من هم السبعة الذين يظلهم الله في ظله

من هم السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلّا ظلّه، يوم تدنو الشمس من رؤوس الخلائق ويصل الحرّ إلى أوجهِ ويصل العرق إلى الركب وما فوق ذلك وما دونه، وفي هذا المقال يقف موقع المرجع مع بيان أصناف هؤلاء السبعة وأحوالهم والأعمال التي تجعلهم يقفون في الظل بينما الخلائق تحت الشمس الدانية، وكذلك يقف المقال مع بيان أصناف أخرى تقف في الظل يوم القيامة والأسباب الموجبة لذلك.

دنو الشمس يوم القيامة وأهمية الظل

لقد جاء في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تُدْنَى الشَّمْسُ يَومَ القِيامَةِ مِنَ الخَلْقِ، حتَّى تَكُونَ منهمْ كَمِقْدارِ مِيلٍ. قالَ سُلَيْمُ بنُ عامِرٍ: فَواللَّهِ ما أدْرِي ما يَعْنِي بالمِيلِ؟ أمَسافَةَ الأرْضِ، أمِ المِيلَ الذي تُكْتَحَلُ به العَيْنُ. قالَ: فَيَكونُ النَّاسُ علَى قَدْرِ أعْمالِهِمْ في العَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَن يَكونُ إلى كَعْبَيْهِ، ومِنْهُمْ مَن يَكونُ إلى رُكْبَتَيْهِ، ومِنْهُمْ مَن يَكونُ إلى حَقْوَيْهِ، ومِنْهُمْ مَن يُلْجِمُهُ العَرَقُ إلْجامًا. قالَ: وأَشارَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بيَدِهِ إلى فِيهِ”.[1][2]

فيكون الناس يوم القيامة في كربٍ شديد لشدّة ما يعانون، وإضافة إلى دنو الشمس فإنّ جهنّم كذلك يأتي بها الملائكة بمشهد عظيم؛ إذ يكون لها سبعون ألف زمام تُجرّ منه، وعلى كلّ زمام سبعون ألف ملك يجرّونها، وإضافة لحرّ جهنم وحر الشمس هنالك حر أجساد الناس وأنفاسهم، وفي ذلك كلّه يكون الظل هو الفوز من ذلك الكرب، ويكون فيه النجاة من شدة الحر في ذلك الموقف العصيب، فمن هنا كان ترغيب النبي -صلى الله عليه وسلم- للمسلمين لأن يكونوا أحد تلك الأصناف التي تنجو من ذلك الموقف العصيب.[2]

شاهد أيضًا: من هو النبي الذي يقتل المسيح الدجال.

من هم السبعة الذين يظلهم الله في ظله

إنّ السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلّا ظله هم: الإمام العادل، والشاب الذي قد نشأ في عبادة الله، ورجلٌ قلبه معلّق في المساجد، ورجلان قد تحابا في الله -تعالى- فاجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل قد دعته إليه امرأة ذات منصب وجمال فأبى وقال إني أخاف الله، ورجل قد تصدّق سرًّا ولم يُعلم أحدًا بصدقته، وأخيرًا رجلٌ ذكر الله -تعالى- بينه وبين نفسه فبكى من خشيته لله تعالى.[2]

شاهد أيضًا: لماذا كان التوحيد سببا للتمكين في الأرض.

حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله

لقد وردد حديث السبعة الذين يظلهم الله -تعالى- في ظله يوم لا ظل إلّا ظلّه في الصحيحين باختلاف يسير، وورد كذلك في مسند الإمام أحمد وفي صحيح ابن حبان وغيرهم، ففي البخاري يقول صلى الله عليه وسلم: “سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ، يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: الإمَامُ العَادِلُ، وشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ رَبِّهِ، ورَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، ورَجُلَانِ تَحَابَّا في اللهِ اجْتَمعا عليه وتَفَرَّقَا عليه، ورَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وجَمَالٍ، فَقَالَ: إنِّي أخَافُ اللهَ، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ، أخْفَى حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ”.[3][4]

