة إلى أنّ عدد الأنبياء والرسل لم يرد فيما صحّ من السنّة النبوية الشريفة، ولكن روي أنّ الرسل عددهم يصل إلى ثلاثمئة رسول وبضعة عشر، وأمّا الأنبياء فهم كثر يصل عددهم إلى مئة وأربعة وعشرين ألف نبي، وهو ما ضعف بالإسناد، والله ورسوله أعلم بعددهم الصحيح.[3]

شاهد أيضًا: ما الفرق بين النبي والرسول باختصار

من هو النبي الذي آمن به جميع قومه

إنّ النبي الذي آمن به جميع قومه هو سيدنا يونس عليه السلام، وقد يتساءل البعض كيف أنّ جميع قومه آمنوا به في حين أنّ الأنبياء الآخرين قد عانوا ما عانوه مع أقوامهم في سبي نشر  الدعوة إلى الدين الحنيف، وهو ما سيتمّ ذكره في المقال، ولكن قبل ذلك لا بدّ من بيان نسب النبي الذي آمن به جميع قومه ، فنبي الله يونس عليه السلام هو ابن متى، ومتى هي أمّه وليس والده، فقد نسب يونس عليه السلام إلى أمّه كما حال نسب سيدنا عيسى بن مريم عليهما السلام، وقال بعض أهل العلم أنّ متى هو أبوه وليست أمه، والله ورسوله أعلم، وقد لقّب سيدنا يونس عليه السلام بذي النون، وهو من سبط لاوي بن يعقوب من نسل إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، والله ورسوله أعلم.[4]

قصة النبي الذي آمن به جميع قومه

بعد بيان من هو النبي الذي آمن به جميع قومه لا بدّ من الخوض في تفاصيل قصّته، فقد أرسل الله سبحانه سيدنا يونس عليه السلام إلى العراق، وتحديداً إلى قرية نينوى، فقد كان يسكنها قومٌ يصل عددهم إلى مئة ألف نفرٍ أو يزيد، لطالما عبدوا أصنامهم وتعلقّوا بالخرافات والأوهام، فما كان من يونس عليه السلام إلّا أن يقوم فيهم ليبلغهم رسالة ربه، ليرسي فيهم معالم التوحيد، وكغيرهم من أقوام الأنبياء في بداية أمرهم ما كان موقفهم إلى الصدّ والاعتراض على ما جاء به يونس، وظلّ فيهم يدعوا ويصدّوه حتّى غضب عليهم وغاضبهم وخرج من ديارهم، ولم يستأذن من الخالق سبحانه رحيله عن القرية، فأخذ يبحر في السفينة، وبعد أن سارت تلك السفينة في عرض البحر أخذت الأمواج تلاطمها، والرياح تقذفها بين الميمنة والميسرة، فاضطربت السفينة واضطرب أهلها، وبعد المشورة قرّر أهل السفينة أن يلقوا أحدهم في البحر لتستقرّ السفينة من الوزن الزائد.[5]

كيف لأهل السفينة أن يتّخذوا قرارًا قد يكون ظالمًا لمن سيلقوه من السفينة، فما كان منهم إلّا أن تكون قرعةً تجنبًا للظلم، فعندما اقترع القوم كانت النتيجة يونس عليه السلام، فأعادوا القرعة فإذا به يونس مرةّ أخرى، فلم يكن على القوم الحرج في إلقاء النبي في وسط البحر، وبعدما سقط يونس عليه السلام، سرعان ما ابتلعه الحوت والتقمه، لا نور ولا ماء ولا طعام ولا هواء في بطن الحوت، الظلام الأسود الكالح في عقر البحر، فكان الهلاك هو مصيرٌ محتومٌ لسيدنا يونس عليه السلام، ولكنه تذكر أنّ له ربٌّ يسمع النداء في باطن الأرض وظاهرها، فهو سبحانه لا تخفى عليه خافية، وهو المغيث في الكربة الشديدة، فاستحضر سيدنا يونس عليه السلام قلبه، وأخذ يردد لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، التوحيد والعبودية المطلقة، مع الاعتراف بالذنب والتعظيم لله والتواضع له، فما كان من الله سبحانه إلّا أن يسمع النداء ويلبيه، فأخرجه من بطن الحوت.[5]

