هل يجوز قص الشعر في العشر الاوائل من ذي الحجة

هل يجوز قص الشعر في العشر الاوائل من ذي الحجة ؟ اقترب موسم الحج وما يليه من مناسبة عزيزة جدًا على قلوب المسلمين جميعهم؛ عيد الأضحى المبارك الذي يسن فيه للمسلم المستطيع التضحية بشاة على الأقل وتوزيع اللحم على الفقراء والمساكين وإغنائهم عن السؤال في هذا اليوم المبارك. ويتعلق بهذه المسألة مجموعة من الأحكام سوف نبينها لكم هنا في موقع المرجع مع قليل من التفصيل ذي الفائدة بإذن الله.

هل يجوز قص الشعر في العشر الاوائل من ذي الحجة

يجوز قص الشعر في العشر الأوائل من ذي الحجة، ولو قص المسلم شعره فالأضحية صحيحة ومقبولة إن شاء الله تعالى. لكن مع الكراهة عند السادة الشافعية، ومن غير كراهة عند المالكية والحنفية، وبشكل عام ما عليه جمهور العلماء المسلمين أنه من المستحب لمن رغب أن يضحي ألا يزيل شيئًا من شعره في الأيام العشر الأولى من ذي الحجة إلى أن يضحي، أي أن هذا الأمر ليس واجبًا على من أراد أن يضحي، هذا عند أصحاب المذاهب الثلاثة خلافًا للحنابلة. ^[1]

وكان خلاف الحنابلة لما روته السيدة أم سلمة أم المؤمنين -رضي الله عنها- عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ فَإِذَا أُهِلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ” [رواه مسلم]. ^[2] لكن هناك حديثاً آخر للسيدة عائشة يفهم منه عدم الوجوب. وقد بين الإمام السيوطي -رحمه الله- أنه من رغب أن يضحي فعليه ألا يقلم شيئًا من أظفاره، وكذلك ألا يحلق شيئًا من شعره خلال العشر الأول من شهر ذي الحجة، وأن النهي في هذا عند جمهور الأئمة هو نهي تنزيهيّ، وأن الحكمة في هذا النهي أن يبقى كل الأجزاء للعتق من النار، وقيل أيضًا للتشبيه بالمحرم. [شرح السيوطي لسنن النسائي 7 / 212، بتصرف]. ^[3]

اقرأ أيضًا: حكم الإمساك عن الشعر والأظافر في عشر ذي الحجة للمضحي

هل يجوز قص الأظافر في العشر الاوائل من ذي الحجة

في هذه المسألة خلاف معروف بين الأئمة، والأحوط بلا شك لمن أراد التضحية أن يجتنب الأخذ من شعره وأظفاره عملا بحديث السيدة أم سلمة، وخروجا من خلاف الأئمة، مع جواز تقليد أحد المذاهب في هذه المسألة، والله أعلم. وقد بين الإمام النووي الخلاف عندما قال إن مذهب الشافعية هو أن إزالة الشعر ومثله الظفر خلال العشر الأوائل من ذي الحجة لمن أراد أن يضحي مكروه كراهة تنزيهية إلى أن يضحي، وبين أن الإمامين مالك وأبو حنيفة لم يكرها ذلك، أما سعيد بن المسيب وربيعة وأحمد وإسحاق وداود، فقد قالا بالحرمة، ووفي قول عن مالك أنه مكروه. ^[4]

وقد احتج القائلون بالتحريم بحديث أم سلمة. أما الشافعي والأصحاب، فقد احتجوا على الحنابلة بحديث أم المؤمنين السيدة عائشة، فقد روي عنها أنها قالت: “كنْتُ أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- بيَدَيَّ، ثُمَّ يَبْعَثُ بهَا وَما يُمْسِكُ عن شيءٍ، ممَّا يُمْسِكُ عنْه المُحْرِمُ، حتَّى يُنْحَرَ هَدْيُهُ.”.^[5] رواه البخاري ومسلم. وقال الشافعي معلقًا على ذلك: “البعث بالهدي أكثر من إرادة التضحية، فدل على أنه لا يحرم ذلك”. 