وفي صحيح مسلم يقول صلى الله عليه وسلم: “سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: الإمامُ العادِلُ، وشابٌّ نَشَأَ بعِبادَةِ اللهِ، ورَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَساجِدِ، ورَجُلانِ تَحابَّا في اللهِ اجْتَمَعا عليه وتَفَرَّقا عليه، ورَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذاتُ مَنْصِبٍ وجَمالٍ، فقالَ: إنِّي أخافُ اللهَ، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بصَدَقَةٍ فأخْفاها حتَّى لا تَعْلَمَ يَمِينُهُ ما تُنْفِقُ شِمالُهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خالِيًا، فَفاضَتْ عَيْناهُ”. [وفي رواية]: “ورَجُلٌ مُعَلَّقٌ بالمَسْجِدِ، إذا خَرَجَ منه حتَّى يَعُودَ إلَيْهِ”.[5][6]

وفي حديث عند السيوطي يقول صلى الله عليه وسلم: “سبعةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تحتَ ظِلِّ عرشِه يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّه: رجلٌ قلبُه مُعَلَّقٌ بالمساجدِ، ورجلٌ دَعَتْهُ امرأةٌ ذاتُ مَنْصِبٍ فقال: إني أخافُ اللهَ، ورجلان تَحَابَّا في اللهِ، ورجلٌ غَضَّ عَيْنَيْهِ عن مَحارِمِ اللهِ، وعينٌ حَرَسَت في سبيلِ اللهِ، وعينٌ بَكَت من خشيةِ اللهِ”،[7][8] ولكنّ الأشهر هما الحديثان اللذان في الصحيحين.

شاهد أيضًا: من هو الملك الموكل بالمطر.

أصناف السبعة الذين يظلهم الله في ظله

إنّ السبعة الذين يظلهم الله -تعالى- في ظله يوم لا ظل إلا ظله هم سبعة أصناف كما مرّ، وتفصيلهم فيما يلي:

الإمام العادل

يقصد بالإمام هو الذي يأتمّ به المسلمون، ويعني الحاكم، وقد قيّده الحديث الشريف بصفة العادل، الذي تنتصف عنده الرعية ولا تُظلم مقدار حبة خردل، فيحكم بينهم بشريعة الله تعالى، فيحكّم القرآن وسنّة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلّم، ويجلس بينهم ويسمع منهم ولا يحتجب عنهم مهما كان، ولا يخشى المسلمون في ظل حكمه أن يُجار عليهم.[9]

الشاب الناشئ في عبادة الله

فالشباب هم الذين تقوف الأمّة على كواهلهم، فإذا التزم طريق الحق والهداية منذ نعومة أظفاره وصار شابًّا وهو ملتزم بدينه فهذا الشاب وأمثاله هم الذي تتكئ عليهم الأمّة وترجو منهم خيرًا، ولكنّ الذي يحدث عادة أن يكون الشاب في ريعان شبابه متجهًا نحو اللهو وينسى دينه ويفرّط فيه، حتى إذا أدركه المشيب فإنّه يتوب ويلتزم بعباداته ونحو ذلك، ومن هنا كان هذا الشاب في ظل الله تعالى.[9]

رجل قلبه معلق بالمساجد

فالمسجد هو بيت الله سبحانه وتعالى، فيه تُقام الجماعات وفيه يعتكف المسلمون وفيه يذكرون الله تعالى، وفيه يتدارسون القرآن ويتلونه ويتعلمون أمور دينهم ودنياهم، فلهذا فإنّ من يحب المساجد ويتعلق بها فإنّه قد تعلّق بالله سبحانه وتعالى، فهذا المسلم لا يخرج من المسجد إلّا وهو في شوق للعودة إليه مرة أخرى ليكون دائمًا في طاعة الله تعالى، ولذا فقد وجب له الظل يوم القيامة.[9]