بعد أن مكث يونس عليه السلام في بطن الحوت أربعين يوماً كما قيل، وقد قيل عشرين وثلاثة، ومن الروايات من قال أنه ضحىً واحد، والله ورسوله أعلم بما لبث في بطن الحوت، تداركته نعمةٌ من ربّه وكتب الله له حياة جديدة، فما لبثت صحته بالعودة إليه حتّى قرّر سيدنا يونس عليه السلام العودة إلى قومه وإكمال المهمّة التي كانت ملقاةً على عاتقه،فرجع إلى قومه وأخذ يدعوه ويدعوهم، فما زال يدعوهم إلى دين الله حتّى آمنوا كلّهم، فكانت عودته بركةً له وعليهم، ونجاةً لقومه من الهلاك المبين، قال تعالى في سورة الصافات: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}،[6] فقد كان إيمانهم سببًا لكشف العذاب عنهم، وهي قصة سيدنا يونس عليه السلام مع قومه، والله ورسوله أعلم.[5]

قوم يونس عليه السلام

إنّ بيان من هو النبي الذي آمن به جميع قومه على أنّه سيدنا يونس عليه السلام يقتضي الحديث عن قومه، فقوم يونس كما أسلف ذكره المقال هم قاطني قرية نينوى، وقد ذكر القرآن الكريم عددهم في سورة الصافات على أنّهم مئة ألف أو يزيد، ولا بدّ من الإشارة إلى أنّه لولا إيمان القوم لكان الله مهلك قوم سيدنا يونس عليه السلام، قال تعالى في سورة يونس: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}،[7] ولكن قوم يونس عليه السلام هم القوم الوحيد الذين آمنوا به حينما رأوا دليل العذاب، ولذلك نفعهم إيمانهم ورفع الله عنهم عذابه المحتوم، وأخر في آجالهم ومتعهم إلى حين.[8]

دعوة يونس عليه السلام

من هو النبي الذي آمن به جميع قومه ؟ هو يونس عليه السلام، وقد سلف ذكر قصة سيدنا يونس عليه السلام، وكيف أنّ القوم ألقوه من السفينة فالتقمه الحوت، وظلّ في بطن الحوت حتّى لزم الاستغفار ودعا دعوته الشهيرة التي ألزمت الإجابة، و دعوة يونس عليه السلام هي لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، وقد ثبت في الأحاديث النبوية الشريفة:[9]

  • روى عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: “مَن لزِمَ الاستغفارَ جعلَ اللَّهُ لهُ من كلِّ ضيقٍ مخرجًا ومن كلِّ همٍّ فرجًا ورزقَهُ من حيثُ لا يحتسبُ“.[10]
  • كذلك روى سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “دعوةُ ذي النُّونِ إذ دعا وهو في بطنِ الحوتِ لا إلهَ إلَّا أنت سبحانَك إنِّي كنتُ من الظَّالمين فإنَّه لم يدْعُ رجلٌ مسلمٌ في شيءٍ قطُّ إلَّا استجاب اللهُ له”.[11]

مكانة يونس عليه السلام

قد يتساءل البعض بعد بيان من هو النبي الذي آمن به جميع قومه عن المكانة التي اختصّها الله ليونس عليه السلام دونًا عن غيره، فقد ورد في الصحيح من الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من قال أنا خَيْرٌ مِن يُونُسَ بنِ مَتَّى فقَدْ كَذَبَ”،[12] ولكن لا بدّ من الإشارة أن التفاضل بين الأنبياء هو أمر خاص لله سبحانه وتعالى، وقد ذكر الله تعالى أولي العزم من الأنبياء، وهم من ورد ذكرهم في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ}،[13] وقد بيّن أهل العلم في شرح الحديث أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلمّ- أخبر قومه بأن لا يفضلّوه على أحدٍ من الأنبياء طالما لم يوحى إليه بأنّه أفضل منهم، والله ورسوله أعلم.[14]

شاهد أيضًا: أسماء أولي العزم من الرسل

آيات عن يونس عليه السلام

إنّ الخوض في بيان من هو النبي الذي آمن به جميع قومه على أنّه يونس عليه السلام يقتضي ذكر آيات عن يونس عليه السلام، فقد اختصّ الله سبحانه لنبيّه يونس الكثير من المواطن في القرآن الكريم، ومنها سورةٌ كاملةٌ باسمه، ومن مواطن ذكر يونس عليه السلام في القرآن الكريم:[15]

  • قال تعالي في سورة النساء: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا}.[16]
  • وكذلك قوله تعالى في سورة الأنبياء: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ}.[17]
  • كما ورد ذكره في سورة القلم: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ * فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ}.[18]
  • وكذلك في سورة الصافات والأنعام وسورة يونس وغيرها من مواطن القرآن الكريم.