اقرأ أيضًا: هل يجوز قص الاظافر في العشر الاوائل من ذي الحجة

وقت الامتناع عن قص الشعر والاظافر للمضحِّي

الاستحباب الوارد عن جمهور الفقهاء في الامتناع عن قص الشعر والأظافر يكون لمن أراد التضحية، ووقته مع بداية شهر ذي الحجة إلى أن يضحي المسلم، أي خلال الأيام العشر الأوائل من شهر ذي الحجة ودخول العيد إلى أن يقوم المسلم بالتضحية. وبعد أي يضحي يجوز له أن يقص من شعره وأظفاره كما شاء. والله -سبحانه وتعالى- أعلم. ^[3]

اقرأ أيضًا: هل يجوز اشتراك الأب والابن في الأضحية ؟

هل يجوز حلق اللحية للمضحي

ما ورد من النهي عن حلق الشعر لمن أراد أن يضحي -سواء على من قال بتحريم القص أو من قال بالكراهة- يختص بجميع أنواع الشعر على الجسم من جميع بدن المسلم، من شعر الرأس أو شعر اللحية أو شعر الشارب، أو من شعر العانة الشعرة، أو من شعر الإبط، أو من بقية الشعور في البدن، وهذا الأمر ينطبق على الذكور والإناث على السواء، إن أرادوا التضحية الشرعية عن أنفسهم وعن أهل بيوتهم عن أبيه عن أمه، فيستحب ألا يأخذ شيئًا من شعر بدنه حتى يضحي. ^[6]

اقرأ أيضًا: الأضحية في عيد الأضحى ، حكمها شروطها ووقتها

سبب عدم قص الشعر والأظافر للمضحي

إن الحكمة من نهي المضحي عن القص من شعره أو التقليم في أظفاره من شيء منه، قد نَبَّه عليها عدد من العلماء، فقد ورد في شرح صحيح مسلم للنووي مقطعًا قد بين فيه الحكمة من عدم قص الشعر والأظافر للمضحي وهو: “قال أصحابنا: والحكمة في النهي أن يبقى كامل الأجزاء ليعتق من النار”. [7]

وقد ورد في كتاب فيض القدير ما معناه أن على المضحي أن يجتنب إزالة شيء من شعر نفسه لكي يبقى المسلم كامل الجزاء، فيعتق كله من النار. وقال التوربيشي أيضًا في هذا الأمر: “كأن سر ذلك أن المضحي يجعل أضحيته فدية لنفسه من العذاب حيث رأى نفسه مستوجبة العقاب وهو القتل، ولم يؤذن فيه، ففداها وصار كل جزء منها فداء كل جزء منه، فلذلك نهى عن إزالة الشعر والبشر لئلا يفقد من ذلك قسط ما عند تنزل الرحمة وفيضان النور الإلهي لتتم له الفضائل، وينزه عن النقائص والرذائل”. ^[7]

اقرأ أيضًا: هل يجوز ذبح الاضحية في بلد اخر

شروط المضحي لغير الحاج

كما بينا سابقًا خلال هذا المقال، فالقص من الشعر والتقليم من الأظافر من الأمور الخلافية بين علماء المسلمين، وبناءً على هذا الخلاف، فإن الأحوط ترك قص الشعر وتقليم الأظافر، وأما بالنسبة لغير ذلك من الأمور مثل التطيب ومعاشرة النساء فليست محرمة، كما أنها لا تكره لمن أراد أن يضحي، وإنما الكراهة مخصوصة بقلم الأظفار وقص الشعر، لما ورد من الأحاديث التي ذكرناها. ^[3]

كما أنه لا يُمنع المسلم من لبس الثوب الجديد، ووضع الحناء على شيء من جسمه، مع التنبيه إلى أن هذه الأحكام التي ذكرناها خاصة بالمضحي وحدة ولا يدخل أي من الأهل معه في كراهة التقليم والقص على من قال بها وبالحرمة على من قال بالتحريم من الحنابلة. كما أنه لا فرق بين الرجل والمرأة في حكم قص الشهر والتقليم، فإذا أرادت المرأة أن تضحي عن نفسها، سواء في ذلك كانت المرأة متزوجة، أو لم تكن متزوجة، فالأحوط أن تمتنع عن أخذ شيء من شعر بدنها وعن قص أظفارها، وذلك لأن النصوص الواردة في ذلك عامة. ^[8] كما لا يجب على الوكيل الامتناع عن الحلق أو القص. والله تعالى أعلم.

إلى هنا نكون قد وصلنا إلى ختام هذا المقال، وقد أجبنا لكم فيه عن السؤال: “هل يجوز قص الشعر في العشر الاوائل من ذي الحجة ؟”، وبينّا الخلاف المعروف فيه بين أئمة المذاهب الأربعة، وما عليه العمل عند جمهور العلماء.