رجلان تحابا في الله

فالمحبة في الله -تعالى- هي المحبة الحق وهي الباقية، وليست الدنيا تجمع شمل اثنين تحابّا من أجلها، فالذي يحب إنسانًا لغرض دنيوي سواء كان حلالًا أم حرامًا فهذا لا يلبث الحبل المنعقد بينهما أن ينقطع، وأمّا الذي يحب إنسانًا في الله فإنّ محبّته تبقى وتنمو في ظل الله تعالى، ومعنى الحب في الله هو أن يحبّ الإنسان إنسانًا آخر لأنّه يعينه على طاعة الله -سبحانه- ويذكّره به دائمًا.[9]

رجل طلبته امرأة

وهذا الأمر خطيرٌ جدًّا وقد يقع فيه كثيرٌ من الناس، فالمرأة الجميلة عادة تكون مشتهاة، فإذا ما كان لها مال ومنصب وجاه وحسب وغير ذلك فإنّ الرجال يكونون حولها يسعون لنيل رضاها، فهذه المرأة إذا دعَت مسلمًا إلى الفاحشة ورفض لأنّه يخاف الله -تعالى- فهذا قد فاز برضا الله -تعالى- ومحبته ووجب له الظل يوم القيامة؛ لأنّه قد نجح في امتحان صعب لا يتجاوزه إلّا من غشيته رحمة الله تعالى.[9]

رجل تصدق فأخفى صدقته

إنّ الصدقة وإن كانت في العلن فهي أمرٌ حسَن، ولكن كثير من الفقراء والمساكين يتحرّجون من أخذها علانية أمام الناس، فكانت الصدقة في السر هي خير ما يتصدّق به الإنسان المسلم، فهو ينتظر حتى تهدأ الشوارع ولا يبقى فيها أحد فيخرج ليلًا -أو نهارًا إن كان ذلك ممكنٌ- فيعطي صدقته للفقراء، وحتى الفقير لا يعلم ربما من أين أتاه هذا الرزق، فهذا الأمر فيه بعد عن الإعطاء علانية مما قد يُدخل الرياء إلى قلب المتصدق، وأيضًا فيه حفظ لكرامة الفقير، ولذلك فقد استحق هذا الرجل الظل يوم القيامة.[9]

رجل ذكر الله خاليًا

وهذا الصنف يُقصد به أن يخلو الإنسان بنفسه فيذكر الله -تعالى- ويستذكر عظمته وقدرته ومراقبته لخلقه -سبحانه- فيلين قلبه ويبكي من خشية الله تعالى، فالإنسان أمام الناس قد يبدو خاشعًا، ولكنّ الاختبار الحقيقي للمسلم هو عندما يكون وحده، حين يصفو ذهنه ولا يبقى لها ما يشغله، فالذي يذكر الله في خلوته ويراقب حرمات الله ولا ينتهكها ويبكي من شدة خشيته لله -تعالى- فهو من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.[9]

شاهد أيضًا: من اين اخرج الله الناقة لقبيلة ثمود.

فوائد حديث سبعة يظلهم الله في ظله

يُستفاد من هذا الحديث أمور كثيرة لا ينبغي للمسلم أن يهملها، وهي:[10]

• إنّ من فضل الله -تعالى- على عباده أن جعلَ لبعض الأعمال جزاءً خاصًّا بها.
• إنّ العدل في الشريعة هو من الأمور المقدّمة سواء في الولاية العظمى -يعني الحكم- أو في الولايات الأخرى كولاية الأب والأم على الأبناء او ولاية الرجل على زوجاته أو نحو ذلك.
• إنّ في الحديث بيان لفضل مرحلة الشباب على سائر مراحل عمر الإنسان.
• إنّ في الحديث بيان لفضل المساجد التي هي بيوت الله، وضرورة إعمارها بالعبادات والطاعات المفروضة والمستحبة وطلب العلم ونحوه.
• إنّ في الحديث إشارة إلى تقوية أواصر المجتمع المسلم وقيام العلاقات بين أفراده على أساس الأخوّة والمحبة في الله -تعالى- لا على علاقات مادية دنيوية.
• إنّ في الحديث إشارة لضرورة كبح جماح النفس وعدم السير وراء مطالبها ونزواتها التي يكون مصدرها الشيطان الرجيم.
• إنّ الصدقة مبدأ عظيم وحل ناجح لكثير من المشكلات الاقتصادية بين أبناء المجتمع المسلم، والصدقة في السر أفضل من الجهر بها، يقول تعالى: {إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}.[11]
• إنّ ممّا أفاده الحديث هو ذكر الله -تعالى- بين المرء ونفسه، فهذه العبادة سهلة وعظيمة، وثوابها عظيم إن صدرت عن المسلم بصدق وأثّرت فيه حتى بكى من خشية الله.
• إنّ الحديث يشير إلى ضرورة أن يكون للمرء عملٌ خفيٌّ عن أعين الناس لا يعلمه إلّا الله تعالى.
• إنّ الحديث يشير إلى ضرورة الإخلاص في كل العبادات لله تعالى.

شاهد أيضًا: من اول من وضع قواعد البيت الحرام.

هل هناك غير السبعة الذين يظلهم الله في ظله

لقد ثبت في السنة النبوية المطهّرة أنّ هنالك أصناف أخرى من العباد يظلّهم الله -تعالى- في ظله يوم القيامة يوم لا ظل إلّا ظلّه، وقد وردت فيهم أحاديث كثيرة قد جمعها بعض علماء المسلمين كالإمام ابن حجر العسقلاني وغيره، ومنهم:[12]

• الذي يُظلّ الغازي ويقيه حر الشمس.
• الذي يعين المجاهد في سبيل الله.
• الذي يُنظر المُعسر أو يضع عنه دينه.
• الذي يقضي الدين عن الغارم وهو المَدين.
• الذين يُعين المُكاتب على إعتاق رقبته، والمُكاتب هو المولى الذي كاتبه مولاه على دفع مبلغ معين في مدة معينة لإعتاقه، فإذا سدد هذا المبلغ المتفق عليه أعتقه، لذلك فمن يعينه على إطلاق رقبته فهو في الظل.
• التاجر الصدوق الذي لا يغش ولا يكذب ولا يضر المسلمين.

شاهد أيضًا: من هو رفيق الرسول في رحلة الهجرة.

هل حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله خاص بالرجال

إنّ الخطاب الشرعي يكون عادة بصيغة المذكّر للجمهور، ولكنّه لا يختصّ بالذكور وحدهم لأنّ الخطاب جاء بصيغة المذكر، ففي الحديث السابق قال العلماء إنّ المرأة والرجل سواء بالخطاب عدا خصلتين: الأولى هي الإمامة إن كان المقصود بها الإمامة العظمى وهي تولى أمور المسلمين وحكمهم، ولكن إن كانت الإمامة في غير ذلك فالمرأة سواء مع الرجل، كأن تكون لها إمامة على أبنائها ونحو ذلك، وأمّا الثانية فهي التعلق بالمساجد؛ إذ صلاة المرأة في البيت خير من صلاتها في المسجد.[13]

يقول الإمام ابن حجر معلّقًا على هذا التساؤل القديم: “ذِكرُ الرجال في هذا الحديث لا مفهوم له، بل يشترك النساء معهم فيما ذكر، إلا إن كان المراد بالإمام العادل الإمامة العظمى، وإلا فيمكن دخول المرأة حيث تكون ذات عيال فتعدل فيهم، وتخرج خصلة ملازمة المسجد؛ لأن صلاة المرأة في بيتها أفضل من المسجد، وما عدا ذلك فالمشاركة حاصلة لهن”، والله أعلم.[13]

شاهد أيضًا: من هو اول من يقرع باب الجنة.

وإلى هنا يكون قد تم مقال من هم السبعة الذين يظلهم الله في ظله وقد تعرفنا فيه على هوية هؤلاء السبعة، وكذلك وقفنا فيه على أصناف أخرى يظلها الله -تعالى- في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ووقفنا فيه على مسائل أخرى تتعلق بالحديث السابق.