المواعظ والعبر من قصة سيدنا يونس

من هو النبي الذي آمن به جميع قومه ؟ هو يونس عليه السلام، وبعد سرد قصة يونس عليه السلام قد يتساءل البعض عن المواعظ والعبر من قصة سيدنا يونس، وممّا لا شكّ فيه أنّ المؤمن الفطن قد يستفيد من قصة سيدنا يونس بالكثير من الفوائد والحكم، ومنها:[19]

  • أنّ التسبيح هو أحد أهم أسباب كشف الغمّة ورفع البلاء عن العباد، وذلك لقوله تعالى: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}.[20]
  • وكذلك العمل الصالح الذي يقدمه المؤمن في أيام رخائه يلقاه في شديد الأيام.
  • الإيمان بالله تعالى والثقة به من أسباب النجاة.
  • كذلك الصبر على البلاء في الشدائد يرفع المؤمن عند ربه درجات.

وفاة سيدنا يونس عليه السلام

ورد في كتب التاريخ عن وفاة سيدنا يونس عليه السلام أنّها كانت في بلدة كفرا، وهي ذاتها البلدة التي ولد نبيّ الله فيها، وقد أشار أهل العلم إلى أنّ وفاته كانت في القرن السابع قبل الميلاد، ولكن هذه الحقائق منقوصة الإسناد، فلا يعرف مكان موت وقبر سيدنا يونس عليه السلام، وهي سنة الله في الأرض أن لا تعرف قبور الأنبياء عدا خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وحبيبه ومصطفاه سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلم، والله ورسوله أعلم.[21]

من هو النبي الذي آمن به جميع قومه مقالٌ فيه تمّ الحديث عن الأنبياء والرسل وعددهم، وكذلك بيان من هو النبي الذي آمن به جميع قومه على أنّه سيدنا يونس عليه السلام، والخوض في الحديث عن قصته ومكانته وعن الآيات التي خصّها الله سبحانه له، كذلك بيّن المقال الدروس والعبر التي يمكن للمرء أن يستفيد بها من قصة سيدنا يونس عليه السلام.

المراجع

  1. سورة هود , الآية 120
  2. alukah.net , كيف تستفيد من سير العظماء؟ , 13/02/2021
  3. binbaz.org , عدد الأنبياء والرسل والفرق بينهم , 13/02/2021
  4. islamweb.net , نبي الله يونس عليه السلام , 13/02/2021
  5. alukah.net , يونس عليه السلام , 13/02/2021
  6. سورة الصافات , الآية 147،148
  7. سورة يونس , الآية 98
  8. islamqa.info , معنى كشف العذاب عن قوم يونس عليه السلام , 13/02/2021
  9. islamweb.net , دعوة يونس عليه السلام يستجيب الله للداعي بها , 13/02/2021
  10. تخريج مشكاة المصابيح , ابن حجر العسقلاني/عبد الله بن عباس/2/448/حسن كما قال في المقدمة
  11. الترغيب والترهيب , المنذري/سعد بن أبي وقاص/3/59/إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما
  12. صحيح البخاري , البخاري/أبو هريرة/4604/صحيح
  13. سورة الأحزاب , الآية 7
  14. islamqa.info , يسأل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم (من قال: أنا خيرٌ من يونُسَ بنِ متَّى، فقد كَذب) ونحوها من الأحاديث , 13/02/2021
  15. alukah.net , آيات عن يونس عليه السلام , 13/02/2021
  16. سورة النساء , الآية 163
  17. سورة الأنبياء , الآية 87،88
  18. سورة القلم , الآية 48،49،50
  19. alukah.net , يونس عليه السلام , 13/02/2021
  20. سورة الصافات , الآية 143،144
  21. islamqa.info , لا يُعرف مكان قبر يونس عليه السلام , 13/02/2021

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *